مجامر قورح – العظة التاسعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
مجامر قورح - العظة التاسعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
مجامر قورح – العظة التاسعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
مجامر قورح ـ عصيان جديد وشفاعة موسى وهارون ـ عصا هارون
المجامر: لا شئ غير نافع
ليس شئ بدون معنى أمام الله عندما يكون قد أُعطى لكي نفهمه. وما يبدو للناس مستحقًا أن يستبعد، نجده في النهاية مستحقًا أن يؤدي أعمال هامة. القراءة الحاضرة توحي إلينا بهذه الفكرة، أنها تحكي لنا حادثة مجامر قورح وعن الذين أخطأوا معه. الله يأمر بعدم طرح هذه الأشياء بل أن يعمل منها ألواح معدنية مطرقة.
وأن يحاط بها المذبح، الكتاب المقدس يضيف أنه بناء على أمر الله “ ليعازر بن هارون الكاهن قد أخذ المجامر النحاسية التي قدمها ضحايا النار، وعمل منها صفائح ووضعت على الهيكل ليتذكر بنوا إسرائيل بالا يقترب أي أجنبي من غير نسل هارون ليقدم بخورًا أمام الرب، خوفًا من أن يحدث له كما حدث لقورح وجماعته حسبما أعلن الرب على فم موسى” (عد 16: 38ـ 40).
الهراطقة: تؤخذ منهم حسناتهم
الرب يقول في بعض الأجزاء في كلمات واضحة على فم أحد الأنبياء ” أفكاري ليست أفكارهم ولا طرقكم طرقي” (إش52: 8ـ9)، فإذا كان هذا السؤال مطروحًا اليوم لحكم الإنسان، فإذا وضعنا أمام رئيس الكنيسة حالة الذين علموا تعاليم مضادة لتعاليم الكنيسة والذين وقع عليهم الانتقام الإلهي إلا يحكم بأن كل كلامهم وكل تعليمهم وأيضًا كل كتاباتهم يجب أن تباد مع رمادهم.
ولكن أحكام الله ليست كأحكامنا. تعلم كيف أن مجامر المعاندين التي وضعت ضد نبي الله يجب عملها صفائح وتوضع على المذبح. قورح يمثل الذين تمردوا ضد إيمان الكنيسة وتعليم الحق، فقد كتب عن قورح وجماعته أنهم كانوا يقدمون بخورًا في المجامر النحاسية موقدًا بنار غريبة، الله يأمر بأن تذرى وتبدد “النار الغريبة”، بعيدًا.
أما عن “المجامر” فيقول الرب ” فإنهن قد تقدسن فليعملوها صفائح مطروقة غشاء للمذبح لأنهم قدموها أمام الرب فتقدست“. هذه الصورة تبين أن هذه المجامر التي هي حسب الكتاب المقدس مصنوعة من النحاس تمثل الكتاب المقدس نفسه. الهراطقة وضعوا في المجامر نارًا غريبة. بمعنى أنهم أعطوا شرحًا وتفسيرًا غريبًا عن الله ومضادًا للحق، وقدموا كذلك لله بخورًا لا يستحسنه بل هو مرذول.
الكهنة الإسرائيليون يمثلون الكنيسة، إذا حصل عصيان وشغب من هذا النوع. فكل من يبتعد عن الحق يجب أن ينزع كلية من الكنيسة. لكن إذا وجدنا في كلام الهراطقة أفكارًا مقتبسة من الكتاب المقدس، فلا نطرحها خارجًا إنما نطرح خارجًا الأفكار المضادة للإيمان والحق. لأن الأفكار المستخرجة من الكتاب الإلهي قد تقدست وقدمت للرب.
فائدة الهرطقات للإيمان الحقيقي
لكننا نستطيع أيضًا أن نفهم بطريقة أخرى نظام خلط مجامر الخطاة وإلحاقها بالهيكل.
أولاً: كونها من النحاس لا يظهر أنه تفصيل بلا معنى، فعندما يكون الكلام عن الإيمان الحقيقي والتعليم النقي لكلام الله فالكتاب المقدس يتحدث عن أشياء من الفضة أو من الذهب. لمعان الذهب يعني نقاوة الإيمان[1] ” كلام نقي كفضة مصفاة” (مز12: 6). لكن ما هو النحاس في الكتاب المقدس. لا يعني إلا صدى الكلام وليس قوة الروح، هذا ما قاله الرسول ” كنحاس يطن أو صنجًا يرن” (1كو13: 1).
فإذا وضعنا المجامر النحاسية بمعنى كلام الهراطقة على هيكل الله حيث النار الإلهية وحيث تعطي التعاليم الحقيقية عن الله فستظهر الحقيقة أكثر وضوحًا بالمقارنة بالضلالة.
فمثلاً إذا أخذت كلام (باسيليدس Basilide أو ماركون Marcion)، أو بعض الهراطقة الآخرين وفندتها بكلام الحق وشهادات الكتاب المقدس، أي نار الهيكل الإلهي أفلا يظهر كفرهم بالمقارنة؟ فإذا كانت تعاليم الكنيسة بسيطة ولم تكن محاطة من الخارج بالبدع لما ظهر إيماننا أكثر لمعانًا وأكثر صلابة، لكن هجمات المعارضين أحاطت بتعاليم الكنيسة الجامعة، حتى لا يغفو إيماننا بل يتنقى دائمًا بالتجارب.
