أبحاث

عيد الختان – عظة 3 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

عيد الختان – عظة 3 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

عيد الختان – عظة 3 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

عيد الختان – عظة 3 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
عيد الختان – عظة 3 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو21:2ـ24) “وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ. وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ. وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ “.

الجمع الذي اجتمع هنا كثير جدًّا، والسامعون شغوفون ـ فنحن نرى الكنيسة ممتلئة ـ ولكن المُعلِّم فقير، ومع ذلك فالذي يعطي الإنسان فمًا ولسانًا، سوف ينعم علينا بأفكار صالحة. إذ يقول الرب نفسه في مكان ما ” أفغر فاك وأنا أملأه” (مز10:81) حيث إنكم جميعًا قد اجتمعتم معًا باهتمام بمناسبة هذا العيد المفرِح الذي للرب، لذلك فلنحتفل بالعيد بمشاعر البهجة وبأنوار ساطعة، ولنشغل أنفسنا في التفكير فيما تحقق في هذا اليوم بطريقة إلهية، جامعين لأنفسنا من كل ناحية ما يثبِّتنا في الإيمان والتقوى.

ولكننا ـ منذ فترة وجيزة رأينا عمانوئيل مضطجعًا كطفل في المذود وملفوفًا بشكل بشري في الأقماط، ولكنه مُجِّد كإله بتسابيح جمهور الملائكة القديسين، لأنهم بشَّروا الرعاة بميلاده، إذ أن الله الآب قد منح لسكان السماء الامتياز الخاص بأن يكونوا أول مَن يبشِّر به. واليوم أيضًا نراه مطيعًا لقوانين موسى، أو بالأحرى قد رأينا ذاك الذي هو المُشرِّع يخضع لقوانينه التي شرَّعها. والسبب في هذا يُعلِّمنا إياه بولس الحكيم جدًّا بقوله: ” لمَّا كنا قاصرين كنا مستعبَدين تحت أركان العالم، ولكن حين جاء ملءُ الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس” (غل3:4ـ5).

لذلك فالمسيح افتدى من لعنة الناموس أولئك الذين بوجودهم تحت الناموس كانوا عاجزين عن تتميم قوانينه. وبأي طريقة افتداهم؟ بتتميم الناموس أو بعبارة أخرى: إنه لكي يُكفِّر عن ذنب معصية آدم، فقد أظهر نفسه مطيعًا وخاضعًا من كل الوجوه لله الآب عوضًا عنه، لأنه مكتوب: ” كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرين خطاة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا” (رو19:5). لذلك فقد أحنى عنقه للناموس مشترِكًا معنا. لأن هذا ما استلزمته خطَّة الخلاص. لأنه هكذا يليق أن يكمِّل كل بـِر. لأنه إذ قد اتخذ صورة عبد، وقد حُسب بين أولئك الخاضعين للنير بسبب طبيعته البشرية، بل أنه مرة دفع نصف الشاقل للذين يجمعون الجزية، رغم أنه حر بالطبيعة، وكابن لم يكن مفروضًا عليه أن يدفع ضريبة. لذلك حينما تراه يحفظ الناموس، فلا تتعثَّر، ولا تضع الحُر بين العبيد، بل بالحري تأمل في عمق تدبير الخلاص. لذلك فعند وصول اليوم الثامن، الذي جرت العادة أن يتم فيه الختان في الجسد بحسب أمر الناموس، نجده يُسمَّى باسم يسوع الذي تفسيره يشير إلى خلاص الشعب. لأنه هكذا أراد الله الآب أن يُسمِّي ابنه، حينما يولَد بالجسد من امرأة. لأنه عندئذ صار خلاص الشعب بنوع خاص، وليس خلاص واحد فقط، بل كثيرين، وبالحري كل الشعب بل والعالم كله. إذن فقد أخذ اسمه في نفس الوقت الذي خُتِن فيه.

ولكن تعالوا ودعونا نفتش ونرى، ما هو اللغز، وما هي الأسرار التي يقودنا إليها هذا الحادث. لقد قال بولس المبارك ” ليس الختان شيئًا، وليست الغرلة شيئًا” (1كو19:7). وربما يعترض البعض على هذا قائلين هل أَمَر إله الكل ـ بواسطة موسى الحكيم ـ بشيء لكي يُحفظ رغم أنه لا قيمة له، بل ويصحب الأمر بهذا الشيء عقاب على الذين يخالفون هذا الأمر؟ أقول نعم لأنه فيما يخص طبيعة ذلك الشيء الذي يتم في الجسد فهو ليس شيئًا، ومع ذلك فهو يحمل مثالاً جميلاً للسر، أو بالحري يحتوي على المعنى الخفي لإظهار الحق. لأن المسيح قام من بين الأموات في اليوم الثالث وأعطانا الختان الروحي. لأنه أوصى الرسل القديسين قائلاً: ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس“. ونحن نؤكد أن الختان الروحى يتم بصورة رئيسية في وقت المعمودية المقدسة حينما يجعلنا المسيح مشتركين في الروح القدس. وقد كان يشوع القديم الذي جاء بعد موسى مثالاً أيضًا لهذا، لأنه قاد بنى إسرائيل أولاً عبر الأردن، وبعد ذلك مباشرة ختنهم بسكاكين من صوان. هكذا نحن حينما نعبر الأردن فإن المسيح يختننا بقوة الروح القدس، ليس لتطهير الجسد بل بالحري لقطع النجاسة التي في نفوسنا.

