أبحاث

طبيعة الله من وجهة نظر غير الخلقيدونيين

طبيعة الله من وجهة نظر غير الخلقيدونيين

طبيعة الله من وجهة نظر غير الخلقيدونيين

طبيعة الله من وجهة نظر غير الخلقيدونيين
طبيعة الله من وجهة نظر غير الخلقيدونيين

1. بعض الملاحظات التمهيدية:

استمراراً للمناقشة التي بدأناها في الفصل السابق، سوف نكمل هنا كيف كان الجانب غير الخلقيدوني يشرح موقفه اللاهوتي من خلال العبـــارات المقبولة لديه. فبينما كانوا ـ كما رأينا ـ يرفضون العبارة الأنطاكية “طبيعتين بعد الاتحاد”، كانوا يصرون على عبارة “من طبيعتين”، وعبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”، وأثناء موافقتهم على هاتين العبارتين أكدوا كذلك على مصطلحات “الاتحاد الهيبوستاسي”، و”هيبوستاسيس واحد”، و”طبيعة واحدة مركبة أو هيبوستاسيس واحد مركب”.

والحقيقة أنه منذ القرن السادس قام الجانب الخلقيدوني ـ الذي في الشرق على الأقل ـ بالتسليم بأرثوذكسية كل تلك العبارات التي يتبناها الجانب غير الخلقيدوني. ومع ذلك فقد حاول الجانب الخلقيدوني أن يبين أن رفض الجانب غير الخلقيدوني لمجمع خلقيدونية وطومس ليو بالإضافة إلى رفضه لعبارة “في طبيعتين” إنما كان نتيجة تمســـكهم بهــرطقة الطبــيعة الوحــــيدة (monophysite heresy)، كما اعتبر الغرب أن دفاعهم عن عبارة “طبيعة واحدة متجسدة”، يعد أساساً كافياً لوصفهم كلهم معاً بـ ’المونوفيزيتيين‘.

فهل من الممكن تبرير وإثبات هذا الرأي الخلقيدوني؟.

ولكي نقوم هنا ببحث هذا السؤال، سنعتمد على الرجوع إلى فهم الجانب غير الخلقيدوني نفسه لتلك العبارات التي يتبناها.

 

2. عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”:

لقد أكد الكثير من العلماء المعاصرين[1] أن عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” كانت قد صيغت في الأصل بواسطة المدرسة الأبولينارية. وحتى إذا سلمنا بهذا الاحتمال، فينبغي أن ننتبه إلى أن الأصل غير الأرثوذكسي لمصطلح ما أو وثيقة ما لا يُعد سبباً وجيهاً لرفضه بواسطة الفكر اللاهوتي الأرثوذكسي. وعلى سبيل المثال، كان التعبير النيقاوي ’له ذات الجوهر الواحد مع الآب‘ (هوموأووسيوس تو باتري)، جزءاً من المفردات الفالنتينية (التي تخص أتباع فالنتين)،[2] بل والأكثر من ذلك أنها أُدينت بواسطة مجمع أنطاكيا الذي حرم بولس السموساطي عام 268م.

وبالرغم من ذلك قام مجمع نيقية عام 325م بتبني تلك العبارة، وبعد حوالي نصف قرن من الصراع العنيف قامت الكنيسة بالتصديق عليها في مجمع القسطنطينية عام 381م. ولهذا فإن الأمر محل الاهتمام بالنسبة لمصطلح ما، ليس هو كيفية نشوئه، وإنما المعنى الذي يُنسب إلي ذلك المصطلح والحاجة اللاهوتية لتأكيد فكرة ما (بواسطته).

وفي القرن الخامس، نُظر إلى عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” كجزء من التراث اللاهوتي للبابا أثناسيوس، وقد تبناها البابا كيرلس كأداة لغوية لا غنى عنها لشرح الفهم الأرثوذكسي لشخص يسوع المسيح، وخاصة في مواجهة التعاليم النسطورية، ولذلك كانت تلك العبارة بالفعل أساسية وحاسمة بالنسبة لكيرلس والذين يتفقون معه في الفكر اللاهوتي.

وعلى الرغم من أن مجمع القسطنطينية المكاني عام 448م وكذلك مجمع خلقيدونية قد تجاهلا بوضوح تلك العبارة، إلاّ أن المدافعين الشرقيين عن مجمع خلقيدونية في القرن السادس ادعوا أنه كان هناك اعتراف بها، وزعموا أن وضع تلك العبارة بجانب عبارة المجمع “في طبيعتين” كان له أهميته في استبعاد النسطورية.[3]

وعلى الجانب الآخر، أكد القادة غير الخلقيدونيين أن هاتين العبارتين أي “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” و “في طبيعتين” تتعارضان مع بعضهما البعض في المعنى، ولهذا لم يعطوا أهمية كبيرة لدفاع الجانب الخلقيدوني عن العبارة الأولى.

والحقيقة أن كل قادة الجانب غير الخلقيدوني قاموا بالدفاع عن عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”، ومن الواضح أيضاً أنهم وبينما هم يفعلون ذلك لم يتجاهلوا (أو ينكروا) ناسوت المسيح.

وعلى سبيل المثال، نجد أن البابا ديسقوروس يؤكد أن المسيح طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة، ولكنه يصر في نفس الوقت على أنه يتركب من اللاهوت والناسوت، وأنه في المسيح الواحد استمرت الطبيعتان بدون اختلاط أو امتزاج من ناحية وبدون تقسيم أو انفصال من الناحية الأخرى.

وبكلمات أخرى، كانت الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة هي نفسها نتيجةً لاتحاد الطبيعتين اللتين كانتا حقيقيتين بلا أي تقسيم أو اختزال في المسيح الواحد. ولهذا فبالنسبة للبابا ديسقوروس، لم يكن هناك محل للتساؤل الخاص بمَنْ مِن الطبيعتين قد أُبعد أو أُهمل.

وكان البابا تيموثاؤس إيلوروس ـ كما رأينا ـ مدافعاً لا يلين عن وحدة المسيح، ولكنه في تبنيه لهذا الموقف لم يستبعد أياً من الطبيعتين، وإنما في الحقيقة أقر بالوجود الديناميكي للاهوت والناسوت ـ بدون اختلاط أو أنفصال ـ في المسيح الواحد، وكان تأكيده فقط ينصب على أن الناسوت لم يوجد بمفرده مستقلاً عن الله الابن.

أما مار فيلوكسينوس، اللاهوتي السرياني ـ الذي كان التجسد هو العقيدة المحورية في تعليمه اللاهوتي ـ فقد أصر هو الآخر بثبات على وحدة المسيح. وبينما كان يرفض التقسيم النسطوري (للمسيح)، استبعد بنفس القوة الاختزال الدوسيتي (للمسيح) عند الأبوليناريين والأوطيخيين. وقد نسب مار فيلوكسينوس للكلمة المتجسد ـ في تعبيرات قوية ـ كل القيود التي تخص الطبيعة البشرية ماعدا الخطية. وسنورد هنا فقرتين تؤيدان هذه الفكرة من كتابات أسقف منبج، هذا إلى جانب العديد من الفقرات التي ذُكرت قبلاً.[4]

“ولأن الرحم هو المكان الذي تتكوَّن فيه الكائنات البشرية، فقد نزل أيضاً وسكن هناك. وحيث إن الكائنات البشرية تنشأ وتُخلق من الجسد، فهو كذلك نشأ فيه وصار إنساناً. وقد حُبل به في الرحم، ونزل من البطن كرضيع؛ وحُمل كطفل على الركب والأيدي؛ واحتمل كل قيود الطبيعة البشرية، وضعفها ونحيبها وتوالدها وكل الأمور الأخرى المتعلقة بها”.

وقد نسب مار فيلوكسينوس الميلاد البشري لله الكلمة، لأن المسيح بالنسبة له هو وحدة (unity)، فإذا وضعنا هذه الحقيقة في أذهاننا يمكننا أن نقول إن ناسوت المسيح قد تكوَّن بالفعل وتشكَّل في الرحم. وهو قد وُلد كإنسان، وخضع لكل القيود البشرية والأرضية، ولهذا لم يكن هناك في ولادته أو في حياته في العالم أي اختزال (لبشريته).