لهذا السبب قال الرسول: “ لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضًا ليكون المزكون ظاهرين بينكم” (1كو11: 19)[2]. أي ” لابد أن يحاط المذبح” (عد11: 37)، بمجامر الهراطقة حتى يلاحظ ويميز كل العالم بوضوح بين المخلصين وغير المخلصين.
حتى إيمان الكنيسة سيكون له لمعان الذهب وستلمع تعاليمها للناظرين مثل “الفضة المصفاة بالنار” كلام الهراطقة سيظهر أكثر شناعة وأكثر خزيًا تحت دناءة ثوبهم النحاسي المطفي.
ويمكن أن يُقال إن الأشياء الحسنة تظهر أحسن صفاتها بالتضاد مع السيئات فمن كان يدرك أن النور هو حسن إذا لم يختبر ظلمة الليل؟ ومن يقدر حلاوة العسل لو لم يذق أي شئ مر؟
أخيرًا فلنبد الشيطان نفسه والسلاطين المضادة التي تحاربنا وعندئذ تظهر فضائل النفس بلمعان بسبب وجود أعداء[3]. أيضًا مجد الكهنة المخلصين. لا يمكن أن يلمع إن لم يظهره عقاب وجزاء الغير مخلصين، بحسب ما قرأنا كل بار يبدو مقامه أكثر عظمة أمام الله بالمقارنة بالآخرين. إنه قد كتب أن نوح كان ” رجلاً بارًا كاملاً في أجياله” (تك6: 9). هذا يبين أنه لا يوجد إطلاقًا رجل كامل، لكنه كان رجلاً بارًا في أجياله[4].
وإذا أعلن أنه كان رجلاً بارًا فهذا بالمقارنة مع الآخرين. كذلك حسب رأيي بالنسبة للوط، كلما عظم فساد سدوم من يوم إلى يوم كان يتعظم بر لوط، في نفس الكتاب الذي في أيدينا في دعوة الجواسيس من الأرض الموعودة عندما دفع عشرة منهم نحو اليأس بكلام مرعب بينما الاثنان الآخران كالب ويشوع أعلنا أخبارًا حسنة وشجعا الشعب على الاستمرار في عزيمتهم مما جلب لهما استحقاقًا لا يفنى من قبل الرب.
هذا ليس بقدر شجاعتهما بإعلانهما الحق بل بقدر جبن زملائهما، أن قوة روحهما كانت سوف لا تلمع بهذه العظمة لو لم يظهر الجبن المخزي للعشرة الآخرين. كل هذا قد قيل بصدد مجامر المذنبين، أنها يجب أن توضع بالهيكل حتى يظهر مجد الأبرار أكثر ارتفاعًا بالمقارنة مع إسفالهم.
أنه يجب أن يكون هكذا في نفس الوقت، ليكون مثالاً للأجيال التالية حتى لا يكون لأحد كبرياء الاعتماد على الذات، حتى لا يأخذ الاستحقاق الجدي بدون أن يكون قد تسلمه من الله. وحتى ننحنى أمام الذي لم يقده الغرور البشري، ولا الموهبة الفاسدة، الذي لم يغتصب مركزه بالرشوة، والذي لم يرتفع إلا بشهادة ضميره الصالح وبإرادة الله.
العصيان
2 ـ ويكمل قائلاً ” فتذمر كل جماعة بني إسرائيل في الغد على موسى وهرون قائلين: أنتما قد قتلتما شعب الرب. ولما اجتمعت الجماعة على موسى وهرون انصرفا إلى خيمة الاجتماع وإذا هي قد غطتها السحابة وتراءى مجد الرب فجاء موسى وهرون إلى قدام خيمة الشهادة” (عد 16: 41ـ 43).
فائدة الاضطهادات
لم نقرأ في أي مكان قيل هذا أن “سحابة قد غطت الخيمة”، وأن “مجد الرب تراءى”، وجمع موسى وهرون في السحابة إلا الآن عندما ثار الشعب وأراد أن يرجمهما، فلنتعلم من هنا ما هي المنافع التي يجنيها المسيحيون من الاضطهادات: كم من البر يجلب لهم. كيف يكون الله شفيعهم وكيف يفيض الروح القدس عليهم، فنعمة الله لم تكن حاضرة بسبب انطلاق القساوة البشرية، نحن نكون في سلام مع الله عندما نقاسى من الحرب من الإنسان لأجل البر[5] “حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا” (رو5: 20).
