آبائيات

الروح والحرف 11 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 11 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 11 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 11 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية
الروح والحرف 11 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية 11

الفصل (59) الرحمة والعطف في حكم الله

          هذا هو الأمر الذي رأيناه في المزمور، حيث قيل: “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك (مز2:103-5) ولئلا بأي فرصة تضيع هذه البركات العظيمة لعيب إنساننا العتيق وهذا يكون حالة مميتة ويقول المرتل في الحال: “يتجدد مثل النسر شبابك” (مز5:103) وكأنه يقول أن كل ما سمعته يخص الإنسان الجديد والعهد الجديد.

          والآن لنتأمل معا باختصار هذه الأشياء وبتأمل مفرح  مدح الرحمة التي هي لنعمة الله. فهو يقول: “باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته” لاحظ إنه لم يقل بركاته (Non tributiones sed retributions) لأن الله يجازي عن الشر بالخير.

          “الذي يغفر جميع الذنوب” وقد تم هذا في سر العماد. “الذي يشفي جميع أمراضك” وهذا يتأثر به المؤمن في الحياة الحاضرة بينما الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد حتى لا نفعل الأشياء التي نريدها وبينما أيضا ناموسا آخر في أعضاءنا يحارب ناموس ذهننا. (رو23:7) بينما في الحقيقة الإرادة حاضرة عندنا ولكن ليست لعمل ما هو صالح (رو18:7) هذه هي أمراض الإنسان ذو الطبيعة القديمة الذي مع ذلك لو تقدمنا بفرض مثابر سنشفى بنمو الطبيعة الجديدة يوما فيوما بالإيمان العامل بالمحبة (غلا6:5).

“الذي يفدي من الحفرة حياتك” وسيكون هذا عند قيامة الأموات في اليوم الأخير “الذي يكللك بالرحمة والرأفة” وسيتم ذلك في يوم الدينونة إذ عندما يجلس ملك المجد على عرشه ليجازي كل واحد حسب أعماله, حينئذ من سيفتخر بأن له قلبا نقيا. أو من سيفتخر بأنه نظيفا من الخطية؟

بناءاً على ذلك فإنه من الضروري أن نذكر رحمة الله ورأفته هناك حيث يتوقع الإنسان مطالبة ديونه ومكافأة ثوابه بطريقة دقيقة جداً كأنه لا يكون موضع للرحمة.

لذلك فهو يكلل بالرحمة والرأفة ولكن أيضا حسب الأعمال لأنه سيقف على اليمين الذين قيل لهم: جئت فأطعمتموني”   (مت 35:25) ومع ذلك فسيكون أيضا: “الحكم بدون رحمة” ولكن لأجله “الذي لم يعمل الرحمة” (يع13:2) ولكن “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” من الله (مت7:5) حينئذ بينما يذهب من هم على اليسار إلى النار الأبدية سيذهب الأبرار أيضا إلى الحياة الأبدية (مت46:25) لأن الله يقول: “هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو3:17)

وبهذه المعرفة وبهذه النظرة وبهذا التأمل ستشبع رغبة نفوسهم لأنها لا ترغب في شيء غير ذلك فلا يكون لها هناك شيئا أكثر من ذلك لترغبه, تشتاق إليه أو تطلبه. لقد كان اشتياقا بعد هذا السرور الكامل حتى أن قلبه اشتعل الذي قال للرب يسوع: “أرنا الآب وكفانا” وكان رده عليه: “الذي رآني فقد رأى الأب” لأنه الله نفسه هو الحياة الأبدية لكي يعرف الناس الإله الحقيقي وحده ويسوع المسيح الذي أرسله.

ومع ذلك لو أن الذي رأى الابن فقد رأى الآب أيضا إذاً بكل تأكيد أن الذي يرى الآب والابن يرى أيضا الروح القدس للأب والابن. لذلك لا نبطل الإرادة الحرة مادامت نفوسنا تبارك الرب ولا ننسى كل حسناته (مز2:103) ولا يجهلها ببر الله تريد إثبات برها الخاص (رو3:10)

ولكنها تؤمن بالله الذي يبرر الفاجر (رو5:4) وعندما تصل إلى الاضطلاع تحيا بالإيمان بل الإيمان العامل بالمحبة (غلا6:5)

وهذه المحبة تنسكب في قلوبنا لا بمقدرة إرادتنا ولا بحرف الناموس ولكن بالروح القدس المعطي لنا (رو5:5)

الفصل (60) الإرادة التي تجعلنا نؤمن هي من الله

          ليت هذه المناقشة تكفي لو قابلت المشكلة التي يجب علينا حلها طبق المرام. مع ذلك قد يكون هناك معارضة في الإجابة حتى أنه يجب أن نتخذ حذرنا لئلا يفترض البعض أن الخطية التي ترتكب بإرادة مطلقة ننسب إلى الله لو في العبارة التي فيها يكون السؤال:

“لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ”؟ (1كو7:4) نفس الإرادة التي بها نؤمن تحسب كعطية من الله لأنها تقوم من الإرادة المطلقة التي أخذناها عن خلقتنا ومع ذلك ليت الذي يعارض يدرك جيداً أن هذه الإرادة تنسب إلى العطية الإلهية ليس فقط لأنها تنشأ من إرادتنا المطلقة التي خلقت معنا طبيعيا..

