سؤال وجواب

 هل أخذ سفر التكوين قصة الخلق من أساطير الأولين؟

 280- هل أخذ سفر التكوين قصة الخلق من أساطير الأولين؟

← ملاحظة: لقد أمضينا وقتًا طويلًا في عرض أساطير مختلفة بهدف أن يتأكد القارئ الفطن من بطلان الدعوى بأن هذه الأساطير مثلت مصادر ومنابع سفر التكوين. ومع ذلك فإن كثير من الكتاب وأرباب النقد يصرون على الإدلاء بدلوهم في هذه البئر المظلمة. ولذلك تجدني مضطرًا لذكر بعض تعليقاتهم.

يطرح الخوري بولس الفغالي رأى جنكل في سفر التكوين على أنه مجموعة أساطير وخرافات فيقول ” المسائل الجديدة التي طرحها جنكل: وتوسع حنكل في برنامجه الثوري في مقدمة شرحه لسفر التكوين(1) قال: التكوين هو مجموعة خرافات أراد جنكل أن يفهمنا أن كتاب المراجع (الأسفار) ليسوا ” خلاق “الخرافات التي يوردونها. لقد جمعوا أخبارًا شعبية ودورات أساطير وتقاليد شفهية.. كيف تخيل جنكل صيرورة سفر التكوين؟ قال هناك في البدء عدد من العناصر تناقلتها البيوت، واستعاد هذه الأساطير ونشرها جماعة من الرواة المحترفين، ومع الوقت تجمعت الأخبار التي كانت منعزلة، فكونت دورات من الأساطير ارتبطت الواحدة بالأخرى، فعدم التماسك في اللحمة الإخبارية للخبر الكتابي (كما جاء في سفر التكوين) لا يعود فقط إلى تجاوز المراجع الأدبية المختلفة، بل إلى اختلاف السطر (الأساطير) والدورات التي جمعها أصحاب هذه المراجع (الأسفار)..”(2).

يقول كمال الصليبي ” وما سفر التكوين، وهو السفر الأول من التوراة، إلا مجموعة من الأساطير التي يتعدى قدمها قدم اليهودية ونصوصها المكتوبة بأجيال، ومن هذه الأساطير، ولا شك، ما طرأ عليه تغيير قليل أو كثير.. على الباحث في أساطير سفر التكوين إذًا أن يحاول إرجاع كل أسطورة منها إلى عناصرها الأصلية قبل الإقدام على المحاولة لفك رموزها وحل ألغازها(3).

يقول زينون كوسيوفسكى “مع فك رموز الكتابة المسمارية Cuneiform بدأ واضحًا وجليًا أن العهد القديم.. الذي زعموا أنه أوحى إليهم من الله، يعود بأصله وجذوره إلى تقاليد ما بين النهرين، وأن الكثير من التفاصيل الكثيرة المذكورة فيه، بل وحتى أساطير كاملة منه، مسروقة بنسبة أو بأخرى من كنز الأساطير والخرافات السومرية الغنى.. استعمل الكهنة في مؤلفاتهم المقتبسة الأساطير الشعبية القديمة لما بين النهرين، وبلا أي خجل أو شعور بالذنب أو بعذاب الضمير، طبخوا تلك المقتبسات وجهزوها لتخدم أهدافهم الدينية.. لم يكن عمل الكهنة في الاقتباس والتزوير دقيقًا، ولم يكونوا شديدي الحذر، فقد نسوا بين سطور التوراة الكثير من التفاصيل التي تفضح صلتها القوية بحضارة ما بين النهرين”(4).

د – يقول د. كارم محمود عزيز ” وقد خمل الأثاري الأمريكي ” جيمس بريتشل “على عاتقه مهمة مقارنة رواية الخلق العبرانية الواردة في الإصحاح الأول من سفر التكوين برواية الخلق البابلية، حيث اكتشف تطابقًا مدهشًا بينهما، وكان أول ما آثار انتباهه ذلك التتابع المدهش الذي اتسمت به الروايتان ” ظهور السماء والأجرام السماوية، انفصال المياه عن الأرض، خلق الإنسان في اليوم السادس وراحة الإله في اليوم السابع ويرى ” كييرا “أن طريقة عرض قصة خلق العالم والإنسان في الرواية القوراتية في سرد حوادثها بالتعاقب، تشبه تمامًا طريقة سرد القصة نفسها في الرواية البابلية (أينوما إيليش)”(5).

ه- يقول الدكتور سيد القمني عن الكتاب المقدَّس أنه ” أصبح مصدرًا تاريخيًا ودينيًا لا غنى عنه، للباحث المدقق أو المؤمن المتبتل، على حد سواء، نتيجة كونه الأثر الوحيد الذي وصلنا متماسكًا وشبه جامع لتراث شعوب حوض المتوسط الشرقي بجمله عادات هذه الشعوب وتقاليدها ونظمها الاجتماعية، واعتقاداتها الدينية مع عدد غفير من الأساطير والتواترات والملاحم والفلكوريات، لذلك فهو معين للمؤمن، كما إنه لا شك معين عزيز للباحث المنقب أيضًا”(6).

كما يقول د. سيد القمنى أيضًا أن اليهود ” كانوا في عجلة من أمرهم لوضع كتاب مقدس (BIBLE) جمعوا له حشدًا من كل ما وقع تحت أيديهم من ميثولوجيا المنطقة وتراثها.. وهكذا بعد أن تمكن العبريون من تهويد تراث المنطقة، وجعلوا جماعتهم وأسلافهم قطب الدائرة في كتابهم. فنسبوا بطولات الملاحم القديمة إلى آبائهم الأوائل أحيانًا، وأدرجوا الأبطال في الميثولوجيا القديمة للمنظفة شمن النسل العبراني أحيانا أخرى” (1).

وأيضًا يقول د. سيد القمنى “وقد كان من المظنون حتى عهد قريب أن الكاتب التوراتي هو الناظم الأول لأسطورة الخلق بهذا الشكل، الذي اكتسب ثباتًا عجيبًا، وانتقل إلى ديانات أخرى مع بعض التهذيب هنا والتشذيب هناك، حتى بدأت الكشوف الأركيولوجية المعاصرة في آثاريات المنطقة تأتى بثمارها، وتم فك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية، والمسمارية الرافدية، والأوغاريتية الكنعانية، مما أثبت أن هذه الملحمة ليست إلا تهجينا مستهجنا لمجموعة من الملاحم القديمة، التي عرفها بنو عابر مبكرين، وأعادوا صياغتها في توراتهم، بينما اندثرت تلك الحضارات القديمة، ونسى تراثها، حتى أعاد الزمان مسيرته، وبدأ نفض غبار الأيام الغبراء عنها.

وبرغم عدم تناسق الدراما التوراتية في التكوين، وتنافرها بعضها مع بعض، ومع أبسط البداهات العقلية، كنتيجة لسلب التراث دون إدراك..”(7).

و- يقول ناجح المعموري “في حدود 850 ق. م حاول كاتب أو راو أو محدث عبرى نرمز إلى اسمه بقولنا “اليهوى ” أن يجمع بين الفولكلور الكنعاني ما كان شائعا بين الناس من قصص وأساطير وروايات عن الآلهة “إيل ومردوك وبعل ” وطبيعي يعزو هذه القصص والأخبار إلى يهوه… حاول أن يكتب (بالحرى أن يجمع) تاريخ قومه بادئا قصته بالخليقة (كما كانت عند البابليين، أي الإصحاح الثاني من سفر التطوين) ثم بآدم وحواء والجنة والسقوط في الخطيئة، وتغير الإنسان والخليقة بعد سقوط الإنسان ثم الطوفان ثم أخبار العبرانيين موسى وهارون وإبراهيم وإسحق ويعقوب. وفي تاريخه هذا تظهر موهبته في القصص الديني”(8).

ز- يقول الأب سهيل قاشا “لا يرقى الشك إلى أن الكاتب الكهنوتي قد توخى الاستناد إلى التراث البابلي، واستعان به أداة من أدواته التعبيرية في صياغة أفكار لاهوتية جديدة.. لم يتخذ الكاتب الكهنوتي ملحمة “أنوما أيليش” مؤلفًا أدبيًا كليًّا، بل انتقى العناصر الروائية والموضوعاتية التي تناسب تصوره الفكري اللاهوتي”(9).

كما يقول الأب سهيل قاشا “تعتبر أسطورة الخليقة البابلية أينوما إيليش. أندر وأعرق وأوسع أسطورة خليقة أو تكوين في العالم القديم، وسبب عراقتها هذه كانت مصدرا أساسيا لأغلب أساطير التكوين في ذلك الوقت، وعنها ومنها اقتبست أسطورة التكوين التوراتية، ويقول أيضًا “يقتفى التكوين التوراتي أثر أساطير التكوين السومرية والبابلية في خطوطه العامة وفي تفاصيله، فالحال البدائية السابقة للخلق حالة عماء مائى وظلمة سرمدية.. ومن هذه المياه تم التكوين، حيث قام يهوه بتقسيم المياه إلى قسمين..”(10).

