الردود على الشبهات

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها
إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

 

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

 

إله العهد القديم، هل هو إله جبار وقاس؟ شبهة والرد عليها

“وأَخَذَ ابْنَا هَارُونَ: نَادَبُ وَأَبِيهُو، كُلٌ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلَا فِيهُمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبَّ نَارًا غَرِيبَةٌ لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدَ الرَّبُّ وَأَكَلَتْهُمَا. فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبَّ. فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: “هذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ قَائِلاً: فِي الْقّرِيبينَ مَنِّي أَتَقَدَسُ. وَأمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أّتَمَجَّدُ”. فَصَمَتَ هَارُونُ” (لا 10: 1-3).

كيف ولماذا أحرق الله ناداب وأبيهو أبني هارون؟

ما هي النار الغريبة؟

هل كانت الجريمة تستحق كل هذا العقاب؟

ألم يكن هذا العقاب قاسيًا جدًا على هارون؟

أولاً: منْ هما ناداب وأبيهو؟

هما أكبر أبناء هارون وأليشابع بنت عميناداب أخت نحشون (خر23:6. عد2:3. 1أخ1:24). وُلدا في أرض مصر. وهناك عاينا أعظم أعمال الله وعجائبه مع شعبه، وقد صعدا هما وهارون أبيهما وسبعين من شيوخ إسرائيل مع موسى إلى جبل سيناء لحضور الإحتفال الذي جري بعد إبرام العهد بين الله وبين بني إسرائيل، وكان هؤلاء ممثلين عن بني إسرائيل، وإقترب موسى وحده إلى الرب، حيث أعطاه لوحي الشريعة، وهناك شاهدوا مجد الرب فوق الجبل (خر24: 1-10). وبعد أن إنتهى موسى من إعداد خيمة الإجتماع وهيأها لخدمات العبادة، إحتفل بتنصيب هارون وأبنائه الأربعة كأول كهنة للرب في إسرائيل، فغسلهم بالماء، ومسحهم بالزيت وألبسهم الملابس الكهنوتية، أقمصة ومناطق وقلانس وسراويل زاهية خاصة بهم (خر28؛ 13:40-16؛ لا8)، وقدَّم عنهم ذبيحة خطية وكبش محرقة وكبش ملء، وأمرهم بملازمة خيمة الإجتماع سبعة أيام (لا8) وفي اليوم الثامن دعا موسى هارون وبنيه الأربعة، فبدأ هارون يمارس عمله الكهنوتي حيث قدَّم ذبائح عن نفسه وعن الشعب، وعندما أظهر الشعب وقادته خضوعهم للوصايا الإلهية “تَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ لِكُلِّ الشَّعْبِ وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبَّ وَأَحْرَقَتْ عَلَى الْمَذْبَحِ المْمُحرَّقَةَ وَالشَّحْمَ. فَرَأى جَمِيعُ الشَّعْبَ وَهَتَفُوا وَسَقَطُوا عَلَى وُجُهِهِم” (لا 23:9 ،24).

ثانيًا: ماهى خطيتهما التي إستحثا عليها كل هذا العقاب؟

  • إستخدما نارًا لم يأمرهما بها الرب:

لقد تقدَّم كل من ناداب وأبيهو أبني هارون من الرب حاملين كلٌ منهما مجمرته، وجعل فيها نارًا، ووضع عليها بخورًا، إلا أنها كانت نارًا غريبة فنقرأ: “وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأمُرْهُمَا بِهَا”. وهي تأتي في الترجمات الأخرى:

(ك ح) “ثُمَّ وَضَعَ نَادَابُ وَأَبيهُو، إبْنَا هارون، فِي مِجْمَرَتَيهِمَا نَارًا غَيْرَ مُقَدَّسَةٍ، وَبَخُورًا عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَهُمَا الرَّبَّ، وَقَرَّبَا أمَامَ الرَّبَّ”.

(ت ع م) “… وجعل فيها ناراً ووضع عليها بخوراً، وقرب أمام الرب نارًا غير مقدسة لم يأمرهما بها”.

