أبحاث

المسيح وداود – معلمي الناموس – إنجيل لوقا 20 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

المسيح وداود – معلمي الناموس – إنجيل لوقا 20 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

المسيح وداود - معلمي الناموس – إنجيل لوقا 20 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
المسيح وداود – معلمي الناموس – إنجيل لوقا 20 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو41:20ـ47): “ وَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ. وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْمَزَامِيرِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي. حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَإِذًا دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً. فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟. وَفِيمَا كَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَسْمَعُونَ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هَؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ! “.

 

          أولئك الذين يُحبون التعلُّم ويميلون للاستماع، يَقبلون بفرح كلمة الله النافعة، ويحفظونها ويخبئونها في خزانة قلبهم مثل بذرة حياة. وما هى نتيجة فعلهم هذا؟ إنَّ النور الإلهي يشرق عليهم، ويحظون بمعرفة صحيحة لا تخطئ ‎للوصايا المقدسة، وهذه تسرع بهم إلى الحياة، كما يعلِّمنا الابن نفسه حيث يقول لله الآب السماوي: “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو3:17).

 

          لذلك، أقول لكم، أُُنظروا إلى ذاك الذي هو المانح لنا كل حكمة وفهم، أي المسيح، وهو يحاول أن يغرس هذه البركة العظيمة التى لا تُقدَّر في أولئك الذين ـ قبل كل شيء ـ هم رؤساء اليهود، أقصد الكتبة والفريسيين، لأنه كان من الصواب ـ إذ هم رعاة ومعلمو وقادة الشعب ـ أن لا يخفى عليهم سرّه، الذي أعلنه ناموس موسى منذ القديم، وهو يصفه (السر) بالرمز وبالظل بطرق متعددة، والذي علمه جماعة الأنبياء القديسين العظماء الأماجد. لأجل هذا السبب فإن المسيح يُدعى مُكمِّل الناموس والأنبياء (انظر رو4:10).

 

          لهذا السبب، فإن المخلِّص سألهم قائلاً: “ كيف يقولون إن المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول في كتاب المزامير: قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. فإذن داود يدعوه ربًّا، فكيف يكون ابنه؟” إن الإيمان هو بدء الفهم، لأنه يقول: “ إن لم تؤمنوا فلن تفهموا” (إش9:7س)، ولكن فحص الحقائق الهامة يؤدِّي إلى الخلاص. إننا نعترف بأن عمانوئيل هو ابن داود وهو ربّه أيضًا، إن كان أحد يريد أن يتعلم ما هي الطريقة التي يفهم بها هذا الإيمان، فإنه يجب عليه بالضرورة أن يلجأ إلى فحص سر المسيح، فحصًا دقيقًا وبلا لوم. (هذا السر) الذي كان مكتومًا منذ تأسيس العالم ولكن أُظهِر في الأزمنة الأخيرة (انظر رو16: 25و26؛ و1بط20:1).

 

          لم يجب الفريسيون على سؤال المسيح؛ وقد فعلوا هذا بخبث، أو بالأحرى ضد أنفسهم، لئلا إذا ما نخسهم السؤال تشرق عليهم كلمة الخلاص، لأنهم لم يكونوا يريدون أن يعرفوا الحق، ولكن إذ كانوا يريدون بِشرِّهم أن يستولوا لأنفسهم على ميراث الرب، فإنهم أنكروا الوارث، أو بالأحرى قتلوه بِشرِّهم. لأنه بسبب حب السلطة والطمع في المال، وبسبب أرباحهم الدنيئة، فإنهم رفضوا الإيمان، لأنهم في إحدى المرات تناولوا حجارة ليرجموه، وعندما سألهم عن سبب عنفهم أجابوا بحماقة: ” لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا” (يو33:10). وفى مناسبة أخرى دعوه سامريًّا وشريب خمر وسكيرًا وابن النجار، وهم يقصدون بهذه الأوصاف أنه شخص حقير ووضيع المولد. ولا تتعجب من هذا، فإنهم تجاسروا أن يُشنِّعوا بميلاده بالجسد من العذراء القديسة بقولهم بصورة غامضة ولكن بمرارة: ” نحن لم نولد من زنا” (يو41:8).

 

          ولكي ينزع المسيح منهم عادة التفكير والكلام عليه بازدراء واحتقار فإنه سألهم قائلاً: ” كيف يقولون إن المسيح ابن داود؟” ولكنهم كما نوَّهت لكم للتو، التزموا الصمت بدوافع ماكرة، وبهذا حكموا على أنفسهم بأنهم غير مستحقين للحياة الأبدية ولا لمعرفة الحق.