ج:

نكتفي بهذه الأقوال، على أننا سنعرض لأقوال أخرى خلال تعليقنا على الموضوع والآن دعني يا صديقي أعلق على بعض النقاط في بساطة ووضوح. أما التعليق على كل ما ذكر فهو موضوع طويل أتركه لفطنة القارئ. ولمن يريد أن يستكمل البحث في علم الميثولوجيا ومحاولة ربطه بالكتاب المقدس:

1- نحن المؤمنين لا نهتز مطلقا من ارتفاع صوت الباطل، ولا من كثرة الأباطيل المثارة هنا وهناك، لأن إيماننا ليس إيمانًا نظريًا يتزعزع سريعًا، إنما هو إيمان عملي اختباري حياتي، مبنى على ثقة كاملة بالكتاب ورب الكتاب “الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا” (1 يو 1: 1) فنحن لنا ملء الثقة في الوعد الإلهي أن “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت 16: 18)… نحن أبناء مار مرقس الذي هدم أركان الباطل على أرضنا، ومازال يهدم… نحن أبناء أثناسيوس ضد العالم، فلم يكن المسيحي يوما ريشة في مهب الريح، ولا سمكة ميتة يحملها التيار حيثما شاء، بل هو صخرة حية في كنيسة الله المقدسة المؤسسة على كلمة الله، واثقين أن “كل آلة صورت ضدك لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه” (أش 54: 17).

2- بنى النقاد إفتراضاتهم على أن سفر التكوين أخذ شكله النهائي في القرن الخامس قبل الميلاد بعد العودة من السبي البابلي، وبذلك أتيح للكاتب التعرف على الحضارات السومرية والمصرية والبابلية الفارسية، وقد أخذ منها بعد تنقيتها من جو الشرك وصراع الآلهة(58). ويقول الأب سهيل فاشا “أن السبي البابلي قد قدم لليهود فرصة الإطلاع على آداب وديانة وأساطير ثقافة وادي الرافدين، وعندما عادوا إلى أورشليم وقاموا بتدوين نصوص التوراة المتفرقة في كتاب جامع شامل، دخلت خبراتهم أيام السبي بشكل تلقائي وطبيعي فيما دونوه من نصوص(11) ، كما يقول “أما التوراة العبرانية فقد دونت أقدم أسفارها وهي أسفار موسى الخمسة بعد العودة من الأسر الابابلى في القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد، ولم يقر النص النهائي للتوراة إلا في القرن الأول قبل الميلاد”(59).

وهذا مجاف للحقيقة لأن كاتب سفر التكوين هو موسى النبي بشهادة نصوص التوراة، ورجال العهد القديم، ورجال العهد الجديد، وفوق الكل شهادة السيد المسيح الإله المتأنس(12) فسفر التكوين ليس مجهول الهوية، بل كتبه موسى النبي في صحراء سيناء في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهي منطقة بعيدة عن بلاد الرافدين.

وإن قال أحد النقاد أن أساطير بلاد الرافدين قد وصلت إلى مصر مثل أسطورة “أدبا” التي عثر عليها في تل العمارنة، وأسطورة ملكة العالم الأسفل، نقول إن كان المصريون القدماء لم يقبلوا هذه الأساطير ولم يعتقدوا بها، لأنه كان لهم معتقداتهم الخاصة، فكيف نتوقع أن موسى عبد الله يؤمن بهذه الأساطير، بل ويدونها للأجيال ككلمة الله الموحى بها؟!!… ألا يعتبر هذا طعن في أمانة موسى النبي الذي شهد لأمانته الله ذاته… يقول “جوردون وينهام “… “يبين كاتب (تك 1) إنه كان على علم بالقصص الأخرى، ولكنه لم يعتمد عليها في كتاباته، بل بالحري هو يرفضها رفضا باتا”(13)(14).

3- ما وجد من تشابهات بين الأساطير وسفر التكوين له مبرره، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهو أن أصل القصة واحد، سواء خلقة الكون أو الإنسان أو السقوط أو الطوفان… إلخ. لقد علمها آدم لأبنائه وأحفاده، ونشرها نوح وأبنائه بين ذرياتهم، ولكن بمرور الأيام والأزمان أخذتها الأجيال شفاهة وأضافت إليها تصوراتها، فكانت الأساطير. أما ما دونه سفر التكوين فهو يعبر عن أصل القصة الصحيح الذي وصل لموسى عن طريق التقليد، كما أن روح الله القدوس عصمه من أدنى خطأ ممكن، ولذلك فالحدث التوراتي تجده نقيا يطابق الحقيقة تماما، ويقول “إيدرشيم “.. “إن هذه (الأساطير) في الحقيقة ما هي إلا بقايا الأعمدة المحطمة لذاك الذي كان مرة هيكلا للحق بعد أن تناثرت واستحالت إلى تقاليد بشرية منذ أقدم العصور… فهي (الأساطير) إذا بقايا الحق بين الناس في التقاليد القديمة خلال الأجيال الغابرة، على أن مرور الزمن قد زاد من فساد تلك التقاليد وجعلها خليطا من الحقائق والخرافات وذلك بسبب تباعد البشر تدريجيا عن الله بمقدار ما تباعدوا عن الإعلان الإلهي الأول التام الصفاء والنقاء والذي هو مصدر الديانة الحقيقية التي آمنت بالله وحفظت عبادته منذ البداءة… وشتان بين هذا الموقف الذي يعلن الإيمان الخالص بإله واحد خالق سام حاكم فريد للكون، وبين تعدد الآلهة الفظيع الذي ارتبطت له النجاسة والانحطاط حسبما هو وارد في أساطير الديانات القديمة بأسرها”(15).

ويقول د. محمد بيومي مهران “وفي مقارنتنا لقصة التوراة وقصة الخلق البابلية، نستطيع -كما يقول الدكتور جون الدر- أن نكتشف فروقا ومتشابهات، أما المتشابهات فكل من القضيتين متفق على وقت كان كل شيء فيه خرابا وخاليا، في قصة التوراة ترى كيف حل النور محل الظلام، والعمار محل الخراب والدمار، وفي قصة بابل نجد الإله “مردوخ ” ملك النور يقتل الإلهة “تيامات ” ملكة الظلام والغمر، وفي القصتين كذلك نرى أن الماء كان هو أصل الأشياء، وإن كانت الروايتان قد اختلفتا في أن القصة البابلية جعلت الماء أزليا بينما جعلت الكتب السماوية الله هو الأزلي وإنه هو الذي خلق الماء، وأما الاختلافات، فالتوراة تجعل الله يخلق الشمس والقمر والنجوم في السماء، بينما قصة البابليين تجعل الله يخلق السدم والكواكب لتكون محطات للآلهة الكبار، وفي التوراة يخلق الله الإنسان من تراب، وفي قصة بابل يخلقه مردوخ من لحم وعظام. وفي قصة التوراة يخلق الله الأشياء جميعا في ستة أيام، ويستريح في اليوم السابع، بينما لا تذكر القصة البابلية ذلك”(16).

4- القاعدة العامة التي جرى عليها أدب الشرق الأدنى القديم هي التطويل والإضافات، وليس الاختصار، أي أن القصة البسيطة تمثل الأصل، وعندما يضاف إليها بعض الأمور غير المنطقية تصبح أسطورة، وليس من المعتاد في أدب الشرق الأدنى القديم اختصار الأسطورة لتصل إلى قصة بسيطة، ولذلك فالأقرب للعقل والمنطق أن قصة الخليقة البسيطة التي جاءت في سفر التكوين هي التي أضافت إليها الشعوب تصوراتها فصارت أساطير، ومن المستبعد جدا أن يكون موسى قد إستخرج من الأساطير هذه القصة البسيطة، وتأكيدا لهذه النظرية أنظر إلى قصيدة الأينوما إيليش التي تحتوى 1100 سطر بينما جاءت قصة الخلق في الإصحاحين الأول والثاني من سفر التكوين في 56 عدد لا غير.

5- في الأساطير تجد الآلهة محدودة، ومتعددة، تأكل وتشرب وتنام، وتتزاوج وتتناسل وتتصارع وتذبح… وبعض هذه الآلهة لم يعرف الخبز ولا الثياب من قبل، فيقول الأب سهيل فاشا نقلا عن أسطورة سومرية “لم يعرف الأنوناكى أكل الخبز… لا ولم يعرفوا لبس الثياب… بل أكلوا النباتات بأفواههم… وشربوا الماء من الينابيع والجداول… في تلك الأيام وفي حجرة الخلق.. أكل الأنوناكى ولم يكتفوا… ومن حظائرها المقدسة شربوا اللبن.. شربوا ولكنهم لم يرتووا… لذا، ومن أجل العناية بطيبات حظائرها… ثم خلق الإنسان”(17).