(ت ك) “… فجعل فيها ناراً ووضع عليها بخورا، وقربا أمام الرب ناراً غير مقدسة لم يأمرهما بها”.

(ISV) and brought it into the LORD’s presence as unauthorized fire that he had never prescribed for them.

وَقَرَّبَا أَمَامَ الرَّبَّ نَارًا غير مصرَّح بها لم يقرِّها لإطلاقًا لهم

(GNB) But this fire was not holy. Because the LORD had not commanded them to present

ولكن هذه النار كانت غير مقدسة لم يأمرهما بتقديمها

فهي نار غير مقدسة، لم يأمرهما بها الرب، وتوصف بأنها كانت “ناراً غريبة” وذلك لأنها لم تُؤخَذ من النار المتقدة على الدوام على مذبح المحرقة “نَارٌ دَائِمةً تَتَّقِدُ عَلَى الْمّذْبَحِ. لَا تَطْفَأُ” (لا13:6). التي كان يهوه نفسه قد أوقدها وأمر بإستخدامها، وكان الكاهن الذي يُقدِّم البخور مُلزَم أن يأخذ من هذه النار بحسب الأمر الإلهي “وَيَأخُذُ مِلْءَ الْمَجْمَّرةِ جَمْرَ نَارٍ عَنِ الْمّذْبَحِ مِنْ أَمَامِ الرَّبَّ وَمِلْءَ رَآحَتيْهِ بَخُورًا عَطِرًا دَقِيقًا وَيَدْخُلُ بِهِمَا إلَى دَاخِلِ الْحِجَابِ” (لا 12:16).

فالخطية الأساسية هنا ترد في عبارة “لًمْ يَأمُرْهُمَا بِهَا”. لقد فعلا شيئًا لم يأمرهما به الله، بالرغم من معرفتهما بوصاياه وتعليماته، فأبوهما هارون، وعمهما موسى، شاهدا مجد الرب في مصر وكانا مع موسي على الجبل، مما ألقى مسئولية أكبر على عاتقهما، كما أنهما كانا في مركز القيادة، فإن إستهانا بالمقدَّسات ينحرف كل الشعب وراءهما، ثم إن النار المقدسة كانت في متناول يدهما، فأي عذر لهما عندما جلبا نارًا غريبة؟!

لكن يبدو أن ناداب وأبيهو أرادا تغيير الطقسي الموضوع بعمل شئ مخالف، ورفضا الطريقة التي أوصى بها الرب، وقررا أن يتقدما منه بطريقتهما الخاصة، ودائمًا يكون الدافع هو: “لماذا لا أصنع شيئًا خلاف المعتاد؟ لماذا لا أصنع طريقًا آخر؟ لماذا لا أجذب الأنظار؟” ولرغبة الرب في وضع حد سريع لهذا الإنحراف ومقاومة الشر كي لا يؤدي إلى الإنشقاقات، وما أسهل زيغان الإنسان في ذلك العهد، لذا كان الردع سريعًا، وجاءت العقوبة الإلهية فورية، “فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبَّ وَآَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبَّ”. فإلهنا نار آكلة تأكل كل شر وشبه شر.

  • تعديا على رئيس الكهنة:

المفروض أن من يقدم البخور هو الكاهن الذي قدَّم الذبيحة وكان في ذلك الوقت هو هارون وليس أحد أبنائه الذين كانوا يناولونه فقط “ثُمَّ ذَبَحَ الْمُحْرَقَةَ فَنَاوَلَهُ بَنُو هَرُونَ الدَّمَ بِقِطَعِهَا وَالرَّأْسَ فَأَوْقَدَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ” (لا 9: 13،12). وليس هذا فقط بل في وجود رئيس الكهنة ما كان يحق لهما تقديم البخور، لكن للأسف أخذا دور أبيهما، وهو تساهل ولم ينتهرهما، وهنا يقول “أوزوالد ت. ألس” (Oswald T. Allis): “كان تقدمهما على أبيهما في أول مرة يتم فيها هذا العمل الخطير تطفلًا، وعجرفة أيضًا، وكان الهدف تمجيد أنفسهما، بل وحب الظهور القاتل”[1].