ويركز مار فيلوكسينوس بنفس القوة في الفقرة التالية على الآلام والموت فيقول:[5]

“لقد تألم أكثر من أي واحد آخر، وكان خاضعاً للفقر والبؤس أكثر من الجميع؛ وتعرض للإهانة والاحتقار والسخرية والسب؛ وازدُري به وجُدِّف عليه؛ وحُسب كأحمق ومحتقر من هيرودس ومرافقيه ومن بيلاطس وخدامه”.

ومن هنا نرى أن مار فيلوكسينوس لم يكن لديه بالقطع أي اهتمام بأن يتجاهل أو ينكر ناسوت المسيح.

أما بالنسبة للقادة غير الخلقيدونيين، الذين قدَّموا اعتراف إيمانهم للإمبراطور جوستينيان عام 531م أثناء ذهابهم إلى القسطنطينية للاجتماع والتشاور، فقد دافعوا فيه أيضاً عن عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”.[6] وأكدوا “أنه من الواجب علينا، كما فعل آباؤنا من قبل، أن نعترف بوضوح بطبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة، لأنه صار إنساناً بالكمال”.

وهكذا لم يكن المقصود من تلك العبارة عند هؤلاء القادة هو استبعاد الناسوت (أو تجاهله) ولكن التأكيد أنه كان كاملاً وتاماً. ومثل مار فيلوكسينوس وآخرين كثيرين، أشار أولئك القادة في اعترافهم إلى نموذج الجسد – الروح، وأصروا على أن الأمور الفائقة واللائقة بالله من ناحية والأمور الضئيلة والبشرية من الناحية الأخرى هي كلها مظاهر وتعبيرات للطبيعة الواحدة المتجسدة والهيبوستاسيس الواحد لله الكلمة. إذاً التأكيد كان على وحدة المسيح، وليس على فقدان واحدة من الطبيعتين اللتين يتركب منهما المسيح بلا نقصان.

وكان الجانب الخلقيدوني ـ كما ذكرنا ـ يرى منذ البداية أن حركة مقاومة مجمع عام 451م تمثل تحدياً خطيراً له، ولذلك حاول أن يواجهها بطرق متعددة، ومن ضمن هذه الطرق اتهام معارضي المجمع بالهرطقة. وقد أشار البطريرك ساويروس الأنطاكي في كتابه “ضد النحوي” إلى عدد من الفقرات التي أوردها النحوي في مؤلفه وينتقد فيها الكيان غير الخلقيدوني لتمسكه بعبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” فقط بدون الإقرار بعبارة “في طبيعتين” الخاصة بمجمع خلقيدونية.

ويزعم النحوي أن مجمع خلقيدونية “كان مهتماً بحرم أوطيخا مع أولئك الذين كافحوا بحماس لنشر تعليمه”، وكان ذلك التعليم متضمناً في تأكيدهم على “أن اللاهوت والجسد قد ألفا ’أوسيا‘ واحد وطبيعة واحدة”.[7] وفي الحقيقة كان فهم هذا المعنى في عبارة “طبيعة واحدة متجسدة”، هو السبب وراء إطلاق وصف ’المونوفيزيتيين‘ (أصحاب الطبيعة الوحيدة) على الكيان غير الخلقيدوني.

ورد البطريرك ساويروس على اتهامات النحوي بقوله:[8] “إن اتهامك يبدو وكأنه موجهاً لي، كما لو كنت قد أكدت في أماكن عديدة في كتاباتي أن الجسد المحيَ بروح عاقلة، الذي اتخذه الله الكلمة من مريم العذراء والدة الإله ووحده بنفسه، هو واحد معه في ذات ’الأوسيا‘ (الجوهر)”. ويضيف البطريرك ساويروس أنه في الحقيقة، حينما كان يناقش موضوع تركيب الإنسان في كتابه الموجه إلى نِفاليوس (Nephalius)، قد أوضح بصورة قاطعة المعنى الحقيقي المقصود في عبارة “طبيعة واحدة متجسدة”.

فالطبيعة المتجسدة هي ’واحدة‘[9] ليس بسبب أن الطبيعتين قد تقلصتا إلى طبيعة ’واحدة بسيطة‘، ولكن بسبب أن “التقاء الطبيعتين ـ بدون اختلاط ـ في ’وحدة‘، أي للشخص الواحد، هو دلالة على الوجود المتزامن لكليهما معاً”.[10] ولا تتضمن صيغة “طبيعة واحدة” أي اختزال (لأي من الطبيعتين)، ولكن هي فقط للتأكيد على الوحدة التي أحدثها التقاء الطبيعتين معاً. ومن هنا نرى أن البطريرك ساويروس لم يكن أبداً في الموقف الذي كان ينتقده يوحنا النحوي الخلقيدوني.

وبتطبيق الأمر على كل الجانب غير الخلقيدوني، استمر البطريرك ساويروس يقول: فإذا أراد النحوي أن يكون هذا الاتهام مفحِماً، فعليه أن يُظهر وجود هذا الخلل (الذي يدعيه) في الموقف اللاهوتي الذي أكده وتبناه مجمع صور.[11] ولكن حقيقة الأمر أن مجمع صور عبَّر بتعبيرات قاطعة عن معارضته لـ “للاختلاط والامتزاج والتغيير والاندماج في الجوهرين (الإثنين أوسيا)، وكذلك معارضته للخيال (أي أن إحدى الطبيعتين كانت وهماً أو خيالاً)”، وبنفس القوة استبعد المجمع “التقسيم والانفصال”.

كما أثبت البطريرك ساويروس أن نفس التأكيد قد حدث أيضاً من الجانب غير الخلقيدوني في مجمع آخر بمصر.[12] ولهذا “فليس مرة واحدة ولا اثنتين ولكن عدة مرات” تكتب مجامع في سوريا ومصر إلى بعضها البعض معترفة أن “المسيح هو كلمة الله الذي صار إنساناً بالحقيقة وأصبح متجسداً، وقد اتخذ جسداً له ذات الجوهر معنا ومُحيَاً بروح عاقلة، وجعل نفسه مثلنا في كل شيء ماخلا الخطية”.

وبالتالي لم يكن الجانب الذي ينتمي إليه البطريرك ساويروس (أي غير الخلقيدوني) يُعلِّم أن المسيح هو أوسيا واحد، وأنه واحد في الجوهر مع نفسه، ولكن كان يُعلِّم أن “الذي هو واحد في الجوهر مع الآب والروح القدس فيما يخص اللاهوت، صار واحداً في الجوهر معنا فيما يخص الناسوت”.[13]

وكرر البطريرك ساويروس نفس هذه النقطة مرات ومرات في كتابه “ضد النحوي” وفي أعماله الأخرى. والسؤال الوثيق الصلة بالموضوع هنا هو: هل أقر البطريرك ساويروس أن المسيح كان “في إثنين أوسيا”؟. وفي الواقع لم يتعرض اللاهوتي غير الخلقيدوني (ساويروس) لهذا الأمر، لأن ذلك السؤال من وجهة نظره لا يمكن أن يتطرق إلى العقل.

فالأوسيا وهو يعني العمومي أو المشترك (common)، ينبغي أن “يشمل في حالة اللاهوت الثلاثة أشخاص الآب والابن والروح القدس، وينبغي في حالة الإنسان أن يتضمَّن داخله كل أفراد البشر”،[14] ولذلك أكد البطريرك ساويروس بأن الله الكلمة الذي صار متجسداً ليس هو ’الأوسيا‘، ولكن واحداً من الثلاثة أشخاص (أقانيم)، وبالرغم من أن الأوسيا يتخصخص ويتفرد في ’الهيبوستاسيس‘، إلاّ أن الثلاثة ليسوا هم نفس الهيبوستاسيس.[15] ولذلك يكون الحديث عن المسيح بكونه ’في إثنين أوسيا‘ هو غير ذي معنى.

