أبحاث

الخلاف بين بولس الرسول وبطرس ويعقوب الرسولان

الخلاف بين بولس الرسول وبطرس ويعقوب الرسولان

الخلاف بين بولس الرسول وبطرس ويعقوب الرسولان
الخلاف بين بولس الرسول وبطرس ويعقوب الرسولان

هل توجد أدلة تاريخية على وجود خلافات مهمّة بين بولس الرسول من جهة وبين بطرس ويعقوب من جهة أخرى؟  وهل توجد أدلة تُظهر أن يعقوب الرسول أو بطرس الرسول قد خانا إنجيل المسيح أو حرفّاه بصورة دفعت الكنيسة المسيحية لاتخاذ موقفٍ منها؟

قبل الإجابة على هذا السؤال لابدّ من الإشارة إلى الخلاف الذي يمكن أن يخطر بالبال بين القدّيس الرسول بولس من جهة، والقدّيسين بطرس ويعقوب الرسولين من جهة ثانية. ففي رسالة غلاطية، الإصحاح الثاني، حديث عن موجهة حصلت بين الرسول بولس والرسول بطرس في شأن مؤاكلة الأمم (غلا 2: 12). فإنّ بطرس، وفق كلام بولس، وهو في أنطاكية، قبلما حضر قوم من عند يعقوب، كان يأكل مع الأمم، فلما أتوا أخذ يؤخِّر ويُفرز نفسه خائفاً من الذين هم من الختان.

الكلام هو على المسيحيّين الذين كانوا من اليهود وتمسّكوا بالختان وشريعة موسى وقالوا عن الأمم المقبلين إلى المسيح أنّه يجب أن يخضعوا للختان والشريعة معاً. هؤلاء كانوا، في ذلك الوقت، يرفضون الخلطة بالأمم أو مؤاكلتهم، على غرار اليهود عامة، قبل أن يختتنوا ويقبلوا شريعة موسى. وقد اعتبر بولس عمل بطرش ضرباً من الرياء (غلا 2: 13) وقاومه مواجهة (غلا 2: 11)، كما اعتبره إلزاماً للأمم بأن يتهودوا (غلا 2: 14) رغم أنّ بطرس كان، وهو اليهودي، يعيش أممياً.

ظروف هذه الحادثة ودواعيها غير واضحة. والظنّ أنّ بطرس ويعقوب كانا من المتهوّدين المتمسّكين بالختان في غير محلّه، فإنّ بطرس، بناء لرؤيا (أع 10) دخل إلى بيت كرنيليوس، قائد المئة، الأممي، وصرّح لدى مَن كانوا في البيت: “أنتم تعلمون كيف هو محرّم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه. وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما إنّه دنس أو نجس. فلذلك جئت من دون مناقضة إذ استدعيتموني” (أع 10: 28-29).

فلما صعد بطرس إلى أورشليم خاصمه الذين من أهل الختان (أع 11: 2) “قائلين إنّك دخلت إلى رجال ذوي غلفة وأكلت معهم” (أع 11: 3). إذ ذاك أطلعهم بطرس أنّ الربّ الإله قَبل الأمم ونزل عليهم الروح (أع 11: 15). ثمّ أردف: “أن كان الله قد أعطاهم الموهبة كما لنا أيضاً بالسويّة مؤمنين بالربّ يسوع المسيح فمّن أنا. أقادر أن أمنع الله (أع 11: 17). فلما سمع الذين من أهل الختان ذلك سكتوا ومجّدوا الله (أع 11: 18).

إلى ذلك موقف بطرس ويعقوب في اجتماع الرسل والمشايخ في سفر أعمال الرسل، الأصحاح 15، واضح صريح مميَّز عن موقف المتهوّدين القائلين بأن على الذين من الأمم أن يختتنوا ويحفظوا الناموس (أع 15: 24).

كتابياً، إذاً لا دليل على أنّه كان في المبدأ أي خلاف في النظرة إلى الذين من الأمم بين بولس الرسول من جهة وبطرس ويعقوب من جهة أخرى.

ثمّ إنّه بحثنا عن أدلّة تاريخية تدعم القول بأنّه كان هناك خلاف في هذا الشأن لما وجدنا. فإنّ موقف الآباء القدّيسين والمعلّمين الأوائل من الرسل الثلاثة لم تعتروها شائبة. القدّيس أغناطيوس الأنطاكي (+ 105 م) يتحدث عن بطرس وبولس بإكبار كرسولَين (ANF. 1. P 75). والقدّيس إيريناوس الليّوني (+ 180 م) يتكلّم على كنيسة رومية بأنّ مَن أسّسها ونظّمها كان الرسولان المجيدان بطرس وبولس (ANF. 1. P. 415).

والمعلم ترتوليانوس (+197 م) يشير إلى أنّ بطرس الرسول لما أفرز نفسه عن الأمم في أنطاكية، في الحادثة التي ذكرها بولس الرسول، كان ذلك خطأ في أسلوب العيش ولم يكن خطأ في التعليم والكرازة (ANF. 3. P. 254). ويؤكد ترتوليانوس أنّ بطرس وبولس متساويان من جهة مجد الشهادة (ANF. 3. P. 254) أما يعقوب فتقول فيه القوانين الرسولية (390 م) بأنّه بورك من الله وأكرمه القدّيسون، وقد كان نقياً (ANF. 7. P. 442). (الأب توما بيطار)

” يجب حقاً أن أبدأ ببداية أعمال الرسل. لكن القديس بولس يعيقني، ويقيّد الترتيبّ الصحيح. إنه يجتذبني إلى نفسه وإلى أعماله الرائعة. حقاً، أودُّ رؤيته، عندما كان مُساقاً إلى دمشق، مقيَّداً، لا بقيود حديدية، بل بكلمة الله.

إذ مثل الصيادين على الجرف العالي، أنزل الله صنارته الروحية، وأمسك بهذه السمكة العظيمة بكلمات: شاول، شاول لماذا تضطهدني؟ وكما تُصاب السمكة بالعمى حالما تُؤخذ خارج البحر، هكذا أيضاً كان بولس معمياً، حالما أُخذ بالصنارة وسُحب خارجاً. لكن عماه أدّى به إلى هذه النتيجة: أن كل العالم سيرى” (القديس يوحنا الذهبي الفم)

“أي سجنٍ لم يحتوِ عليك مكبّلاً، أو أية كنيسة لم تكن لها يا بولس خطيباً؟ فدمشق تفتخر بك افتخاراً عظيماً، لأنها عاينتكَ مجذوباً بالنور، ورومية تتفاخر بك أيضاً، إذ تقبَّلت دمك، ولكن طرسوس تُسرُّ بالأكثر مكرَّمة أقمطتك بشوق، فيا بولس الرسول، يا فخر المسكونة، تداركنا ووطّدنا” (عيد القديسين المجيدين بطرس وبولس هامَتي الرسل الكلي مديحهما).

الخلاف بين بولس الرسول وبطرس ويعقوب الرسولان