ولما اجتمعت الجماعة على موسى وهرون انصرفا إلى خيمة الاجتماع وإذا السحابة قد غطتها وتراءى مجد الرب، مهما عظم موسى وهرون باستحقاقات حياتهما، ومهما ارتفعت فضائلهما لما كان مجد الله قد ظهر لهما، لو لم يكونا هدفا للاضطهادات وللشدائد والمخاطر حتى الموت. لا تأمل إذًا أن ترى مجد الله إذا كنت متكاسلاً ومتراخيًا. أليس في مثل هذه الصعاب قد استحق الرسول هو أيضًا أن يرى مجد الله؟
ألا تتذكر أنه قد اجتاز أكثر من كل الآخرين في الضيقات في الأتعاب، في السجون وأنه ثلاث مرات قد ضرب بالعصى وقد رجم مرة واحدة وأنه قد عاني الغرق “بأخطار في البحر“. “بأخطار في الأنهار“، ” أخطار اللصوص“، “بأخطار من أخوة كذبة“، كلما كثرت الآلام كلما جلبت مجد الله للذين احتملوها بشجاعة.
شفاعة موسى وهرون والتوبة
3 ـ ” فكلم الرب موسى قائلاً أطلعا من وسط هذه الجماعة فإني أفنيهم في لحظة فخرا على وجهيهما” (عد16: 44ـ45). في سدوم قديمًا كانوا يبحثون عن عشرة أبرار حتى يستطيعوا أن ينقذوا سكان الأرض ذات الخمس المدن التابعة لسدوم، الآن إذا وجد باريين مثل موسى وهرون يكفيان ليخلصا وينقذا كل الشعب الإسرائيلي، ماذا نجد في هذين البارين؟ وما هي الفضيلة؟ وما هو الاستحقاق الذي خلّص أكبر من ستمائة ألف رجل من الموت تحت ضربات من المخرب؟
اعتقد أن شخصًا مثل موسى يمثل الشريعة التي تعلم الإنسان المعرفة وحب الله. شخص هرون يمثل الصلاة والتضرعات الموجهه لله. فإذا حدث يومًا أن غضب الله علينا أو على كل الشعب وحتى أن صدر علينا حكم من الرب، وإذا عادت شريعة الله مرة أخرى في قلبنا، تذكرنا وتعلمنا التوبة وتكفير الخطايا، والتوسل لأجل أخطائنا ففي الحال يرجع الله عن غضبه وينتهي سخطه ويعود لطف الرب من جديد. موسى وهرون تشفعًا لأجلهم، وتوسلا من أجل الشعب بأسره.
ولكن إذا عاقبنا الغضب الإلهي بعقاب شديد من أجل خطايانا، وترفض قلوبنا المحجرة بأن “ترجع إلى الرب”، وأن “نتضع قدامه” لنسكن غضبه بواسطة تعبيرات أصواتنا المتضرعة، وإذا قلنا بعكس ذلك إن الله لا يهتم بحياة بني البشر، وأنه قد تركنا منذ زمن طويل فإذا احتفظنا بهذه الأفكار في قلوبنا وإذا أخرجنا هذه الكلمات من شفاهنا، فبكل تأكيد لا يكون لنا لا موسى ولا هرون، أي لا معرفة الشريعة ولا ثمار التوبة لنتجنب الموت المؤكد.
هذا ما حدث للشعب القديم عندما زاغوا، عندما فسدوا، كلهم معًا عندما لم يكن أحد يعمل صلاحًا ليس ولا واحد. فلو كان قد وُجِدَ هناك واحد، لما كان الله قد تركهم أبدًا. فلنخشّ نحن أيضًا لئلا تكون هذه حالتنا، وأني أخشى بالحقيقة من كلام سيدنا الرب والمخلص، الذي يعرف كل شئ مسبقًا والذي قال ” متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟” (لو18: 8).
الشفاعة ـ محبة موسى من روح الإنجيل:
موسى وهرون إذًا أخذا الأمر بأن “يخرجا من وسط الجماعة” لكي ” يفنيهم الله في لحظة“، لكن فلننظر ما فعلاه إنهما قديسان، إنهما كاملان، تلاميذ الإنجيل أكثر من الشريعة أنهما يحبان أعدائهما ويصليان لأجل مضطهديهما ” بينما هم أتون لقتلهما سجدا على وجهيهما” (عد16: 45).
لطف الله في العهد القديم
4 ـ ” وقال موسى لهرون خذ المجمرة واجعل فيها نارًا على المذبح وضع بخورًا واذهب بها مسرعًا إلى الجماعة وكفر عنهم لأن السخط قد خرج من قبل الرب وقد ابتدأ الوبأ” (عد16: 46). وبما أننا وصلنا إلى هذا النص أريد أن أذكر لتلاميذ المسيح لطف الله، لكي لا يتزعزع أحد بينكم بتأثير الهراطقة فهم يقولون إن رب الشريعة ليس محبًا لكنه عادل[6]، وإن شريعة موسى لا تعلم المحبة بل العدل.
فلينظروا هؤلاء المحاربون لله، والمحاربون للشريعة كيف أن موسى نفسه وهرون هذان الرجلان في العهد القديم قد خضعا مقدمًا لتعاليم الإنجيل. موسى “أحب أعداءه وصلى لأجل مضطهديه”. هذا ما علمّته بكل دقة تعاليم المسيح في الأناجيل. لنتعلم حقًا كيف سجدا ووجههما للأرض، وصليا لأجل الثائرين الذين أرادوا أن يقتلوهما. إذًا نجد قوة الإنجيل في الشريعة والأناجيل لا تفهم إلا على أساس الشريعة.