إذاً كيف فهم البطريرك ساويروس عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”؟

لقد ناقش البطريرك ساويروس هذا الأمر في كتابه”محب الحق” (Philalathes)[16] حيث ذكر أنه: حينما تحدث الآباء عن “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة، أوضحوا تماماً أن الكلمة لم يتنازل عن طبيعته”؛ ولم يتعرض لأي “فقدان أو نقصان في الهيبوستاسيس الخاص به”. وعندما أكدوا أنه ’صار متجسداً‘ أوضحوا أن “الجسد لم يكن إلاّ جسداً، ولكنه لم يأتِ إلى الوجود بنفسه (منفرداً) بمعزل عن الاتحاد مع الكلمة”.

ولذلك يكون من الصحيح أن نقول أن ” الكلمة، قبل الدهور كان بسيطاً وغير مركب”، ولكن “عندما أراد أن يشابهنا بدون خطية، أُحضر الجسد إلى الوجود ولكن ليس مستقلاً أو منفصلاً”.

وتشير عبارة ’صار متجسداً‘ إلى أخذ الكلمة للجسد من العذراء، وهو الأخذ الذي به، وُلد مسيح واحد من مريم “من طبيعتين” أي اللاهوت والناسوت، وهو في آنٍ واحد الله وإنسان، كيان واحد له ذات الجوهر مع الآب فيما يخص اللاهوت وذات الجوهر معنا فيما يخص الناسوت.

وهكذا فإن عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” تؤكد ثلاثة نقاط:

  • أن الله الكلمة نفسه هو الذي صار متجسداً، بدون أن يحدث له أي تغيير.[17]

  • وهو في تجسده، لم يتخذ ناسوتاً كان قد تكوَّن من قبل في رحم العذراء. فالناسوت تكوَّن فقط داخل الاتحاد.[18]

  • أن الكلمة المتجسد هو شخص واحد (مركب)، فالذي كان “بسيطاً منذ الأزل”، أخذ في نفسه ناسوتاً محدداً وبالتالي أصبح “مركباً”.[19]

واللاهوت (الله) هو خالق وليس مخلوقاً، ولكن الناسوت هو مخلوق، وقد التقى الإثنان في وحدة في يسوع المسيح. ولهذا توجد فيه (أي في المسيح) الأشياء الإلهية والأشياء البشرية في حقيقة وكمال كل منها.

وفي الواقع، يمكننا على مستوى التأمل في المسيح الواحد أن ندركها (أي ندرك كلاً من الأشياء الإلهية والأشياء البشرية)، ولكننا لا يجب أن نتمادى لنخصص لكل طبيعة حالة مستقلة عن الأخرى، لأننا هنا لن نستطيع أن نعترف بالتجسد الذي لم يأتِ فيه الناسوت إلى الوجود بصورة منفصلة أو مستقلة.

وفي مناقشته لهذا الأمر أشار البطريرك ساويروس إلى تعليم الآباء الذين سبقوه، ومن بينهم تعليم اللاهوتيين الكبادوك.[20] وكان الآباء الكبادوك في دفاعهم عن الإيمان النيقاوي ضد إفنوميوس (Eunomius) الأريوسي قد شرحوا كيف أن الابن المساوي مع الآب، يتكلم بكلمات تحمل معنى أنه أقل من الآب.

وأكد البطريرك ساويروس أن الآباء الكبادوك في تفسيرهم لهذا الأمر لم ينسبوا الأقوال والأعمال المتواضعة للطبيعة البشرية،[21] ولكنهم نظروا إلى التجسد كإخلاء (وتدبير) للابن، وأعزوا الأقوال والأعمال (كلها) إلى الابن المتجسد. وبعد اقتباس عدد من الفقرات التي تؤيد هذا المفهوم من كتابات الآباء الكبادوك، أكد البطريرك ساويروس أنهم تجنبوا بحرص فكرة تقسيم الابن المتجسد.

وأضاف أنه على هذا النحو “أكد ق. باسيليوس أنه أصبح متجسداً وصار إنساناً، وأن كل شيء يخص التجسد هو خاص به سواء كان كلمات أو أفعال، ولكنه فصل وقت التجسد عن الوقت الذي قبل التجسد”. وأظهر البطريرك ساويروس أن ق. باسيلوس قال كذلك “أن الأشياء المتواضعة لا يمكن تطبيقها على اللاهوت، ولكن على التجسد”.[22]

فهل يمكن أن يوصف هذا الموقف أنه ’مونوفيزايت‘ (أي موقف من يؤمن بالطبيعة الوحيدة)؟. وعلى الرغم من أن هذا الوصف لم يكن قد أُطلق بعد على التقليد اللاهوتي لغير الخلقيدونيين في القرن السادس، إلاّ أن البطريرك ساويروس كان قد أدرك مقدماً ذلك الاحتمال وحاول أن يحتاط له بتكرار فقرتين اقتبسهما من كتابات ق. كيرلس. ونورد هنا إحدى هاتين الفقرتين:[23]

“حينما كنا نؤكد أن طبيعة الكلمة هي واحدة، فهل قبلنا أن نقول ذلك فقط بدون أن نضيف (كلمة) ’متجسدة‘ ومن ثم نجعل التدبير كأنه شيء بلا أهمية. ومن المحتمل أنه كان لديهم أساس ـ له ما يبرره ـ في تساؤلهم الخاص بكمال الناسوت أو كيف تم الحفاظ على (تأكيدنا على) تمام (الطبيعة) البشرية ومدلول الأوسيا الخاص بنا (في المسيح)؟. وحيث إننا ذكرنا في اعترافنا كلمة ’متجسدة‘، فليطرحوا جانباً العصا التي قد رفعوها ضدنا”.

وهكذا فعند الإشارة إلى المسيح، لا ينبغي استخدام عبارة “طبيعة واحدة” بدون كلمة ’متجسدة‘. ومن ثم فإن كلمة ’واحدة‘ المذكورة في العبارة ليست هي ’واحدة بسيطة‘؛ ولكنها الواحدة التي تتضمن كمال اللاهوت والناسوت، فيسوع المسيح ليس ’ذو طبيعة وحيدة (single-natured)‘ ولكنه هو طبيعة واحدة ’مركبة (composite)‘.

وكان ق. كيرلس قد عبَّر عن هذا المفهوم بتعبيرات جلية لا تُخطئ، وقام البطريرك ساويروس باقتباسها مرات ومرات في كتاباته، ومنها على سبيل المثال:[24]

“ولا تُستخدم كلمة ’واحد‘ للإشارة فقط إلى تلك (الأشياء) البسيطة في طبيعتها، ولكنها تُستخدم أيضاً للإشارة إلى التي لها وجود مركب، والتي يُعتبر الإنسان مثالاً جيداً لها”.

ولا يكون من الصحيح اعتبار أن كلمة ’واحدة‘ المذكورة في عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة”، مكافئة في المعنى لكلمة ’وحيدة‘ أو مونوس (monos)‘ التي في وصف ’مونوفيزايت (monophysite)‘ (أصحاب الطبيعة الوحيدة). ويقول البطريرك ساويروس نفسه ما يلي:[25]

“وعندما يعترف بأن عمانوئيل هو طبيعة واحدة، فإنه يدرك الاختلاف بين الحقيقتين (realities) اللتين دخلتا في الاتحاد. ولكنه لا يفصل خواص الناسوت وينسبها إلى الناسوت منفرداً؛ كما لا يعزي الأمور الملائمة لله إلى اللاهوت منفصلاً، وإنما على العكس تعتبر تلك التي تنتمي للجسد وتلك التي تنتمي للاهوت أنها كلها تخص الشخص (الواحد) ككل”.

وكما ذكرنا من قبل، فقد تم الاعتراف بأرثوذكسية عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” من جانب التقليد الخلقيدوني في الشرق. وسنولي اهتمامنا في وقت لاحق بالرد على السؤال: هل يختلف التفسير الذي قدَّمه الجانب غير الخلقيدوني لتلك العبارة عن التفسير الذي قدَّمه اللاهوتيون الخلقيدونيون المعروفون أمثال يوحنا الدمشقي؟.