بل أكثر من هذا قد نجد في الأساطير الآلهة تغتصب الأمهات وتكذب فيقول الأب سهيل فاشا عن الأساطير السومرية أن الإلهة “نيبور العجوز ” حدثت ابنتها “ننليل ” عن كيفية إغراء “إنليل “… “في تلك الأيام قامت الأم بإرشاد ابنتها.. قامت نينار شيكونو بنصح ابنتها.. عند النهر الصافي يا فتاتي، عند النهر الصافي اغتسلي.. الجبل العظيم، إنيل الأب، ذو العينين البراقتين سيراك.. الراعي، سيد المصائر، ذو العينين البراقتين سيراك… حيث يقبلك.. نفذت ننليل مشورة أمها، وأبصرها إنيلي فحاول غوايتها، ولكنها تمنعت، فتحايل عليها وحملها بمعونة وزيره نسكو إلى قارب، وهناك اغتصبها، وتركها حبلى بالإله القمر. إلا أن الآلهة تغضب لفعلة إنليل، ويقرر المجمع نفيه إلى العالم الأسفل. يرضخ إنليل لمشيئة الآلهة، ويبدأ رحلته نحو العالم الأسفل. ولكن ننليل التي تمكن منها حب الإله الشاب تلحق به وتدركه عند بوابة الجحيم، ولكن إنليل يطلب من حارس البوابة، ولسبب لا ندريه تضليل ننليل، ويتخذ هو نفسه هيئة الحارس ويقبع في انتظارها.. وعندما تصل وتسأله عن حبيبها، يجيبها وهو في هيئة الحارس مضللا، ثم يجامعها ويتركها حبلى بنرجال إله العالم الأسفل”(18).

ومثل هذه الأمور لا يمكن أن نجد لها أثر في كتابنا المقدس الذين يدين النجاسة والكذب وإثارة القلاقل (مثلما فعل الإله “كنجو ” الذي تعرض للذبح) بل بالعكس الكتاب المقدَّس يعرفنا بالله الواحد الخالق غير المحدود، الذي يسمو عن كل نقيصة، بل هو كامل في كل شيء ويقول “جوش مكدويل ” فالروايات البابلية والسومرية تصف الخلق باعتباره ناتجا للصراعات التي نشأت بين الآلهة المحدودين، فعندما دحر أحد الآلهة (تيمات) وأنشطر إلى نصفين، أصبح نهر الفرات ينبع من إحدى عينيه ونهر دجلة ينبع من العين الأخرى، والبشرية مخلوقة من دم إله شرير مخلوط بالطين، تبين هذه القصص التكلف والتشوية المتوقع في الرواية التاريخية عند صياغتها في هيئة أساطير… فالافتراض الشائع بين الرواية العبرية في الكتاب المقدَّس ليس إلا صورة مبسطة وأكثر نقاء من الأساطير البابلية هو افتراض غير صحيح..”(19).

لقد نظر اليهود لعبادات الأمم على أنها عبادات شيطانية، فكيف يمكن لإنسان يهودي يؤمن بالوحدانية المطلقة أن يتقبل ولو جزئيا أساطير الأمم المبنية على تعدد الآلهة، بل أكثر من هذا يقتبس بها، بل وأكثر من هذا يظهرها على أنها كلمة الله الموحى بها؟!!.

وإن قال البعض أن البشرية تطورت من عبادة الآلهة إلى الوحدانية (تطبيقًا لنظرية داروين) فالحقيقة أن الآثار قد أثبتت العكس، فالإنسان في فجر الحضارة كان يعرف الوحدانية، ثم عندما تدنت أخلاقه سقط في تعدد الآلهة، ويقول “د. ستيفن هربرت ” أحد علماء الحفريات وأستاذ العلوم الآشورية بجامعة أوكسسفورد “إنني أؤكد بثقة أن عقيدة الوحدانية في الديانات السامية والسومرية قد سبقت الإيمان بعديد من الآلهة، والاعتقاد بالأرواح الخيرة والشريرة، فكل الديانات السامية قد بدأت بالإيمان بإله واحد للقبيلة، قام بخلق أفرادها، ويسهر على حفظهم ورعايتهم، وتاريخ الديانات في المجتمع الإنساني، ليس سوى تاريخ سقوط الإنسان وارتداده”(20).

وقال سير “بيتر ريتو ” مترجم الكتاب المصري القديم “الموتى “.. “منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، ارتفعت على ربوع وادي النيل، أصوات التسابيح للإله الواحد، وخلود النفس. لأن الاعتقاد بوحدانية الإله العظيم، وصفاته القدسية كالخالق الأوحد، ومصدر الناموس الأدبي، تبدو مجموعة لامعة متألقة، وسط أكداس المعتقدات الفرعونية الكثيرة التي تراكمت خلال العصور الطويلة، لذلك فإننا لا يمكن أن نقول أن الفكر الديني في مصر القديمة قد تطور من الدرجات السفلى وتسامى إلى أعلى، حتى وصل إلى عقيدة الوحدانية والخلود”(21).

ويقول العالم النمساوى “شميث ” في كتابه “تطور الديانات “… “وإن الذي يدرس الآثار القديمة في مختلف أنحاء العالم، يستطيع أن يدرك أنه بين القبائل البدائية كانت تسود المعتقدات بإله واحد، وبأن حياة خالدة قادمة لا محالة”(22).

6- قال البعض أن الأينوما إيليش أظهرت شمولية الإله مردوخ حيث خلعوا عليه الأسماء الخمسين “فظهر مردوخ، رغم وجود بقية الآلهة، إلها أوحدا مطلقا”(23).

والواضح أننا في أسطورة الأينوما إيليش تقف أمام عدد ضخم من الآلهة التي تقف في مستويات مختلفة، فمنها الآلهة العليا “الأيجيجى ” والآلهة الصغرى “الأنوناكى ” والآلهة هم الذين منحوا السلطة لمردوخ ليصير رئيسهم الأعلى، وهم الذين بنوا له مسكنه ومعبده.. فكيف نتجاوز هذه التعددية؟! بينما في سفر التكوين لا نجد أثرا على الإطلاق يشيب وحدانية الله الكاملة المطلقة، فلا إله إلا هو، وهو فقط. أما كل الكائنات فهي مخلوقاته، التي خلقها بكلمته الفعالة.. حقا إننا في سفر التكوين نقف في خشوع شديدا أمام الإله الواحد الخالق ضابط الكل محب البشر صانع الخيرات الذي له كل الكمالات الإلهية. أما في الأساطير فنتوه وسط زحام الآلهة وإن كان مردوخ يتميز عنهم، وفي الحقيقة والواقع لا وجود لهؤلاء الآلهة ولا لمردوخ إلا في الخيال الإنساني.

7- قالوا أن المبدأ الأول في الأساطير، وسفر التكوين، هو الحياة الأولى، وانطلاقًا من هذه المياه البدئية تمت كل عمليات الخلق، فيقول د. كارم محمود عزيز “والمبدأ الأول في كلا الروايتين البابلية والعبرية هو المياه، وانطلاقًا من هذه المياه البدئية تتم كل عمليات الخلق، وهو مياه آزلية غير مخلوقة، يجسدها في النص البابلي آلهة ثلاثة “أبسو ” و”تيامات ” و”ممو ” بينما نجد هذه المياه في النص العبري جنبا إلى جنب مع الإله. دون أن يوضح النص أيهما أقدم.. ويعتقد أن اسم اللجة الأزلية في الرواية البابلية “تيامات ” هو الذي أوحى بالاسم العبري للجة “تهوم ” والذي يعنى الهيولي المائي الذي كان موجودا قبل الخليقة. ومن ثم فإن اللفظة العبرية تعتبر شكلا آخر للاسم البابلي “تيامات”..”(24).

والحقيقة أن هناك فرق جوهري وهام جدا بين وضع المياه في الأساطير ووضعها في سفر التكوين، فقد أظهرت الأساطير المياه على أنها أزلية، غير مخلوقة، تحمل عنصر الألوهية. أما في سفر التكوين فالمياه مخلوقة وليست أزلية، وإن قال أحد أن النص التوراتي لم يوضح متى خلقت المياه، نقول له: لقد خلقت في البدء، فعندما قال الكتاب “في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك 1: 1) فإنه جمع وأجمل كل شيء فالسموات وكل ما فيها من طغمات ملائكية وأجرام سمائية، والأرض وكل ما عليها من مياه وكائنات حية، وما في باطنها من معادن… إلخ كل هذا يدخل في دائرة الخلق الإلهي، وقد سبق لنا مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل في الكتاب الثالث من هذا البحث(25).

8- تؤكد الأساطير على خلقة الكون من مادة سابقة، فيقول فراس السواح “فالشكل الحالي للوجود قد انبثق من شكل سابق له، ولم ينبثق من عدم… إن فكرة انبثاق الوجود الحالي من وجود سابق له، تتخلل فكر المنطقة، وتميز كل التأملات الخاصة بالتكوين، كما نجد في سفر التكوين العبراني {في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه المياه} وإلى يومنا هذا، لم يقبل العلم الحديث فكرة العدم المطلق، فكل نظريات التكوين العلمية تتحدث عن نشوء الكون من مادة ما بدائية، ووجود ما سابق. كما أثبت القرآن الكريم فكرة الوجود السابق على الخلق عندما قال {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} (سورة هود 6) كما أشار محمد (ص) في الحديث الشريف إلى نفس الموضوع عندما أجاب على سؤال: أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟ فقال: كان في عماء (والعماء هو الغيم الرقيق الذي يحول بين الناظر وبين الشمس)”(26).

