آبائياتأبحاث

المهرطقون وبدايات الكتابات الهرطوقية – بحث

المهرطقون وبدايات الكتابات الهرطوقية – بحث

المهرطقون وبدايات الكتابات الهرطوقية - بحث
المهرطقون وبدايات الكتابات الهرطوقية – بحث

المهرطقون وبدايات الكتابات الهرطوقية – بحث

كان على المسيحية أن تدافع عن نفسها، ليس فقط ضد العدوين اللذين من الخارج، اليهودية والوثنية، بل أيضاً ضد العدوين اللذين من الداخل، الغنوسية والمونتانية. وبالرغم من أن هاتين البدعتين تنطلقان من الديانة المسيحية كنقطة بداية، إلا أن كل واحدة منهما كانت تختلف عن الأخرى اختلافاً تاماً، ففي حين كان الغنوسيون هم زعماء حركة توفيق المسيحية مع العالم، كان المونتانيون يناصرون حركة الهروب الكامل منه. لقد سعى الغنوسيون، في توافق مع ثقافة العصر، إلى خلق مسيحية تستوعب الأساطير الدينية الشرقية، وتعطي الدور الأكبر للفلسفة الدينية اليونانية، ولا تترك سوى مساحة صغيرة للوحي الإلهي كأساس لكل المعرفة اللاهوتية والإيمان وإنجيل المسيح. أما المونتانيون فقد عاشوا. انتظاراً لدمار العالم الوشيك. حياة دينية في عزلة وتخل كامل عن العالم ومسراته باعتبار الهدف المسيحي الوحيد الذي يجب على جميع المسيحين أن يتجهوا صوبه. ولقد دعت كل من الطائفتين لنفسها بشكل ناجح، واستقطبت كلتاهما أتباعاً من داخل المجتمعات المسيحية. وهكذا، جازت الكنيسة في محنة ذات شقين، فالغنوسية قد هددت أساسها الروحي وطابعها الديني، في حين قامت المونتانية بتعريض إرساليتها العالمية وطابعها المسكوني للخطر. ومن هذين العدوين، كانت الغنوسية هي الأكثر خطراً.

غنوسية عصور ما قبل المسيحية

ينبغي للمرء أن يتتبع بداية الغنوسية في عصور ما قبل المسيحية، فالبحوث الحديثة قد أثبتت أنه منذ أن دشن الإسكندر الأكبر العصر الهيلينستي بغزوه الانتصاري لبلاد الشرق (334-324ق.م)، أخذ هذا المزيج الغريب من الديانة الشرقية والفلسفة اليونانية، الذي ندعوه بالغنوسية، في التطور. وقد ورثت الغنوسية من الديانات الشرقية الاعتقاد بوجود ثنائية تامة بين الله والعالم، وبين الروح والجسد، وخروج الخير والشر من مبدأين أوليين وجوهرين مختلفين تماماً، والتوق للخلاص والخلود. كما أخذت الغنوسية عنصرها الفكري من الفلسفة اليونانية؛ فدخلت إلى الغنوسية التخمينات المتعلقة بالوسطاء الذين يتوسطون بين الله والعالم من الفلسفة الأفلاطونية الحديثة؛ ومن الفيثاغورية الحديثة دخل إليها نوع طبيعي من التصوف؛ ثم دخل إليها من الرواقية الحديثة تقدير الفرد ودوره الأخلاقي.

أولاً: سيمون الساحر

كان سيمون الساحر هو آخر ممثل لغنوسية ما قبل المسيحية، ولقد كان معاصراً للرسل، فعندما ذهب الشماس فيليبس إلى السامرة، كان سيمون الساحر مشهوراً جداً هناك، كما كان له أتباع كثيرون. ويذكر سفر أعمال الرسل (8: 9-24) أنه كان يلقب بـ “قوة الله” و”العظيم”. واسمه يظهر مع اسم “كيرنثوس” (Cernthus) كممثلين للهرطقة الغنوسية في مقدمة ما يعرف بـ “رسالة الرسل” (Epistola Apostolorum).

ويذكر يوستينوس الشهيد أن سيمون قد ولد في قرية “جيتون” (Gitton) بالسامرة، ووصل إلى روما في عهد الإمبراطور كلوديوس حيث عُبد كإله. وينسب هيبوليتوس الروماني إليه في (Philosophoumena 6: 7-20) كتابة عمل بعنوان “الأنباء العظيمة”، ومن الواضح أنه كان يحتوي على تفسير رمزي لرواية الخلق الكتابية، الأمر الذي يوحي بوجود تأثير للفلسفة الدينية السكندرية. لكن من المشكوك فيه جداً أن يكون هذا الكتاب الذي نملك منه فقط بعض الشذرات، قد كتبه سيمون الساحر.

ثانياً: دوسيثيوس وميناندر

كان هناك رجلان سامريان آخران ذكرا في الأدب المسيحي القديم باعتبارهما غنوسيين؛ هوما دوسيثيوس (Dositheus) وميناندر (Menander)، وقد جمعت كلا الرجلين علاقة ما بسيمون الساحر؛ فقد كان دوسيثيوس معلمه، في حين كان ميناندر تلميذه. وبحسب ما جاء في كتاب “Pseudoclementines”، أسس دوسيثيوس مدرسة في السامرة، ويذكر أوريجينوس أنه قد حاول أن يقنع السامريين بأنه هو المسيا الذي تنبأ عنه موسى. وولد ميناندر، بحسب شهادة يوستينوس، في “كابارتايا” (Capparetaea) بالسامرة، وبحسب ما يذكر إيرينيوس، أخبر أتباعه أنه قد أرسل بواسطة القوة غير المنظورة كمخلص لخلاص جنس البشر. وفي حين كان ميناندر تلميذاً لسيمون الساحر، كان معلماً لـ ساتورنيل (Satornil) وباسيليدس (Basilides). وهكذا يمثل ميناندر حلقة الوصل بين غنوسية ما قبل المسيحية والغنوسية المسيحية.

الغنوسية المسيحية

عندما دخلت المسيحية مدن الشرق العظيمة، اهتدى الكثير من الرجال ذوي المستوى العلمي الرفيع إلى الدين الجديد. وقد كان من ضمن هؤلاء المهتدين بعض ممن كانوا ينتمون إلى الطوائف الغنوسية التي تعود إلى ما قبل المسيحية، وهؤلاء بدلاً من أن يتنازلوا عن عقائدهم السابقة، قاموا فقط بإضافة بعض العقائد المسيحية إلى آرائهم الغنوسية، وهكذا، ولدت الغنوسية المسيحية. وتختلف غنوسية ما قبل المسيحية عن الغنوسية المسيحية في كون شخص يسوع لا يلعب أي دور في أنظمتها العقائدية، في حين في الغنوسية المسيحية كانت الكرازة بالإله الواحد الحقيقي، أبي يسوع المسيح المخلص، واحدة من عقائدها الأساسية. وقد سعى مؤسسو الفرق الغنوسية المختلفة إلى رفع المسيحية من حالة الإيمان إلى حالة المعرفة، وبهذه الطريقة يجدون للمسيحية مكاناً في العالم الهيليني كما لو كانت في بيتها.