  • حولا هيكل الرب إلى حلبة صراع ومنافسة:

يوضح “أوزوالد ت. ألس” (Oswald T. Allis) أن خطية ناداب وأبيهو أنهما فعلاً بمقتضى رأيهما الخاص كليةً وليس بمقتضى أمر الرب أو موسى، فقد أوقدا البخور في غير وقته، لأنه كان من المفروض أن يقترن تقديم البخور بذبيحة الصباح أو ذبيحة المساء (خر30: 8،7). إلى جانب أنهما قدما البخور في وقت واحد، بينما كان من المفروض أن يقدمه واحد فقط، مما يؤكد وجود غيرة مرّة، ومنافسة مريضة بينهما، وكل واحد يصارع ليصبح هو رئيس الكهنة، وبذلك حوَّلا مكان العبادة إلى حلبة مصارعة.

  • كانا في حالة سكر:

جاءَ في التقليد اليهودي أن ناداب وأبيهو قدما ناراً غريبة وهما في حالة سكر، ولم يكونا في وعيهما، مما أفقدهما التمييز بين الخطأ والصواب وبين النجس والطاهر. ولذلك نجد أن الوصية الإلهية لهارون بالتحذير من شرب الخمر جاءت عقب هذه الحادثة مباشرة فنقرأ: “وقال الرَّبِّ لِهَارُونَ: “خَمْرًا وَمُسّكِرًا لَا تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إلَى خَيْمَةِ الإجْتِمَاعِ لِكَى لَا تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتمِّيِيِزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ وَلِتعْلِيمِ بَنِي إِسْرَئِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبَّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى” (لا 10:8-10).

كان يجب أن يُدرِكا أنه ينبغي أن يستعدا بكل حرص وقداسة قبل الدخول إلى المقدس حيث يستعلن حضور الرب، لكن للأسف يبدو أنهما دخلا القدس وهما سكارى، أو ربما سكرا داخل القدس، مما أربك عقلهما وأظلم إدراكهما الأدبي بحيث لم يفطنا إلى الفرق بين ماهو مقدس وماهو دون ذلك، وفقدا القدرة على التمييز بين النار المقدسة التي كان يجب أن تُقدّضم للرب وغيرها، فقدما نارًا غريبة، وتنافسا على تقديم البخور، وتجاوزا حدودهما، وأصبحا غير أهل لوظيفتهما المقدسة، فأحرقتهم نار الرب المنحدرة من السماء.

وبالتأكيد ما كان يمكن لناداب وأبيهو أن يقدما على إرتكاب خطية مميتة مثل هذه لو لم يكونا قد سكرا بتعاطيهما الخمر بلا رادع قبل ذلك مرات عديدة.

فيبدو أنهما لم يتدربا في شبابهما على فضيلة ضبط النفس، ويبدو أن ميل أبيهما إلى السلبية والإستسلام وعدم وقوفه بقوة في وجه الخطأ إنعكس على تربية أبنائه، إذ سمح لهما بإتِّباع ميولهما كما سمح لبني إسرائيل من قبل بعمل العجل الذهبي وعبادته. فلم يستطيعا توقير أقدس وظيفة، ولم يتعلما إحترام سلطة أبيهما، ولم يتحققا من ضرورة الطاعة الكاملة لمطاليب الرب. إن تدليل هارون الخاطئ لإبنيه جعلهما يتعرضان لدينونة الله. وجعلت هارون نفسه يجتاز في أكبر أزمة، إذ يرى إثنين من أولاده يحترقان أمامه، وكان رد فعله عندما قال له موسى: “هَذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبَّ قَائِلًا: فِي القَرِبِينَ مَنِّي أَتَقَدَّسُ وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ”، يقول: “فَصَمَتَ هَارُونُ” لأنه يدرك أنْ عليه جزءًا كبيرًا من المسئولية.

