أبحاث

برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 2 – لي ستروبل

برهان الكيمياء الحيوية - تعقيد الآلات الجزيئية 2 - لي ستروبل

برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 2 – لي ستروبل

برهان الكيمياء الحيوية - تعقيد الآلات الجزيئية 2 - لي ستروبل
برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 2 – لي ستروبل

برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 2 – لي ستروبل

الجزء الأول: برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 1 – لي ستروبل

الأهداب المدهشة والمتحركة

خرجت مصيدة الفئران بسلامة. لكن بالطبع، كان المقصود بها أن تكون مجرد توضيح لمساعدة الناس على فهم أنظمة متعذر اختزالها معقد للخلايا. وقررت أن أواصل حديثي بسؤال عن بعض الأمثلة المحددة عن الآلات الجزيئية لكي أرى ما إذا كانت قد تطورت بالعملية التطورية التدريجية التي تصورها داروين. وعندما سألت بيه لكي يعطيني مثالاً لمدى التعقيد الذي يصعب اختزاله قدم لي بسرعة مثل الأهداب.

وقال: “الأهداب هي شعيرات شبيهة بالسوط على سطح الخلايا. وإذا كانت الخلية ثابتة وساكنة تتحرك الأهداب على سطح الخلية. فمثلاً – قال هذا وهو يشير إلى منطقة الزور في رقبتي – لديك اهداب تغطي جهازك التنفسي. وكل خلية بها حوالي مائتي هدب، وهي تتحرك في وقت واحد نحو الزور للقيام بعملية الطرد خارج الجسم الحي. وبهذه الطريقة يتخلص جسمك من الجزيئات الصغيرة الغريبة التي تستنشق عرضياً”.

“ولكن لهذه الأهداب وظيفة أخرى: إذا كانت الخلية متحركة فيكن للأهداب أن تحولها إلى سائل. وخلايا السائل المنوي هي مثل لذلك، فهي تندفع للأمام بسبب الحركة الشديدة لهذه الأهداب”.

وعلقت على هذا قائلاً: “يبدو أن هذا أمر بسيط للغاية”.

“وهذا ما اعتقده العلماء عندما فحصوا هذه الأهداب تحت الميكروسكوب الضوئي. لقد كانت تبدو كالشعيرات الصغيرة. ولكن الآن بعد أن أصبح لدينا مجهز اليكتروني، اكتشفنا أن هذه الاهداب هي آلات جزيئية معقدة للغاية. فكر في هذا الأمر: معظم الشعيرات لا تتحرك للأمام والخلف. وما الذي يمكّن الخلية من أن تفعل هذا؟ واتضح أن الهدب مكون من حوالي مائتي جزء من البروتين”.

قلت له: “وكيف يعمل؟”

ابتسم وقال: “هناك تسعة أزواج من الأنابيب الصغيرة للغاية وهي عبارة عن قضبان طويلة ورفيعة ومرنة وتحيط بأنبوبتين من هذه الأنابيب الصغيرة. والأنابيب الخارجية ترتبط معاً بما يُسمى روابط microtubules. وكل أنبوب صغير له قوة محركة من البروتين تسمى dynein، وترتبط هذه القوة المحركة بواحد من الأنابيب الصغيرة ولها ذراع بطول الأنبوب الآخر ويدفعه لأسفل. ولهذا فإن القضيبين يبدآن في الانزلاق بالتبادل مع بعضهما البعض وعندما يبدآن في الانزلاق، فإن روابط microtubules، والتي تشبه الحبل المرتخي، تمتد وتشتد. وعندما يندفع المحرك البروتيني أكثر فأكثر يبدأ في ثني الجهاز ثم يدفعه في الاتجاه المعاكس ويثنيه مرة أخرى. وبهذه الطريقة نحصل على حركة الأهداب”.

“وهذا لا يعتبر كلمة حق وعدل للأهداب المعقدة. ولكن النقطة التي أود الإشارة إليها هي أن هذه الأجزاء الثلاثة – القضبان والروابط والمحركات – ضرورية لتحويل الحركة المنزلقة إلى حركة منثنية حتى يمكن للأهداب أن تتحرك. ولولا وجود هذه الروابط فسوف يسقط كل شيء عندما تبدأ حركة الانزلاق. ولو توقف الأمر على حركة البروتين فقط فلن تتحرك على الإطلاق. ولولا وجود القضبان فلن يتحرك أي شيء. ومثل مصيدة الفئران، فإن الأهداب نظام معقد للغاية”.