وكان الإنتاج الأدبي الغنوسي ضخماً جداً، خاصة في القرن الثاني الميلادي، فقد كانت الكتابات المسيحية الأولى، وبدايات الشعر المسيحي، ذات طابع غنوسي. وقد كُتب الكثير من هذا الأدب بواسطة كتاب مجهولين، وينتمي إلى هذه الكتابات الكثير من الأناجيل الأبوكريفية، وأعمال الرسل الأبوكريفية، ورسائل الرسل الأبوكريفية، وأسفار الرؤى الأبوكريفية. كما كان لهذه الكتابات تأثير عظيم بسبب محتواها الرائج شعبياً. ويتكون الجزء الأهم من الأدب الغنوسي من مقالات كتبها مؤسسو الفرق الغنوسية المختلفة وتلاميذهم، لكن معظم هذه الكتابات قد فقد.

أولاً: باسيليدس

بحسب ما يذكر إيرينيوس في (Adv. Haer. 1: 24: 1)، كان باسيليدس معلماً في مدينة الإسكندرية بمصر، وعاش في عهد الإمبراطور هادريان وأنطونينوس بيوس (120م -145م). وقد كتب باسيليدس إنجيلاً ليس في حوزتنا منه إلا شذرة واحدة، وتفسياً لإنجيله بعنوان “التفسير” (Exegetica) بقت منه عدة شذرات. ونجد هيجيمونيوس (Hegemonius)، في (Acta Archelai. 67: 4-11 ed. Benson)، يقتبس الفقرة التي تصف الحرب بين النور والظلمة من الجزء الثالث عشر من كتاب “التفسير”. وكذلك يقوم كليمندس السكندري، في كتاب “المفرقات” (Stromat. 4: 12: 81: 1-88: 5)، باقتباس عدة فقرات تتناول مشكلة الألم من الجزء الثالث والعشرين – من نفس الكتاب – غير أن هذه الشذرات لا تمكننا من أن نحصل على فكرة أكيدة عن فكر باسيليوس العقائدي. وبالإضافة إلى هذا، ألف باسيليدس مزامير وأناشيد لم يبق منها أي شيء.

ويعطي إيرينيوس في (Adv. Haer. 1: 24: 3-4) الملخص التالي لتعاليم باسيليدس: “باسيليدس أيضاً، لكي ما يظهر أنه قد اكتشف شيئاً أكثر سمواً وقبولاً، يطور عقائده تطوراً هائلاً. فهو يقول أن العقل هو بكر الآب غير المولود، وأن منه أيضاً ولد “اللوغوس” الكلمة، ومن “اللوغوس” ولد “الفرونيسيس” (Phronesis) أي “الحكمة العملية”، ومن “الفرونيسيس” ولد كل من “الصوفيا” أي “الحكمة” (Sophia) و”الديناميس” أي “القوة والحركة” (Dynamis)، ومن “الصوفيا” و”الديناميس” ولدت القوات والملائكة، هؤلاء الذين يدعوهم بـ “الأوائل”؛ وبواسطتهم خلقت السماء الأولى. حينئذ تكونت قوى أخرى بالانبثاق من هؤلاء، وخلقت سماء ثانية شبيهة بالأولى؛ وبعملية مماثلة، عندما تكونت أيضاً قوى ثالثة بالانبثاق من هؤلاء تشبه بالضبط تلك التي تعلوها، صنعت هي أيضاً سماء ثالثة؛ ومن هذا الثالثة أصبح هناك جيل رابع من الأحفاد في ترتيب تنازلي؛ وبنفس الطريقة أعلنوا أن الكثير والكثير من القوات والملائكة قد تكونوا إلى جانب ثلاثمائة خمسة وستين سماء. وهكذا تحتوي السنة على نفس العدد من الأيام في اتفاق مع عدد السماوات. أولئك الملائكة الذين يشغلون السماء الدنيا، أعني التي نراها نحن، قد صنعوا كل الأشياء التي في العالم، ووزعوا الأنصبة فيما بينهم في الأرض وفي تلك الأمم التي فوقها. ويظن أن رئيسهم هو إله اليهود، بقدر ما عزم أن يجعل كل الأمم الأخرى خاضعة لشعب خاصته، أعني اليهود، وقد قاومه وعارضه كل القوت الآخرين. بينما كانت كل الأمم الأخرى في عداوة مع شعبه. ولكن الآب الذي بغير ميلاد وبغير اسم، وهو يدرك أنهم سيفنون، أرسل بكره المولود “نوس” أي العقل – ذاك الذي يدعى المسيح – لينجي الذين يؤمنون به من سلطان الذين صنعوا العالم. فظهر لأمم هذه القوات إنساناً على الأرض وصنع معجزات لكنه لم يكن من مات، بل سمعان، رجل من قوريني[1] (Cyrene)؛ إذ أجبروه ليحمل الصليب عوضاً عنه، فألقى شبهه عليه حتى يظنوا أنه يسوع، فصلبوه بالجهل والخطأ في حين أخذ يسوع هيئة سمعان ووقف يضحك عليهم. فهو؛ إذ كان قوة غير جسدانية وعقل الآب غير المولود، قد غير هيئته بإرادته وصعد إلى الذي أرسله، وقد هزأ بمن لم يقدروا الإمساك به؛ إذ لم يكن منظوراً من الكل. والذين علموا بتلك الأمور تحرروا من سلطان السلاطين الذين صنعوا العالم، لهذا يتعين علينا ألا نعترف بمن صُلب، بل بمن جاء في الجسد واعتقدوا أنه صُلب، ودُعي يسوع وأرسله الآب، حتى بهذا الحكم يبيد عمل صانعي العالم (ANF I, 349).

ومن تلك الفقرة يتضح أن باسيليدس استنبط الاستنتاجات العملية التالية من دراسته لعلم الكون:

  1. تأتي المعرفة (الغنوسية) من السلاطين الذين صنعوا العالم.
  2. قليلون فقط، واحد من كل ألف، أو اثنان من كل عشرة آلاف، قادرون على اقتناء المعرفة الحقة.
  3. لا بد من حفظ الأسرار بلا كشف.
  4. الاستشهاد لا طائل منه.
  5. يؤثر الفداء في النفوس فقط، لا الجسد، الخاضع للفساد.
  6. كل فعل، حتى أشنع خطايا الشهوة، منشأه منتهى اللامبالاة من الشخص.
  7. لا ينبغي على المسيحي الاعتراف بمسيح مصلوب بل بيسوع، المرسل من الآب. وإلا ظل عبداً تحت سلطان الذين صنعوا أجسادنا.
  8. لا بد من احتقار ذبائح الأمم، لكن يمكن استخدامها بلا أدنى تردد، لتفاهتها.

ومن هذا الموجز لإيرينيوس يتضح جلياً أن باسيليدس لم يشارك في النظرة الثنائية مثلما يزعم بعض الدارسين. إن شذرته من كتاب “التفسير” في (Acta Archelai) والتي تتناول الحرب بين النور والظلمة، لا يمكن أن تكون اقتباساً يدل على فكره الثنائي، لأنها في سياقها تدل على أنها تفند بوضوح الثنائية الزورداشتية[2] بين النور والظلمة، بصفتها قوات الخير والشر.