ولكن أيضا لأن الله يؤثر فينا بدوافع شعورنا أن نريد وأن نؤمن إما خارجيا بواسطة نصائح إنجيله حيث تفعل أوامر الناموس شيئا لو أنها للآن تنذر الإنسان بضعفه حتى أنه يسلم نفسه للنعمة التي تبرر بالإيمان. أو من داخلنا حيث لا يكون لأحد حكما على ما يدخل من أفكاره بالرغم من كونها تقبل أو ترفض بإرادته الخاصة.

          لأن الله لذلك في مثل هذه الطرق يؤثر في الفعل السديد لكي يؤمن به ( بالتأكيد ليس هناك مقدرة للإيمان مهما تكن في الإرادة المطلقة إذا لم يكن هناك إقناع أو أوامر تجاه من نؤمن به) وبالتأكيد فإن الله هو الذي يحرك في الإنسان الرغبة للإيمان ويمنعنا برحمته من كل الأشياء. وفي الحقيقة إن تسليمنا لأوامر الله أو مخالفتنا لها هو (كما قلت) من عمل إرادتنا وهذا لا يبطل فقط ما قيل‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! “لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ ” (1كو7:4 ) ولكنه في الحقيقة يؤكدها ويثبتها.

لأن العقل لا يقدر أن يأخذ ويملك هذه العطايا التي أشير إليها هنا إلا بتسليمه رضاه وهكذا كل شيء يملكه وكل شيء يأخذه يكون من الله وأيضا بالطبيعة عمل الأخذ والملكية يرجع لمن يأخذ ولمن يملك.

          والآن لعل أي إنسان يمنعنا من دراسة هذا السر العميق لماذا هذا الشخص اقنع حتى الاستسلام وشخص آخر لم يقتنع, يوجد شيئان يخطران لي وهما ما أحب تقديمهما كإجابة: “يا لعمق غنى الله” (رو33:11).

          “وألعل” عند الله ظلما؟” (رو14:9).

          إذا لم يرض أي إنسان بمثل هذه الإجابة فيجب عليه أن يطلب مناظرات أكثر علما ولكن ليته يحذر لئلا يكون مناظرات جسوره.

الفصل (61)   خاتمة العمل

          وأخيرا دعنا نضع نهاية لكتابنا – اعتقد أننا أكملنا غرضنا كله بإسهابنا الكثير – ليس هذا الشك من جهتك يا “مرسيلينوس” إذ إنني أعرف إيمانك ولكن من جهة عقول أولئك الذين لأجلهم طلبت مني أن اكتب الذين يعارضون دائما فكرتي ولكن (أن أتكلم دون  ذكر الله الذي يتحدث عن رسله) وخصوصا ضد ليس فقط أن الرسول العظيم بولس.

ولكن أيضا ضد غيرته القوية وجداله العنيف مفضلين التمسك بإصرار على وجهة نظرهم دون الاستماع لله عندما “يطلب منهم برأفة الله” ويخبرهم قائلا: “بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان” (رو3,1:12).

الفصل (62)   عودته إلى السؤال الذي وجهه إليه مارسيلينوس

          لكني أرجوك أن تلتفت إلى السؤال الذي وجهته لي وأيضا إلى ما استخدمناه من الأساليب المطولة لهذه المناقشة إنك كنت مرتبكا لما قلته بأنه كان من الممكن للإنسان أن يكون بدون خطية بمساعدة الله إذا أراد – بالرغم من أن لا أحد في الحياة الحاضرة يمكنه أن يحيا, كان حيا أو سيحيا بمثل هذا وقد قلت: “لو سئلت هل من الممكن لإنسان أن يكون بدون خطية في هذه الحياة.

فإنني سأسمح بالإمكانية بنعمة الله وبإرادة الإنسان المطلقة وبدون شك فإن الإرادة المطلقة هي في حد ذاتها من نعمة الله التي هي ضمن عطايا الله ليس فقط بالنسبة لوجودها بل أيضا من جهة صلاحها. التي هي تلتمس بنفسها تنفيذ وصايا الله ولذلك فإن نعمة الله لا تبين فقط ما يجب أن يفعل بل أيضا تساعد على إمكانية فعل ما تبينه”.