والحقيقة إن الله وحده هو الأزلي، وكل ما عداه فهو مخلوق، أي أنه مر وقت سابق لم يكن هناك غير الله وحده، وما يقول به فراس السواح يتعارض مع فعل “خلق ” لأن الخلق يعنى إيجاد الشيء من العدم، وهذا ما نراه واضحا في سفر التكوين، فقبل أن يقول “وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه” (تك 1: 2) قال “في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك 1: 1) ففي سفر التكوين نلتقي مع عظمة وروعة الخالق الذي يقول للشيء كن فيكون “وقال الله ليكن نور فكان نور” (تك 1: 3) فمن أين جاء النور..؟. جاء من العدم، وكيف جاء النور..؟ جاء بكلمة الله الفاعلة “لأنه قال فكان. هو أمر فصار” (مز 33: 9) ويقول “ول ديورانت “.. “وبحسب الأسطورة البابلية تكون المادة الأولى عند العراقيين القدماء ذات طبيعة ثنائية، إذ كانت مادة وإلها في الوقت نفسه، أي أن المادة أزلية وجدت منذ البدء ولم تخلق. وهنا نجد اختلافا جوهريا ما بين العقيدة البابلية وبين عقائد الأديان السماوية ولاسيما ما جاء في التوراة.. حيث وجود الخالق أزلي سبق وجود المادة، وهو الذي أوجد المادة”(27)(28).

9- في سفر التكوين يتم الخلق بكلمة الله الواحد الخالق. أما في الأساطير فالخلق يتم عبر التزاوج والإنجاب والعراك والصراع بين الأجيال الإلهية، وفي الرواية السومرية تشارك الآلهة في الخلق، فإنكى يتابع ما بدأه “إنليل ” و”ننحور ساج ” تخلق الإنسان، ويوقل الأب سهيل قاشا “لم يكن الخلق مهمة تولاها إله واحد في سومر، فها هو الإله “إنكى ” يتابع ما بدأه “إنليل ” ويضع اللمسات الأخيرة على صورة الكون، فتخرج حية نضرة، و”إنكى ” هو إله الماء العذب عند السومريين وإله الحكمة أيضًا، ومن غير إله الماء العذب يستطيع أن يبعث الحياة في كون جامد لا حركة فيه؟ ومن غير إله الحكمة يستطيع أن يدفع الحياة نحو غايتها، ويحدد أغراضها ومراميها؟”(29).

10- قالوا أن الأساطير وسفر التكوين يتفقان على الظلام البدئى الذي ساد الكون أولًا.

والحقيقة أن الشعوب البدائية ظنت أن الشر كان أولا، ولهذا جاء بالأساطير أن الظلمة كانت أولا. أما ما جاء في سفر التكوين “وكانت ظلمة على وجه الغمر ” فكان يعنى أن الأبخرة المتصاعدة من الأرض لم تسمح للنور بالنفاذ إليها، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل في الكتاب الثالث من هذا البحث(30) بل أن “موريس بوكاى ” الذي طالما هاجم الكتاب المقدَّس فإنه ينفى هذه التهمة عنه، فيقول “فقد أراد البعض أن يشتم من الكتب المقدسة رائحة لبعض أساطير نشوء الكون، ومن تلك على سبيل المثال اعتقاد البولينزيين Polynesiens بوجود سوائل أولى غائضة في الظلمات التي انفصلت عند ظهور النور، وبالتالي تكونت الأرض والسماء، فإذا قارنا الأسطورة برواية الخلق في التوراة وجدنا بالتأكيد تشابها (ما) ولكن من الاستخفاف الذهاب إلى اتهام التوراة بأنها أخذت لعاتقها أسطورة نشوء الكون هذه”(31).

11- قالوا أن الأساطير وسفر التكوين إتفقا على وجود الضوء والليل والنهار قبل خلقة الأجرام السمائية، ففي الأينوما إيليش لم يستطيع “أبسو ” النوم ليلا ولا الراحة نهارا من ضجيج الآلهة الصغار، وإن مردوخ نفسه كان يشع بالنور، وهذا قبل خلقة الكون، وفي سفر التكوين يقول “وكان مساء وكان صباح يوم واحدا” (تك 1: 5).

والحقيقة أن سفر التكوين تكلم عن المساء والصباح بعد حديثه عن بدء الخلقة، فجاءت الآية الأولى في سفر التكوين تتحدث عن قصة الخلق في كلمات معدودة “في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك 1: 1) ومن هنا بدأت تتوالى أحداث الخلقة، أما في الأينوما إيليش فقد ذكر إنزعاج “أبسو ” من ضجيج الآلهة وعدم قدرته على النوم ليلا ولا الراحة نهارا في اللوح الأول، قبل خلقة العالم، التي بعد زمن طويل في اللوح الخامس.

12- قالوا أن سفر التكوين اتفق مع الأساطير في خلق الأجرام المضيئة، ولا سيما القمر والشمس.

والحقيقة أن الهدف من خلقة الأجرام السمائية في الأساطير أن تكون محطات ومساكن للآلهة. أما في سفر التكوين فكانت بهدف تحديد الأوقات وإنارة وجه الأرض. وفي الأساطير ولد “نانا” (القمر) “أتو” (الشمس) وهذا صدى لظهور عبادة القمر في الشعوب البدائية أولا، فالقمر يعبر عن المجتمع الأمومي، أما الشمس فإنها تعبر عن المجتمع الذكوري. وفي الأساطير نجد النجوم قد أتت من تناسل الآلهة، فجاء في إحدى الأساطير “إيل هو والد الآلهة، يلتقي على شاطئ البحر بالهتين أشيرة وبديلتها… (وينجب) منهما شخصين هما نجمة الصبح ونجمة المساء، وهذا يعنى خلق الزمن أو خلق عالم النجوم. ثم ضاجع إيل المرأتين فولدتا الآلهة المشهورين بالشراهة”(32) أما في سفر التكوين فنرى الشمس والقمر والنجوم من خلائق الله الواحد، وقال المرنم “ما أعظم أعمالك يا رب. كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك” (مز 104: 24) فبينما كانت الشعوب تعبد الشمس والقمر والكواكب والريح والنار والأشجار والحيوانات، فإن التوراة أوضحت جليا أن كل هذه الكائنات هي مخلوقات الله.

13- قالوا أن الأساطير وسفر التكوين اتفقا في خلقة السماء، ففي نشيد الأينوما إيليش شق مردوخ جسد تيامات، ورفع الجزء الأعلى، فكانت السماء، وجاء في سفر التكوين “وقال الله ليكن جلد في سوط المياه. وليكن فاصلا بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وكان كذلك. ودعا الله الجلد سماء” (تك 1: 6- 8).

والحقيقة أنه في سفر التكوين فصل الله بين مياه ومياه، فالمياه العليا هي المياه في حالتها البخارية، والمياه السفلى هي المياه في حالتها السائلة، وقد تجمعت في المسطحات المائية، بينما في قصة الأنوما إليش لم يتم الفصل بين مياه ومياه، إنما تم شطر تيمات، فالشطر الأعلى من جسدها صار سماء، والأسفل صار أرضا، ومن لعاب تيمات جاءت الغيوم والضباب، وقد اعتبر الأقدمون أن السماء إلها فعبدوه، أما في سفر التكوين فتظهر السماء مجرد خليقة مثل سائر المخلوقات.

14- قالوا أن الأساطير وسفر التكوين اتفقا في خلقة الأرض، ففي الأينوما إيليش خلقت الأرض من نصف جسد تيامات الأسفل، وفي سفر التكوين ظهرت اليابسة من الماء “وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة.. وكان كذلك. ودعا الله اليابسة أرضا” (تك 1: 9- 10).

وهنا نلاحظ مغالطة واضحة من جانب النقاد، إذ يقولون أن في الأينوما إيليش خلقت الأرض والحقيقة لأن فعل “خلق ” يعنى الخلق من العدم. وهذا ما لا تقول به الأساطير، ففي الأينوما إيليش أن النصف الأسفل من جسد تيامات هو الذي صار أرضا، وعظامها صارت جبالا، فأين الخلق هنا..؟ لا يوجد، فأرض التكوين قد خلقت فعلا من العدم “في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك 1: 1) أما أرض الأساطير فهي غير مخلوقة.

15- من ينظر للأساطير بنظرة ثاقبة يجدها لم تذكر خلقة النباتات والزحافات والكائنات البحرية والطيور والحيوانات، بينما هذه الأمور واضحة تماما قى سفر التكوين، إذ خلق الله النباتات في اليوم الثالث، وخلق الزحافات والكائنات البحرية والطيور في اليوم الخامس، وخلق الحيوانات في اليوم السادس، ففي سفر التكوين نجد التسلسل المنطقي لحلقات الخلق خلال الأيام الستة (أي الفترات الزمنية الستة) بينما تفتقر الأساطير عنصر الزمن تمامًا.