ولكن ما ينبغي علينا ذكره في السياق الحالي، هو أن مصطلح ’طبيعة‘ في عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” كان يعني بالنسبة للبطريرك ساويروس كيان متفرد مخصخص أو ’هيبوستاسيس‘.
ومنذ عصر البطريرك ساويروس أضاف القادة غير الخلقيدونيين كلمتي “أو هيبوستاسيس” مباشرة بعد كلمة “طبيعة” (one incarnate nature or hypostasis of God the Word) ليوضحوا أنهم يعتبرون أن كلمة ’طبيعة‘ الواردة في العبارة إنما تشير إلى كيان خاص متفرد. ونستشهد هنا بعبارة واحدة للبابا ثيؤدوسيوس بطريرك الإسكندرية كان قد كتبها إلى بولس الأسود (Paul the Black) بطريرك أنطاكيا حيث يقول:[26]

“نحن نعترف أن الله الكلمة في الأيام الأخيرة قد صار متجسداً، بدون أن يطرأ عليه أي تغيير أو اختلاط؛ وبدون أن يخضع الجسد ـ الذي وحَّده بنفسه هيبوستاسياً ـ لأي اختلاط أو امتزاج بعد الاتحاد غير الموصوف وغير المنفصل.

ولم يؤثر الاتحاد الهيبوستاسي على الاختلاف والآخرية* (otherness) الذي للطبيعتين اللتين دخلتا معاً في الاتحاد، وكذلك لم تنقسم أي منهما أو تنفصل عن الأخرى. ولكن تكوَّن عمانوئيل من الإثنتين بلا انفصال من أجلنا، وطبيعته أي الهيبوستاسيس، واحد(ة)، وهي التي تكوّنت بالتركيب (in composition)”.#

وإذا أردنا أن نجمل كل ما سبق في كلمة واحدة، نقول أن التأكيد أن يسوع المسيح هو “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” إنما كان يعني بالنسبة للجانب غير الخلقيدوني أنه هو الله الابن في حالته المتجسدة (incarnate state).

 

3. عبارة “من طبيعتين”:

كانت الفكرة من وراء عبارة “من (κε) طبيعتين” هي التأكيد على أن “الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة” تتركب (composed) من طبيعتين.

ولكن تعبير “من طبيعتين” أصبح على الرغم من ذلك محل اعتراض بسبب المعنى المضلل الذي أُشير إلي وجوده في العبارة التي نطق بها أوطيخا في مجمع القسطنطينية المكاني عام 448م. ولكن غير الخلقيدونيين ـ كما رأينا ـ لم يتبنوا هذا المعنى على الإطلاق، وفي الحقيقة قد يكون أوطيخا نفسه لم يقصد أن يؤكد ذلك المعنى في كلامه.

وكان اعتراض منتقدو مجمع خلقيدونية على عبارة “طبيعتين قبل الاتحاد”، هو أنها تحمل ضمنياً معنى أن الناسوت قد أتى إلى الوجود ككيان خاص حتى  قبل الاتحاد، وكان هذا هو نفس المضمون الذي رأوه في عبارة الأنطاكيين “طبيعتين بعد الاتحاد”، ولذا كان اللاهوتيون غير الخلقيدونيين يرفضون تلك العبارة باستمرار. ونورد هنا فقرة إضافية (للبطريرك ساويروس) توضح تلك النقطة:[27]

“وليس الأمر أن هيبوستاسيسين قد تكونا (أولاً) ثم أتيا معاً بعد ذلك كهيبوستاسيس واحد. فهذا شيء معترض عليه بل وحتى غير ممكن؛ لأن اللذين تكوَّنا في انفصال وانفرادية، يبقيان إثنين. ولهذا فهو (أي المسيح) قد تكوَّن مركباً ـ بغير تغيير ـ من (الطبيعتين) المختلفتين اللتين كل منهما ليست واحدة في الجوهر مع الأخرى”.

ومن هنا نرى أن المقصود من عبارة “من طبيعتين” لم يكن هو التأكيد على الوجود الزمني المسبق للطبيعتين كحقيقتين متفردتين.

ومن خلال الفقرة التالية من كتاب البطريرك ساويروس الأنطاكي ضد النحوي (the grammarian)، ستتضح الفكرة التي كان يحاول التأكيد عليها باستخدام عبارة “من طبيعتين”:[28]

“وهو كان في أزلية مشتركة مع الآب والروح القدس، ولكنه عندما أراد أن يصير إنساناً من أجلنا ـ بينما يظل بغير تغيير كما هو عليه ـ سكن كما هو مكتوب في العذراء والدة الإله بطريقة فائقة للعقل. وبالروح القدس وحَّد بنفسه ـ من خلال اتحاد طبيعي متزامن ـ جسداً (مأخوذاً) منها له روح وعقل، وهذا الجسد هو واحد معنا في الجوهر.

ولذلك نقول عن الاتحاد أنه هيبوستاسي (أقنومي)، لأن هذا الجسد تكوَّن وأتى إلى الوجود في الاتحاد ذاته مع الكلمة الذي هو قبل الأزمنة، وفي تزامنه معه (أي مع الكلمة) أخذ الجسد تفرده المحدد (concreteness) داخل الاتحاد. وعلى هذا النحو، ومن الإثنين ـ أي من اللاهوت والناسوت ـ يُعرف المسيح بغير تقسيم بأنه عمانوئيل واحد.

وهو قد حُبل به وولد في الجسد، مثل الروح التي تُولد مع الجسد في كل إنسان. فالأولى (أي الروح) هي من جوهر مختلف عن الأخير (الجسد)، ورغم ذلك يكتمل الإنسان في طبيعة واحدة وهيبوستاسيس واحد من كليهما. وبنفس الطريقة ـ كما هو مكتوب ـ اشترك الله الكلمة في اللحم والدم وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية”.

وهكذا تبدو الفكرة التي ركَّز عليها البطريرك ساويروس في غاية الوضوح، وهو في الحقيقة يؤكدها في العديد من كتاباته. فبكونه طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة، فإن يسوع المسيح يتركب من طبيعتي اللاهوت والناسوت، اللتين تتحدان فيه بنفس الطريقة التي يتحد بها الجسد والروح في كل إنسان.

وقد استخدم كل اللاهوتيين غير الخلقيدونيين في العصور القديمة نموذج (الجسد – الروح) لشرح تلك الفكرة، ولكننا ينبغي أن نقول أن هذا النموذج في الحقيقة لا يُعتبر كافياً لشرح الفكرة بصورة كاملة. فأولاً هذا النموذج يأخذ بالتقسيم الثنائي للجسد والروح المستخدم في الأنثروبولوجي* اليوناني؛ وثانياً فإن التمييز الذي يرسمه بين الجسد والروح ليس مثل الفرق بين الإنسان والله.

ولكن مع تسليمنا بكل هذا، ينبغي علينا أن نتذكر حقيقة أن هذا النموذج كان قد استُخدم على نطاق واسع ـ كمثال توضيحي للإتحاد بين اللاهوت والناسوت في المسيح ـ بواسطة اللاهوتيين القدامى في كل من الشرق والغرب على حدٍ سواء. ففي الغرب على سبيل المثال، استخدمه (Quinquenque Vult)، أما في الشرق فقد استخدمه رجال الجانب الخلقيدوني بنفس الكثرة التي استخدمه بها معارضوهم.

وإذا بحثنا عن الفكرة التي أراد اللاهوتيون غير الخلقيدونيين توضيحها من هذا النموذج، سنجد أنها التأكيد على وحدة المسيح، فكلمات وأفعال المسيح ـ على سبيل المثال ـ كانت بالنسبة لهم هي تعبيرات لـ ’الله – الإنسان‘ (الله المتأنس). وفي الإنسان، يكون لكل من الجسد والروح دوره الخاص في كل كلماته وأفعاله، ولكننا لا نستطيع أن نقول أن هناك أقوالاً وأفعالاً معينة تختص حصرياً بالجسد، وهناك أقوالاً وأفعالاً أخرى تختص بالروح، وإنما كل ما نستطيع قوله فقط هو أن كل كلمات وأفعال الإنسان هي ناشئة عنه (كوحدة أو ككل).