لذلك خُتن المسيح في اليوم الثامن وأخذ اسمه كما قُلت، لأنه حينئذ خَلُصْنا بواسطته وفيه كما هو مكتوب ” وفيه خُتنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح، مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضًا معه” (كو11:2). لذلك فإن موته كان من أجلنا. وهكذا أيضًا كانت قيامته وكان ختانه. لأنه قد مات حتى أننا نحن الذين مُتنا معه في موته لأجل الخطية، لا نعود نحيا للخطية. ولهذا السبب قيل: ” إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضًا معه” (2تى11:2). وقد قيل إنه قد مات لأجل الخطية ليس لأنه قد أخطأ، ” لأنه لم يفعل خطية ولا وُجِدَ في فمه غش” (1بط22:2). بل بسبب خطيتنا. لذلك فكما مُتنا معه حينما مات، هكذا أيضًا نقوم معه.

وأيضًا حينما كان الابن حاضرًا بيننا، فرغم أنه هو بالطبيعة الله ورب الكل، فإنه لا يحتقر حالتنا بسبب ذلك، بل يُخضِع نفسه معنا لنفس الناموس، رغم أنه كإله كان هو نفسه مشرِّع الناموس. وقد خُتِنَ ـ مثل اليهود ـ في سن ثمانية أيام لكي يبرهن على خروجه من نفس أصلهم. وذلك لكي لا ينكروه. لأن المسيح كان هو نسل داود المنتظََر، وقدم لهم البرهان على هذه العلاقة. ولكن إن كان رغم ختانه يقولون عنه “وأما هذا الإنسان فلا نعلم من أين هو” (يو29:9)، فربما كان يصير لهم بعض العذر في إنكارهم لو لم يكن قد خُتِنَ في الجسد وحَفظ الناموس.

ولكن بعد ختانه أبطل طقس الختان بمجيء ما كان يرمُز له وأعني به، المعمودية. ولهذا السبب فإننا لم نعد نختتن، لأنه يبدو لي أن الختان قد حقَّق ثلاثة أغراض: فأولاً ـ أنه أفرز نسل إبراهيم بنوع من العلامة والختم، وميَّزهم عن بقية الشعوب. وثانيًا أنه كان يشير مقدَّمًا إلى نعمة وفاعلية المعمودية الإلهية، لأنه كما كان في القديم، يُحسب المختون ضمن شعب الله بواسطة ذلك الختم، هكذا أيضًا فإن من يعتمِد يُدرَج ضمن عائلة الله بالتبنِّي، إذ قد تصوَّر في نفسه المسيح الختم. وثالثًا، أنه رمز للمؤمنين حينما يتأسَّسون في النعمة. حينما يقطعون ويميتون شغب اللذات الجسدية والشهوات بسكين الإيمان الحاد وبأعمال النسك، وهم لا يَقطعون الجسد، بل يُنقُّون القلب ويصيرون مختونين بالروح وليس بالحرف، الذي مَدْحه ليس من الناس بل من فوق كما يشهد بولس الإلهي (رو29:2).

وبعد ختانه تنتظر العذراء إلى وقت تطهيرها، وحينما تكتمل الأيام وتصل إلى ملء الأربعين يومًا، فإن الله الكلمة الجالس على عرش الآب، يُحمَل إلى أورشليم ويأتون به إلى حضرة الآب بطبيعة بشرية مثلنا وبواسطة ظل الناموس يُحسب في عداد الأبكار. لأنه منذ قبل التجسد كان الأبكار مقدَّسين، ومكرَّسين لله، ويقدَّمون لله بحسب الناموس. آه! كم هو عظيم وعجيب تدبير الخلاص! ” يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه” (رو33:11). فإن ذلك الذي هو في حضن الآب، الابن المشارِك له في عرشه والمساوي له في الأزلية، الذي به خُلقت كل الأشياء في الوجود نراه رغم ذلك يخضع لمقياس الطبيعة البشرية، بل ويُقدَّم كتقدمة لأبيه رغم أنَّه يُكرَّم ويُمجَّد معه من الجميع. وماذا قدَّم هو؟ إنه كبكر وذَكَر قدَّم زوج يمام أو فرخي حمام حسب أمر الناموس. ولكن إلى ماذا يشير اليمام؟ وأيضًا إلى ماذا يشير الحمام؟ تعالوا إذن ودعونا نبحث هذا الأمر، فالواحد منهم هو أكثر طيور الحقل في إصدارها للأصوات، أما الآخر فهو مخلوق هادئ ووديع. هكذا صار مخلِّص الكل بالنسبة لنا مُظهرًا أكمل وداعة ولطف من نحونا. وأيضًا مثل اليمام، فإنه يهدئ العالم، ويملأ حقله الخاص الذي هو نحن المؤمنين به بنغم صوته الحلو. لأنه مكتوب في نشيد الأنشاد ” صوت اليمامة سُمِع في أرضنا” (نش12:2)، لأن المسيح قد كلَّمنا برسالة الإنجيل الإلهية التي هي لخلاص العالم كله.

إذن فقد قدَّم اليمام أو الحمام حينما قُدِّم للرب. وفي هذا يمكن أن نرى التقاء الحقيقة والرمز معًا في نفس الوقت. والمسيح قدَّم نفسه رائحة طيِّبة لله، لكي يُقدِّمنا نحن بواسطة نفسه وفي ذاته لله الآب، وهكذا يلاشي العداوة الناشئة عن عصيان آدم، ويبطل الخطية التى استعبدتنا جميعًا، لأننا نحن الذين كنا نصرخ منذ زمن طويل قائلين: ” التفت إليَّ وارحمني” (مز16:25).

عيد الختان – عظة 3 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)