سألته: “لماذا لم توضح نظرية التطور هذا الأمر؟”

أجاب: “إنك تحصل على حركة الأهداب عندما يعمل كل شيء معاً. فلا يمكن لأي جزء أن يعمل على حدة، بل أنت تحتاج إلى الجميع لتعمل معاً. ولكي توضح نظرية التطور هذا الأمر عليك أن تتخيل كيف يمكن لهذا أن يتطور تدريجياً، ولم يتمكن أحد من فعل ذلك”.

قلت له: “لربما لأن هذه المكونات الثلاثة استخدمت لأغراض أخرى في الخلية وأخيراً تجمعت معاً لهذا العمل الجديد. فمثلاً، الأنابيب الصغيرة تشبه إلى حد ما العوارض الخشبية. وربما استخدمت في تركيب هيكل الخلايا البدائية. أو ربما كونت الطريق السريع للخلايا التي تتحرك من خلاله محركات البروتين داخل الخلية”.

لم يظهر أي نوع من التأثر على بيه وقال: “إن محرك البروتين الذي ينقل الشحنات عبر الطريق السريع للخلايا قد لا تكون له القوة الكافية لكي يدفع أنبوبتين صغيرتين قريبتين من بعضهما البعض. ورابط microtubules يجب أن يكون له نفس الحجم قبل أن يكون نافعاً وذي فائدة. وعملية خلق الهدب داخل الخلية إنتاج مضاد، إنها تحتاج إلى امتداد من الخلية. ويجب على المكونات الضرورية أن تتجمع معاً في المكان المناسب والوقت المناسب، وحتى وإن افترضنا أنها موجودة مسبقاً داخل الخلية”.

سألته: “ألا توجد إمكانية أن تجتمع معاً بالصدفة؟”

أجاب: “هذا أمر غير محتمل على الإطلاق. دعني أوضح ذلك لك. لنقل إنه توجد 10,000 بروتين في الخلية. وتخيل أنك تعيش في مدينة بها 10,000 شخص، وكل شخص ذهب إلى معرض المقاطعة أو الإقليم في نفس الوقت، وليستمتعوا معاً ارتدى كل منهم قناعاً ولم يسمح لهم بالحديث. وكان شخصان يحملان اسم “لي”، وكان عليك أن تشبك يدك بأياديهم. ما هي الأشياء الغريبة التي تجعلك تضع يدك في أيدي الاثنين بطريقة عشوائية لتخلقوا معاً حلقة ممن يُسمون “لي”؟ شيء صغير للغاية. وفي الحقيقة فإن الأمر يزداد سوءً. ففي الخلية نجد أن نسبة التغير الإحيائي منخفضة للغاية. وفي هذا التشابه الجزئي، والذي يعني أنه بإمكانك فقط تغير الشركاء في معرض المقاطعة مرة واحدة في العام.

“ولهذا فأنت تتشابك مع شخصين آخرين، وأعتذر لذلك فهما ليس الشخصين الأولين الذين اسمهما “لي”. وفي العام التالي سوف تتشابك مع شخصين آخرين. وللأسف لن يكون هناك “لي” آخر. متى يمكنك أن تتشابك مع من اسمهم “لي” مرة أخرى؟ بعد فترة طويلة للغاية – ونفس الشيء يحدث في الخلية. إنها تأخذ وقتاً طويلاً لكي تحصل على ثلاثة بروتينات معاً”.

“وقد ازداد الأمر صعوبة، ففي دراسة حديثة في مجلة “العلوم” وجدوا أن نصف البروتينات في خلية خميرة بسيطة لا تعمل بمفردها، ولكنها تعمل كمركبات لستة بروتينات أو أكثر. ويلتصق معاً خمسين بروتين مثل التروس في الآلة. والخمسين في المائة الأخرى، معظمها في ثلاثة أو أربعة مركبات. والقليل منها يعمل بمفرده. وهذه مشكلة كبرى ليس فقط في الأهداب بل في الخلايا الأخرى أيضاً”.