16- قالوا أن الأساطير وسفر التكوين يتفقان في خلق الإنسان، وظهر في الأينوما إيليش أن هذا العمل كان رائعا، فمردوخ عظيم الآلهة حدثته نفسه بخلق أشياء مبدعة، ففكر في خلق الإنسان، ووصف هذا العمل بأنه يسمو على الأفهام، وفي سفر التكوين خلق الإنسان على صورة الله، ويقول د. كارم محمود عزيز “أما فيما يتعلق بخلق الإنسان، فهناك تشابه واضح أيضًا في الروايتين: البابلية والعبرية في الكثير من عناصر قصة هذا الخلق، فقبل خلق الإنسان حدثت في القصة البابلية استشارة بين الآلهة وبعضها بشأن اتخاذ قرار بخلقه، وذلك كما في حديث “مردوك ” مع “آيا ” الوارد في بداية اللوح السادس. وكذلك الحال في القصة العبرية، حيث يدل النص الوارد في الرواية الأولى (1: 26) على حدوث مثل تلك الاستشارة… كذلك كان الإنسان في القصتين هو آخر أعمال الخلق. كما تم خلقه في القصتين من الطين، ممزوجا بالمبدأ الإلهي للحياة “الدم ” في القصة البابلية، و”نسمة الحياة ” في القصة العبرية.. وشبه الإنسان بالرب ورد ذكره في القصتين أيضًا حيث إن الآلهة البابلية علقت صورتها على الإنسان بعد خلقه، فآتى على شبهها، كما إنه في القصة العبرية صنع الإنسان على صورة الرب بصريح النص…”(33).

والحقيقة أن هناك خلافات جمة بين سفر التكوين والأساطير في خلقة الإنسان، نذكر بعضًا منها فيما يلي:

أ- الهدف: ففي الأساطير خلق الإنسان ليحمل عبء العمل عن الآلهة. أما في سفر التكوين فإن الله خلق الإنسان حبا فيه، فالإنسان هو نتاج المحبة الإلهية، ولهذا ميزه الله عن جميع المخلوقات الأرضية، بل والسماوية، إذ هو الوحيد الذي خلق على صورة الله، وباركه الله وجعله ملكا على الخليقة “وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض” (تك 1: 27) ولم يتحمل الإنسان مشقة العمل إلا بعد المعصية والسقوط، وبهذا يتضح أن إنسان الأساطير هو عبد لا يتمتع بأي مركز أدبي، بينما إنسان التكوين له كرامته ومركزه الأدبي الرفيع، حتى بعد السقوط لم يرفضه الله ولم يهمله، ولكن تعهده بالمراحم والرآفات.

ب- مادة الخلقة: صنع الإنسان في الأساطير من طين الأرض الممتزج بدم الإله الخبيث مثير الفتنة، ومن المفروض أن يكون الإله روحا لا جسد له، أما آلهة الأساطير فلها أجساد تأكل وتشرب وتنام وتتزاوج… إلخ وقد علل “جان بوتيرو ” اختيار السومريين لمادة الطين لخلقة الإنسان فقال “إن هذا التمثيل والصنع من الطين لأجسام البشر الأوائل يعتبر صورة طبيعية جدا، في بلد يلعب فيه الفخار دورا كبيرا، حيث نجد صنع التماثيل من الطين الفخاري بشكل إنسان، عملا منتشرا بصورة واسعة”(34)(35). ويؤكد الخوري بولس الفغالي نفس المعنى فيقول “من أين يأتي الإنسان؟ هل هو حيوانا تطور فصار إنسانا، أم أنه جبل من تراب الأرض؟ لا شك في أن الكتاب أخذ أسلوب القدماء (صورة الإله الخالق أشتوم في قصر الأقصر وهو يكون أجسادا بشرية كما يفعل الفخاري) فتصور الله فخاريا، ولكنه جعل النفس (نسمة الحياة) تخرج من الله وتدخل هذا المركب الترابي الذي هو الإنسان”(36).

ويؤيد السيد سلامة غنمى رأى جيمس فريزر فيقول “يبدو أن المؤلف اليهودي قد تصور أن الإله قد شكل الرجل الأول من الطين، على نحو ما يفعل صانع الفخار تماما، أو كما يفعل الطفل حين يشكل دمية من الطين، فبعد أن عجن الإله الطين وسواه على الصورة المعلومة بث فيه الروح، بأن نفخ في فم التمثال ومنخاريه… إن فكرة العبريين في أن الجنس البشرى يرجع في أصله إلى التراب تتضح لنا على نحو طبيعي للغاية، إذ أننا نجد كلمة (أدمة) في لغتهم ومعناها الأرض هي الصيغة المؤنثة لكلمة (آدم) ومعناها الرجل، ويبدو من نصوص مختلفة من الأدب البابلي أن البابليين كذلك كانوا يرون أن الإنسان قد خلق من طين”(37)(38) ويعتقد بهذه الفكرة كثير من شعوب العالم مثل سكان أستراليا السود، وشعب بولينيزيا، والدياكيون، وسومطرة والباجويش(39) وبالمثل يحكى في الأسطورة الإغريقية أن (بروميثوس) قد خلق الإنسان الأول من الطين. كما يحكى… سكان نيوزيلندة أن الإله (تو- تيكى- تانى) قد صنع رجلا من الطين الأحمر شديد الشبه به وسماه (تيكى أهوا) أي شبيه تيكى. وفي تاهيتى يزعمون إن الإله (تاروا) الإله الأكبر خلق أول زوجين من الطين الأحمر. وعلى كل فإن قصة خلق أول امرأة من ضلع أول رجل تصادفنا في أماكن أخرى في شكل روايات شديدة الشبه بحكايات الكتاب المقدَّس إلى درجة أننا لا يمكن أن نعدها مستقلة عنها”(40)(41).

أما د. سيد القمني فيقول “أما نحن فنعتقد ببساطة، إنه كان يكفى للسومري أن يلاحظ الطين وما ينشأ فيه من حياة (فطر) نبات، ديدان.. إلخ حتى تنشأ لديه قناعة أن هذا هو مصدر ومنشأ الحياة عمومًا”(42).

أما في سفر التكوين فقد “جبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض. ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية” (تك 2: 7) وشتان بين الله الذي يهب الإنسان نسمة الحياة، وهو لم ينقض شيئا قط. وبين إله خبيث يذبح فيفقد حياته تماما، ويخلط دمه مع طين الأرض لصنع الإنسان.

وقد أورد د. سيد القمني قول “جان بوتيرو”، وأورد السيد سلامة غنمي قول “جيمس فريزر ” وينصب القولان على أن ما ذكره سفر التكوين من خلقة الإنسان من التراب يرجع للأساطير التي جاءت رؤية الشعوب البدائية للفخاري الذي يشكل الآنية الفخارية من الطين، أو الطفل الذي يلهو فيصنع دمية من الطين، من أن القرآن ذكر صراحة ومرارا وتكرارا خلقة الإنسان من الطين:

 “خلق الإنسان من صلصال كالفخار” (سورة الرحمن 13)

 “هو الذي خلقكم من طين” (سورة الأنعام 2)

 “إنا خلقناكم من تراب” (سورة الحج 5)

 “وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشر من صلصال من حما سنون” (سورة الحجر 28)

 “قال (إبليس) أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين” (سورة الأعراف 12)

عجبًا لهؤلاء الكتاب الذين ينقلون الهجوم على الكتاب المقدَّس ويتغافلون أن مثل هذه الأقوال تعد طعنا في القرآن الذي يؤمنون به.

جـ- مدة الخلق: بينما يذكر سفر التكوين أن الله خلق كل من آدم وحواء في زمن وجيز من اليوم السادس، فإن هناك أسطورة إفريقية تقول “إن الإله الخالق قد أخذ حفنة من طين شكلها على هيئة إنسان، ثم تركها في بركة مليئة بماء البحر مدة سبعة أيام، وفي اليوم الثامن رفعها فكانت بشرا سويا”(43).