وبنفس الطريقة في المسيح، الحقيقتان الإلهية والإنسانية كائنتان بدون أي نقصان؛ ولكن بالنسة للأقوال والأفعال فإنها كلها تعبيرات للمسيح الواحد. ويعد استخدام نموذج (الجسد – الروح) على هذا النحو استخدام شرعي باعتراف الجميع.

ويتضمن تعبير “من طبيعتين” فكرتين أساسيتين:

أولاً، هو يؤكد أن “من طبيعتي اللاهوت والناسوت، اللتين كل منهما كاملة بحسب أصل مبدأها (جوهرها)، ظهر عمانوئيل بكونه واحداً، بكونه طبيعة واحدة أو هيبوستاسيس واحد لله الكلمة”.[29] وهكذا صار اللاهوت والناسوت بالفعل معاً في واحد. وبالضبط كما أن اللاهوت دخل في الإتحاد من خلال الله الابن، فإن الناسوت صار في الإتحاد في حالة مخصخصة متفردة (individuated state) . ويذكر البطريرك ساويروس هذه النقطة مراراً وتكراراً حيث يقول:[30]

“إن الله الكلمة هو هيبوستاسيس واحد، وقد وحَّد بنفسه ’هيبوستاسياً (أقنومياً)‘ جسداً خاصاً واحداً له روح عاقلة ومفكرة، وهذا الجسد أخذه من مريم والدة الإله (ثيؤطوكس)”.

إذن الطبيعتان اللتان التقيتا في الإتحاد كانتا هيبوستاسيسين (أي في الحالة الأقنومية المخصخصة)، هذا بالرغم من أن الناسوت أخذ الحالة الهيبوستاسية فقط في داخل الإتحاد.[31] ونجد هذا المعنى في كلمات البطريرك ساويروس التالية:[32]

“والطفل، على سبيل المثال، لم يتكوَّن في الرحم بمفرده ـ كما يُعلِّم الهراطقة ـ ولكن الله الكلــمة منذ عين البداية ـ أي منذ أول لحظة تكوَّن فيها الجسد المحيَ بروح وعقل داخل الرحم ـ كان متحداً به. وهكذا لم يكن هناك أي فاصل بين تكوّن الجسد (حضوره للوجود) وبين اتحاده مع الله الكلمة”.

ونتيجة لهذا الاتحاد، فإن يسوع المسيح قد حُبل به في رحم العذراء بكونه شخص واحد. وهذا الشخص الواحد لم يكن ببساطة هو الله الابن. لأنه بينما أن الله الابن هو إلهي فقط، فإن يسوع المسيح بشخصه الواحد قد تكوَّن من اتحاد اللاهوت مع الناسوت. وهكذا فإنه في ذات اللحظة، التي التقى فيها اللاهوت والناسوت في رحم العذراء فقد كوّنا معاً مركزاً بؤرياً (focal point) صار فيه كل ما هو إلهي بحسب الجوهر وكل ما هو إنساني بحسب الجوهر، هناك معاً في حالة إتحاد.

ولذلك كان تطابق المسيح مع الكائنات البشرية الأخرى هو تطابق حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة، سواء في تكوينه في الرحم أو في ولادته كطفل بشري أو في حياته على الأرض بعد ذلك. ويقول البطريرك ساويروس في هذا الصدد:[33]

“وحيث إن المسيح الواحد هو طبيعة واحدة وهيبوستاسيس واحد من اللاهوت والناسوت ـ لله الكلمة المتجسد ـ فإن ذلك يؤدي بالقطع إلى أنه ـ في نفس الوقت ـ يُعرف بكونه واحد مع الآب في الجوهر فيما يخص اللاهوت وواحد معنا في الجوهر فيما يخص الناسوت. وهو نفسه ابن الله وابن الإنسان. وبالتالي فهو ليس ابنان ولكنه هو نفس الابن الواحد”.

إذن فيسوع المسيح هو وحدة  (unity)منذ أول لحظة حُبل به فيها في الرحم.

ثانياً، كان المقصود من عبارة “من طبيعتين” هو التأكيد ـ كما ذكرنا قبلاً ـ على استمرار (وجود) اللاهوت والناسوت في المسيح الواحد طوال الوقت منذ تكوينه في رحم العذراء. ولذلك فعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نقسم الأقوال والأفعال بين اللاهوت والناسوت، إلا أننا قد نميِّز ـ في الفكر (contemplation) فقط ـ بعض الكلمات والأفعال بكونها إلهية والبعض الآخر بكونها بشرية.[34]

والحقيقة أن القضية ليست في أن الناسوت لم يكن له مكان في الحياة المتجسدة لابن الله، ولكنها في أن الناسوت كان متحداً مع اللاهوت. وبسبب الاتحاد كان يسوع المسيح مركباً من اللاهوت والناسوت طوال حياته على الأرض. ومن الواجب أن نضيف أيضاً أنه حتى بعد القيامة لم يتوقف عن كونه من طبيعتين.

وكما رأينا سابقاً، كانت النقطة الفعلية التي على أساسها رفض الجانب غير الخلقيدوني قبول تعريف إيمان مجمع خلقيدونية، تتعلق بعبارة “في طبيعتين”. فمن وجهة نظر الجانب غير الخلقيدوني، كانت عبارة “في طبيعتين” من الممكن أن تعني أن الله الابن والإنسان يسوع قد اتحدا في نطاق (أو على مستوى) ’البروسوبون‘ فقط.

 وبسبب هذا القلق من كلمة ’في‘ (التي في عبارة ’في طبيعتين‘) رأى الجانب غير الخلقيدوني أنه يمكن الحفاظ على المعنى من خلال عبارة “من طبيعتين” بالإضافة إلى كلمة ’متجسدة‘ في عبارة “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” وكلمة ’مركبة أو مركب‘ في عبارة “طبيعة واحدة مركبة أو هيبوستاسيس واحد مركب”، وكذلك من خلال التأكيد على أن الاختلاف بين الطبيعتين يمكن رؤيته على مستوى الفكر (فقط).

وكان القصد من وراء كل هذه التفسيرات الدقيقة والفروق المحددة بعناية هو التأكيد على وحدة المسيح، ولم يكن القصد أبداً هو استبعاد أي من الطبيعتين.

 

4. عبارة “اتحاد هيبوستاسي (أقنومي)”:

كان اتحاد الطبيعتين (في المسيح) هو اتحاد هيبوستاسي (أقنومي). وقد أصَّر كل من ق. كيرلس والجانب السكندري على عبارة “إتحاد هيبوستاسي” في مواجهة نسطوريوس والأنطاكيين. وكان الجانب الأنطاكي يرفض تلك العبارة على الدوام، وهناك فقرة اقتبسها البطريرك ساويروس من ثيؤدوريت أسقف قورش يوضح فيها وجهة نظره بشدة، حيث قال:[35]

“ولكننا لا نعترف أبداً بالاتحاد الهيبوستاسي (الأقنومي)، لأنه يتعارض مع الأسفار الإلهية، ومع الآباء الذين فسَّروها”.

وقد أقر مجمع خلقيدونية هذه العبارة ـ كما ذكرنا ـ من خلال اعترافه بـ “هيبوستاسيس واحد”، ومن خلال تبنيه للرسالة الثانية لكيرلس ضد نسطوريوس والتي تضمنت تلك العبارة.

ولكن الجانب غير الخلقيدوني مع ذلك، أكد أنه في سياق قبول المجمع لطومس ليو ولعبارة “في طبيعتين”، وفي ســـياق تبرئته لثيؤدوريت أسقف قورش ـ الذي كان يعتبر مصطلح هيبوستاسيس مرادفاً لمصطلح بروسوبون ـ وفوق كل ذلك في غياب إيضاح المعنى الذي كان يراه المجمع في مصطلح ’اتحاد هيبوستاسي‘، ففي ضوء كل ما سبق دفع الجانب غير الخلقيدوني بأن مجمع خلقيدونية لا يمكن أن يكون قد أخذ المصطلح بالمعنى الذي سعى الآباء أن يؤكدوه من وراء استخدامه. ولذلك أثناء مناقشة هذا الأمر، تساءل البطريرك ساويروس: ما هو معنى أن المسيح “هيبوستاسيس واحد” بالنسبة لمجمع خلقيدونية.[36]

ويذكر البطريرك ساويروس أن المدرسة النسطورية اعترضت على “الاتحاد الهيبوستاسي” لأن الاتحاد من وجهة نظر النساطرة كان اتحاداً لأقنومين كل منهما أتى بالفعل بشكل منفصل، وعلى أساس أن ’الطبيعة‘ بالنسبة لهم كانت تعني كائن محدد. وعلى سبيل المثال يذكر البطريرك ساويروس أن نسطوريوس كتب ما يلي:[37]

“إن الاتحاد لم يكن من (from) طبيعتين ولكن لـ (of) طبيعتين”.