ويعلق القديس جيروم قائلًا: “الخمر تفقد الكاهن إتزانه وتَعقُلَه فلا يعرف أن يميز بين الطاهر والنَجس، ويفقد قدرته على تعليم الشعب الوصايا الإلهية”. ويضيف: “ليحفظ الله عقولهم من غباء السكر، ويمكنهم من فهم ممارسة وآجباتهم في خدمة الله”.

وقال آخر: “يجب على من يقترب من الأقداس أن لا يسكر بالخمر، وأن يكون قادرًا على أن يميز لشعبه بين الصواب والخطأ، والطاهر والنجس، وأن لا يدنو من المنبر وهو غائب العقل، ليس من النبيذ فقط، بل ومن كل شئ يغيِّب العقل، من محبة المال، والغضب، والشهوة، وحب الظهور، ووهم السلطة، والقلق على أمور الدنيا، وما يشبه ذلك”.

ثالثًا: دروس هامة:

  • لا يوجد منْ هو أكبر من أن يُجَرَّب:

عزيزي القارئ: إحترس من عدو الخير فليس له كبير، فها هو هنا يُسقِط إبني هارون الكبيرين اللذين شاهدا مجد الرب على الجبل (خر24 :10،9)، وإختارهما الله لكرامة الكهنوت، وقضوا سبعة أيام في الخيمة! وأسقط موسى، وأسقط داود، وإيليا وبطرس… الخ! وفي بجاحة تقدم إلى الرب يسوع ليجربه وهو يعلم أنه رب المجد كلي القداسة والطهارة، وكانت المعركة شرسة، فاحترس، وكن يقظًا دائمًا سواء كنت قسيسًا أو شيخًا أو شماسًا… الخ لأن إبليس خصمنا كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. لذلك قال المسيح: “إِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ” (مت41:26). وعلمنا أن نصلي: “ولَا تدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةِ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّير” (مت13:6).

  • لا يوجد مكان يحمينا من التجارب:

لقد أسقط عدو الخير ناداب وأبيهو وهما في داخل القدس! ومن قبل ذلك أسقط أبوينا الأولين وهما في الجنة! وجاء المجرِب إلى يسوع وهاجمه وهو على جناح الهيكل، وجرَبه أيضًا وهو في البرية وحده بعيدًا عن صخب الحياة وضوضائها. ونحن كثيرًا ما نظن أن المجتمع والبيئة التي نعيش فيها، والناس والأحداث هي سبب كل الشرور الّتى نحن فيها، وإننا إذا إبتعدنا سوف نحيا في قداسة، وهذا غير صحيح. يعلق الأب مرقس داود قائلًا: “إن الذين يعتزلون قي البرارى والمغاير ظنَّا منهم بأنهم يهربون من أعدائهم الروحيين لا يمكن إلا أن يجدوهم هنالك أيضًا”. فالمشكلة ليست في المجتمع ولا في الناس ولا في الظروف إنها في داخلنا، فمن يريد أن يعيش للمسيح بطهارة ونقاء سيعيش مهما كانت الظروف المحيطة، ويمكن للإنسان أن يكون وحده في غرفة مغلقة ويفكر أنجس وأشر الأفكار. فكما قال أحد الحكماء: “إن موطن الداء في داخلنا لا في أطراف أصابعنا”. لذلك لنصرخ مع داود: “قلْبًا نَقِيًّا اخْلِقّ فِيَّ يَا الله وَروُحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدُ فِي دَاخِلِي” (مز10:51).

  • إحترس من لحظات المجد والنجاح:

لقد أسقط عدو الخير ناداب وأبيهو بعد أن شاهدا مجد الرب على الجبل (خر24: 10،9). وبعد أن إحتفل موسى بتنصيبهما كهنة للرب، وبعد أن قضوا 7 أيام في خيمة الإجتماع ألم يُسقِط نوح بعد حادثة الطوفان، التي رأى فيها سلطان الله على كل الكون، فسكر وتعرى! ألم يُسقِط لوط أيضًا بعد أن خرج بمعجزة من سدوم! ألم يُسقِط داود بعد أن أصبح ملكًا؟ إن عدو الخير لا يتورع عن الهجوم على أقدس الناس في أقدس الأماكن وبعد أمجد اللحظات.

