آبائيات

الصلاة بهدوء – معنى العروش والأكاليل – العظة 6 للقديس مقاريوس الكبير

عظات القديس مقاريوس الكبير - د. نصحى عبد الشهيد - بيت التكريس لخدمة الكرازة

الصلاة بهدوء – معنى العروش والأكاليل – العظة 6 للقديس مقاريوس الكبير

الصلاة بهدوء - معنى العروش والأكاليل - العظة 6 للقديس مقاريوس الكبير
الصلاة بهدوء – معنى العروش والأكاليل – العظة 6 للقديس مقاريوس الكبير

العظة السادسة للقديس مقاريوس الكبير – الصلاة بهدوء – معنى العروش والأكاليل – د. نصحى عبد الشهيد

 

الذين يريدون أن يرضوا الله ينبغي أن يقدموا صلواتهم بهدوء وسلام وبوداعة

وحكمة، ولا يسببوا عثرة للآخرين بصياحهم بأصوات عالية. هذه العظة تحتوي

أيضًا على سؤالين، الأول هو هل العروش والأكاليل هي خلائق حقيقيّة أم لا؟

والثاني عن كراسي إسرائيل الاثني عشر.

الصلاة بهدوء وسلام:

أولئك الذين يقتربون إلى الرب ينبغي أن يقدموا صلواتهم بهدوء وسلام وثبات عظيم، ويثبتوا نظر عقولهم نحو الرب، ليس بصرخات غير ملائمة ومضطربة، بل باجتهاد قلب حار وأفكار يقظة. كما يحدث في حالة بعض الأمراض، أن علاج المريض يستلزم إجراء كيّ له أو عملية جراحيَّة، فالبعض يحتملون ألم الكيّ أو الجراحة بشجاعة وصبر وضبط نفس بدون صراخ أو اضطراب، بينما آخرون عندما تُجرى لهم نفس عملية الكيّ أو الجراحة فإنهم لا يحتملون نار الكيّ أو مشرط الجرَّاح ويضجون بصرخات عالية مزعجة غير ملائمة.

ومع ذلك فإن ألم الإنسان الذي يصرخ عاليًا هو نفس ألم ذلك الإنسان الذي لا يصنع اضطرابًا. هكذا أيضًا فهناك بعض الناس يحتملون شدائد وأحزان تأتي على نفوسهم بصبر ويتقبلونها بخضوع ولا يصنعون اضطرابًا وانزعاجًا بل يضبطون أنفسه بالتأمل العقلي في الرب (في داخل قلوبهم)، بينما آخرون حينما تحل بهم نفس الشدائد والأحزان، يفقدون قوة احتمالهم ويقدّمون صلواتهم بأصوات مضطربة مزعجة تضايق وتعثر أولئك الذين يسمعونهم.

وهناك آخرون أيضًا رغم أنهم في الحقيقة لا يعانون من شدائد أو أحزان ولكنهحم لأجل التفاخر والرغبة في التميُّز يصلون بصراخ وبدون انضباط ظانين أنهم بواسطة هذه الأصوات العالية- يستطيعون أن يرضوا الله.

ولا ينبغي لأي واحد من خدام الله أن يفقد ضبط نفسه، بل ينبغي أن يكون في كل وداعة وحكمة، كما يقول الرب “إلى من أنظر- ألا إلى الوديع والمتواضع الروح والمرتعد من كلامي” (إش 66: 2 السبعينية). وفي حالة كل من موسى وإيليا نجد في الظهورات التي مُنحت لهم، أنه رغم وجود خدمة أبواق عظيمة وقوات أمام عظمة الرب، إلاَّ أن حضور الرب كان يتميَّز بين الكل وعن الكل، وكان يظهر في هدوء وسلام وراحة لأن الكتاب يقول: “وإذ صوت منخفض خفيف” (1 مل 19: 2) وكان الرب في هذا الصوت. وهذا يبين أن راحة الرب هي في الهدوء والسلام والسكون.