والسؤال هنا هو كيف واجه مجمع خلقيدونية هذه المشكلة؟

الحقيقة إنه عند هذه النقطة بالتحديد، فشل كل من العالِمين ليبون (Joseph Lebon) وأندريه (Andre de Halleux) في ابراز وجهة نظر الجانب غير الخلقيدوني بموضوعية.[38]

فتعليق ليبون على سبيل المثال، بأن تعليمهم الخريستولوجي (أي تعليم الجانب غير الخلقيدوني) ينتمي إلى ما قبل خلقيدونية، يمكن الرد عليه بأن طومس ليو وتعريف الإيمان الخلقيدوني ينتميان إلى ما قبل أفسس (أي يفتقدان إلى تحديدات مجمع أفسس). وكانت وجهة نظر غير الخلقيدونيين  ـ  كما أوضحنا ـ  هي أنه لا البابا ليو ولا مجمع خلقيدونية قد أخذا قرارات مجمع أفسس عام 431م والاتفاق الذي سبق إعادة الوحدة عام 433م بجدية كافية، كما أنهم كذلك لم يقوموا بتوضيح ما كانوا يقصدونه بادعائهم رفض النسطورية.

وكان الجدل النسطوري قد بدأ بالقضية التي أثارها نسطوريوس في تطبيق لقب ’والدة الإله‘ (ثيؤطوكس) على العذراء مريم. وهذا الأمر ذاته كان له تاريخ في التقليد الخريستولوجي لمدرسة أنطاكية، فكما رأينا من قبل[39] ـ وسوف نرى أكثر فيما بعد[40] ـ كان الفكر اللاهوتي للأنطاكيين الذي يصر على “طبيعتين بعد الاتحاد” هو الأساس الذي شكك في إمكانية إطلاق لقب ’والدة الإله‘ (ثيؤطوكس) على العذراء مريم.

وفي مواجهة هذه الخلفية، بدأ آباء الإسكندرية ومَنْ يتفقون معهم في بناء فكر لاهوتي يعترف بلقب ’ثيؤطوكس‘ ويستبعد مفهوم ’طبيعتين بعد الاتحاد‘. ولكن الغريب أن البابا ليو ومجمع خلقيدونية صدَّقا على لقب ’ثيؤطوكس‘ وعلى عبارة ’طبيعتين بعد الاتحاد‘ كليهما معاً، بدون أن يقدِّما تفسيراً عن كيف يمكنهما أن يجمعا بين الإثنين معاً.

وهذه في الحقيقة هي المشكلة المطلوب مواجهتها فيما يتعلق بالنزاع بين الجانب الخلقيدوني وغير الخلقيدوني، ولكن بدون افتراض مسبق بأن مجمع خلقيدونية عام 451م قدَّم بالفعل مساهمة (جديدة) ذات معنى وأن منتقديه كانوا على خطأ.

أما بالنسبة لعبارة ’اتحاد هيبوستاسي (أقنومي)‘، فقد كانت في الحقيقة تهدف إلى المحافظة على مفهومين على الأقل:

أولاً: هي تؤكد أن الله الابن، وهو هيبوستاسيس أزلي، وحَّد بنفسه ناسوتاً. وعلى الرغم من أن الناسوت لم يكن في ذاته هيبوستاسيس (مستقل) في مقابل (هيبوستاسيس) الله الابن، إلا أنه صار مخصخصاً ومتفرداً وبالتالي تقَبَّل حالته الهيبوستاسية في الاتحاد مع الله الابن.

ثانياً: تفيد هذه العبارة التأكيد على أن اتحاد الطبيعتين كان داخلياً وحقيقياً. ويمكننا أن نوضح هذه النقطة من خلال الرجوع إلى معاني المصطلحات التي ذكرناها سابقاً، فالهيبوستاسيس هو الأوسيا بكامله حينما يأخذ وجوده المحدد، والبروسوبون يدل على الهيئة الخارجية للشيء أو الشخص التي يتمايز بها كل هيبوستاسيس من نوع (class) معين عن الآخر الذي من نفس النوع.

وبناءً على هذه المعاني، نستطيع أن نقول أنه بالاتحاد الهيبوستاسي للاهوت والناسوت، كان هناك حضور للاهوت الابن والناسوت معاً في يسوع المسيح. ولكن هذا لم يُحدِث مع ذلك أي تغيير لا في الله الابن ولا في الناسوت الذي اتخذه. وهذا المعنى هو ما نجده في كلمات البطريرك ساويروس إلى نيفاليوس (Nephalius):[41]

“لقد بقي الجسد جسداً، وظل اللاهوت لاهوتاً. ولم يتحول أي منهما إلى طبيعة الآخر. ولكن اتحادهما وإلتقاءهما معاً قد حدث في تركيب الطبيعة الواحدة المتجسدة للابن”.

وهكذا فإنه في الاتحاد الهيبوستاسي، تظل سلامة الطبيعتين بكل خواصهما وقدراتهما (ملكاتهما) محفوظة بدون اختلاط أو انفصال. وحيث إن الطبيعتين تتحدان داخلياً (inwardly) فلذلك يكون هناك تبادل للخواص (exchange of properties).[42] ويكون الناسوت حاضراً مع لاهوت الله الابن، كليهما في شخص المسيح (الواحد المركب) وفي حياته في كل لحظة.

ومن هنا فإنه في كل كلمة تكلم بها (المسيح) وفي كل فعل قام به، كان الناسوت قائماً فيه في حالة الاتحاد. ولم يكن الناسوت مختلطاً مع اللاهوت، ولا كان سلبياً، بل على العكس اتخذه الله الابن ناسوتاً خاصاً به* (as his own) بكل ما له من حرية مخلوقة، ووعي إنساني وكل الوظائف والخواص المنتمية للناسوت، ولهذا فبدون أن يفقد الناسوت طابعه الجوهري، أصبح متقلداً بالمجد الإلهي.[43]

وقد تحتاج الجملة الأخيرة لبعض التوضيح، حيث إنها لا تعني أن ناسوت المسيح قد خضع لنوع من التحول إلى الألوهة، أو أن هدف الجنس البشري يكمن في بلوغ مثل هذا التغيير، ولكنها تعني في المقابل أن الإنسان بخلقته على صورة الله، كان له مصير نهائي يصبح فيه متشبهاً بالله (God-like) ممتلئاً بالمجد الإلهي. ويسوع المسيح وحده هو الذي حقق ذلك في حياته، واحتفظ بذلك كإنسان بدون أن يحدث أي نوع من التحول لناسوته على الإطلاق. وهذه هي الغاية النهائية التي يتطلع إليها الإنسان في إيمان ورجاء، معتمداً على نعمة وقوة الرب المتجسد كما أعلن في موته وقيامته.

وتبقى نقطة واحدة جديرة بالاهتمام في هذا الفكر اللاهوتي. فكما رأينا، كان الأنطاكيون يؤمنون بنظرية الإتحاد البروسوبي،[44] وبالتالي يؤكدون أن المسيح كان إنساناً سكنه الله الابن ولذلك كان كل شيء إنساني فيه متحداً باللاهوت. أما السكندريون فكانوا يؤمنون أن تلك النظرية غير كافية للاعتراف بالتجسد، ومن هنا كانوا يؤكدون على الاتحاد الهيبوستاسي.