د- الإنسان الأول: واضح في سفر التكوين أن الله خلق آدم واحد وحواء واحدة، أما الأساطير فهي تحكى غير هذا في الأسطورة الفيليبينية أن الله وضع أول حفنة طين في الفرن وأخرجها قبل الأوان فكان الإنسان الأبيض، وفي الحفنة الثانية تركها فخرج الإنسان الأسود، وفي الثالثة كان الوقت مظبوطًا فخرج الإنسان الفيلبينى، وفي أسطورة أخرى صنعت الإلهة ننخرساج سيدة النسل ستة أشخاص لكل منهم عيبه، ثم خلق إنكى شخصين أحدهما بائسا والآخر مريضا، وفي أسطورة ثالثة أخذت الإلهة “تنتو ” أو “مامى ” 14 قطعة من الطين فخلقت سبع ذكور وسبع إناث، ويقول بولس الفغالي “إن الإنسان جبل ترابا من الأرض، وهذه الفكرة شائعة في النصوص الأشورية والبابلية، كما عند المصريين واليونان، فإليك مثلا عن الإلهة “مامى ” التي أرادت أن تخلق سبعة رجال وسبع نساء، فاقتطعت أربع عشرة قطعة من التراب المبلل. أخذ أعوانها هذه القطع وبنوا منها أجساما، فأعادوها إليها فوضعت اللمسات الأخيرة (كالفخاري على فخاره) ثم رسمت قسمات الوجه البشرى بحسب صورتها. لا حاجة إلى القول كم يتقارب نص الكتاب المقدَّس من هذه الأسطورة”(44) لقد نظر بولس الفغالى فقط للمادة التي جبل منها الإنسان، بينما تغافل عن الفروق الهائلة في طريقة الخلق، فهل نجد في سفر التكوين آدم وحواء أم 14 شخصا..؟.. وهل نجد في سفر التكوين خالق واحد أم آلهة عديدة تتعاون معا لخلقة الإنسان..؟! وهل خلق الإنسان دفعة واحدة أم إنه خلق على دفعات..؟! إلخ

هـ- في بعض الأساطير الفارسية خلق الإنسان ذكرا وأنثى متصلين من الخلف، ثم رأى الخالق أن يفصل أحدهما عن الآخر، وهذا لا نجد له أثرًا في سفر التكوين لأن الله خلق آدم أولًا، ثم أوقع عليه ثباتًا وأخذ منه ضلعًا، بناه لحمًا وخلق منه حواء.

و- في الأساطير خلق الإنسان ثم طبعت الآلهة عليه صورتها. أما في سفر التكوين فقد جبل الإنسان على صورة الله في الخلود والقداسة والتفكير والابتكار…إلخ.

17- قالوا أن سفر التكوين اتفق مع الأساطير في أن الخالق ليس إلها بل هو جمع من الآلهة، فيقول د. كارم محمود عزيز عن قصة الخلق التوراتية “يبدو أن تلك الرواية قد حملت بين طياتها إشارات غير مباشرة إلى أن الخالق لم يكن واحدا، وإنما كان هناك مجلس إلهى يرأسه “إيلوهيم ” يطلب منهم العون أحيانا، ويستشيرهم في أحيان أخرى…. يوضح الخالق الهدف من خلق النورين العظيمين.. كذلك يوضح… الهدف من خلق الإنسان… ويوحي النص في هذين الموضعين بمعاونة تلك الأشياء المخلوقة، الشمس والقمر والنجوم والإنسان للخالق في حكم الكون، ما يضفى سمة محدودية القدرة على الإله الخالق، فلو كان ذلك الإله كلى القدرة، ما كان بحاجة إلى معاونة هذه المخلوقات له في حكم المخلوقات الأخرى، ويعكس النص هنا أصداء عن عقائد الشرق الأدنى القديم المتعلقة بألوهية الكواكب، حيث كان القمر معبودًا رئيسيًا في بلاد النهرين، كذلك كانت الشكس معبودًا رئيسيًا في مصر… “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا “… مما يوحى باستشارة “إيلوهيم ” للمجلس الإلهي، ومما يدعم ذلك، إنه توجد إشارات أخرى… “هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم” (تك 11: 7) “اله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضى” (مز 82: 1) “هل تنصت في مجلس الله أو قصرت الحكمة على نفسك” (أي 18: 8)”(45).

كما يقول السيد سلامة غنمي “ما الذي رمت إليه الحية عندما قالت لحواء “ستكونان كالآلهة ” إن ثمة كثرة من الآلهة. زد على ذلك أن كلمة “آلهة ” تتردد في نصوص توراتية أخرى… إن الإله اليهودي بهذه لا يعتبر نفسه إلها وحيدا وحدانيا… وهكذا تبقى السذاجة والتضليل سمتين دائمتين للتوراة”(46).

والحقيقة أن الأساطير أقرت تعدد الآلهة، وتحدثت عنه بصراحة وبصورة واضحة (ولو إنه كله خرافات) فكل إله قائم بذاته، وهناك تزاوج وتناسل، وصراعات…إلخ بينما استخدم سفر التكوين لصيغة الجمع “إيلوهيم ” والقول “نعمل الإنسان على صورتنا ” أو “هلم ننزل ونبلبل هناك ألسنتهم ” فإنه كان يعبر عن وحدانية الله الجامعة، فوحدانية الله ليس وحدانية صامتة، لكنها وحدانية جامعة، وحدانية موجودة عاقلة حية… فيها الآب والابن والروح القدس، وقد استخدم الكتاب الفعل في صيغة المفرد “وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا… فخلق الإنسان على صورته” (تك 1: 26، 27) فقول الكتاب “قال ” و”خلق ” و”صورته ” إشارات واضحة للجوهر الإلهي الواحد، و”صورتنا كشبهنا” إشارة للثالوث القدوس الواحد في الجوهر الإلهي، ولا نجد مجالًا هنا لشرح عقيدة الثالوث ولكن يمكنك أيها القارئ الرجوع إلى كتابنا أسئلة حول التثليث.

18- من يهيئ الطعام لمن؟ في سفر التكوين نجد الله يهيئ الطعام للإنسان والحيوان وطيور السماء “وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الأرض وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية أعطيت كل عشب أخضر طعاما. وكان كذلك” (تك 1: 29، 30) أما في الأساطير فنرى العكس إذ أن الإنسان ملزم بتوفير الطعام والشراب والخدمات للآلهة، ويقول الأ سهيل قاشا “ماذا خلق الإنسان؟ فإن الأسطورة السومرية لا تتردد في الإجابة على هذا السؤال ولا توارب، فالإنسان خلق عبدا للآلهة، يقدم لها طعامها وشرابها أو يزرع أرضها، ويرعى قطعانها. خلق الإنسان لحمل عبء العكل ورفعه عن كاهل الآلهة، فمنذ البدء كان الآلهة يقومون بكل الأعمال التي تقيم أودهم وتحفظ حياتهم، ولكنهم تعبوا من ذلك فراحوا يشتكون لإنكى الحكيم ليجد لهم مخرجا”(47) وكانت الأسطورة تعتبر صدى للأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في بابل حينئذاك، فعلى كل الشعب خدمة الملك والوزراء.

19- قالوا أن سفر التكوين اتفق مع الأساطير في خلقة حواء، فاسم حواء في السومرية “السيدة التي تحيى ” أو “سيدة الضلع “… ” فحسب الأسطورة السومرية عانى الإله “إنكا ” من مرض في ضلعه، ومعنى كلمة ضلع باللغة السومرية هو “تى ” أما الإلهة التي دعيت لتعالج ضلع “إنكا ” كان اسمها “نينتى ” أي (امرأة من الضلع) وكانت كلمة “نينتى ” تعنى أيضًا إعطاء الحياة، وهكذا تكون كلمة “نينتى ” ذات معنيين:

امرأة من الضلع، وامرأة مانحة الحياة…

فقد إستبدلت القبائل العبرية القديمة “نينتى ” بحواء، ذلك لأنها، أي حواء كانت بالنسبة لهم أم الإنسانية أي المرأة المانحة الحياة”(48).

والحقيقة إنه عندما إلتقى أبونا آدم بأمنا حواء أول مرة أسماها امرأة، “فقال آدم هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى. هذه تدعى امرأة لأنها من أمرء أخذت” (تك 1: 23) وبعد السقوط والطرد من الفردوس “دعا آدم اسم إمرأته حواء لأنها أم كل حى” (تك 3: 20) فليس معنى حواء كما قالت الأساطير “امرأة مانحة الحياة ” لأن مانح الحياة هو الله وحده، ولكن معناها بحسب سفر التكوين أنه أم كل إنسان حى. كما أن “نينتى ” في الأساطير هي إلهة أما حواء فإنها إنسانة، وليس من المعقول أن يأخذ موسى اسم إلهة من الإلهات الوثنيات ويطلقها على اسم أمنا حواء.

20- يقولون إن سفر التكوين إتفق مع الأساطير في إستراحة الخالق بعد عناء الخلق، فجاء في الأسطورة السومرية “بعد الانتهاء من عناء الخلق، يخلد إنكى للراحة والسكينة، ويشرع في بناء بيت له في الأعماق المائية… بعد أن تفرقت مياه التكوين… وعمت البركة أقطار السماء… وغطى الزرع والعشب وجه الأرض.. إنكى إله القمر، إنكى الملك.. إنكى الرب الذي يقرر المصائر.. بنى بيته من فضة ولازورد.. فضة ولازورد كأنها النور الخاطف… حيث استقر هناك في الأعماق… وبعد أن إنتهى من بناء بيته، كان لا بُد له، ككل الآلهة العظام، من مدينة أيضًا فرفع من أعمال البحر مدينة أريدو (ويعتبرها علماء الآثار من أقدم مدن سومر، ومازال معظمها مطمورا تحت الأرض) وغطاها شجرا وخضرة ونباتا، وملأ مياهها سمكا، ثم قرر السفر إلى أبيه “إنليل ” ليحصل على بركته..”(60) وفي الأسطورة البابلية “فهذا إله بابل، يبنى له الآلهة بيتا يناطح برجه المدرج عنان السماء، بعد انتهائه من فعل الخلق. وحول الهيكل المقدس يبنى الآلهة أيضًا مدينة بابل. وها هو إله اليهود يقلده إذ يطالب ببناء بيت له بعد أن تعب من التجوال في خيمة بني إسرائيل”(49) وجاء في سفر التكوين “وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا” (تك 2: 3).