ثانياً: إيزيدور

تابع عمل باسيليدس ابنه إيزيدور (Isidore)، وما نعرفه عنه أقل حتى من الذي نعرفه عن أبيه، وقد أورد كليمندس السكندري اقتباسات قليلة من ثلاثة من كتبه في (Stromat 2: 113; 6: 53; 3: 1-3). وقد كتب إيزيدور تفسيراً لأقوال النبي بارخور (Parchor) حاول فيه أن يثبت أن الفلاسفة اليونانيين قد أخذوا من الأنبياء. وبالإضافة إلى هذا، ألف كتاباً عن “علم الأخلاق” (Ethica) ومقالاً عن “النفس المربوطة”. ويتناول العمل الأخير موضوع الشهوات البشرية، تلك التي تصدر من جزء ثان من النفس. وتعطي الفقرة التي اقتبسها كليمندس من كتاب علم الأخلاق تفسيراً غريباً لكلام الرب الذي يتعلق بالخصيان في (مت 19: 10).

ثالثاً: فالنتينوس

أما الشخص الأهم كثيراً من باسيليدس وابنه أيزيدور فهو “فالنتينوس” (Valentinus). ويقول إيرينيوس عنه في (Adv. Haer. 3: 4: 3): “جاء فالنتينوس إلى روما في عهد البابا “هيجينوس” (Hyginus) (136-140م)، وازدهر في عهد البابا “بيوس” (Pius) (150-155م)، وبقي حتى عهد البابا “أنيكيتوس” (Anicetus)”.

وكان إبيفانيوس، في (Haer. 31: 7-12)، هو أول من ذكر أن فالنتينوس قد ولد بمصر، وتعلم بالإسكندرية، ونشر تعاليمه في مصر قبل أن يذهب إلى روما، ثم يضيف أنه في وقت لاحق ترك روما ليذهب إلى قبرس. ولقد أدخل كليمندس السكندري ست شذرات من كتابات فلنتينوس في كتابه “المتفرقات” (Stromata)، اثنتين منها من خطاباته، واثنتين من عظاته، واثنتين لا تدلان على أي من كتاباته قد نقلتنا منها. وواحدة من الفقرات التي اقتبسها كليمندس (Stromat. 2: 20: 114)، هي كالتالي: “هناك خير واحد الذي حضوره هو الظهور، الذي بواسطة الابن، وبه وحده يمكن للقلب أن يصبح نقياً بطرد كل روح شرير منه؛ لأن كثرة الأرواح التي تسكن به لا تتركه يتكبد المشقة ليصبح نقياً؛ لكن كل واحدة منها تعمل أعمالها الخاصة، وكثيراً ما تهينه بواسطة الشهوات غير اللائقة. ويبدو أن القلب أصبح مثل الحانة التي على جانب الطريق، لأن الأخير به الكثير من الثقوب والتجاويف التي صنعت فيه، وكثيراً ما يمتلئ بالروث، والرجال الذين يعيشون به حياة قذرة غير مبالين بأن المكان ملك الآخرين. لذا، تتفق الأرواح الشريرة مع القلب طالما لم يؤخذ في الحسبان، كونه – أي القلب – نجساً ومسكناً للكثير من الشياطين. لكن فقط عندما يزوره الآب الصالح، يتنقى ويبرق بالنور. ويكون ذلك الإنسان الذي يمتلك مثل هذا القلب مباركاً جداً لأنه سوف ينظر الله”.

وفقرات مثل هذه تفسر السبب الذي لأجله وجد فالنتينوس الكثير من بين المؤمنين – المسيحيين – يؤمنون به. وهي تسلط الضوء على ما قاله إيرينيوس في (Adv. Haer. 3: 15: 2) عن فالنتينوس وتلاميذه: “بهذه الكلمات يخدعون البسطاء ويغونهم، مقلدين طريقة كلامنا، حتى ربما يسمع لهم هؤلاء (المخدوعون) أكثر فأكثر؛ حينئذ يسأل هؤلاء عنا، وكيف أننا، في حين أن تعاليمهم تشبه تعاليمنا، نبقي أنفسنا بلا سبب بمعزل عن صحبتهم”. (ANF. 1. 439).

وقد وجد فالنتينوس الكثير من الأتباع في كل الشرق والغرب، وهيبوليتوس يتكلم عن مدرستين يتبعا تعاليم فالنتينوس، مدرسة شرقية وأخرى إيطالية.

رابعاً: بطليموس

كان بطليموس أشهر أعضاء مدرسة فالنتينوس الإيطالية، وقد كتب “الرسالة إلى فلورا” التي تناقش قيمة الناموس الموسوي. وتقسم الرسالة الشريعة الموسوية إلى ثلاثة أقسام رئيسية. ويأتي القسم الأول من الله، والثاني من موسى، والثالث من شيوخ الشعب اليهودي. مرة أخرى، فإن القسم المنحدر من الله يصير إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يشتمل على الناموس النقي الذي لم يشُبه أي شر، وبكلمات أخرى، الوصايا العشرة. وهذا الجزء من الناموس الموسوي هو الذي جاء يسوع ليكمله لا ليوقفه. الجزء الثاني من الناموس هو ذاك الذي أفسده الظلم، أي ذلك الجزء الذي يشمل الوصايا التي تحض على الانتقام، تلك التي أقفها المخلص. والجزء الثالث هو الناموس الطقسي الذي أعطاه المخلص معنى روحياً. ولقد حُفظت هذه الرسالة في كتابات أبيفانيوس (Haer. 33: 3-7). وتعد أهم قطعة من الأدب الغنوسي موجودة في حوزتنا اليوم.

خامساً: هيراكليون

كتب عنه كليمندس السكندري في (Stromat. 4: 71: 1)، وكان هيراكليون (Heracleon) أكثر تلاميذ فالنتينوس احتراماً، وهو ينتمي إلى المدرسة الإيطالية مثل بطليموس. وقد ألف هيراكليون تفسيراً لإنجيل يوحنا. اقتبس اوريجينوس منه ما لا يقل عن ثماني وأربعين فقرة في تفسيره لهذا الإنجيل، كما يستشهد كليمندس السكندري بفقرتين من كتابات هيراكليون بدون أن يشير إلى مصدر اقتباسهما، هل هما من تفسيره لإنجيل القديس يوحنا أم من كتاب آخر من كتاباته؟

سادساً: فلورينوس

كان فلورينوس قساً رومانياً ينتمي إلى المدرسة الفالنتينية الإيطالية. ويوسابيوس هو أول من ذكر أن إيرينيوس قد وجه رسالة إلى فلورينوس” عن سلطان النفس، أو أن الله ليس خالق الشر؛ ويبدو أن فلورينوس كان يدافع عن الرأي المعاكس. ويقتبس يوسابيوس، في (Hist. Eccl. 5: 20: 4)، فقرة من هذه الرسالة يقوم فيها إيرينيوس بذكر فلورينوس: “إن آراء فلورينوس، تلك التي ربما سأتكلم عنها قليلاً، لا تنتمي إلى التعليم الصحيح، فهي غير متوافقة مع تعاليم الكنيسة، تجلب على هؤلاء الذين يؤمنون بها الشر الأعظم. إن هذه الآراء لم يجرؤ حتى الهراطقة الذين هم خارج الكنيسة على المناداة بها. كما أن هذه الآراء لم يسلمها إلينا هؤلاء الذين كانوا شيوخاً قبلنا والذين كانوا مرافقين للرسل”. (LCL. 1. 497) ثم يستمر إيرينيوس ليذكر فلورينوس بالأسقف بوليكاريوس أسقف سميرنا، ذاك الذي كان فلورينوس في أيام شبابه يعرفه شخصياً.

