آبائياتأبحاث

الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد (120 – 150م)

الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد (120 – 150م)

الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد (120 – 150م)
الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد (120 – 150م)

الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد (120 – 150م)

هذه الرسالة هى دفاع عن المسيحية, فى صورة خطاب موجه الى شخصية وثنية ذات مركز اجتماعى رفيع هو ” ديوجنيتوس “. والمرسلة من أحد آباء الكنيسة إلى أحد الوثنيين، والتي تقول: ” انه ليس اكتشافاً أرضياً ذاك الذي استؤمن عليه المسيحيون. إنه ليس فكراً ميتاً حتى يظن المسيحيون انه جدير بكل هذه العناية والحفظ، انه ليس مجرد أسرار بشرية استؤمنوا عليها.

بل على العكس، أنه المقياس للكل “. ولكن ليست لدينا أية معلومات عن المُرسِل أو من هو المُرسل أليه. وقد تعددت الاراء من جهة شخصية مؤلف الدفاع فالبعض نسبوا هذا الدفاع الى ارستيدس والبعض إلى يوستينوس الشهيد في منتصف القرن الثاني والعلامة هيبوليتوس الرومانى فى بداية القرن الثالث.

وهناك رأى آخر يرى أن الذى كتبه هو القديس كوادراتوس [1](Quadratous) تلميذ الرسل الذى ذكره كل من يوسابيوس وجيروم وفوتيوس, والذى كتب دفاعا عن المسيحية ولكنه فُقد.

ويتفق هذا الدفاع مع ما تحتويه الرسالة إلى ديوجنيتوس من انتقاد للوثنية واليهودية مع ما هو معروف فى التقليد عن كوادراتوس تلميذ الرسل الذي هاجم الوثنية واليهودية معاً. وفى هذه الحالة يكون وقت كتابة هذه الرسالة هو نهاية القرن الاول.

ويؤكد ويستكوت على أن لغتها تدل على لغة فيلسوف يوناني قديم، وكانت الكنيسة كما وصفها في مرحلتها الأولى، وكانت حالة الحديث الشخصي مع الكلمة (logos) عميقة وحديثة[2]. بل ويعتقد اندرسن (P. Andriessen) أن كاتب الرسالة هو كوادراتوس (Quadratus) وأنها دفاع مفقود له، وعلى الرغم من أن العبارة التي اقتطفها المؤرخ يوسابيوس القيصرى من دفاع كوادراتوس المفقود ليست موجودة في الرسالة إلى ديوجنيتوس[3]، إلا أن هناك فراغاً بين السطور 6، 7 من الفصل السابع من الرسالة ويمكن أن تكون هذه العبارة من الدفاع مناسبة جدًا فيها.

فالمعلومات التي وردت إلينا عن كوادراتوس من تاريخ يوسابيوس المؤرخ الكنسى ومن القديس جيروم وفوتيوس جاءت كلها تتفق مع الرسالة إلى ديوجنيتس[4].

ويتكلم الكاتب عن نفسه كتلميذ للرسل ومعلم للأمم: ” أنا لا أتكلم عن أمور غريبة عنى, ولا اهدف لأى شيء يتعارض مع التفكير السليم. بل كتلميذ للرسل أصير معلماً للوثنيين, أنا أنقل الأشياء التى استلمتها لكى أوصلها للتلاميذ الجديرين بالحق.

لأن من يتعلم تعليماً صحيحاً ويُولد من الكلمة المُحب, فأنه لن يسعى أن يفحص بتدقيق فى الأمور التى أظهرها الكلمة لتلاميذه بوضوح … فالرب يحفظ الإيمان بغير انكسار, كما إن الحدود التى وضعها الآباء الأولون لا يتجاوزها أحد. وعندئذ فان مخافة الناموس يُرنم بها, ونعمة الانبياء تُعرف, و إيمان الانجيل يتأسس, وتقليد الرسل يُحفظ, ونعمة الكنيسة ترتفع “[5].

ويرجع المخطوط اليونانى الذى يحوي هذه الرسالة إلى القرن الثالث عشر, وكان محفوظا فى مكتبة ستراسبورج, ويضع هذا المخطوط الرسالة ضمن كتابات القديس يوستينوس الشهيد.

ولكن للأسف فأن هذا المخطوط احترق فى سنة 1870م أثناء الحرب الفرنسية – الروسية. وتعتمد كل المطبوعات التى نُشرت للرسالة على هذه المخطوطة فى نسبتها الى يوستينوس, وفى هذه الحالة يرجع تاريخ كتابتها الى حوالى منتصف القرن الثانى.

وكما هو واضح من مقدمة الرسالة نفسها (ف 1) فإن الدافع لكتابتها هو أن ديوجنيتوس طلب الى صديقه المسيحى المجهول الاسم أن يزوده بمعلومات وافية عن ديانته المسيحية, فأرسل اليه هذه الرسالة بناءً على طلبه: ” إنى أرى يا ديوجنيتوس أنك تبذل جهدا عظيما لاستقصاء أخبار دين المسيحيين وأنك تستخبر عنهم بدقة وعناية.