قلت له: “أشار بعض العلماء إلى وجود بعض الأمثلة لأهداب أخرى التي ليست لها أجزاء أكدت أنت بأنها ضرورية. وقال أحدهم، إنه في الطبيعة يمكننا أن نرى العديد من الأهداب التي تحتاج إلى مكون واحد أو أكثر والتي يُفترض أنها أساسية لتشغيل الجهاز. أليس وجود أهداب أكثر بساطة يدحض تأكيدك بأنها معقدة للغاية؟”

قال: “إذا كنت تشير إلى سلسلة من التراكيب الأقل تعقيداً والتي تتقدم من واحد إلى آخر لكي تخلق الأهداب التي وصفتها، عندئذ أقول نعم، إن هذا يُبطل تأكيدي. ولكن ليست هذه هي القضية. مما يقوله النقاد هو هذا إنه بإمكانك أن تستبعد إحدى الأنابيب الصغيرة microtubules وستظل الأهداب تعمل. وهذا حسن وما زلت أنت بحاجة إلى كل المكونات الأساسية، microtubules، dynein nexin”.

“دعني أعطيك مثلاً مشابهاً. بعض مصايد الفئران الكبيرة بها 2 زنبرك لكي تكون قوية. وبإمكانك أن تستغني عن واحد منهما وستظل المصيدة تعمل. وهنا يكون الزنبرك الثاني زائد عن الحاجة. وبإمكانك أن تستبعد إحدى الأنابيب الصغيرة microtubules وستظل تعمل وإن لم يكن بنفس الكفاءة”.

“ولكن نظرية التطور لا تبدأ بالمصيدة الكاملة أو بالأهدب الكاملة ثم تنتزع منها بعض الأجزاء، عليها أن تبني كل شيء من القاع وكل الأهداب لها الثلاث مكونات الأساسية التي ذكرتها. وهناك تجارب استبعد فيها العلماء إحدى هذه العناصر الثلاث ولم تعمل الأهداب. لقد انكسرت، تماماً مثلما توقعت أنت، لأنها آلة معقدة للغاية”.

محرك العالم الأكثر كفاءة

ومثلما كانت الأهداب مدهشة، فقد جذبتني آلة بيولوجية أخرى تدفع الخلايا، السوط (زائدة شبيهة بالسوط البكتيري “فينما تقوم الأهداب بنفس الدور الذي يقوم به المجداف لتحريك الخلايا، فقد اكتشف في عام 1973 أن هذه الزائدة الشبيهة بالسوط مثل مروحة دوارة. والبكتريا وحدها هي التي لها هذه الخاصية”.

سألته: “وكيف تعمل؟”

قال: “بكفاءة عالية. يمكنك أن تتخيل المحرك (موتور) في قارب وسوف تعرف بوضوح كيف تعمل هذه الزائدة الشبيهة بالسوط، إنه يصعب تصديقها. فقوة دفع هذه الزائدة طويلة وتشبه السوط ومكونة من البروتين. وهي متصلة بعمود القيادة بواسطة خطاف بروتيني ويسمح للمروحة وعمود القيادة بالتحرك بحرية. والعديد من أنواع البروتينات هي بمثابة بطانة معدنية تسمح لعمود القيادة لكي يعكس الحائط البكتيري ويتصل بالمحرك الدوار”[1].

سألته: “إلى أين ستقود طاقته؟”

أجاب: “هذه ظاهرة طبيعية مشوقة. فبعض الأنظمة الحيوية الأخرى التي تولد الحركة – مثل العضلات – تستخدم الطاقة المخزونة فيما يُسمى “حامل الجزيئات”. ولكن الزائدة الشبيهة بالسوط تستخدم نظاماً آخر – طاقة تولد بواسطة جريان الحامض من خلال الغشاء البكتيري. إنها عملية معقدة وما زال العلماء يدرسونها ويحاولون فهمها. ويسير كل النظام سيراً حسناً – فمروحة الزائدة الشبيهة بالسوط يمكنها أن تدور عشرة آلاف مرة في الدقيقة”.

وكمتحمس للسيارات، صُعقت بتلك الإحصائية! فقط رافقت أحد أصدقائي مؤخراً في سيارته الرياضية العالية الأداء الغريبة، وعرفت بأنه لم يكن قادراً على توليد ذلك الكثير rpms. حتى الهوندا العالية السرعة جداً ذات 2000S، الحديثة جداً، بمحركها الألومنيومي الكتلة المحدب الثنائي، بأسطواناته الأربعة، وبه يظهر أربعة صمامات لكل أسطوانة وكمية متغيرة، ومؤقت لصمام العادم، يمنعه من التزويد لأكثر من تسعة آلاف rpms[2].