وبالإضافة إلى هذه الرسالة، كتب إيرينيوس عملاً بعنوان “عن الثماني (On The Ogdoad) ضد فلورينوس “عندما اجتذبته الضلالة الفالنتينية”. (Eusebius. Ibid. 5: 20: 1) وقد بقيت لدينا شذرة سريانية من رسالة وجهها إيرينيوس إلى البابا فيكتور يطلب منه فيها أن يتخذ خطوات ضد كتابات القس الروماني، لأنها قد انتشرت في بلاد الغال وهددت إيمان المسيحيين الذين تحت رعايته. وعنوان هذه الشذرة يصف فلورينوس باعتبار تابعاً لحماقة فالنتينوس، ومؤلفاً لكتاب مخز.

سابعاً: بارديصان

المعلومات التي لدينا عن المدرسة الفالنتينية الشرقية أقل من تلك التي لدينا عن المدرسة الفالنتينية الإيطالية. وبارديصان هو واحد من أهم تلاميذ فالنتينوس الشرقيين. ولد بارديصان يوم 11يوليو عام 154 في إديسا، وهو ينحدر من عائلة نبيلة، وتعلم على يد كاهن وثني في “مابوج” هيليوبولس، وكان صديقاً للملك أبجر التاسع (Abgar IX Osrhoene). وأصبح بارديصان مسيحياً في سن الخامسة والعشرين، وعندما غزا الإمبراطور كالاكلا إديسا عام 216م، هرب بارديصان إلى أرمينيا. ومات بعد أن عاد إلى سوريا عام 222م – 223م. ويذكره يوسابيوس في (Hist. Eccl. 4: 30) قائلاً: “رجل نبيل جداً ومتمرس في اللغة السريانية”. وكان بارديصان في البداية عضواً في المدرسة الفالنتينية، لكنه ندد بهذه الفرقة لاحقاً، وفند الكثير من خرافتها. غير أنه، كما يقول يوسابيوس “لم يطهر قلبه تماماً من دنس هرطقته القديمة”. ووفقاً للمصدر نفسه، “ألف بارديصان محاورات ضد أتباع ماركيون وآخرين من قادة المعتقدات المختلفة، ونشرها بلغته وبخطه، مع الكثير من كتاباته الأخرى، وقد ترجمها هؤلاء الذين كانوا يعرفونها لأنها كانت كثيرة، كونه كان مناقشاً قوياً – وقد ترجمها عن السريانية إلى اليونانية. ومن بينها حواره القوي مع أنطونينوس عن “حول المصير”، ويقولون إنه كتب العديد من أعمال أخرى، عقب اضطهاد تلك الفترة”. (LCL I. 399).

وبينما ضاعت الكتابات الأخرى، بقي الحوار “عن المصير” أو “كتاب قوانين البلدان”، والذي يذكره يوسابيوس، محفوظاً في لغته السريانية الأصلية. ومع هذا، فالكاتب ليس بارديصان، بل تلميذه فيليب رغم أن بارديصان هو المتحدث الأساسي في الحوار، والذي يجيب على أسئلة ومشاكل أتباعه فيما يخص خصال الرجال وأماكن النجوم. ويعد بارديصان بحسب كلام مار إفرام السرياني هو مبتكر فن الترانيم السريانية، لأنه صاغ مائة وخمسين ترنيمة لينشر تعليمه. وقد ذاع نجاحه الباهر حتى إن إفرام السرياني في النص الثاني من القرن الرابع اضطر أن ينافس بارديصان في هذا القطاع بتأليفه الترانيم بنفسه. وذهب بعض الدارسين في آرائهم إلى القول بأن القصيدة الجميلة “ترنيمة النفس”، في أعمال توماس الأبوكريفية، هي من عمل بارديصان. لكنه رأي مشكوك فيه للغاية، خاصة أن محتويات تلك الترنيمة الشهيرة لا تشير بأية علامة على غنوسية بارديصان وفي قائمته عن العلوم، المعنون “الفهرست” من أواخر القرن العاشر الميلادي، ينسب العربي ابن أبي يعقوي إلى بارديصان ثلاث كتابات أخرى، يتناول إحداها “النور والظلمة” ويتناول الثاني “الطبيعة الروحية للحق”، أما الثالث فتحث عن “المتحرك وغير المتحرك”.

ثامناً: هارمونيوس

هارمونيوس هو ابن بارديصان، وهو الذي أكمل عمل أبيه. وكان المؤرخ سوزومين أول من أمدنا بكل المعلومات عنه وذلك في منتصف القرن الخامس الميلادي. وبحسب سوزومين (تاريخ الكنيسة 3: 16)، “كان هارمونيوس بليغاً في الأدب الإغريقي واسع الاطلاع فيه وكان أول من قرض الشعر أبياتاً في لغته العامية، وقد سلم تلك الأبيات إلى الجوقات المرنمة، وحتى الآن فإن السريان يتغنون من حين لآخر، لا بالأبيات المضبوطة التي كتبها يراع هامونيوس بل بأبيات أخرى على نفس الوزن. لأنه مثلما كان هارمونيوس وبشكل شامل لا يخلو فكره من أخطاء أبيه وقد علم بالعديد من الآراء عن النفس، وميلاد الجسد وفنائه، وتعليم تناسخ الأرواح، الذي يروج له المعلمون الإغريق الفلاسفة، فقد أقحم بعضاً من هذه الأفكار في الأغاني المرتلة التي صاغها. وحين أدرك إفرام أن السريان انبهروا بالكلمات المنتقاة البليغة وتنوع النغم الموسيقي لكلمات هارمونيوس، تخوف أن يتشربوا بنفس الآراء، لهذا عكف بنفسه على دراسة أوزان شعر هارمونيوس، رغم جهله بالعلوم الإغريقية، وصاغ قصائد مماثلة تتفق وتعاليم الكنيسة، وترانيم مقدسة في تمجيد القديسين. ومنذ ذلك الحين راح السريان يشدون بقصائد إفرام المغناة بنفس الطريقة التي انتهجها هارمونيوس”. ويظهر من هذا الاقتباس أن هارمونيوس حل بالكامل محل أبيه (بارديصان)، فيما عدا أن سوزومين يصرح في عبارة سابقة أن بارديصان قد ابتدع هرطقة ما تعرف باسمه. ولكن وبسبب حقيقة عدم ذكر إفرام لهارمونيوس على الإطلاق يمكن لنا استنتاج أن هارمونيوس اكتفى فقط باستكمال عمل أبيه.