الكتاب المقدس جديد دائمًا
إني لا أدعو هذه الشريعة عهدًا قديمًا إن فهمتها بالروح. الشريعة لا تصبح عهدًا قديمًا إلا للذين يريدون أن يفهموها جسديًا. حقًا لهؤلاء قد أصبحت قديمة، وسبب قدمها أنهم لم يستطيعوا أن يحفظوا قوتها، بالعكس عندما نفهمها ونشرحها بالروح وبمفهوم الإنجيل نجدها دائمًا جديدة، العهدان يكونان لنا عهدًا جديدًا لا لسبب التاريخ الزمني لكن بسبب تجديد المعنى.
ألم يقصد يوحنا الرسول ذلك عندما قال في رسالته ” يا أولادي الصغار إني أعطيكم وصية جديدة هي أن تحبوا بعضكم بعضًا” (1يو2: 8)، أنه كان يعلم أن وصية المحبة قد سبقت أن أعطيت منذ زمن بعيد في الشريعة لأن ” المحبة لا تسقط أبدًا“، وأن وصية المحبة لا تعتق أبدًا. وصية المحبة تجدد بالروح إلى الأبد الذين يعملون بها والذين يحتفظون بها، أما للخطاة فبالعكس، ولأجل الذين لم يحافظوا على عهد المحبة فبالنسبة لهؤلاء حتى الأناجيل أيضًا تعتق، لا يمكن أن يكون هناك عهد جديد للذي ” لا يخلع الإنسان العتيق ويلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله” (أف4: 24).
طقس الشفاعة
موسى دعا إذًا الكاهن الأعظم ليقدم بخورًا في المحلة وليصلي لأجل الشعب، لأن موسى قد قال “الوباء ابتدأ”. فموسى يرى بالروح ما يحدث أنه قد رأي سلطانًا[7] خرج نحو المحلة ليضرب الخطاة ويبيدهم لهذا السبب دعا موسى الكاهن الأكبر أن يأخذ مجمرة ويضع فيها نارًا من على المذبح ويضع فيها بخورًا ويخرج ويقف بين الموتى والأحياء ليمتنع الوباء. أو بالأصح حسب تعبير الكتاب المقدس “الكسور”.
القصة
لكن قبل كل شئ إذا أردتم فلنعرض الصورة[8] المتضمنة في القصة، حتى بعد عزل ظواهر الحادث، نبحث أن كان يوجد هنا أسرار، ذلك بأن نتصور شعب إسرائيل مرتبًا في المحلة على حسب رتب العشائر والأسر. فهناك قوة مرسلة من قبل الله قد ابتدأت تقتل الشعب. أنها ليست مجرد صدفة لكن ابتداء من مكان معين، انظر إلى الوباء الذي يتقدم، ثم الكاهن الأعظم لابسًا الحلة الحبرية وحاملاً “المجمرة والنار والبخور”. ويتوجه نحو المكان الذي حدث فيه الموت الآتي من الملاك المهلك ويقف في المكان الذي فيه يحصد ضحاياه الأولين، ويقترب من الآخرين.
تأمل في الحبر واقفًا، وهو بتوسطه يفصل الموتى عن الأحياء، وشفاعته والقدرة السرية للبخور، هما اللذان يعملان على تراجع الملاك المهلك وها الموت يتوقف والحياة تأخذ مجراها مرة أخرى.
يسوع الكاهن الأعظم والشفيع
إذا فهمت نتيجة القصة إذا استطعت أن ترى بعينيك “الكاهن الأعظم واقفًا بين الأحياء والموتى”، فلنصعد الآن نحو الدروس الجليلة المتضمنة في هذا النص، لنرى كيف أن الكاهن الأعظم الحقيقي يسوع المسيح بعدما أخذ الجسد البشري كمجمرة، بعدما وضع فيها النار من على المذبح، أي نفسه الثمينة التي تجسد بها، بعدما وضع بخورًا أي الروح القدس الذي بلا دنس[9] وقف بين الأحياء والموتى وأبطل بالموت ذلك الذي قال عنه الرسول ” له سلطان الموت أي إبليس، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (عب2: 14؛ يو3: 16)، هذا هو السر الذي يرعب الملاك المهلك مقدمًا، حيث إنه قد عرف الصورة المتضمنة في المجمرة والنار والبخور.
وأنه رأى مقدمًا ما هي الذبيحة التي كان مزمعًا أن يقدمها لله بواسطة الذي يقف بين الأحياء والموتى. هؤلاء خلصوا برمز النبوة، أما نحن فقد صار لنا “الخلاص حقيقة” فليست حلة الكاهن الأعظم المنسوجة من الأرجوان ومن الصوف ومن البوص هي التي أرجعت الملاك المُهلك لكنه أدرك ما ستكون عليه زينات حلة الكاهن الحقيقي التي يجب أن تخضع لها كل الخلائق وتقهر أمامها.
في المجئ الثاني
هذه الصورة قد تحققت عند المجئ الأول لسيدنا يسوع ومخلصنا وفي رأيي أنها ستكون كذلك بدون أي شك في المجئ الثاني. حيث إن ابن الإنسان سيأتي مرة أخرى[10] وفي مجيئة سيجد بكل تأكيد موتى وأحياء. هذا ما قد نستطيع أن نفهمه لأول وهلة. فالبعض سيكونون على قيد الحياة، حيث نحن الآن وآخرون كثيرون يكونون قد سبقوهم بالموت. ويمكن أن نفهم ذلك بطريقة أخرى، فنعني بالموتى الأجساد، وبالأحياء النفوس.