وبحسب الأساس الذي يضعه الإنسان، وبحسب الطريقة التي يبدأ بها فإنه يستمر في نفس الخط إلى النهاية. فإن ابتدأ يصلي بصوت عالي وصراخ مزعج، فإنه يستمر في هذه العادة إلى النهاية، ولكن لأن الرب محب البشر، فإنه يهب عونه ورعايته حتى لمثل هؤلاء الأشخاص ولذلك فإنهم بواسطة تشجيع النعمة يستمرون بنفس هذه الطريقة إلى النهاية.

ومع ذلك يتضح أن هذا هو حال الذين لم يتهذبوا بعد (بالروح)، لأنهم يسببون عثرة للآخرين وفي نفس الوقت يكونون هم أنفسهم في اضطراب وتشويش في صلواتهم.

إن أساس الخدمة الحقيقي هو هذا: أن نركز انتباهنا، ونصلي بهدوء عظيم وسلام، حتى لا نسبب عثرة لأولئك الذين في الخارج. والإنسان الذي يصلي هكذا، إذا حصل على نعمة الله ورضاه على صلاته واستمر إلى النهاية في هدوء فإنه سيبني كثيرين غيره “لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام” (1 كو 14: 33).

وأولئك الذين يصلون بضجيج وصراخ فإنهم يشبهون الإنسان الذي يصيح عاليًا ليضبط إيقاع المجدفين في السفينة. هؤلاء لا يستطيعون أن يصلّوا هكذا في كل مكان لا في الكنائس، ولا في القرى، ربما يستطيعون فقط أن يصلّوا في الصحاري كما يريدون. أما أولئك الذين يصلون بهدوء فإنهم يبنون كل إنسان في كل مكان.

وينبغي أن يكون حرص الإنسان وجهده كله موجهًا ومسلطًا على أفكاره، فينبغي أن يقطع الشجرة الكثيفة المتشابكة- شجرة الأفكار الشريرة التي تقلقه وتهاجمه ويلقي بنفسه على الله، ولا يدع أفكاره تحمله حيث تشاء، بل يجمع أفكاره حينما تجول في كل اتجاه ويميِّز بين الأفكار الطبيعيّة والأفكار الشريرة. والنفس لأنها تحت الخطية فإنها تكاد تشبه غابة كبيرة قائمة على جبل، أو مثل عيدان الغاب في النهر أو مثل غابة أشواك وأدغال.

فالذين يريدون أن يعبروا خلال هذا المكان يلزمهم أن يرفعوا أيديهم ويجتهدوا بكل قوة أن يدفعوا جانبًا الأدغال والأشواك التي تزعجهم. وبالمثل فإن الأفكار التي تأتي من القوة المعادية يزعج النفس مثل الأدغال والأشواك لذلك يلزمنا سهر وانتباه كثير وعقل يقظ، لكي نميِّز ونعرف الأفكار التي ليست منا بل هي من إيحاء القوة المعادية لنا.

فهناك إنسان يثق في قدراته الخاصة فيظن أنه يمكنه أن يجتاز الجبال المحيطة به بقدرته، وإنسان آخر يضبط عقله بهدوء وتبصُّر وتمييز فينهي عمله ويتممه أفضل من الشخص الأول وبدون أن يتعب نفسه كثيرًا. وهكذا الأمر فيما يختص بالصلاة، فإن البعض يصيحون في الصلاة صيحات عالية غير ملائمة، كما لو كانوا يعتمدون على قوة عضلاتهم، وهم لا يعرفون كيف تخدعهم أفكارهم وتوهمهم أنهم يستطيعون أن يحققوا نجاحًا كاملاً بقوتهم الخاصة.

بينما يوجد آخرون ينتبهون لأفكارهم ويتمِّمون كل العمل والجهاد في الداخل. فهؤلاء عن طريق فهمهم وتمييزهم يستطيعون أن يصلوا إلى النجاح وأن يتخلصوا من عصيان الأفكار المتمردة، وأن يسيروا بحسب مشيئة الرب.