من هو الإله الذي يتكلمون عنه؟ وما هو نوع العبادة التى تجعلهم يحتقرون المادة ويهزءون بالموت ولا يعترفون بآلهة اليونانيين ولا يمارسون خرافات اليهود؟ وما سر المحبة المتبادلة بينهم؟ ولماذا انتشر هذا الدم الجديد أو الروح فى العالم اليوم لا قبل ذلك؟ “.

وفي هذه الرسالة يمزج الكاتب بين تعليم القديس يوحنا والقديس بولس، فحب الله هو حب المسيحية. وإلى جانب الإنجيل للقديس يوحنا يستشهد الكاتب في الرسالة أو يلمح ويتأثر بلغة القديس بولس في الرسائل التالية؛ إلى رومية وكورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وتيموثاوس الأولى وتيطس، وكذلك الرسالة الأولى لبطرس وسفر أعمال الرسل.

وعلى سبيل المثال؛ يقول في الفصل الثامن: ” وأيضاً الله لم يره احد قط ولا عرفه, بل هو الذى أعلن ذاته. لقد أظهر ذاته بالإيمان للذين اُعطى لهم فقط. الله هو رب كل الاشياء وصانعها, وهو الذى وضعها فى أماكنها المختلفة. وهو الذي أظهر ذاته ليس كمجرد صديق للبشرية فقط بل أظهر ذاته مشتركاً فى معاناتهم. الله كان دائماً محباً و يبقى محباً. ويبقى كذلك على الدوام, وهو خال من أي ميل للانتقام.

هو إله حقيقي, وهو الوحيد الصالح. وله اتحاد عظيم يفوق الإدراك مع أبنه وحده. وكما حفظ سر حكمته مكتوماً لدرجة أنه يبدو وكأنه يهملنا, وكأنه لا يعتنى بنا. ولكن بعد ذلك كشف عن الأشياء المُعدة لنا منذ البداية عن طريق أبنه الحبيب. فقد أنعم علينا بكل البركات مرة واحدة, ولذلك يجب علينا نحن أيضاً أن نشاركه فى العطاء ونكون جادين فى خدمته. مَن منا كان يتوقع هذه الأشياء؟ هو الذى كان يهتم بكل هذه الامور فى عقله , ومن خلال أبنه على اساس العلاقة الازلية بينهما “.

ويقول في الفصل التاسع: ” ولكن حينما وصل شرنا الى اقصاه وأصبح واضحاً أننا مستحقون للعقاب والموت, وحينما جاء الوقت المعين من الله لإظهار قوته وصلاحه فأن حب الله الفائق جعله لا ينظر الينا بكراهية, ولا أن يطردنا بعيداً, كما أنه لم يذكر شرنا ويقيمه ضدنا, بل أظهر طول أناة عظيماً جداً واحتملنا حتى أنه حمل نفسه ثقل خطايانا إذ بذل أبنه الوحيد كفدية لأجلنا, القدوس من أجل العُصاة, والذى بلا لوم من أجل الاشرار, والبار من أجل الاّثمة, وغير الفاسد من أجل الفاسدين, وغير المائت من أجل المائتين, فأى شيء آخر كان يمكن أن يستر خطايانا سوى بره؟ بأي شخص آخر كان يمكن تبريرنا نحن الأشرار وعديمى التقوى إلا ببذل ابن الله الوحيد؟ ما أجمل هذه المبادلة! ما هذا الفعل الذى يفوق الفحص, يا للبركات التى تفوق التوقعات! إن شر الكثيرين يوضع على بار واحد, وبر واحد يبرر عُصاة كثيرين! “.

ويقول في الفصل العاشر: ” ومن أجل الانسان أرسل ابنه الوحيد, وأعطاه وعد ملكوت السماوات التى سوف يعطيها للذين أحبوه. وعندما تدرك هذه المعرفة فأنك سوف تشعر بسعادة عظيمة جداً, وتمتلئ بفرح فائق, وهكذا فأنك ستحب من أحبك اولاً. وإذا احببته فانك سوف تقتدى بصلاحه “.

وهكذا يمتزج فكر الكاتب بمحتوى وجوهر العهد الجديد في رسالته، فيقدم لنا المسيحية بفكر فلسفي راقي في رسالته.

[1] Westcott, PP. 86-87.

[2] Ibid.

[3] يقول يوسابيوس: ” وهو نفسه (كوادراتوس) يبين التاريخ المتقدم الذي عاش فيه، وذلك في الكلمات التالية: على أن أعمال مخلصنا كانت ماثلة على الدوام أمامنا، لأنها كانت يقينية. فأولئك الذين شفوا والذين أقيموا من الأموات لم يروا فقط وقت أن شفوا وأقيموا بل كانوا حاضرين دواماً. وليس فقط لما كان المخلص على الأرض بل أيضاًَ بعد موته، لأنهم ظلوا أحياء مدة طويلة، حتى أن بعضهم كان حياً حتى يومنا هذا “. يوسابيوس ك 4 ف3 :2.

[4] Johannes Quasten, Patrology, vol. I, p. 248 – 9.

[5] الرسالة إلى ديوجنيتوس ف 11.

الرسالة إلى ديوجنيتوس وقانونية العهد الجديد (120 – 150م)