والأحياء هم الذين ثبتوا في أعمال الحياة. في هذين المعنيين كاهننا الأعظم ومخلصنا سيقف في يوم المجئ الثاني بين الأحياء والأموات. لكن يجب أن نقول أيضًا بأنه سيقف بين الأحياء والأموات عندما سيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. ثم يقول الملك للذين عن يمينه:” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم للذين على اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته لأني لا أعرفكم” (مت 25: 33ـ41). الموتى إذًا هم الذين قد أرسلوا إلى النار الأبدية والأحياء هم الذين أدخلوا إلى الملكوت.
الكسور
6 ـ ” والوباء قد امتنع” (عد16: 5)، أو بالأحرى حسب نص آخر سبق أن ذكرناه “الكسور قد امتنعت”.
هذا يتفق أفضل مع الشرح الحقيقي. أنه يقصد بالكسور مثل تلك التي تصيب الأوعية الخزفية. الخطاة يصبحون أواني خزفية مثلما يشير إليه ارميا النبي في المراثي: “ بنو صهيون الكرماء الموزونين بالذهب النقي كيف حسبوا أباريق خزف عمل يدي فخاري؟” (مراثي إرميا4: 2)، والرسول يقول: ” في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط بل من خشب وخزف أيضًا وتلك للكرامة وهذه للهوان” (2تي2: 20)، أيضًا الأباريق أشياء للهوان ويمكن أن تنكسر وتحتقر.
أواني للكرامة وأواني للهوان
لكن لنختبر بأكثر إصغاء ما قاله الرسول بعد ذلك عن الأواني الخزفية: ” فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدسًا نافعًا لسيده مستعدًا لكل صالح” (2تي2: 21)، ومنها يستنتج بأن الإبريق الذي عمل والصانع الذي صنعه يشيران لشخص واحد، إرادة الإنسان توجد في الصانع الذي يصنع أما باقي الإنسان فهو الإبريق المصنوع أما للهوان أو للكرامة. عندما نختار ما هو حسن، بتفكيرنا ويقودنا هذا نحو حياة صالحة فهو يعمل منا إناء صالحًا لكن عندما تكون إرادتنا متراخية وتنحرف عن الخير نصير إبريقًا محتقرًا.
إذا كانت أذهاننا أرضية ولا تفكر إلا في الأرضيات وفي الأشياء الأرضية نصبح ” إناء خزفيًا عمل يدي فخاري“، فالإنسان الذي من هذا النوع الذي اعتاد أن يفكر بالتفكير المنحط الأرضي، هو الذي يلومه الرسول لتقديمه تساؤلات تفوق قامته ويقول “لماذا يلوم بعد؛ من يقاوم مشيئته” (رو9: 19ـ20). الرسول يجاوبه على ذلك باعتباره مثل إناء من الأرض، من أنت الذي تجاوب الله؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا؟ الإناء الخزفي في الكتاب المقدس هو أيضًا جسدنا وهو أيضًا حرف الشريعة[11].
في كلمة الرسول ” لنا هذا الكنز في أواني خزفية” (2كو4: 7). المعنيان مقبولان في هذا النص، فمن ناحية بينما نحن في الجسد فقد وهبنا كنز النعمة بالروح القدس، ومن ناحية أخرى كلام الشريعة رغم أنها أهينت واعتبرت رديئة، لأن كلمات الشريعة لم تكن قد نقحت حسب فن اللغويين، إلا أنه يخفي كنز الحكمة ومعرفة الله، ونستطيع بثقة أن نقول أنها تحوي “ المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كو2: 3). هذا ما لدينا من قول عن الكسور التي يتحدث عنها الكتاب المقدس بأنها قد توقفت، والآن فلنقل بعض الكلمات عن باقي القصة وهي حادث العصى.
عصا هرون
7ـ ” فكلم الرب موسى قائلاً: كلم بني إسرائيل وخذ منهم عصا لكل بيت أب من جميع رؤسائهم حسب بيوت آبائهم اثنتى عشرة عصا واسم كل واحد تكتبه على عصاه واسم هرون تكتبه على عصا لاوي لأن لرأس بيت آبائهم عصا واحدة. وضعها في خيمة الاجتماع أمام الشهادة حيث اجتمع بكم فالرجل الذي اختاره تفرخ عصاه فاسكن عني تذمرات بني إسرائيل التي يتذمرونها عليكما” (عد17: 1ـ 5).
” وضعها في خيمة الاجتماع أمام الشهادة حيث اجتمع بكم فالرجل الذي اختاره تفرخ عصاه فاسكن عني تذمرت بني إسرائيل التي يتذمرونها عليكما” (عد17: 1ـ 5). كل رئيس عشيرة وكل رئيس شعب له عصا لا يستطيع أحد أن يقود الشعب إن لم يكن لديه عصا. لهذا السبب فبولس الرسول الذي كان رئيسًا لشعب يقول ” ماذا تريدون؟ أبعصا آتي إليـكم أم بالمحبة وروح الوداعة؟” (1كو4: 21).