والحقيقة أن المقصود مما ورد في الأسطورة المعنى الحرفي، فالآلهة التي تأكل وتشرب وتتزاوج وتنسل، فلابد أنها تتعب وتنام كما حدث مع “أبسو ” أبو الآلهة إذ أزعجته الآلهة الصغار بضجيجها فلم يعرف أن ينام ليلا ولا يستريح نهارا. أما الله في سفر التكوين فهو منزه عن كل هذه الأمور المادية، وبالتالي فإنه منزه عن التعب “إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا” (أش 40: 28) فقط أراد الوحي أن يعبر عن ارتياح الله للعمل الذي عمله وانتهى بخلق الإنسان، ورأى الله أن ذلك حسن جدا، ولم يطلب الله في سفر التكوين بناء بيت له كما حدث مع “إنكى ” أو “مردوخ ” لأنه هو الله غير المحدود مالئ السماء والأرض. إذا شتان بين ما ذكره سفر التكوين عن راحة الخالق المعنوية، وما ذكرته الأساطير من خرافات لا يصدقها عقل الإنسان المعاصر.

21- في الأساطير نجد الآلهة هي التي تعلم الإنسان كل شيء، ففي أحد الأساطير نجد آيا (إنكى) الحكيم له رأسان، فتحت رأس السمكة هناك رأس إنسان، وعند الذنب يخرج له ساقا إنسان، وله صوت إنسان “فآيا هو أحكم الآلهة وسيد كل علم.. علم الإنسان فن الكتابة والعلوم وكل أنواع الفنون، من طين الأنهر جبل القرميد وعلم الحرفيين ذوى الرؤوس السود كيف يبنون الجدران… وعلمهم مبادئ التشريع والهندسة، وبنى حول كل مدينة سدودا ليروى السهول في فصل الجفاف فلا يلفح القمح بشمس الظهيرة. كذلك علم الإنسان الزراعة والحصاد… وفي التلال ساق الأغنام إلى المروج تتبعها صغارها وبنى لها الحظائر… وعلم الأسماك في النهرين العظيمين أن تبيض بين أعشاب النهر لتتوالد.. ولما انحنت أعواد الشعير بثقل السنابل بنى آيا الصوامع وملأها بإنتاج الحقول وثمار البساتين… وزين الحدائق بأشجار النخيل.. عند المغيب كان آيا يغطس في البحر ويقضى طوال الليل تحت الأمواج، لأنه كان برمائيا، وأخيرا ألف كتابا عن أصول الأشياء وعن الحضارة ووهبه للبشر. وبعد أن انتهى آيا من تعليم الإنسان سبل الحياة اختفى”(50).

وكل الصور السابقة لا نجد لها أثرا على الإطلاق في سفر التكوين، بل نجد أن الله خلق الإنسان على صورته في الخلود والتفكير والابتكار، فأخذ الإنسان يكتشف الوسط المحيط به، ويتعلم ويبتكر كل ما هو جديد إلى ما وصل إليه من علم حديث يدعونا للدهشة، وهذه هي عطية الله للإنسان.

22- أي باحث يلاحظ أن أساطير الخلق رغم اختلافاتها في بعض التفاصيل، إلا أنها تتفق إلى حد بعيد في الجوهر، وقد تقتصر الخلافات على مجرد تغيير أسماء أبطال الأسطورة، فيتغير اسم “إنليل ” في الأسطورة السومرية إلى “مردوخ ” في الأسطورة البابلية، أيضًا اسم “إنكى ” يتغير إلى اسم “آيا “. أما قصة الخلق التوراتية فتختلف جوهريا عما ورد في الأساطير، وشهد بهذا فاضل عبد الأحد على الذي يقول “وقصة الخليقة هذه تتصدر وحدها الكتاب المقدَّس وتمثل أقصى ما بلغه الفكر اللاهوتي العبراني من التطور والتقدم، فآراؤها جميلة رائعة ومعانيها سامية تكسبها مكانة خاصة بها، بالرغم من اختلافها كليا عن بقية قصص الخليقة الواردة في الكتب الأخرى غير التوراة”(51)(52).

23- لاحظ الإنسان في الأفق البعيد أن السماء تنحني على الأرض، ولذلك اعتقد أنهما كانتا متطابقتان، وهذا يمثل تفكيرا بشريا، أينما كان الإنسان، ولذلك لا عجب أن نرى أسطورة نيوزيلاندية بهذا المعنى “ففي نيوزيلاند وتاهيتى وجزر كوك، يروى السكان الأسطورة التالية: بعد أن اتحدت السماء بالأرض أنجبتا عددا من الآلهة الصغار الذين كانوا يعيشون في ضيق وظلمة لشدة التصاق السماء بالأرض، فقررا التمرد على هذا الوضع بزعامة الإله الجريء “تانى ” الذي رفع السماء بقوة ذراعيه حتى استقرت مكانها، ثم قال لتبق السماء بعيدة عنا، أما الأرض فلتبق قريبة منا، أما رؤوما”(53).

فبالرغم من قرب هذه الأسطورة من أساطير بلاد الرافدين، لكن لم يقل أحد النقاد أن النيوزلانديين أخذوا من هذه الأساطير السومرية أو البابلية، فلماذا يدعون أن سفر التكوين أخذ من هذه الأساطير.. ألم يكن بالأولى أن يأخذ أنبياء اليهود من أساطير البلاد التي حلوا فيها وهي البلاد الكنعانية؟! ولكن هذا لم يحدث.

24- لو أخذ سفر التكوين من أساطير الأولين فلماذا قاوم السحر والسحرة؟

فيقول أ. م. هودجكن “قالت مسز موندر Mrs. Maunder -وهي حجة في العادات البابلية- في أحد اجتماعات معهد فيكتوريا، أم من يقول بأن كاتب سفر التكوين قد تأثر بالأفكار البابلية يحكم على نفسه بالجهل بتلك الأفكار، فالكتاب المقدَّس لا يوجد به أي أثر لفكرة السحر الشائعة في المعتقدات البابلية، فهو لهذا لم يستق أي معلومات من الأفكار البابلية”(54).

25- ربط ميلاد وقيامة ميثهرا مع عيد ميلاد وقيامة السيد المسيح ربط غير صحيح، لأن شخصية السيد المسيح شخصية تاريخية حقيقية تجدها في الكتاب المقدَّس، والقرآن أيضًا. بينما شخصية ميثهرا شخصية أسطورية لم يكن لها وجود على أرض الواقع، ولماذا أخذ الأستاذ عباس العقاد مع احترامي الشديد لشخصه هذه الجزئية، وترك بقية ما جاء في الأساطير الفارسية، وهل يصدق ما جاء عن زرداشت أنه سيأتي اثني عشر مهديا، يظهر كل ألف سنة مهدي، وفي عصر المهدي الثاني عشر ستكون القيامة؟!

26- أقوال للقيادات الكاثوليكية التي تدعى بأن سفر التكوين أخذ من أساطير الأولين، لم كانت خلقة الإنسان أسطورة وليدة الشعوب الوثنية، فكيف أكدهما السيد المسيح له المجد على أنها حقيقة وليس أسطورة “وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان” (مت 19: 4- 7) وهذه تقابل ما جاء في سفر التكوين “ذكرا وأنثى خلقهم” (تك 1: 27).. “لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا” (تك 2: 24). فالطعن فيما ورد في العهد القديم هو عدم تصديق لكلام السيد المسيح نفسه، بل وطعن في الإيمان المسيحي، مهما قدموا من تبريرات لطريقة تفكيرهم العقلانية البعيدة عن منطق الإيمان.

27- عتابًا لأخوتي من الكُتَّاب المسلمين، الذي يسارعون بترجمة وبنشر أفكار مدرسة النقد الأعلى، وهم يتغافلون أنهم فيما هم يهاجمون الحقائق الكتابية، كثيرًا ما يهاجمون ما ورد في القرآن ذاته مثل قصة الخلق “هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش” (سورة الحديد 4)… “إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين” (سورة ص 71).