واستمر بيه قائلاً: “ليس هذا فقط ولكن المروحة يمكن أن تتوقف عن الدوران بربع لفة ثم تبدأ الدوران من الناحية الأخرى بسرعة 10,000 مرة في الدقيقة. وقد أطلق عليها هاورد برج من جامعة هارفارد المحرك الأكثر كفاءة في الكون. إنه يفوق أي شيء ممكن أن نصنعه وخاصة عندما تفكر في حجمه”.

سألته: “كم حجمه؟”

قال: “هذا الزائدة عبارة عن 2 ميكرون (الميكرون يساوي تقريباً 1/20000 من البوصة). ومعظم الطول هو في عمود المروحة. وحتى مع كل التقدم العلمي الذي لدينا، لا يمكننا أن نعمل شيئاً مثل هذا. وفي بعض الأحيان في محاضراتي أريهم رسماً لتلك الزائدة الشبيهة بالسوط من كتاب الكيمياء الحيوية، فيقول الناس إنها تشبه شيئاً من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). إننا قد اكتشفنا آلات داخل أنفسنا. في فلم Star Trek أطلقوا اسم بورج على المكائن الدقيقة التي بداخلنا، لتعود على ما ينتجه كل شخص!

إن رسومات هذه الزائدة الشبيهة بالسوط، في الحقيقة مؤثرة للغاية ولا تشبه أية آلة صنعها الإنسان.

وأتذكر مرة أن أحد العلماء قال لي شيئاً عن والده، وهو مهندس بارع ويشكك في وجود مصمم ذكي لهذا الكون. ولم يتمكن الأب من أن يفهم لماذا يقتنع ابنه بوجود مصمم ذكي لهذا الكون. وفي أحد الأيام قام الابن العالم بوضع رسم للزائدة البكتيرية الشبيهة بالسوط أمامه. وانبهر بها المهندس، وتفكر فيها للحظات صامتاً، ونظر إلى ابنه وقال في اندهاش: “إني أفهم الآن كل ما قلته لي عن المصمم الذكي”.

وواصل بيه حديثه: “فكر في ذلك أيضاً. تخيل قارباً بحركة موتور ولا أحد يوجهه. إنه سيصطدم ويتحطم! من الذي يوجه الخلية البكتيرية؟ لقد تبين أن بها نظاماً حساساً يغذي الزائدة البكتيرية ويخبرها متى تعمل ومتى تتوقف، وبهذا هو يقودها إلى الغذاء والضوء الذي تبحث عنه. إنها تشبه الصواريخ التي بها نظام لتوجيهها لمساعدتها لأن تجد هدفها!

قلت له: “هذه الزائدة الشبيهة بالسوط معقدة للغاية”

قال: “هذا صحيح. وقد أظهرت الدراسات الجينية أنه ما بين 30-35 بروتين ضرورية لخلق زائدة صالحة للعمل. إنني حتى الآن لم أبدأ في وصف كل تعقيداتها كما أننا لا نعرف الدور الذي تقوم به كل البروتينات الموجودة فيها. ولكن كحد أدنى أنت بحاجة على الأقل إلى ثلاثة أجزاء – مجداف ودوار ومحرك – وهي مكونة من بروتينات متعددة وإذا أزلت أحد هذه الأجزاء فلن تعمل الزائدة على الإطلاق. ولهذا فهي معقدة للغاية – وهي حجر عثرة كبير لنظرية داروين”.

فسألته: “هل تمكن أي شخص من أن يقترح تفسيراً لنظرية التطور التدريجي عن كيف أن العملية التدريجية يمكن أن تنتج عنها الزائدة الشبيه بالسوط؟”

قال: “باختصار كلا. فبالنسبة لمعظم الأنظمة المعقدة، فإن أفضل ما يمكن أن تحصل عليه هو نوع من التفسير كالرسوم المتحركة والذي لا يقترب إلى الحقيقة. وحتى عالم الأحياء التطوري أندرو بوميانكوسكس قد اعترف قائلاً: “التقط أي مرجع في الكيمياء الحيوية، وربما تجد مرجعين أو ثلاثة عن التطور. وإذا رجعت لأحد تلك المراجع وستكون محظوظاً إذا وجدت أي شيء أفضل من العبارة التالية، “إن التطور يختار أكثر الجزيئات مناسبة لوظيفتهم الحيوية”[3].