تاسعاً: ثيودوتوس

كان ثيودوتيوس عضواً ينتمي إلى مدرسة فالنتينوس الشرقية. ونعرفه من خلال ما يسمى “Excerpta ex Scriptis Theodoti” والذي يعد ملحقاً لكتاب “المتفرقات” لكليمندس السكندري، وهو يحتوي على ستة وثمانين من الاقتباسات تتضمن اقتباسات من كتابات ثيودوتوس رغم أن ذكره قد جاء فقط في أربعة منها. وتتناول المحتويات أسرار المعمودية، وإفخارستيا الخبز والماء، والرشم بالزيت كوسيلة للتخلص من سطوة القوة الشريرة. علاوة على ذلك، فإن المعتقدات الفالنتانية الأصلية عن (Pleroma) و(Ogdoas) وعن الطبقات الثلاث للبشر موجدة في تلك المقتطفات.

عاشراً: ماركوس

يذكر إيرينيوس شخصاً باسم ماركوس علم في ديوان حاكم آسيا كعضو في مدرسة فالنتيوس الشرقية. ويبدو من رواية إيرينيوس أن ماركوس هذا قد شارك في تعاليم فالنتيوس عن الإيونات، وأنه كان يمارس طقس الإفخارسيتا بالسحر والخداع، وأنه أغوى الكثير من النساء. وقد كرز تلاميذه حتى في القسم القريب من الرون (Rhone) في بلاد الغال وكان إيرينيوس يعرف بعضاً منهم شخصاً. ويذكر إيرينيوس في (Adv. Haer 1: 20: 1) أنهم استخدموا قدراً كبيراً من كتابات أبوكريفية وغير أصيلة قد ألفوها بأنفسهم.

حادي عشر: كاربوكراتس

إلى جانب باسيليدس وفالنتينوس، أبدعت الإسكندرية في مصر مؤسساً لطائفة غنوسية أخرى، وهو كاربوكراتس. وبحسب إيرينيوس في (Adv. Haer 1: 25: 1) زعم كاربوكراتس وأتباعه “أن العالم وما يحتويه قد خلق بواسطة ملائكة أدنى بكثير من الآب غير المولود. وزعموا أيضاً أن يسوع هو ابن يوسف وأنه كان مثل سائلا الناس فيها عدا أنه اختلف عنهم في أن نفسه بقدر ما كنت راسخة ونقية كان يتذكر تماماً تلك الأمور التي شهدها في دائرة الله غير المولود. ولهذا حلت عليه “قوة” من الآب، والتي بواسطتها يمكنه أن يفلت من خالقي العالم. ويقولون إنها بعد أن جازت فيهم كلهم وظلوا أحراراً في كل المجالات، صعدت ثانية إليه”.

وكان مركز يسوع هذا فريداً بشكل منقطع النظير لأنه وبنفس المنوال “فإن النفس (soul) التي تشبه نفس المسيح يمكنها أن تزدري بأولئك الحكام الذين كانوا صانعي العالم، وبنفس الطريقة تتلقى “قوة” لتحقيق نفس النتائج. وقد رفعتهم هذه الفكرة – أعني أتباع كاربوكارتس – إلى ذروة الكبرياء، حتى أن بعضهم أعلنوا عن أنفسهم أنهم مشابهون ليسوع بينما زعم آخرون أكثر قدرة أنهم أعلى وأسمى من تلاميذه، مثل بطرس وبولس وباقي الرسل، والذين اعتبروهم أدنى من يسوع”. (Adv. Haer 1: 25: 2)

وكان أتباع كاربوكراتس يمارسون نوعاً خاصاً من الديانة التوفيقية: “كانوا أيضاً يقتنون صوراً، بعضها مرسوم والبعض الآخر مصنوع من مواد مختلفة. وكانوا يزعمون أن بيلاطس كان يحمل شبهاً من المسيح في ذاك الوقت حين كان يسوع يعيش في وسطهم. وقد كرموا تلك الصور واحتفظوا بها مع صور الفلاسفة في العالم، أي مع صور فيثاغورث وأفلاطون وأرسطو والباقين. وكانت لهم أيضاً أساليبهم الأخرى في توقير وتكريم تلك الصور تتبع نفس طرق الوثنيين”. (Adv. Haer. 1, 25, 6).

“كما مارس الكاربوكراتيون أيضاً فنوناً سحرية وأعمال الرقية والتعاويذ وإعداد أشربة الجاذبية والحب، وكانوا يستدعون الأرواح للكلام معها، وإيفاد الشياطين في الأحلام وغيرها من الرجاسات، زاعمين أن لهم سلطاناً حتى للسيطرة على رؤساء وأمراء هذا العالم، ليس عليه وحسب بل على الأمور التي فيه”. (Adv. Haer. 1: 25: 3).

وعن زمن ظهور كاربوكراتس، فهو من الأهمية بمكان إذ بحسب إيرينيوس فإن إحدى تلميذاته من النساء، وتدعى مرسيلينا، قد ذهبت إلى روما خلال حكم البابا أنيستوس (154-165م)، وأغوت كثيرين. وهو ما يثبت أن كاريوكراتس كان معاصراً لفالنتينوس.

ثاني عشر: إبيفانس

بينما لا تتوفر لدينا كتابات كاربوكراتس، فإن العديد من فقرات المبحث “عن العدل” الذي صاغه ابنه إبيفانس نجدها متوافرة لدينا. وقد كتب إبيفانس هذا البحث كعبقرية إبداع طفل صغير. وقد مات في السابعة عشرة من عمره، وعبده الناس كأنه إله في كيفالونيا، الجزيرة مسقط رأس أمه، ألكسندريا. وقد كرس أهل كيفالونيا معبداً باسمه في مدينة سيم، واحتفل أتباعه بتمجيده وتأليهه بالترانيم والذبائح في كل شهر قمري جديد. ويقتبس كليمندس السكندري فقرات من مبحثه “عن العدل” في كتابه (Storma. 3: 2: 5-9)، تدل على أن إبيفانوس كان يدافع عن مجتمع المقتنيات. بل إنه تمادى في طرحه حتى اعتبر النساء من بين المقتنيات المشاعة للجميع.

ثالث عشر: ماركيون

ولد ماركيون في سينوب، في بنطس، المعروفة الآن باسم سينوب، على البحر الأسود. كان أبوه اسقفاً، وتنتمي عائلته إلى أعلى الطبقات الاجتماعية في هذا الميناء المهم وتلك المدينة التجارية. أما هو فقد حقق ثروة كمالك سفينة. وقد جاء إلى روما عام 140م. في حكم أنطونينوس بيوس، والتحق في بادئ الأمر بجماعة المؤمنين. وسرعان ما تسببت تعاليمه في معارضة شديدة، حتى إن قادة الكنيسة طالبوه بتقديم اعتراف بإيمانه. وكان النتيجة أن تم حرمه في يوليو من عام 144م. وثمة فارق جوهري بين ماركيون وبقية الغنوسيين. فبينما أسس الغنوسيون الآخرون المدارس فقط، فقد أسس ماركيون كنيسته الخاصة بعد انفصاله عن كنيسة روما. فأسس رئاسة تراتبية من الأساقفة والكهنة والشمامسة. وكانت اللقاءات أو الاجتماعات الليتورجية شديدة الشبه بما يتم في كنيسة روما. ولهذا السبب التف حوله من المريدين عدد أكبر من أي غنوسي آخر. ويذكر يوستين أن كنيسته بعد حرمانه قد انتشرت بشكل مكثف في كل المسكونة. وحتى منتصف القرن الخامس بقي العديد من تلك المجتمعات الماركونية في المشرق، خاصة في سوريا، وفي مطلع القرون الوسطى بقيت منها مجموعات قائمة.

والمثير للأمر أن ماركيون قد تم حرمه على يد أبيه قبيل مجيئه إلى روما. وعلى الأرجح في موطنه سينوب واجهته معارضة كتلك التي تعرض لها في روما. لهذا نرى من المهم عرض بعض من تعاليمه، ولكن للأسف، فإن العمل الوحيد الذي حرره كان باسم “الطباق أو التضاد” (Antitheses) والذي يحوي لب تعليمه، قد فقد. بل إن رسالته إلى قادة الكنيسة الرمانية قد فقدت أيضاً، وهي الرسالة التي أقر فيها بإيمانه. ويضع إيرينيوس ماركيون مع الغنوسي السرياني سيردون الذي استقر في روما إبان حكم هيجينوس (136-140م) “وزعما أن إله الناموس والأنبياء ليس هو أبا ربنا يسوع المسيح، وأن أحدهما معلن والآخر مخفي مجهول، أحدهما عادل بار والآخر صالح”. (Adv. Haer. 1: 27: 1).

ويسجل إيرينيوس أن ماركيون قد توسع في مدرسة سيردون في روما، “وفي خزى يجدف على من يدعى الله بالناموس والأنبياء، مؤكداً أنه إله شرير يصنع الشر مغرم بالحروب، متذبذب في أحكامه يناقض نفسه أيضاً، وبالنسبة ليسوع الآتي من عند ذلك الآب، الذي هو فوق الإله الذي صنع العالم، إلى اليهودية في زمن بيلاطس البنطي، الوالي، الذي كان حاكم طيباريوس قيصر، وقد ظهر في الجسد لسكان اليهودية في هيئة بشرية، ليمحو كل الأنبياء والناموس وكل أعمال ذلك الإله الذي خلق العالم، والذي يدعوه أيضاً بحاكم العالم. وعلاوة على ذلك، فهو يشوه الإنجيل حسب القديس لوقا ويزيل منه كل ما كتب عن ميلاد ربنا بل وكثيراً أيضاً من تعليم عظات ربنا، والتي فيها نقرأ مكتوباً بكل وضوح كيف يعترف ربنا أن صانع هذا العالم هو أبوه.

قد اقنع تلاميذه أنه هو نفسه أكثر استحقاقاً من الرسل الذين كتبوا الإنجيل، في حين لا يضع بين أيديهم الإنجيل بل جزءً ضئيلاً منه، وبالمثل، شوه أيضاً رسائل بولس الرسول بأن نزع منها ما قاله رسول الإله الذي صنع العالم، وكيف أنه هو أبو ربنا يسوع المسيح، وكل ما اقتبسه الرسول في تعاليمه من الكتابات النبوية التي تتنبأ بمجيء الرب. ويقول، إن الخلاص هو لنفوسنا فقط، تلك النفوس التي تعلمت تعاليمه، ولكن الجسد لأنه في الحقيقة مأخوذ من تراب، لا يمكنه أن يشارك في الخلاص”.

وفي فقرة أخرى في (Adv. Haer. 3: 3: 4) يسجل إيرينيوس أن بوليكاريوس أسقف أزمير – سميرنا – التقى يوماً ماركيون وحين سأله الأخير: “هل عرفتني؟” أجابه: “لقد عرفتك فأنت بكر الشيطان”.

ومثل كل المقاومين للهراطقة من كتاب الكنيسة الأولى، أحصى إيرينيوس ماركيون من بين الغنوسيين. لكن أدولف هارناك لا يتفق على اعتبار ماركيون من الغنوسيين على الإطلاق، بل أو “مصلح مسيحي” ومسترد “المذهب البولسي”. وهارناك محق في أن ماركيون لم يبذل أدنى جهد لوصل الهوة في المسافة بين اللانهائي والنهائي بسلسلة متكاملة من الإيونات مثلما فعل الغنوسيون. بل إنه لم يشغل باله أبداً بالمناظرات حول سبب الفوضى في العالم المنظور. وهو يختلف أيضاً عن الغنوسيين في رفضه وإنكاره لكل التفسير الرمزي للكتاب المقدس. ولكن من الجهة الأخرى، فإن التعاليم اللاهوتية لماركيون توضح تماماً الخليط النموذجي للأفكار المسيحية والوثنية الأممية والتي تعد من أكثر مميزات الغنوسية. ومفهومه عن الألوهة مفهوم غنوسي صرف، فهو يميز تماماً بين الإله الصالح الخير الذي يقيم في السماء الثالثة وذلك الإله العادل الأدنى منه.

وفي مفهومه عن الكون او الكوزمولوجي نرى أيضاً تلك السمة الغنوسية فالإله الثاني الذي خلق العالم والإنسان ما هو إلا “الديميورج” (Demiurge) أي خالق العالم المادي، والمعروف تماماً لدى الجماعات الغنوسية الأخرى. وفكر ماركيون فكر غنوسي أيضاً، فهو يعتقد أن الأله الثاني لم يخلق العالم من عدم، بل خلقه من مادة أزلية هي بذرة كل الشرور. ويماهي ماركيون هذا الإله مع إله اليهود إله الناموس والأنبياء. هو بار وعادل لكنه يعاني من الأهواء والشهوات. هو غضوب ومنتقم، هو خالق كل شر، مادياً كان أم أخلاقياً. ولهذا السبب هو مشعل كل الحروب. وتظهر التعاليم الخريستولوجية لماركيون نفس الميل الغنوسي. فالمسيح ليس هو المسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم. فهو ليس مولوداً من العذراء مريم، لأنه لا يولد ولا ينمو، بل ولا يمكن أن يمر بما يمكن أن يشبههما حتى. وفي السنة الخامسة عشرة لحكم طيباريوس أعلن نفسه هكذا فجأة في مجمع كفرناحوم. ومنذ ذلك الحين صار له شبه بشري، ظل فيه حتى مات على الصليب.

وبسفك دمه افتدى كل النفوس من سلطان الديميورج خالق المادة، الذي أباد حكمه بتعليمه ومعجزاته. وهنا تبرز أيضاً سمة غنوسية في الطرح فإن بحسب ماركيون يكون الفداء قاصراً فقط على النفوس دون الأجساد، بينما يبقى الجسد خاضعاً لسلطان الديميورج خالق المادة، ومصيره الفناء. ويصدمنا من تلك التعاليم غياب الرصانة وكل منطق. ولا يشغل ماركيون باله بشرح أصل إلهه هذا، إله العدل ولا ما قيمة ذبيحة الصليب إن كانت فقط لشبح. وفي طريقه أيضاً لانتقاء نصوص العهد الجديد يظهر ميل واضح للغنوسية.

فهو قد حذف كل النصوص والفقرات الدالة على أن الله أبا المسيح هو نفسه خالق العالم، وأن المسيح هو ابن الله الذي صنع السماء والأرض، وأن أبا يسوع المسيح هو هو إله اليهود، لأن كل تلك النصوص تناقض الآراء الغنوسية بطريقة مباشرة. وفوق ذلك، يتفق ماركيون مع فالنتينوس، في عدم اعترافه بالعهد القديم. لكنه يختلف مرة أخرى عن معظم الغنوسيين بمقدار عدم صياغته أية أناجيل جديدة أو أسفار مقدسة، رغم أنه استهدف عدداً من كتابات العهد الجديد وأنكر ورفض العهد القديم تماماً. وكان ماركيون مقتنعاً تماماً أن اليهود زيفوا الإنجيل الأصلي للمسيح بإقحام عناصر يهودية فيه. لهذا السبب يزعم أن المسيح استدعى بولس الرسول ليستعيد الإنجيل إلى شكله الأصلي. ولكن حتى رسائل القديس بولس قد تم تحريفها من قبل أعدائه، لهذا استبعد ماركيون أناجيل متى ومرقص ويوحنا ورفض الاعتراف بكل الزيادات اليهودية التي زعم ورودها في إنجيل لوقا، والتي تحوي جوهرياً إنجيل المسيح.

واستبعد من مجموع رسائل القديس بولس الرسائل الرعوية والرسالة إلى العبرانيين. أما الرسائل التي احتفظ بها فقد حذف بعض الفقرات منها، فوضع الرسالة إلى أهل غلاطية أولاً، وغير اسم الرسالة إلى أفسس إلى الرسالة إلى لاودكية. وبهذا التغير اختصر العهد الجديد في وثيقتين للإيمان أطلق عليهما اسم الإنجيل، والرسول. ثم أضاف إلى هاتين الوثيقتين كتابه المعروف باسم “الطباق” الذي برر فيه رفضه الاعتراف بالعهد القديم بتجميعه لكل النصوص المعترض عليها ليدلل على الخصال الكريهة لإله اليهود. وفيه أيضاً يشرح اعتراضاته على الأناجيل وأعمال الرسل.

رابع عشر: أبيللس

كان أبيللس هو أهم تلاميذ ماركيون. وبحسب ترتليان فقد عاش أولاً مع ماركيون في روما. لكن وبعد قليل من الاحتكاك بمعلمه غادر إلى الإسكندرية بمصر. ثم عاد بعد ذلك إلى روما. ويمدنا رودون، خصمه اللدود والذي كان يعرفه شخصياً، بالمعلومات القيمة التالية عن تلاميذ ماركيون وخاصة أبيللس: “لهذا توقف الماركيونيون عن التوافق فيما بينهم وهم يتخبطون في آراء متضاربة. وكان أبيللس واحداً منهم، والذي كان محل توقير بسبب حياته وسنه.

وكان يقر أن هناك مبدأ (أصلاً) واحداً، لكنه زعم أن النبوات كانت بروح متناقض، وقد تم إقناعه بواسطة كلمات تتفوه بها شابة فيها روح نجس تدعى فيلومينا. لكن الآخرين، كالقائد نفسه ماركيون فقد زعموا بوجود مبدأين. وينتمي إلى هؤلاء بوتيتوس وباسيليكوس. وهذان قد اتبعا ذئب بنطس ماركيون، غير مدركين تقسيم الأشياء مثلما فعل هو، ولكنهما أخذا حلاً سهلاً؛ إذ أعلنا مباشرة عن وجود مبدأين دونما دليل. وانزلق آخرون إلى خطأ أفدح زاعمين بوجود ثلاثة طبائع لا اثنتين. أحدهم القائد والرئيس وهو سينيروس، مثلما أعلن أولئك الذين يمثلون مدرسته”. (Hist. Eccl. 5: 13: 2-4).

الأهم من ذلك حقيقة أن نقاشاً دار بن رودون وأبيللس، يسميه هارناك “أهم نقاش ديني في تاريخ الكنيسة”، ويصف رودون ذلك الحوار هكذا: “وحين تناقش معنا العجوز أبيللس، ثبت أن تصريحاته كلها زائفة، ومن هنا اعتاد أن يكرر أن لا طائل من وراء فحص المناقشة فحصاً كاملاً، بل أن يظل كل واحد على معتقده، لأنه أكد أن من يضعون رجاءهم في المصلوب يخلصون، إن هم ثبتوا في الأعمال الصالحة. لكن ومثلما قلنا، فإن أكثر الأجزاء غموضاًن في كل التعاليم التي طرحها، كان عن الله.

لأنه داوم على القول إن ثمة مبدأ واحداً تماماً مثلما تعلن تعاليمنا… وحين قلت له: “ما دليلك؟ أو كيف لك أن تقول بمبدأ واحد فقط؟ أخبرنا”، فقال إن النبوات تدحض نفسها بعدم ذكرها الحقيقة أبداً، لأنها غير متماسكة وزائفة وتناقض بعضها البعض، وعن وجود مبدأ واحد، قال إنه لا يعلم كيف، لكنه مال فقط إلى هذا الرأي. وحين رجوته أن يقول الحق، أقسم أنه كان يقول الحق حين ذكر أنه لا يعلم كيف أن الله غير المولود واحد، ولكنه فقط يؤمن بذلك. فسخرت منه وأدنته، لأنه لا يعرف كيف يدلل على تعاليمه، رغم أنه يدعو نفسه معلماً” (Hist. Eccl. 5: 13: 5-7).

ومن هذا العرض يتضح كيف اختلف أبيللس مع ماركيون، في أهم القضايا: أولاً؛ رفض بشكل أساسي الثنائية المطروحة لمعلمه، وسعى أن يعود إلى فكرة المبدأ الواحد المنفرد. ومن ثم، فقد قدم ما يعرف بالديميورج – خالق المادة الشرير – بصفته مخلوقاً من مخلوقات الله، وملاكاً خلق العالم. ثانياً؛ استبعد أبيللس “دوسيتية” أو “شبهية” ماركيون، فلم يعتبر أن جسد يسوع المسيح خيال، بل كان له جسد حقيقي، رغم أنه لم يأخذه من مريم العذراء بل استعاره من عناصر النجوم الأربعة. وحين صعد أعاد جسده إلى تلك العناصر.

ومن جهة أخرى، تمادى أبيللس أكثر مما ذهب إليه ماركيون في رفضه للعهد القديم. فقد اعتبر ماركيون العهد القديم مجرد وثيقة تاريخية تماماً دون أية قيمة دينية، لكن العهد القديم في نظر أبيللس كان مجرد كتاب كاذب زائف، مليء بالتناقضات والخرافات، ولا يعول عليه على الإطلاق. وحتى يثبت أبيللس تجرد العهد القديم من القيمة، صاغ كتاباً أسماه “القياسات المنطقية” حوى قرابة ثمانية وثلاثين كتاباً وقد حفظ أمبروسيوس العديد من الفقرات من هذا العمل، في مبحثه باسم “الفردوس”. ولم يتبق شيء من كتاب أبيللس المسمى “التجليات”، والذي قدم فيه رؤى فيلومينا النبية.

خامس عشر: الإنكراتيون (المتقلبون)

الإنكراتيون[3] (Encartites) هم الذين يرتبط تعليمهم بفكر ماركيون. مؤسس تلك الطائفة هو تاتيان السوري، وبحسب إيرينيوس يتفق الإنكراتيون مع ماركيون في رفضهم للزواج. ويدل غياب نسب يسوع في كتاب تاتيان الدياتسرون على أن ثمة شيئاً مشتركاً بينه وبين فكر ماركيون.

سادس عشر: يوليوس كاسيانوس

ينتمي يوليوس كاسيانوس إلى جماعة الإنكراتين (المتقلبين). ويذكر كليمندس السكندري اثنين من كتاباته في كتابه (Storma 3: 13: 92)، أولهما باسم “التفسير”، ونعرف من كليمندس أن الكتاب الأول في هذا العمل يتناول عمر موسى. أما عنوان العمل الثاني فهو “عن التقشف والزهد في الجنس”، والفقرتان اللتان يقتبسهما كليمندس من هذا العمل تتناولان رفض كل المعاشرات الجنسية. وثمة فقرة ثالثة تتناول إنجيل المصريين الغنوسي. وعن تعليم يوليوس بخصوص الدوسيتية أو الشبهية، فإن كليمندس يربطه بفالنتينوس وماركيون. ومن الواضح أن يوليوس كاسيانوس قد علم في مصر حوالي سنة 170م.

كتابات غنوسية أخرى

وإلى جانب الكتابات الغنوسية التي ذكرها الكتاب الكنسيون، هناك كتابات غنوسية أخرى باقية في الترجمات القبطية.

  1. مخطوط أسكويانوس (Codex Askewianus): وهو مخطوط من الرقوق كان يملكه من قبل “أ. أسكو” وهو محفوظ الآن في المتحف البريطاني (تحت رقم 5114) ويحوي أربعة كتب تحمل العنوان (Pistis Sophia)، وتمثل تلك الكتب الأربعة عملاً واحداً. يتألف رابعها من رؤى من المفترض أن يسوع قد بعث بها لتلاميذه بعد قيامته مباشرة، وهو أقدم من الكتب الثلاثة الأخرى، والتي تحوي رؤى من نفس النوعية من السنة الثانية عشرة بعد القيامة. ولا بد أن يكون الكتاب الرابع قد سطر في النصف الأول من القرن الثالث، في حين كتبت الثلاثة الأولى في النصف الثاني. وكل الكتب الأربعة تم تدوينها في مصر في دوائر باربلو (Barbelo) الغنوسية.
  2. وتذكر بستيس صوفيا مرة واحدة فقط في الكتب الثلاثة الأولى، حيث يرشدهم يسوع بشأن النهاية المصيرية والسقوط وفداء بستيس صوفيا. وهي كائن روحاني من عالم الأيونات، تعاني من نفس مصير البشرية بشكل عام. ولما كان النص يحوي العديد من الألفاظ اليونانية فلابد أن يكون الأصل مكتوباً باليونانية. وبحسب “كارل شميدت” فإن المخطوط يعود إلى النصف الثاني من القرن الرابع.
  3. مخطوطة بروسيانوس (Codex Brucianus): كان مملوكاً في البداية لجيمس بروس، والآن هو في مكتبة بودليان أوكسفورد، وهو بردية من القرن الخامس أو ربما السادس الميلادي، ويضم مخطوطتين مختلفتين. تحوي الأولى الكتابين عن سر اللوغوس العظيم، واللذين يماهيهما كارك شميدت مع كتابي جيو المجودين في بستيس صوفيا. وهما يحويان استعلانات يسوع عن “الكنوز التي على النفس اقتناؤها”، ويتم التعبير عن الكنوز برسومات صوفية، وأرقام ورموز ومجموعات حروف بلا معنى. أما العمل الثاني في مخطوط بروسيانوس فهو مشوه. ويحوي مناظرات عن أصل وتطور العالم المتسامي، والذي يبدو أنه قد نشأ في دوائر (Seth) الغنوسية.
  4. مخطوط ثالث محفوظ في برلين: هو يحوي ثلاثة أعمال. الأول بعنوان “إنجيل مريم” ويعرض رؤى استعلنت لمريم. والثاني بعنون “أبوكريفا يوحنا” هو ترجمة عمل يوناني دحضه إيرينيوس في نهاية كتابه الأول “ضد الهرطقات” (1: 29)، حيث يظهر يسوع في رؤيا ويعلن نفسه ليوحنا الرسول بصفته “أو وأم الابن”. والثالث بعنوان “حكمة يسوع المسيح”، وبحسب كارل شميدت، فإن هذه الحكمة تماثل كتاب الحكمة الذي حرره فالنتينوس.

مخطوطات نجع حمادي

في عام 1946م تم اكتشاف مجموعة كبيرة من النصوص الغنوسية في مصر تتألف من اثني عشر مجلداً أو أكثر من ألف صفحة باللغة القبطية. وقد تم العثور عليها في إناء من فخار بالقرب من مدينة نجع حمادي، في تخوم المدينة القديمة “شينوبوسكيون” على بعد ثلاثين ميلاً شمال الأقصر على ضفة النيل الشرقية. وتحوي الصفحات الألف سبعاً وثلاثين عملاً كاملاً وخمساً في شكل شذرات. وكل تلك الأعمال كان قد فقد. وقد تم التعرف على بعضها بكونها تشبه ما اقتبس منه إيرينيوس وهيبوليتس وأوريجينوس وإبيفانيوس في كتاباتهم الهجومية المناهضة للغنوسية. وهناك أعمال أخرى مجهولة ويوصف الكثير منها بالأعمال السرية التي لا يعرفها غير المؤمنين بها حتى إن الكتاب الكنيسيين الذين كتبوا ضد الغنوسية ربما لم يروها أبداً.

وتنسب خمسة أعمال منها إلى “المثلث العظمة” هرمس. وتحمل أعمال أخرى عناوين مثل، صعود بولس الأول، رؤيا يعقوب الثانية، الإنجيل بحسب توما وفيلبس، الكتاب السري ليوحنا، والإعلانات الخمس بحسب شيث، إنجيل المصريين، تقاليد متياس، حكمة يسوع، رسالة الطوباوي يوجنستوس وحوار المخلص. وتتماثل عناوين عديدة من تلك العناوين مع عناوين أناجيل منحولة – أبوكريفية – ولكن لا تبدو الأعمال التي لهذه العناوين تحمل نفس الفكر. وقد ألقت تلك البرديات المكتشفة مزيداً من الضوء على تاريخ الغنوسية في قرون المسيحية الأولى.

[1] مدينة تاريخية أسسها الإغريق في شرق ليبيا وهي موقع مدينة الشحات الحالية. (المراجع)

[2] ديانة نشأت في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية الفارسية. (المراجع)

[3] أي التقشفين أو المتقلبين؛ وهي طائفة كان تحرم أكل اللحوم وتنظر إلى الزواج كزنا، وتمنع النساء من لبس الحلي، وتمنع شرب الخمر فاستعاضت عنه بالماء في الإفخارستيا. (المراجع).