ونجد في كلام الرسول بولس أنه يقول: إن الذي يبني الآخرين أعظم من الذي لا يبنيهم إذ يقول: “إن الذي يتكلم بلسان يبني نفسه أما الذي يتنبأ فيبني الكنيسة.. لأن من يتنبأ أعظم ممن يتكلم بألسنة” (1 كو 14: 4-5) لذلك فليختار كل واحد أن يبني غيره وهكذا يُمنح له ميراث ملكوت السموات.

العروش والأكاليل:

سؤال” إن بعض الناس يخبروننا أن العروش والأكاليل هي خلائق حقيقيّة وليست أشياء روحانية، فكيف ينبغي أن نفهم ذلك؟

جواب” إن عرش اللاهوت هو عقلنا وأيضًا عرش العقل هو اللاهوت والروح. وبنفس الطريقة فإن الشيطان وقوات الظلمة ورؤسائها- منذ تعدي الوصية- قد جلسوا في قلب وعقل وجسد آدم كأنه كرسي الشيطان وعرش لهم، ولهذا جاء الرب وأخذ جسدًا من العذراء.

لأنه لو كان قد شاء أن ينزل إلينا بلاهوته المكشوف بدون جسد فمن كان يستطيع أن يتحمل رؤيته؟ لذلك فقد تكلَّم إلى الناس بواسطة الجسد كأداة. وبهذه الطريقة فقد قضى على أرواح الشر التي كانت قد اتخذت لها مسكنًا ومجلسًا في الجسد أي كرسي العقل والفكر التي سكنت فيه، فجاء الرب وطهَّر الضمير وجعل الأفكار كرسيًا له.

 

سؤال” إذن ما هو معنى الآية “إنكم تجلسون على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر” (مت 19: 28).

الجواب: إننا نجد أن هذا قد حدث فعلاً على الأرض بعد أن أُصعد الرب إلى السماء. لأنه أرسل الروح المعزي على الاثني عشر رسولاً فجاءت القوة المقدسة من الأعالي ونصبت خيمتها وجلست على كراسي عقولهم. وحين قال الواقفون “إنهم قد امتلأوا سلافة” (أع 2: 13) بدأ بطرس في الحال أن يحكم عليهم متكلمًا عن يسوع قائلاً: “يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قِبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده..” (أع 2: 22-4، أع 5: 30) إن هؤلاء ليسوا بسكارى لأنه مكتوب “ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم” (أع 2: 17) فجاء كثيرون إلى التوبة بتأثير تعليم بطرس وهكذا بدأ عالم جديد في الوجود، عالم مختار من الله.

ألا ترون كيف ظهرت بداية الدينونة؟ فقد ظهر هناك عالم جديد، وهكذا أُعطي لهم سلطان أن يجلسوا ويجروا الدينونة حتى في هذا العالم. ولكنهم سوف يجلسون ثانية ويدينون عند مجيء الرب في قيامة الأموات. ولكن قد بدأت هذه الدينونة هنا على الأرض حينما جلس الروح القدس على كراسى عقولهم. إن الأكاليل (التيجان) التي سينالها المسيحيون في الدهر الآتي هي غير مخلوقة. والذين يقولون إنها مخلوقة هم مخطئون.

والروح يستخدم هذه الأوصاف كرموز وإشارات للحقيقة. فماذا يقول الرسول عن أورشليم السماويَّة؟ يقول “هذه هي أمنا جميعًا” (غل 4: 26) وهذا هو اعترافنا نحن أيضًا. وأما عن اللباس الذي يلبسه المسيحيون فواضح أن الروح نفسه هو الذي يكسوهم، باسم الآب والابن والروح القدس إلى الأبد. آمين.

الصلاة بهدوء – معنى العروش والأكاليل – العظة 6 للقديس مقاريوس الكبير

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)