لذلك كن يقظًا عند النجاح والمجد والشهرة، فإن كان هناك العشرات الذين سقطوا بعد الفشل فهناك المئات بل واللوف الذين سقطوا بعد النجاح.

إن إيليا، بعد إنتصار عظيم ومجد غير عادي في مواجهة أخآب وأنبياء البعل، وبعد أن نزلت نار الرب من السماء وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب والمياه التي في القناة. وبعد أن نزل المطر الغزير إستجابة لصلاته (1مل18)، نجده بعد ذلك مباشرة يهرب إلى بئر سبع ويطلب الموت لنفسه بعد تهديدات إيزابل له (1مل19: 4،3).

إحترس عند النجاح، فقد يصيبك النجاح بشئ من الغرور. أو الثقة الزائدة في النفس، أو الإتكال على ما تملك من مال أو جاه أو نفوذ، وقد يجعلك النجاح أكثر إنشغالًا بأعمالك ونجاحك على حساب علاقتك الشخصية بالرب وخدمته فتسقط.

  • أهمية القداسة لخدام الرب:

بعد أن سقط ناداب وأبيهو في الخطية، جاءت العقوبة الإلهية فورية “فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبَّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ الرَّبَّ”. والعجيب هنا هو أن النار قتلتهما لكنها لم تحرقهما، بل بقي جسدهما كاملًا، وحتى قميصيهما لم يحترقا، ليعلم الجميع أن هذه النار تختلف عن أي نار أخرى، وإنها تمثل عقوبة إلهية. [2] فقال موسى لهارون: “هذَا مَا تَكَلَمَ بِهِ الرَّبَّ قائِلًا: فِي القَرِبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أتمجدُ”. فَصَمَتَ هَارُونُ” (لا 10 :3،2).

وهنا يذكِّر موسى هارون أخاه بقول للرب كان قد سمعه من قبل وأخبره به، أو ربما يكون موسى بقوله هذا يشير لقول الرب ” وَلَّتَقَدَّسْ أَيْضَّا الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إلَى الرَّبَّ لِئَلَّا يَبْطِشَ بِهِمِ الرَّبَّ” (خر22:19). والمعنى هنا هو أن الله عيَّن الكهنة ليقدسوه وسط الشعب كوسطاء بينه وبينهم، فعليهم أن يعيشوا حياة مقدسة لائقة بخدام الله لإعلان قداسة الإله الذي يمثلونه. فعندما يعيش الكاهن حياة مقدسة سيظهر الله قداسته فيه، وهذا هو معنى “القَرِبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ”. أما لو أهمل الكهنة في قداستهم، فإنهم سيتعرضوا لتأديبات قاسية وعلانية أكثر من الشعب. فإن كان ينبغي أن كل المؤمنين يطيعوا الله ووصاياه فكم بالأحرى خدامه، وهؤلاء إن لم يطيعوه تكون دينونتهم أعظم. والله يتمجد ويظهر قداسته بعقابهم وأنه رافض للخطية أيًّا كان مصدرها. وهذا معنى “وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أَتَمّجَّدُ”. ولاحظ هنا أن الله إستغنى بهذه الضربة عن نصف عدد الكهنة مرة واحدة بالرغم من أن الكاهنين الإثنين المتبقين لن يكفيا خدمة ملايين الشعب، ولكن هذا ليؤكد مدى إهتمامه بالقداسة، وبأهمية طاعة وصاياه.