          (see his work preceding this, De peccat Meritis 11.7.)

          يبدو أنك تظن أنه غير معقول أن شيئا كان ممكنا لا يكون له مثالا من هنا نشأ الموضوع الذي نعالجه في هذا الكتاب.

          وهكذا قد دار في نفسي أن أظهر شيئا كان ممكنا بالرغم من عدم وجود أي مثال له. ولذلك فقد اقتبسنا بعض حالات من الإنجيل ومن الناموس في بداءة هذا العمل. مثل مرور جمل من ثقب أبره (مت24:19).    

والاثنى عشر جيشا من الملائكة الذين يقدرون الدفاع عن المسيح. إذا أراد (مت53:26) وأيضا تلك الأمم الذين قال عنهم الله أنه يقدر أن يبيدهم في الحال من وجه شعبه – لم  تتحول أبدا إحدى هذه الاحتمالات إلى حقيقة ويمكن أن يضاف إلى هذه الحالات تلك التي أشير إليها في كتاب الحكمة (حكمة16) مفترضا كثرة الآلام والعذابات التي كان الله قادرا أن يستعملها ضد الفجار باستخدام المخلوق الذي كان طوع إشارة الله. ومع ذلك لم يستعملها.

وأيضا يستطيع إنسان أن يشير إلى ذلك الجبل الذي بالإيمان يطرحه في البحر. بالرغم من أنه لم يتم أبدا لغاية ما قرأنا وسمعنا.

وقد رأيت كيف أنه يكون الإنسان غافلا وجاهلا إذا قال أن إحدى هذه الأشياء غير مستطاعة عند الله. وكيف تكون معارضته لمعنى الكتاب المقدس هي تأكيده – وحالات أخرى كثيرة من هذا النوع يمكن أن تخطر لأي إنسان يقرأ أو يفكر في مقدرة الله التي لا يمكننا إنكارها بالرغم من عدم وجود أي مثال لها.

الفصل (63)   معارضة

          ولكن نظرا لأنه قد يقال أن تلك الحالات التي ذكرتها الآن هي أعمال إلهية بينما رغبتنا في الحياة الباره هي عمل من اختصاصنا. وقد تعهدت بأن أظهر أن حتى هذا أيضا هو عمل إلهي. وقد فعلت هذا في الكتاب ربما بتقرير قصار عن أن يكون ضروريا. بالرغم من أنه يبدو لي إنني تحدثت قليلا جدا ضد معارضي نعمة الله.

وأنني لم أسر أبدا في معالجتي لموضوع مثل هذا عندما جاء الكتاب المقدس بغزارته لمساعدتي وعندما يطلب السؤال المطروح للمناقشة أن “من يفتخر فليفتخر بالرب” (2كو17:10) وأننا يجب أن نترك قلوبنا ونعطي الشكر للرب إلهنا الذي منه “كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار” (يع17:1).

والآن إذا كانت عطية ليست عطية الله لأننا نصنعها بأنفسنا أو لأننا نعمل بعطية الله ثم لا يكون عملا من الله أن “جبلا يطرح في البحر” نظرا لأن, بناءاً على تقرير الرب أنه بإيمان الناس يكون هذا ممكنا.

          وعلامة على ذلك فإن الله ينسب الفعل إلى عملهم الحالي: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم [قارن (مت20:17), (مر23:11), (لو6:17)] لاحظ كيف أن الله قال: “لديكم” وليس “لدى الله” أو “لدى الآب” ومع ذلك فإنه من المؤكد أنه لا أحد يستطيع أن يفعل مثل هذا لاشيء بدون عطية وعمل الله.

انظر أن حالة البر الكامل ليس لها مثال بين الناس وأيضا هي ليست مستحيلة لأنها ممكن أن تتم إذا طلبت كثيرا كما يتطلب مثل هذا الشيء العظيم ومع ذلك يمكن أن يكون حسنا جدا لو خفي عنا إحدى تلك الظروف التي تخفي البر, وفي نفس الوقت أن هذا يبهج عقلنا حتى أنه مهما كان عائق السرور أو الألم قد يحدث هذه البهجة في القداسة سيشمل كل محبة منافسة

          وإن هذا لا يتحقق ولا ينشأ من أي استحالة ذاتية ولكن ينشأ من عمل الله القضائي لأن من يقدر أن يكون جاهلا حتى أن ما يجب أن يعرفه ليس هو في مقدرة الإنسان, ولا يتبع ما قد اكتشف أن يكون موضوعا مرغوبا فيه هو الآن مطلوبا إذا لم يشعر هو أيضا بالبهجة في هذا الموضوع مطابقا بحقوقه على محبته؟. إذ أن هذا يخص حالة النفس.

 

الروح والحرف 11 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية