آبائيات

النسطورية وتكون الناسوت قبل الاتحاد الأقنومي – د. أنطون جرجس

النسطورية وتكون الناسوت قبل الاتحاد الأقنومي – د. أنطون جرجس

النسطورية وتكون الناسوت قبل الاتحاد الأقنومي - د. أنطون جرجس
النسطورية وتكون الناسوت قبل الاتحاد الأقنومي – د. أنطون جرجس

يقول البعض في أيامنا هذه بعض العبارات الخاطئة التي تتشابه مع العبارات النسطورية التي سوف نوردها في هذا المقال، لمطابقتها مع الأقوال السائدة في هذه الأيام.

يقول البعض: “ثم بعد إعداد الناسوت لله الكلمة*، بهذه الكيفية، حل أقنوم الابن، أي الله الكلمة، واتحد بالناسوت في أحشاء السيدة العذراء”. وهنا نجد أنهم يقولون إن الناسوت تكوّن قبل حلول أقنوم الكلمة فيه واتحاده به في أحشاء السيدة العذراء، وهذا يتشابه مع عبارات النساطرة كما سنوردها بعد ذلك.

يقولون أيضًا: “وكان للروح القدس دور آخر بعد الدور الذي ذكرناه، وهو إعداد الناسوت لله الكلمة في بداية تكوينه، خاليًا من الخطية بكل أنواعها وصورها”. وهنا نجد أن الروح القدس كوّن الناسوت أولاً في بداية تكوينه خاليًا من الخطية، وذلك قبل اتحاد أقنوم الكلمة به، بمعنى أن الناسوت تكون في بداية تكوينه، ثم اتحد به أقنوم الكلمة، وهذا ما قاله النساطرة، وحرمه آباء الكنيسة.

يقولون في موضع آخر: “إن جسد المسيح كان خاليًا من كل أنواع الفساد، سواء قبل الاتحاد أو بعد الاتحاد”. وهنا نتساءل هل كان جسد المسيح موجودًا قبل اتحاد الكلمة به أقنوميًا، أم وُجد في نفس لحظة الاتحاد في زمن قدره صفر؟ فالناسوت لم يكن له وجود قبل الاتحاد الأقنومي باللاهوت، بل وُجد في نفس لحظة الاتحاد الأقنومي باللاهوت، وليس قبل الاتحاد به.

وهكذا يحرم ق. غريغوريوس اللاهوتي مَن يقول إن الجسد لم يُجبل مع ارتباط الكلمة به جوهريًا كالتالي:

“إن قال أحد إنه (أي الكلمة) قد عمل في الجسد بالنعمة كما في نبي، وليس أنه ارتبط به جوهريًا، وأنه (أي الجسد) جُبل معه، فليُحرم من عمل الكلمة، ويمتلئ بالحري بما هو ضده”

PG, 37, 180 B.

ويعرض ق. ساويروس الأنطاكي قول النساطرة بأن الجسد (الإنسان) تكوّن أولاً في بطن العذراء، ثم سكن فيه الله الكلمة كالتالي:

“إلا أن الذين يقسمون ربنا الواحد يسوع المسيح إلى اثنين، لا يرون أن هذا هو ما حدث، بل إن الإنسان تكوّن أولاً في بطن العذراء، جاعلين إياه وحده، وهكذا سكن فيه الله الكلمة، كما يقولون. وهم يخفون هذا الحلول تحت المسمى الحسن: الاتحاد. وكنتيجة لذلك – بحسب رأيهم – يقسمون عمانوئيل إلى طبيعتين”.

ساويروس الأنطاكي (قديس)، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس غريغوريوس آفا مينا، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٠)، الباب الأول، ص ٣٤٢.

 ثم يرد البطريرك ساويروس الأنطاكي على هذا الكلام الهرطوقي قائلاً:

“لأنهم لو كانوا متعمقين في الكتب أنفاس الله، وتعاليم الآباء حاملي الإله، بالطريقة التي أشرنا إليها بتدقيق، لفهموا – على العكس – أن الذي تجسد من العذراء هو الله الكلمة، بما أنه جعل الجسد الذي من مريم خاصته، أي الجسد ذا النفس العاقلة منذ بداية تكونه ووجوده، وكانوا قد عرفوا عمانوئيل الواحد أنه من طبيعتين، إذ الجسد غير منفصل عن الكلمة بفضل الاتحاد غير المفسَّر، والذي يتجاوز كل فهم، ولم يعدونه وحده، ولن يزيدوا عددًا زائدًا على الثالوث القدوس، بل على العكس، يعترفون بطبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة،  وكانوا سيظهرون تلك الطبائع التي منها المسيح الواحد والوحيد، ويبتعدون عن التقسيم المجدف”.

المرجع السابق، ص ٣٤٣.