كل رئيس عشرة يجب إذًا أن يكون لديه عصاه، لكن لا يوجد إلا واحد، كما يعلمنا الكتاب المقدس، الكاهن الأعظم هرون هو الذي أفرخت عصاه وقد أوضحنا مرارًا أن المسيح هو الكاهن الأعظم الحقيقي وأنه هو الوحيد، وعصاه التي هي الصليب لم تفرخ فحسب لكن أيضًا أزهرت وأنتجت الثمار في كل الشعوب المؤمنة.
اللوز: ثلاثة صور للكتاب المقدس:
إذًا ما هي الثمار التي آتي بها؟ “لوز”. يقول الكتاب أن ثمرة قشرتها الأولى مرة ثم أنها محصنة ومصونة بالقشرة الثانية وقابلة للأكل ومغذية بعد نزع القشرة الثالثة. هذا ما يبدو في مدرسة المسيح من تعاليم الشريعة والأنبياء[12].
الوجه الأول هو الحرف وهو لحد ما مر[13]. إنه يفرض ختان الجسد وقواعد تقديم الذبائح وكل ما يعني “الحرف الذي يقتل” (2كو3: 6).
أطرح كل هذا مثل قشرة اللوز المرة، ثم بعد ذلك ستصل في المكان الثاني لحماية القشرة التي تشير إلى تعاليم الأخلاق أو فروض التطهير. هذه الأشياء ضرورية لصيانة ما في الداخل لكنها بلا شك ستختفي في يوم ما.
وكمثال للامتناع عن الأكل وإماتة الجسد، أنها ضرورية بكل تأكيد مادمنا في هذا الجسد الخاضع للفساد وللشهوات، لكن بعد أن يموت الجسد ففي القيامة، فإن القابل للفساد يصبح غير قابل للفساد والحيواني يصير روحيًا أنه سوف لا يخضع لأي فساد، ليس نتيجة مجهودات أو إماتة أو امتناعات بل لطبيعته الخاصة. لذا فطريقة الامتناع تبدو في نفس الوقت ضرورية الآن ولكنها لن تكون ضرورية فيما بعد.
ثالثًا: سنجد معنى أسرار “الحكمة والمعرفة” (كو2: 3)، مخفيًا وهو الذي يرد أرواح القديسين ويغذيها ليس فقط في الحياة الحاضرة لكن أيضًا في الحياة المستقبلة.
إنها حقًا قمة الثمار التي يشبعون بها حسب ” الوعد للجياع والعطاش إلى البر“، أيضًا كل آيات الكتاب المقدس تشير لهذا السر المثلث. والحكمة تنصحنا أيضًا بأن ننقش هذه الأشياء ثلاث مرات في قلبنا لتجيب كما يقول “جواب الحق للذين أرسلوك”.
البطريرك أسحق حفر ثلاثة آبار لكن الثالثة فقط أخذت لتجيب اسم رحوبوت، من ناحية أخرى في رأيي إن عصا اللوز تتضمن سرًا له علاقة بالكهنة. فإرميا الذي كان من الكهنة الذين في عناثوت رأي عصا من اللوز، وتنبأ عن عصا اللوز والقدر المنفوخ.
فعصا اللوز كانت ترمز للحياة، والقدر المنفوخ للموت، لأنه علينا أن نختار بين الحياة والموت. الحياة هي المسيح المخفي في سر اللوز، والموت هو الشيطان تحت صورة القدر المنفوخ، فإذا ارتكبنا الخطية نرتبط بالقدر المنفوخ وإذا مارسنا البر نسكن مع الكاهن الأعظم في محلة عصا اللوز. نشيد الأنشاد يقول أيضًا إن العروس قد نزلت إلى جنة اللوز، واكتشفت في نفس الوقت أن اللوز قد طرح ثمارًا كهنوتية كثيرة[14].
كرم الله في إنجاز وعوده
مع ذلك نحن قد قلنا في البداية إن الله قد وعد بسحب ثمرة واحدة فقط من اللوز وأنه قد أثمر فيها كثيرًا، لكن أصغِ جيدًا هل نستطيع أن نتبيّن أن كرم الله يفوق وعوده؟ ربما نستطيع أن ندرك ونكتشف أن لطف الله الفائق الوصف مختبئ دائمًا في حروف الكتاب المقدس. وسنراه بأكثر سخاء في الإنجاز عنه في الوعود.