  • منَّ يعرف أكثر يُدان أكثر:

لقد كان العقاب رهيبًا، لأن من يعرف أكثر يُدان أكثر. فقد كان مركز ناداب وأبيهو أعلى مركز في إسرائيل بعد موسى وهارون، ولقد أكرمهما الله بنوع خاص، إذ سمح لهما مع الشيوخ السبعين برؤية مجده في الجبل، ولذلك معصيتهما لم يعف عنهما ولا إستخف بها، بل كل هذا زاد من شناعة خطيتهما في نظر الله، إذ كونهما قد حصلا على نور عظيم، وأصبحا مثل رؤساء إسرائيل الذين صعدوا إلى الجبل. وكان لهما إمتياز الشركة مع يهوه والسكنى في نور مجده، لذلك لم يكن لهما عذر أو يخدعا أنفسهما بأنه يمكنهما أن يخطئا ويعفو الرب عنهما، وأنه لكونهما قد حصلا على هذه الكرامة لن يدقق الرب وعهما ويعاقبهما على إثمهما. تلك خدعة قاتلة. إن النور العظيم والإمتيازات العظيمة الممنوحة للإنسان ينبغي أن تُقَابل بتجاوب ومسئولية أكبر من الفضيلة والقداسة يتناسب مع النور المُعطَى له، فالرب لا يقبل شيئًا أقل من هذا. إن البركات أو الإمتيازات العظيمة ينبغي ألا تخدِّر الإنسان ليطمئن ويكون عديم الإحتراس أو الحذر. وينبغي ألا يبيح له ذلك إرتكاب الخطية، أو يظن من ينال البركات أن الرب لن يكون مدققًا معه. إن كل الميزات الممنوحة من الرب هي وسائله وطرقه لإدخال الحماسة في النفس، وبث الحرارة في القلب، والتصميم في الإرادة لتميم إرادته المقدسة.

  • إحترس من السكر بالخمر:

ذكرت سابقًا أن ناداب وأبيهو قدما نارًا غريبة لأنهما كانا في حالة سكر، لذلك لم يكونا في وهيهما، مما أفقدهما التمييز بين الخطأ والصواب وبين النجس والطاهر، وهذا ما تفعله الخمر في مدمنها.

يقول د. أحمد عكاشة عن الخمر: “إنّه يخدّر الجهاز العصبي ويضعف سيطرة الإنسان على الإنفعالات والمهارات الحركية المختلفة. ومع زيادة كميّة الخمر يمتدّ التأثير إلى جزء معيّن من المخّ (المخيخ) فيفقد المتعاطي سيطرته على التوازن والكلام وهكذا يهتزّ إذا مشى” [3].

ويقول د. محمد نجيب عمور: “إنّ تناول الخمر بكميّات كبيرة له تأثير بالغ الضرر على خلايا المخّ وأنسجته، إذ يؤدي إلى ضمور هذه الخلايا وموتها، حيث يفقد الإنسان القدرة على تذكّر الأحداث التي يمر بها، بل ويفقد القدرة على الحكم السليم على الأمور”.

ويضيف قائلًا: “ومعروف علميًا أنّ خلايا المخّ من النوع الذي لا يستطيع الجسم تعويضه. فإذا ماتت خلية فقد قُضي عليها إلى الأبد [4]

وفي هذا الشأن يقول أيضًا د. آدمز (Adams Anthony) أستاذ البصريات بجامعة كاليفورنيا: “إذا نحن حرَّكنا شسئًا أمام أيّ شارب للخمر بسرعة فإنّه يجد صعوبة في متابعته”.

كم يتسبب الإدمان في زيادة حوادث الطرق، وفي جرائم قتل وإغتصاب بشعة، وفشل دراسي، وسرقة. وأمراض جسدية عديدة.

قال توماس إديسون: “إنني أمتنع كليًا عن تناول المشروبات الكحولية، لأن لرأسي وظيفة أخرى أفضل”.