“وفيما عدا الزائدة التي تشبه السوط، لا توجد أية تفسيرات أخرى. وأفضل ما استطاعه الدارونيين أن يقولونه أن للزائدة مكونات تشبه مكونات الأنظمة الأخرى التي ليس بها أجزاء كثيرة، ولهذا فربما لهذا النظام الآخر صلة بالزائدة. ولا أحد يعرف من أين جاء هذا النظام الآخر، أو كيف تحول هذا النظام إلى زائدة. ومن هذا يتضح ان أحداً لم يستطع أن يقدم تفسيراً منطقياً”.

وسألت سؤالاً أخر: “ماذا عن الدارونيون الذين يقولون: لربما يكون الوقت مبكراً جداً بالنسبة لنا لكي نصل إلى خارطة طريق عن كيفية حدوث التغيرات التدريجية. وفي يوم من سوف نفهم بطريقة أفضل موضوع هذه الزائدة، لذلك أقول لكن صبراً – ففي النهاية – سوف يصل العلم إلى هذا الأمر”.

اتكأ بيه إلى الخلف في كرسيه وقال: “إن اتباع نظرية داروين دائماً يتهمون من ينادون بنظرية المصمم الذي للكون من أنهم يثيرون المناقشات والمجادلات من منطلق الجهل، ويقولون: “ليست لدينا فكرة عن كيفية حدوث ذلك، ولكن دعنا نفترض بأن التطور هو الذي فعل هذا”. لقد سمعت عن “إله المعجزات” فأنت تقول إن الله هو الذي فعل كل هذا، إذا لن يكون لديك تفسير آخر. حسناً هذا هو تطور الفجوات. وبعض العلماء يقحمون التطور عندما لا يفهمون شيئاً ما”.

“قد لا نفهم كل شيء عن هذه الأنظمة البيولوجية، ولكننا فعلاً نفهم ونعرف بعض الأشياء. إننا نعرف أن لهذه الأنظمة عدد من المكونات المتشابهة والمحددة والتي لا تسلم نفسها لتفسيرات تدريجية. ونعلم أن الذي كان يمكنه أن يجمع الأنظمة المعقدة مثل الكمبيوتر ومصيدة الفئران وأشياء مثل ذلك. وهذا التعقيد لن يقل كلما ازددنا علماً، بل لربما يزداد تعقيداً. وسوف نكتشف فقط تفاصيل أكثر عن هذه الأنظمة”.

وسأوضح ما أقول. لنقل إن لديك سيارة موضوعة في جراج مظلم. وإذا أضأت الضوء في أحد أجزاء الآلة سوف ترى كل مكوناتها وتعقيداتها. وإذا سلطت الضوء على جزء آخر من الموتور لن يلغي الجزء الأول. ولا يجعل المشكلة أكثر سهولة بل سيعقدها. وكلما اكتشفنا أشياء أكثر عن الزائدة التي تشبه السوط فلن يلغي هذه التعقيد الذي وجدناه سابقاً. وكل ما سنجده تعقيد أكثر واعجاب أكثر وآلة مستقلة أكثر – وتحدي كبير لنظرية داروين.

الشاحنات الجزيئية والطرق السريعة

بالنسبة لـ بيه كانت الأهداب والزوائد الشبيهة بالسوط البكتيرية هي مجرد البداية لهزيمة داروين لفكرة التعقيد في العالم الميكروسكوبي للخلية. ومن أحب الأمور الأخرى لديه هو “نظام ما هو داخل الخلية البروتوبلازمية”.

قال بيه: “إن الخلية ليست حقيقة للشوربة، وكل شيء يتحرك داخلها بلا هدف. وبدلاً من ذلك، فنواة الخلايا الحسنة – الخلايا التي بها كل الكائنات الحية ما عدا البكتيريا – لها عدد من الأقسام التي تشبه الغرف بالمنزل.

“هناك النواة حيث يوجد DNA (الحامض النووي)، والميتوكوندريا* mitochondria وهي التي تولد الطاقة، والجبلة الداخلية للنسيج الشبكي وهو الذي يشغل البروتين، وجهاز Glogi هو محطة البروتينات التي تُنقل لأي مكان، وما يسمى Iysosome وهو وحدة التخلص من النفايات، والحويصلة السرية التي تخزن الشحنة قبل إرسالها خارج الخلية، peroxisome الذي يساعد على تأييض الدهون. وكل قسم او حجرة مغلقة بغشاء، مثل كل غرفة بها حوائط وباب. وفي الحقيقة فإن هذه الجسيمات الدقيقة لها أربعة أقسام منفصلة. وإذا قمنا بحساب كل شيء فهناك أكثر من 24 قسماً في كل خلية”.