8 ـ نص الكتاب المقدس الذي نتكلم منه يقول هذا ” فالرجل الذي اختاره تفرخ عصاه” (عد17: 5). الله لم يعد إلا بشئ واحد، عصا الرجل الذي اختاره ستفرخ، لكن عندما نصل إلى اللحظة التي فيها يتبين إنجاز وعد الله، انظر كل ما يضاف إلى إنجاز الوعد حقًا يقول الكتاب المقدس:
” وها عصا هرون لبيت لاوى قد أفرخت” (عد17: 8)، فإنه هنا ببساطة حقق وعده، لكن ليس ذلك هو كل شئ “ العصا دفعت الأوراق، أزهرت بالأزهار وأنتجت اللوز” الوعد لا يحمل إلا الأفراخ. انظر إلى كرم الله فبالإضافة إلى البراعم عمل على دفع الأوراق، وبالإضافة إلى الأوراق عمل أن تتفتح الأزهار، وبالإضافة إلى الأزهار عمل على إتيان الأثمار، فما الذي يجب أن نحفظه ونتأمل فيه من كل هذا؟
أولاً سر القيامة من الأموات، حقًا عصا جافة تفرخ، عندما يموت الجسد سيرجع للحياة، إذًا ما هي الخواص الأربع للجسد المقام من الأموات؟ “يزرع في فساد يقام في عدم فساد، يرزع في ضعف يقام في قوة، يزرع في هوان، ويقام في مجد، يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحيًا (كو15: 42ـ 44).
هذه هي الأفرخ الأربعة التي تولد على العصا الجافة لجسدنا بالقيامة. لكن سنقول ثانيًا: بما أن الله قد أعطى هنا أربعة أضعاف لوعده وقد منح أكثر بكثير عما وعد، وكذا عطايا أكثر نفعًا بكثير، هكذا أيضًا في نصوص الكتاب المقدس التي تحتوي على وعد الله، بشرط أن نستحق أن ننال منه إتمام العمل الذي يعد به. والعمل الذي يعمله سيتجاوز عدة مرات ما قد أعلنه. وبذلك سيتمم حقًا ما قاله الرسول “ ما لم تره عين ولم تسمع به إذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه” (1كو 2: 9).
تعجب إذًا ما هي عظمة ونوعية حسناته، فنحن ليس فقط لا نستطيع أن نرى أو نسمع، لكن أيضًا لم تخطر على القلب، أي على فكر الإنسان. ففيما يختص بالأرض وبالسماء وبشمس هذا العالم وبهاء الضوء المرئي، العين قد رأت كل هذا والآذن قد سمعت كل هذا. أما ما سوف يكون فهو ما لم تر عين وما لم تسمع آذن ولم يخطر على بال إنسان. تجاوز كل هذا وارتفع فوق كل ما تراه وكل ما تسمعه وكل ما يخطر على بالك، واعلم أن مكافأة الذين يحبون الله هي ما لا يمكن لقلبك أن يدركه.
لذا يبدو لي أننا لا يجب أن نتخيل أي شئ جسدى في هذه الوعود. طبعًا إن المادة الجسدية لا يمكن أن تغيب كلية من إدراك الأفكار البشرية. لكن المنافع الموعود بها هي مما لا يمكن أن يخطر على بال أو قلب إنسان ولا يمكن إدراكها إلا بحكمة الله[15]. لكن كما أن الحسنات المعطاة تجاوز الوعود.
هكذا أيضًا العقوبات المعلنة للخطاة ستطبق بزيادة العذابات، كما شرحنا سابقًا عن عقوبة سنة ليوم من الخطية، إلا إذا فكرنا في حالة ثالثة، أو إذا وجدنا بعض التعزية من التهديد الموجه ضد داود بأن وباء قد أعلن لثلاثة أيام، وفي وقت العذابات قد خفض إلى ست ساعات. لكن لا نستطيع أن نعتبر هذا المثال إلا في حالة منح وقت للتوبة وإمكانية الرجوع.
مع أنه قد كتب أن الله يصب غضبه على الأشرار حتى “الجيل الثالث والرابع”، وأنه يحسن إلى الأبرار ليس فقط للجيل الثالث والرابع لكن، يقول الكتاب المقدس “إلى ألف جيل” (خر20: 5؛ تث7: 9).
درجات النمو للمؤمنين
فلنرجع إلى ما قد بدأنا قوله عن العصا، نستطيع أيضًا أن نشرح فروق الأفراخ التي نمت على العصا بالطريقة الآتية: كل إنسان يؤمن بالمسيح يموت ثم يولد مرة أخرى. العصا الجافة التي تخضر مرة أخرى تمثل المؤمن، الإفراخ الأول هو أول اعتراف للمؤمن بالمسيح ثم تظهر الأوراق عندما يولد ثانية، فهو قد نال عطية نعمة الله بفعل الروح القدس.
ثم ينتج الأزهار عندما يبدأ في النمو ويتزين بعذوبة الطبائع الحسنة، وينشر عطر الصفح واللطف، وأخيرًا ينتج أيضًا ثمار البر، التي بواسطتها ليس ينال الحياة فقط، لكنه يعطي الحياة للآخرين، وعندما يصل إلى الكمال فهو يخرج من نفسه كلام الإيمان، وكلام معرفة الله، ويعمل على استفادة الآخرين. هذا يعني أنه يحمل الثمار لكي يغذي بها الآخرين.
إذًا فكل مؤمن إنما ينمو على عصا هارون، الذي هو المسيح. هذه الدرجات الأربع المختلفة هي التي رُمز إليها في نصوص أخرى من الكتاب المقدس بالأحقاب الأربع التي ميزها يوحنا الرسول بصفة سرية في رسالته وهو يقول: ” اكتب إليكم أيها الأولاد… أكتب إليكم أيها الأحداث… أكتب إليكم أيها الشباب… أكتـب إليكم أيها الآباء” (1يو2: 12ـ14). أنه يميز بذلك ليس أحقاب الجسم لكن درجات الروح في النمو، بالطريقة ذاتها التي سبق أن شرحنا بها عصا هرون الكاهن الأعظم.