ولكي نوضح هذا الأمر بطريقة أكثر نقول أن الاتحاد البروسوبي ـ الذي يؤمن به الأنطاكيون ـ يستطيع أن يفسر فقط العلاقة التي كانت قائمة في الأصل بين الله والإنسان. وحيث إن الإنسان لم يقدر أن يحافظ على تلك العلاقة؛ فإن الله الكلمة ـ برحمته ـ وحّد هيبوستاسياً (أقنومياً) بذاته ناسوتاً لكي ما يثبِّت الإنسان في حقيقة نعمة خلاصه للجنس البشري.[45]

وهكذا فإن العلاقة التي تأسست بين الله والإنسان في يسوع المسيح هي علاقة حميمية وشخصية أكثر من تلك التي كانت قائمة بين الله وآدم قبل سقوطه. وسيستمر يسوع المسيح إلى الأبد في حالة هذه العلاقة بكونه ’الله ـ الإنسان‘ (الله المتأنس).

 

5. عبارة “هيبوستاسيس واحد” وعبارة “طبيعة واحدة مركبة أو هيبوستاسيس واحد مركب”:

يعترف كل من اللاهوتيين الخلقيدونيين وغير الخلقيدونيين بأن يسوع المسيح هو “هيبوستاسيس واحد”، رغم أنهما لا يتفقان في تفسير ماهية الهيبوستاسيس الواحد. والهيبوستاسيس الواحد (للمسيح) عند اللاهوتيين غير الخلقيدونيين هو ’هيبوستاسيس مركب‘ وهم يعتبرون أن عبارة “هيبوستاسيس واحد مركب” هي مرادف لعبارة “طبيعة واحدة مركبة”. أما الجانب الخلقيدوني ـ على الأقل في الشرق ـ فيفصل بين العبارتين.

ونجد أن يوحنا الدمشقي ـ على سبيل المثال ـ يفضل عبارة “هيبوستاسيس واحد مركب”* وليس عبـــارة “طبيعة واحـــدة مركـبة”.[46] ويصـــر شــــــارلز مــوللر (Charles Moeller) على أن تعبير “هيبوستاسيس مركب” هو تعبير مبهم وغامض وغير مقبول من الكنيسة.[47] ولو كان مصطلح ’طبيعة‘ يُستخدم بمعناه العام المجرد، وليس كحقيقة محددة (مخصخصة)، لكان رفض الفكر اللاهوتي الخلقيدوني لعبارة “طبيعة مركبة” يصير مفهوماً.

ولكن السؤال هو: كيف يمكن لناسوت المسيح كحقيقة عامة مجردة أن يدخل حيز الزمان والمكان ما لم يكن في صورة شخص مرئي وملموس (أي في صورة محددة)؟. ويبدو أن الفكر اللاهوتي الخلقيدوني هنا كان قلقاً بشدة من أجل استبعاد احتمالية الاضطرار للاعتراف بأن الله هو ’رابوع‘ بدلاً من ثالوث. وهكذا نرى أنه كان هناك فرق بين التفسير الخلقيدوني وغير الخلقيدوني حول هذه النقطة.

وبواسطة عبارة “هيبوستاسيس مركب” أو “طبيعة مركبة” يؤكد الفكر اللاهوتي غير الخلقيدوني على الوجود المتزامن للاهوت والناسوت في المسيح الواحد. وهذا يعني أن شخص يسوع المسيح الواحد قد تكوَّن بواسطة اتحاد اللاهوت والناسوت. وكان تعريف الإيمان الخلقيدوني قد أكد أن طبيعتي اللاهوت والناسوت “يتواجدان معاً في بروسوبون واحد وهيبوستاسيس واحد”.

وقد أصر الفكر اللاهوتي غير الخلقيدوني على الطابع المركب لشخص المسيح، وكان هذا الفكر مؤسس على مفهوم سكندري الأصل. فإذا كان ’الهيبوستاسيس الواحد‘ ـ الذي جاء في اعتراف الإيمان الخلقيدوني ـ لم يؤخذ بكونه “هيبوستاسيس واحد مركب”، فإن هذا يعد إثباتاً إضافياً أن البطريرك ساويروس ومن يتفققون معه كانوا بالتأكيد على حق في حكمهم أن مجمع خلقيدونية لم يحافظ على مدلولات المفاهيم السكندرية التي قصدها الآباء.

ويؤكد الفكر اللاهوتي غير الخلقيدوني أن اتحاد اللاهوت والناسوت في يسوع المسيح لم يكن اتحاداً لطبيعتين في صورتهما العامة المجردة، ولكن اتحاداً لله الابن مع الناسوت الذي صار مخصخصاً (individuated) في الاتحاد. وبالرغم من أن الناسوت لم يكن هيبوستاسيس مستقل في مقابل (هيبوستاسيس) الله الابن، فقد صار (الناسوت) في الحالة الهيبوستاسية (hypostatic) في الاتحاد.

ومن هنا أصر كل من البطريرك ساويروس وتقريباً كل اللاهوتيين الآخرين المعترف بهم في الجانب غير الخلقيدوني، على أن الهيبوستاسيس الواحد ليس ’بسيطاً‘ (simple) ولكنه ’مركباً‘ (composite). وكان هذا المفهوم الكيرلسي ـ كما ذكرنا ـ يُظهر أن المقصود بمصطلح “طبيعة واحدة” ـ كما هو محفوظ في التقليد السكندري ـ لا يلائم وصفه كمكافئ لمصطلح ’الطبيعة الوحيدة‘ (monophysite).

وهيبوستاسيس يسوع المسيح الواحد ليس ببساطة هو هيبوستاسيس الله الابن، ولكنه هو هيبوستاسيس الله الابن في حالته المتجسدة. ولذلك كتب البطريرك ساويروس في كتابه “ضد النحوي”:[48]

“إن الطبيعتين والهيبوستاسيسين* الذي منهما تركب (المسيح)، قد أُدركا في الاتحاد بلا أي اختزال وبلا أي تغيير. ولكن من غير الممكن أن نميِّز بروسوبون لكل منهما، لأنهما لم يوجدا (في المسيح) منفصلين سواء في تحديد معين (specific concretion) أو في ثنائية. لأنه هو هيبوستاسيس واحد من كليهما، وبروسوبون واحد على نحو موحد* (conjointly)، وطبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد”.

وهكذا يصبح الأمر واضحاً جداً، فالهيبوستاسيس الواحد ليسوع المسيح هو من كلا اللاهوت والناسوت. ولم يكن على الإطلاق القصد من هذا التأكيد هو التقليل من السيكولوجية الإنسانية الخاصة بربنا، وإنما الاعتراف بها بدون الوقوع في موقف يتضمن تقسيماً للمسيح الواحد.

 

[1]   للإطلاع على وجهة نظر مختصرة حول الموضوع انظر:

(R.V. Sellers: Two Ancient Christologies, London, 1954, p. 89, especially note 2)

[2] G. L. Prestige, God In Patristic Thought, London, 1952, p. 197.

[3]   يقول يوحنا النحوي (بحسب إقتباس البطريرك ساويروس): “ولهذا السبب قَبِل المبارك كيرلس هؤلاء الذين أكدوا ’طبيعتين‘ لعمانوئيل، لكي يفلتوا من هرطقة أبوليناريوس. ومرة أخرى صدق على التأكيد على ’طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة‘ لكي يدين نسطوريوس. فعندما يتم التأكيد على الأمرين فإنهما يشيران إلى الرأي الصواب، أما إذا تم استبعاد واحد منهما فقد يجعلنا هذا نقع في شر الآراء الهرطوقية”. انظر:  (Contra Gr., I, p. 131).

[4] Tractatus…., op. cit., p. 185.

[5]  المرجع السابق صفحة 190.

[6]  للرجوع إلى هذا الاعتراف انظر المرجع صفحة 258.

[7] Contra Grammaticum, op. cit., I, p. 20.

[8] المرجع السابق صفحة 21.

[9]  المرجع السابق صفحة 24.

[10] المرجع السابق صفحة 24.

[11] المرجع السابق صفحة 21. للرجوع إلى هذا المجمع انظر صفحة 239.