ولكن يتحدث ديدور الطرسوسي جد التعليم النسطوري ومعلم ثيؤدور الموبسويستي المعلم المباشر لنسطوريوس، وتلميذ سلوانس الطرسوسي ويوسابيوس الحمصي (النساطرة)، عن تكون الجسد قبل اتخاذ الكلمة له، وهو ما شاهدناه في الاقتباسات التي ذكرناها أعلاه كالتالي:

“بينما كان الجسد لمريم، ولم يُتخذ بعد*، كان من الأرض، ولا يختلف عن الأجساد الأخرى في شيء. وكما أختير لاوي، وهو بعد في صلب أبيه (عب ٧: ٩، ١٠)، لكن نال الكرامة عند ميلاده، هكذا أيضًا، عندما كان الرب في بطن العذراء ومن جوهرها، لم ينل كرامة البنوة*، لكن عندما اتخذ صورة (بشرية)، وأصبح هيكلاً لله الكلمة، وتقبل إليه الابن الوحيد، حينئذ ينال كرامة الاسم (الابن)، ونال بعدها أيضًا شيئًا من الكرامة نفسها، أي البنوة”.

Lebon, Severi Antiocheni liber contra impium Grammaticum, dans CSCO, (Louvain- Washington, Oratio prima et secunda, dans CSCO 111/syr. 58., 1938), 1, 182, 11; part., P. E. Pusey, 503, 10, (Syr.). PG, 76, 1449- 1450 A (Latin).

ويرد ق. كيرلس السكندري على زعم ديدور الهرطوقي هذا قائلاً:

“الجسد المقدس حقًا من مريم، لكن منذ اللحظات الأولى لوجوده، أو لتكوينه في الرحم، كان مقدسًا، بما أنه جسد المسيح، حتى أننا لا يمكننا أن نرى لحظةً واحدةً، لم يكن فيها (الجسد) خاصًا به، أو – كما تقول أنت – في حالة متطابقة مع الأجساد الأخرى، وبالتساوي معها”.

Pusey, 498, 22; Lebon, 1, 182, 22 (Syr.). PG, 76, 1450, A (Latin).

 ويردد نسطوريوس نفس كلام ديدور الطرسوسي في كتابه “عن العقيدة”، وهو نفس الكلام الذي رأيناه في الاقتباسات السابقة التي ذكرناها أعلاه قائلاً:

“يا عزيزي، لم تلد العذراء اللاهوت. لأن ما وُلد من الجسد هو جسد. لم يلد المخلوق غير المخلوق. فالآب لم يجعل العذراء تلد كلمةً جديدًا؛ ‘في البدء كان الكلمة’ (يو ١: ١)، كما قال يوحنا. إذًا، فالمخلوق لم يلد غير المخلوق، إنما ولدت إنسانًا كأداة أو آلة للاهوت. ورغم أن ‘الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس’ (مت ١: ٢٠)، لم يخلق الروح القدس الله الكلمة، لكنه أقام لله الكلمة هيكلاً مأخوذًا من العذراء. لم يمت الله، عندما تجسد، لكنه أقام (من الموت) هذا الذي تجسد فيه”.

Loofs, Nestoriana, (Halle, 1905), 252, 5- 15. Part. Lebon, Oratio tertia, pars posterior, dans CSCO [102/Syr. 51. 1933.], III, 94, 6; Ibid., 95, 1 (Syr.).

ويردد ثيؤدوريت أسقف كورش صديق نسطوريوس الهرطوقي نفس الكلام السابق، الموجود في الاقتباسات عاليه المنتشرة في هذه الأيام قائلاً:

“لو لم يتجسد الكلمة، بل اتخذ جسدًا حيًا عاقلاً، إذًا، ليس هو نفسه مولودًا بحسب طبيعته من العذراء، محبولاً به، مشكلاً، متخذًا هيئة إنسانية، ومتخذًا من هنا مبدأ وجوده، هذا الذي هو من قبل الدهور، الكائن بالقرب من الآب ومعه، المعروف والمعبود مع الآب، بل شكل لنفسه هيكلاً في الحشا البتولي، وكان مع هذا الذي تشكل وحُبل به، واتخذ صورة إنسانية، ووُلد”.

PG, 76, 393 A = ACO, 1, 1, 6 a, 109, 11.

ونستنتج من هنا أحبائي تطابق الاقتباسات المتداولة هذه الأيام مع الاقتباسات من النساطرة في فكرة تكوُّن الجسد وتشكُّله قبل اتحاد الكلمة به أقنوميًا، وهذه هي الهرطقة النسطورية كما ذكرها أعمدة الفكر النسطوري: ديدور الطرسوسي، ونسطوريوس نفسه، وثيؤدوريت أسقف كورش.

النسطورية وتكون الناسوت قبل الاتحاد الأقنومي – د. أنطون جرجس