كل هذا لا يحدث على عصا هرون كما على العصا: ” يخرج من جذع يسى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب” (إش11: 1ـ2). وهنا أيضًا لا يظهر غير معنى العصا “تخرج” بينما الغصن “ينبت”. مع أنه حقًا يكون المسيح وأحد بالأقنوم[16] لكنه يتنوع حسب احتياجات الذي يعمل فيه. فالذي هو أكثر ضعفًا وأكثر إهمالاً يكون المسيح له عصا تأديب وتحت شكل عصا لا نقول عنه إنه ينبت بل أنه “يخرج”، فالذي هو كسلان وضعيف يجب أن يخرج من هذه الحالة التي يكون مخطئًا في التأخير فيها.
ويجب عليه العبور إلى حالة أخرى، كما بضربة بالعصا، أي بنصائح شديدة لتعاليم أكثر تدقيقًا. لكن نقول إن المسيح ينبت في الذي هو بار، حيث إن ” البار كالنخلة يزهو“، لذلك فالذي يحتاج إلى ضربات يكون له عصا “يخرج” نحوه، وللذي ينمو نحو البر فهو “يصعد” مثل الزهرة إنه “ينبت” حتى ينتج البار أثمار الروح التي هي المحبة وفرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان والفضائل الأخرى في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.
[1] الذهب يمثل القلب، الفضة تمثل الاعتراف بالكلام.
[2] يمكن أن نقارن بين هذا الموقف وموقف اكليمندس الأسكندرى من الفلاسفة الوثنيين (المتنوعات 6، 66) والذي نصح به أوريجينوس أيضًا (خروج عظة 11 – 7).
[3] يقول الرسول “إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونيًا” (2تي2: 5) كيف سيكون هناك معركة لو لم يكن هناك أعداء؟ كيف سنميز جمال ولمعان النور لو لم يحل ظلام الليل؟ هل سنمجد لأجل طهارتنا إذا لم نجبر على عدم العفة؟ بالاختصار اكتشاف الأشرار يعمل على ظهور مجد القديسين أنه من المستحيل على النفس أن تعرف بأكثر وضوحًا ما هو الحسن إلا بالمقارنة مع ضده.
[4] بمعنى من ضمن عصره وهذا لا يعني بأنني رجل كامل تمامًا لكن بالمقارنة مع الرجال في ذلك الوقت.
[5] الاضطهاد بالنسبة للمسيحيين في الأجيال الأولى كان عصر النعمة وليس عصر الغم.
[6] هذا هو رأي أتباع ماركيون الهرطوقي.
[7] أنه يقصد هنا الملاك الهدام روح الشر.
[8] حيث إن القصة هي صورة لأشياء غير مرئية ومستقبلة.
[9] هذه النظرية في التجسد تتبع التقسيم لثلاث أقسام جسد، نفس، روح.
[10] هذا التطابق بين مراحل الخلاص هي أحد المبادئ التي توضح لنا “التفسير الأوريجيني” فتاريخ العبرانيين يمثل المجئ الأول وسيكمل في المجئ الثاني.
[11] الكتاب المقدس شبه بالأواني.
[12] ينطبق هذا التقسيم على طرق فهم الكتب المقدسة يتم أولاً التعرف على الحرف ثم التعليم الأخلاقي ثم العلم وهذه المراحل الثلاثة تنطبق على أقسام الإنسان الثلاثة الجسد والنفس والروح وأيضًا ثلاث درجات الحياة الروحية الإيمان والأعمال والمعرفة كما أنها تنطبق أيضًا على ثلاثة مراحل تاريخ الخلاص وهي العهد القديم والعهد الجديد والمجد الآتي.
[13] عن هذه المرارة التي هي مرارة الحرف انظر عظة على الخروج 7، 1 وأوريجينوس يعطي مثالاً آخر وهو الختان.
[14] لماذا كهنوتية؟ ربما لأنها قد أعطيت بواسطة الكاهن الأعظم (عريس النشيد)، المسيح أو بالأحرى بدون شك لأنه يختص بالعنب ناتج الكرمة الحقيقية (يو15: 1)، المسيح الذي هو أيضًا الكاهن الأعظم الحقيقي.
[15] هذا النص الجميل هو واحد من النصوص التي تبين أن أوريجينوس كان يملك حسًا مرهفًا بأن الله لا يمكن إدراك طبيعته السرية.
[16] نحن هنا أمام تعبير اللاهوت النيقاوي. وفي الحقيقة فأن لفط Per Substantiam لروفينوس يحتمل المعنين “حسب الجوهر” و “حسب الأقنوم”، أوريجينوس لا يقوم بهذا التفريق الذي سيصير هامًا في مجمع نيقية، ولكنه يصر على وحدة شخص المسيح، واستعماله لصور متعددة للمسيح داخل النفس لا تؤثر على وحدة شخص المسيح كما حاول البعض اتهامه.