عزيزي أترك معك بعض الآيات للتأمل:

(أم20:23) “لَا تَكٌنْ بَيْن شِرِّيبي الْخَمْرِ بَيْنَ الْمُتلِفِنَ أَجْسَادَهُمْ”

(أم23: 29-30) “لمَن الْوَيْلُ؟ لِمَن الشَّقَاوَةُ؟ لِمَن الْمُخَاصَمَاتُ؟ لِمَن الْكَرْبُ لِمَن الْجُرُوحُ بِلَا سَبَبٍ؟ لِمَن ازمِهْرَارُ العَيْنَيْنِ؟ لِلَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ”.

(1كو10:6) “… وَلَا سَارِقُونَ وَلَا طَمَّاعُونَ وّلَا سِكِّيرُونَ وَلَا شَتَّامُونَ وَلَا خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ”.

(أف18:5) “وَلَا تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلَاعَةُ، بَل إمْتلِئُوا بِالرُّوحِ”.

(6) لنقترب من الله بالطريقة التي أوصى بها وبالكيفية التي عينها:

لقد عاقب الرب ناداب وأبيهو لأنهما “قرَّبَا أضمَامَ الرَّبَّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرّهُمَا بِهَا”. لقد رفضا الطريقة التي أوصى بها الرب، وقررا أن يقتربا منه بطريقتهما الخاصة، ولذلك قصد الرب أن يعلم شعبه وجوب الإقتراب منه بالكيفية التي قد عينها. إنه لا يقبل طاعة ناقصة مبتورة. لقد أعلن إشعياء اللعنة على من يحيدون عن وصايا الرب ولا يُفرقون بين الأشياء المقدسة والأشياء النجسة قائلًا: “وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرَّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًا الْجَاعِلِينَ الظَّلاَامَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلَامًا الْجَاعِلِنَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا. وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ وَالْفُهَمَاءِ عِنْدَ ذَوَاتِهِمْ. وَيْلٌ لِلأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلِذَوِي الْقُدْرةِ عَلَى مَزْجِ الْمُسْكِرِ… لِذَلِكَ كَمَا يَكُلُ لَهِيبُ النَّارِ القَشَّ وَيَهْبِطُ الْحَشِيشُ الْمُلْتَهِبُ يَكُونُ أصْلُهُمْ كَالْعُفُونَةِ وَيَصْعَدُ زَهْرُهُمْ كَالْغُبَارِ لَأنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ الْجُنُودِ وَإسْتَهَانُوا بِكَلَامِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ” (إش5: 20-24). فلا يخدع أحد نفسه بكونه يظن أن بعضًا من وصايا الرب غير جوهرية، أو أنه يقب بديلًا عما قد أمر به. يقول إرميا: “مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟” (مرا37:3). والرب لم يقدم في كلامه أمرًا يمكن أن يعصاه الناس أو يطيعوه حسب مشيئيتهم، دون أن يتحملوا العواقب. فإذا اختار الناس طريقًا آحر غير الطاعة الكاملة فسيجدون أن “عَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَمْتِ” (أم12:14).

وللأسف إلى اليوم كثير من الناس يريدون أن يقتربوا من الرب ولكن بطرقهم هم وليس من خلال الطريق الذي رسمه الرب! هناك من يقول لماذا لا أتقدم إلى الله بأعمالي؟ ولماذا لا أستطيع أن أتقدم إلى الله بأعمالي؟ ولماذا لا أستطيع أن أتقدم إلى الله بصدقاتي؟ أو بمجهودي وإنتاجي الشخصي وأفكاري وطرقي، أقول إن هذه كلها مجرد “نَار غَرِيبَة” لم يأمر بها الرب.

صديقي: إذا أردت أن تعرف الطريق الصحيح إلى الله فكر في هذه الكلمات:

“أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى” (يو9:10).

“أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأتِي إِلَى الآبِ إِلَّأ بِي” (يو6:14).

المراجع

[1] Oswald T. Allis. The Old Testament: Its Claims and Its Critics. P. 259.

[2] تاريخ الشرق الأدنى القديم، تاريخ اليهود ص 237.

[3] د. أحمد عكاشة. الإدمان خطر. ص 77.

[4] د. محمد نجيب عمور. ما لا تعرفه عن الخمر. ص 17.