“تتخلص الخلايا باستمرار من المواد القديمة وتصنع مكونات جديدة، مصممة لكي تعمل في غرفة واحدة وليست في غرف أخرى. ومعظم المكونات الجديدة مصنوعة في مكان مركزي في الخلية على أشياء تسمى ribosomes”.

وقد وصف دينتون الـ ribosomes على أنه خمسون جزيء كبير يحتوي على أكثر من مليون ذرة، مثل المصنع الذي يعمل اوتوماتيكياً ويستطيع أن يصنع أي بروتين لكي يُعطي DNA. وعندما يعطي المعلومات الجينية الصحيحة، يكون بإمكانه تصنيع أي بروتين حيوي مشتملاً على ribosomes آخر بالرغم من تعقيداته. وعبر دينتون عن إعجابه وقال:

من المدهش أن نفكر أن هذه الآلة العجيبة التي تمتلك قدرة هائلة لتصنيع كل شيء حي قد عاشت على الأرض، من الخشب الأحمر إلى المخ الإنساني، وبإمكانهما تصنيع كل مكوناتها في دقائق، وهي أصغر آلاف الملايين من المرات من أصغر آلة صنعها الإنسان على الإطلاق[4].

وقال بيه: “إن ribosomes ليس مدهشاً فحسب ولكنك الآن مواجه بالتحدي للحصول على تلك المكونات الجديدة في الغرفة الصحيحة حيث تعمل. ولكي تفعل ذلك، أنت بحاجة إلى نظام معقد آخر، تماماً مثلما تحتاج إلى الكثير من الأشياء حتى يتمكن الأتوبيس من نقل شخص من فيلادلفيا إلى بتسبرج”.

“أولاً، يجب أن يكون لديك شاحنات الجزيئات المغلقة وبها المحركات. وعليك أن تعد لها طرق سريعة لكي تسير فيها. وعليك أن تحدد نوعية المكونات وأي شاحنة ستأخذها. ولا يصح أن تنتزع أي بروتين يظهر لأن كل واحد يحتاج لأن يذهب لغرفة معينة. ولهذا لا بد من وجود علامة معينة على كل بروتين – مثل التذكرة – حتى يذهب البروتين إلى الشاحنة الجزيئية الصحيحة”.

وعلى الشاحنة أن تعرف إلى أين تذهب، وهذا يتطلب وجود علامة عليها، ولا بد أيضاً من إشارة مُكملة على القسم الذي ستفرغ فيه الشاحنة حمولتها.

“وعندما تصل الشاحنة إلى المكان الذي ستفرغ فيه شحنتها وهو يشبه سفينة ضخمة تعبر المحيط من لندن إلى نيويورك. والآن ماذا عليك أن تفعل؟ عليك أن تُوجد طريقاً للشحنة لكي تخرج من الشاحنة إلى القسم الخاص بها وهي عملية نشيطة تتضمن مكونات أخرى تعيد تنظيم بعضها البعض، فتنفتح أشياء وتسمح للمواد بالدخول”.

“ولهذا فإن لديك الكثير من المكونات التي يجب أن يكون كل في مكانه وإلا سيتوقف العمل. وإذا لم تكن لديك العلامة او الشاحنة فأنت سيء الحظ. والآن هل مثل هذا النظام من النقل الميكروسكوبي يشبه التجميع الذاتي الذي يُعدل تدريجياً عبر السنين؟ أنا لا أرى ذلك. إن كل العلامات المميزة تقول بأنه مصمم”.

الجزء الثالث: برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 3 – لي ستروبل

[1] See: Edward M.Purcell, “The Efficiency of Propulsion by a Rotating Flagellum,” Proceedings of the National Academy of Sciences USA 94 (October 1997), available at www.immpa.br/jair/pnas.pdf (accessed July a, 2003).

[2] See: Joe Lorio. Four of a kind,” Automobile (August, 2003).

[3] Andew Pomiankiwski, “The God of the Tiny Gaps,” New Scientist (September 10, 1996).

* هي الجسيمات الدقيقة التي توجد في سيتوبلازم الخلايا.

[4] Michael Denton, Evolution: A Theory in Crisis, 338.

برهان الكيمياء الحيوية – تعقيد الآلات الجزيئية 2 – لي ستروبل