وأيضًا لا يضع النقاد المسلمون في اعتبارهم أن ليست كل الأمور الكتابية يستوعبها العقل، بل نقبلها بالإيمان، وهذا ليس في الكتاب المقدَّس وحده، بل وفي القرآن أيضًا، وإلا فليفسروا لي كيف يوجد الله في كل مكان بالكامل؟! وكيف ستقوم الأجساد في يوم الدين..؟! يقول الدكتور سيد القمنى “لا شك سيجد أصحاب تلك الرؤية (الذين يستبعدون الأمور التي لا يقبلها العقل) عسرا شديدا في قياس مواضيع إيمانية بحتة -لا شأن للعقل بها-… مثل تحديد موقع حادثة الإسراء والمعراج من هذا المعقول، وهل ترفضها بمنطق اللامعقول؟ أم نبقى عليها بمنطق الإيمان..؟. ثم كيف نصف دابة البرق -التي حملت الرسول صلعم من مكة إلى القدس- تصنيفا علميا يضعها ضمن فصيلتها الحية، وكيف تحدد تحديدا دقيقا أمة ياجوج وماجوج بين الشعوب، وتحديدا مواطنها، وهي أمة يتحدد معها مصير العالم… ثم لا شك أن أي مؤمن وأي شاك، ستطيب نفسه إن تمكن من تفسير الحكمة الإلهية في إهلاك شعب مقابل ناقة تلدها صخرة!! كما لا جدال تفسير معقول لإفناء قوم نوح… سيكون مريحا لكثير من النفوس الحيرى والقلقة، وغير ذلك كثير لا يعنينا زيادة السرد بشأنه شيئا، لأنه ليس موضوع عقل، إنما كما قلنا هو موضوع قبول أو رفض، موضوع إيمان”(55).

وكيف يدعى هؤلاء الكتاب والنقاد بأن التوراة حوت كثير من الأساطير، بينما القرآن شهد لها مرارا وتكرارا… فهل شهد القرآن لكتاب أساطير؟!

– “وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس” (أل عمران 3، 4).

– “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون” (المائدة 44).

– “وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله” (المائدة 43).

– “وقل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم” (المائدة 68).

– “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن. إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذى أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد” (العنكبوت 46).

– “فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسل الذين يقرأون الكتاب منى قبلك” (يونس 94).

28- تؤيد الاكتشافات الأثرية سفر التكوين، ومن هذه الاكتشافات اكتشافات “أبا ” في شمال سوريا، فقد وصلت مدينة أبلا إلى أقصى تقدم لها 2500 ق. م، وبلغ عدد سكانها 620 ألف نسمة، ودمرت 2250 ق. م على يد نارام شن حفيد الملك سرجون العظيم، وفي مكان يدعى تل مردوخ قام عالم الآثار “باولو ماثيا ” ومحلل النقوش “جيوفانى باتينانو ” سنة 1964 م بأعمال الحفر، وفي سنة 1968 م اكتشفا تمثال للملك إبيت -ليم، وعليه نقش يشير إلى عشتار الإلهة التي “نورها يسطع في أبلا ” كما تم اكتشاف 16 ألف لوح، وعلى إحدى الألواح قصة الخلق، وهي قريبة جدا مما جاء في سفر التكوين. ووجدت في هذه الألواح أسماء بعض المدن التي ذكرت في سفر التكوين مما يؤكد حقيقة تواجد تلك البلدان حينذاك مثل أور، وسدوم، وعمورة. بالإضافة إلى بعض الآلهة الوثنية مثل بعل، وبعض أسماء الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في سفر التكوين مثل آدم، وحواء، ونوح.

وتعتبر قصة الخلق التي جاءت في ألواح أبلا، أقدم من قصة الخلق البابلية بنحو ستمائة سنة. وقد اعتقد أهل إبلا بأن الله واحد، هو الذي خلق السموات والأرض والقمر والنجوم، بينما اعتقد أهل بابل بأن هناك عدد ضخم من الآلهة، وقد خلق العالم نتيجة صراع هذه الآلهة.

واعتقد أهل إبلا بأن الله خلق العالم من العدم، فجاء في أحد الألواح “أنت سيد السماء والأرض، عندما لم تكن الأرض، أنت خلقتها، عندما لم يكن ضوء النهار، أنت خلقته..”(56).. لقد أثبتت اكتشافات إبلا أن الإصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر التكوين تعتبر من التاريخ، وليس من الأساطير، وقد قضت اكتشافات إبلا على زعم داروين (1809- 1882 م) وليوليوس ويلهوزن (1844- 1915 م) بأن الاعتقاد بالتوحيد جاء نتيجة تطور الفكر البشرى من الاعتقاد بتعدد الآلهة(57).

الفصل الثالث: قصة السقوط والأساطير

نتعرض في هذا الفصل لبعض آراء أرباب النقد الذين ادعوا أن سفر التكوين أخذ من أساطير الأولين قصة جنة عدن، وقصة السقوط، ودور الحية في السقوط، ودور الكروبيم في حفظ شجرة الحياة، ومعنى اسم حواء، وأيضًا نتعرض للإدعاءات بأن آدم عرف امرأته قبل السقوط، وعاشر ليليت وأنجب منها عدة شياطين، وحواء أيضًا تزوجت بشيطان… إلخ من خرافات وخزعبلات.

وإنني مازلت أتعجب من أخوتي الكتاب المسلمين الذين من أجل نقدهم للعهد القديم، راحوا يتغافلون معتقداتهم… أليست قصة آدم وحواء، وسكناهما الجنة، وغواية إبليس لهما، وخروجهما من الجنة.. إلخ أمور أكدها القرآن مرارا وتكرار، فلماذا ينتقدون ما يعتقدون به؟!!

_____

(1) خاصة بعد الطبعة الثالثة سنة 1910م.

(2) المدخل إلى الكتاب المقدس ج 2 ص 209،207.

(3) خطايا التوراة وأسرار شعب الله ص 22، 23.

(4) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 10، 11.

(5) أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 114، 115.

(6) قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 123.

(7) الأسطورة والتراث ص 188 و189.

(8) أقنعة التوراة ص 194 و195.

(9) التوراة البابلية ص 43.

(10) التوراة البابلية ص 128.

(11) أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 148.

(12) راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 1 ص 186- 194.

(13) Wenham P. 9.

(14) سلسلة تفسير الكتاب المقدس يتحدث اليوم – سفر التكوين ص 20.

(15) أورده القس صموئيل مشرقي -مصادر الكتاب المقدس ص 55- 56.

(16) تاريخ الشرق الأدنى القديم -تاريخ اليهود (مذكرة كلية الآداب -جامعة الإسكندرية – 1972 (ص 299).

(17) أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 136- 137.

(18) التوراة البابلية ص 113.

(19) برهان يتطلب قرارا ص 135.

(20) جون ألدر – ترجمة د. عزت زكى- الإحجار تتكلم ص 32.

(21) جون ألدر – ترجمة د. عزت زكى- الإحجار تتكلم ص 32.

(22) جون ألدر – ترجمة د. عزت زكى- الإحجار تتكلم ص 32.

(23) فراس السواح  -مغامرة العقل الأولى ص 114.

(24) أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 115.

(25) راجع إجابة السؤال رقم 171.

(26) مغامرة العقل الأولى ص 75.

(27) ترجمة محمد بدران -قصة الحضارة المجلد الأول ط 3 القاهرة 1961 ص 398.

(28) أورده الأب سهيل قاشا -أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 249.

(29) التوراة البابلية ص 116.

(30) راجع إجابة السؤال رقم 170.

(31) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 173 و174.

(32) الخورى بولس القغالى -المدخل إلى الكتاب المقدس جـ 1 ص 473.

(33) أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 116، 117.

(34) ترجمة وليد الجادر- الديانة عند البابليين ص 111.

(35) أورده د. سيد القمنى- قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 53.

(36) البدايات أو مسيرة الإنسان إلى الخلق ص 89.

(37) الفولكلور في العهد القديم جـ 1 ص 111.

(38) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 70 و71.

(39) الفولكلور في العهد القديم جـ 1 ص 54.

(40) الفولكلور في العهد القديم جـ 1 ص 118.

(41) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 72.

(42) قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 53.

(43) فراس السواح- مغامرة العقل الأولى ص 39.

(44) سفر التكوين ص 80.

(45) اساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص 85- 87.

(46) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 125.

(47) التوراة البابلية ص 118.

(48) زيتون كوسيدوفسكى- الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 15.

(49) الأب سهيل قاشا – التوراة البابلية ص 121.

(50) الأب سهيل قاشا- أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 129، 130.

(51) الطوفان ص 49، 50.

(52) الأب سهيل قاشا- أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 245.

(53) فراس السواح- مغامرة العقل الأولى ص 20.

(54) ترجمة حافظ داود -شهادة علم الآثار للكتاب المقدس ص 20.

(55) الأسطورة والتراث ص 26، 27.

(56) Elba Archives- 259.

(57) راجع جوش مكدويل -برهان يتطلب قرارا ص 343 و344.

(58) راجع الخوري بولس الفغالي -سفر التكوين ص 78.

(59) أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 152.

(60) الأب سهيل قاشا- التوراة البابلية ص 120 و121.

 هل أخذ سفر التكوين قصة الخلق من أساطير الأولين؟