[12]  المرجع السابق صفحة 22.

[13]  المرجع السابق صفحة 22. واستمر البطريرك ساويروس بعد ذلك في التأكيد على أن النحوي في إتهامه للكيان غير الخلقيدوني أنه يؤمن بنظرية ’أوسيا واحد‘ لم يقدم حتى دليلاً واحداً على صحة ذلك الإتهام. (انظر المرجع السابق صفحة 23).

[14]  المرجع السابق صفحة 200.

[15]  المرجع السابق صفحة 203. وفي تفنيده لرأي النحوي طالبه البطريرك ساويروس بأن يريه كيف يمكن أن نعترف أن المسيح ’في إثنين أوسيا‘ (لأن الأوسيا هو الحقيقة العامة المجردة). كيف يمكن على سبيل المثال أن يكون أوسيا الجسد حتى ولو كان موجوداً قبل الإتحاد بالله الكلمة أن يتخصخص ويتفرد ولايزال باقياً كأوسيا؟ وهل أن الله الكلمة قد وحَّد بنفسه ’هيبوستاسياً‘ الناسوت في عموميته (المجردة)؟ ألم يوحِّد بنفسه جسداً واحداً ذو روح وعقل ينتمي إلى الأوسيا البشري، أي إلى الجنس البشري بأكمله، وبهذا أصبح واحداً في الجوهر مع جنسنا؟ (المرجع السابق صفحة 267).

ويؤكد البطريرك ساويروس أن النحوي عليه أن يقر أن قصده الحقيقي ليس هو التأكيد على ’في إثنين أوسيا‘ وإنما ’في إثنين هيبوستاسيس‘ مما يحمل ضمنياً الاعتراف بأن الجنين قد تكون في الرحم بنفسه (مستقلاً) بمعزل عن الإتحاد بالله الكلمة. ويصر البطريرك ساويروس أنه لهذا السبب أكد النحوي على ’طبيعتين بعد الإتحاد‘ والتي بها نكون من أصحاب عقيدة ’البروسوبونين‘ و’الابنين‘ و’المسيحين‘”. (المرجع السابق صفحة 268).

[16] Philalethes, op. cit., pp. 131f.

[17]  “الله الكلمة الأبدي والذي بلا بداية، الذي ولد من الآب بغير ألم وبغير جسد، هذا قد صار متجسداً”. (المرجع السابق صفحة 131).

[18]  كتب البطريرك ساويروس: “لقد صار متجسداً بواسطة الروح القدس من القديسة مريم الدائمة البتولية والدة الإله ’ثيؤطوكس‘، (وذلك بأن اتخذ) جسداً من نفس طبيعتنا ذو روح عاقلة مفكرة، وهذا الجسد لم يأتِ إلى الوجود قبل سكنى الله الكلمة في رحم العذراء”. وفي نفس الوقت أصر البطريرك ساويروس أن: “الله الكلمة وحَّد بنفسه الأوسيا الخاص بنا بأكمله ولم يترك أي شيء مما يتكون منه ناسوتنا”. (المرجع السابق صفحة 132).

[19]  هذا الأمر أكده البطريرك ساويروس مرات عديدة.

[20] Contra Grammaticum, op. cit., II, pp. 110f.

[21] كتب البطريرك ساويروس: إن ق. باسيليوس قد عرَّف ذاك الذي صار متجسداً بأنه غير منقسم. وهو يرسم فاصلاً بين وقت ما قبل التجسد ووقت ما بعد التجسد، فقبل التجسد كان بغير جسد ولكنه بعد التجسد صار له جسد”. (المرجع السابق صفحة 117).

[22] المرجع السابق صفحة 115.

[23] Contra Grammaticum, op. cit., I, p. 34.

[24] المرجع السابق 1: صفحة 91.

[25] Ad Nephalium, op. cit., p. 29.

وهذا التعليق جاء بعد بعض المقولات المنسوبة إلى يوليان أسقف روما.

[26] C. S. C. O. vol. 17, p. 121.

*  أي اختلاف كل طبيعة عن الأخرى.

#  انظر الحاشية صفحة 283.

[27] Contra Grammaticum, op. cit., I, p. 185.

[28] Contra Grammaticum, op. cit., II, p. 239-40.

وهنا كما في العديد من المواضع الأخرى، يستخدم ساويروس مثال الجسد-الروح في الإنسان.

* الأنثروبولوجي هو العلم الخاص بالإنسان

[29] Contra Grammaticum, op. cit., I, p. 87.

[30] المرجع السابق صفحة 148.

[31] وهذا التأكيد هو ما قد ذكرناه بالفعل. انظر الحاشية صفحة 283.

[32] المرجع السابق صفحة 184.

[33]  المرجع السابق صفحة 227.

[34]  هذا الأمر أكده البطريرك ساويروس مرات عديدة. ونقدِّم هنا مثالاً على ذلك حيث قال: “حينما نتأمل في الحقيقتين اللتين منهما تركب المسيح الواحد، سوف نرى في أذهاننا الطبيعتين اللتين التقيتا في الإتحاد غير المنقسم. أما بعد التفكير في الإتحاد، فليس من الصواب أن نؤكد على ’طبيعتين‘، لأن الطبيعتين لم تأتيا إلى وجودهما المحدد (داخل الإتحاد) منفصلتين، ولكن تكوَّن منهما معاً الهيبوستاسيس الواحد والطبيعة الواحدة لله الكلمة. (Contra Gr., I, p. 119)

[35] Contra Grammaticum, op. cit., II, p. 9.

[36] انظر صفحة 384 وما يليها.

[37] Contra Grammaticum, op. cit., II, p. 28.

[38]  انظر خاتمة مقال ليبون فى:

(‘Le Christologie du Monophysisme Syrien’ in Das Konzil Von Chalkedon, vol. 1)

وانظر أيضاً الملاحظات الختامية لأندريه في: (Adler de Halleux, op. cit.,)

[39]  انظر صفحة 382.

[40] انظر صفحة 535 وما يليها.

[41] Ad Nephalium, op. cit., p. 24.

[42] هذه النقطة سبق الإشارة إليها. انظر صفحة 405.

*  كثيراً ما كان ق. اثناسيوس يستخدم نفس هذا التعبير في حديثه عن تجسد الابن. (انظر ق. أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة د. جوزيف موريس، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة. فصل: 8، 10، 20، 25، 31)

[43]  لقد تبنى الجانب الأنطاكي والجانب الخلقيدوني وجهات نظر متشابهة برغم وجود اختلافات طفيفة. أنظر صفحة 519 وصفحة 539.

[44]  انظر صفحة 379. من أجل توضيح أكثر انظر صفحة 540.

[45]  وكما ذكر ق. بولس أنه “حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً”. (رو 5: 20)، فقد أكد مار فيلوكسينوس أنه بالتجسد خلق الله الإنسان من جديد في داخل شخصيته الخاصة. انظر صفحة 448.

*   وحتى بالنسبة لتعبير ’هيبوستاسيس واحد مركب‘ يختلف يوحنا الدمشقي في تفسيره تماماً عن البطريرك ساويروس الأنطاكي. انظر الملحق الموجود في نهاية الكتاب.

[46]  انظر صفحة 511.

[47] See essay in Das Konzil Von Chalkedon, op. cit., p. 703.

[48] Contra Grammaticum, op. cit., I, p. 187.

*  يقول ق. كيرلس في رسالته إلى أكاكيوس أسقف مليتين: “لأنه يُعترف أن هناك طبيعة واحدة للكلمة، ولكننا نعرف أنه تجسد وصار إنساناً… وبناء على هذا فقط يُفهم إختلاف الطبيعتين أي الهيبوستاسيسين (الأقنومين)، لأن اللاهوت والناسوت ليسا هما نفس الشيء من جهة النوعية الطبيعية” (رسائل ق. كيرلس السكندري، الجزء الثالث، ترجمة وإصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة 1995م. رسالة 40: 15 صفحة 51).

* أي بروسوبون واحد للهيبوستاسيس الواحد الذي تركب من اتحادهما معاً

طبيعة الله من وجهة نظر غير الخلقيدونيين