 

          ونحن أيضًا نضع أمام فريسيِّي الأيام الأخيرة[1] سؤالاً مشابهًا، دع هؤلاء ـ الذين ينكرون أنَّ هذا الذي وُلِد من العذراء القديسة هو الابن الحقيقى لله الآب وهو نفسه الله، ويقسمون المسيح الواحد إلى ابنين؛ أقول دعهم يشرحون لنا بأى طريقة يكون ابن داود هو ربه، وكيف أنه وهو إنسان تَكُون ربوبيته إلهية، لأن الجلوس عن يمين الآب هو تأكيد للمجد الفائق وعربون له، لأن الذين يشاركون نفس العرش هم متساوون في الكرامة، والذين يُتوَّجون بكرامات متساوية يُفهم طبعًا أن يكونوا متساوين في الطبيعة. فالجلوس مع الله لا يمكن أن يعني شيئًا آخر سوى السلطان المُهيمِن، كما أنَّ العرش يكشف لنا أنَّ له السلطان على كل شئ، وأيضًا له الرفعة الكاملة بحق جوهره. كيف إذن يكون ابن داود هو رب داود ويجلس أيضًا عن يمين الله الآب وعلى عرش الألوهة؟ أليس هذا هو بحسب كلمة السر الحقيقية: أي إنَّ الكلمة وهو الله، ومولود من نفس جوهر الله الآب، وهو مماثل له ومساوٍ له؛ صار جسدًا، أى صار إنسانًا كاملاً، لكن بدون أن يترك الامتياز الذي لا يُقارَن الخاص بالكرامات الإلهية، وهو لا يزال مستمرًا بالحري في الحالة التي كان فيها منذ الأزل، وهو لا يزال إلهًا مع أنه صار جسدًا وفى الشكل مثلنا. لذلك فهو رب داود بحسب مجده الإلهي وبحسب طبيعته وربوبيته الكاملة؛ ولكنه ابن داود بحسب الجسد.

 

          لذلك أقول إنه كان من واجب رؤساء اليهود الذين يفتخرون كثيرًا بمعرفتهم بالشرائع الإلهية، ألاَّ يَدَعوا كلمات الأنبياء القديسين تفوت عليهم، لأن المبارك إشعياء يقول: ” ها العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا” (إش14:7س، مت23:1). أما الكلمة فكان معنا كإله عندما أخذ شبهنا، ولم يحتقر الحالة الوضيعة التى للجنس البشرى، كى يخلِّص جميع من هم تحت السماء. ومكتوب أيضًا ” وأنتِ يا بيت لحم بيت أفراته، لستِ الصغرى بين ألوف يهوذا، لأن منكِ يخرج الذي يكون رأسًا (متسلِّطًا) على إسرائيل” (مى2:5س)، لأن بيت لحم كانت صغيرة بالفعل ومن جهة كثافة اليهود فيها، فقد كان سكانها قليلين جدًّا، ومع ذلك خرج منها المسيح ـ لمَّا وُلد فيها من العذراء القديسة ـ لا كمن هو خاضع لظلال الناموس، بل بالحري كسيد للناموس والأنبياء.

 

          لذلك فنحن لم نتبع جهالة الناس ولا حداثة كلامهم الأحمق؛ لئلا نسقط معهم في ذهن مرفوض، بل نُشرك أنفسناً بالحري في التعاليم النقية التي للرسل القديسين والبشيرين الذين أوضحوا لنا في كل مكان، أنَّ المسيح مخلِّص الكل هو في نفس الوقت ابن داود وربه بالطريقة التى وصفتها لكم منذ قليل.

 

          لذلك فإنه يوجد رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة (أف5:4)، رب واحد قد اشترانا، ” لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب، بل بدم نفسه” كما هو مكتوب (1بط18:1)، حتى نعبده، وبه ومعه نعبد الله الآب، لأن لنا فيه وبواسطته قدومًا إلى الآب (انظر أف18:2).

 

          ولكن كما قلت لكم، فإن رؤساء اليهود لم يراعوا الحق على الإطلاق، وإذا أراد أحد أن يعرف ما هو سبب كرههم الفظيع للتعلُّم، فليسمع السبب منِّي: إنه تصميمهم عن ألاَّ يتخلوا عن محبة المديح المغروسة فيهم، ولا أن يهجروا شهوتهم الملعونة للربح. والمخلِّص نفسه وبَّخهم مرة بقوله: ” كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه” (يو44:5). لقد كان من واجبهم أن يطلبوا المجد الذي من الله لا المجد الذي من الناس، لأن مجد الناس وقتي ويتلاشى مثل الحلم.

          ولذلك، فللفائدة، من أجل أن يحفظ جماعة التلاميذ القديسين أنقياء من مثل هذه الأخطاء الشائنة، فإنه يشهد لهم قائلاً: ” احذروا من الكتبة والفريسيين“. أى لا تُعرِّضوا أنفسكم لأن تكونوا فريسة لرذائلهم، ولا أن تكونوا شركاءهم في استخفافهم بالله. فماذا كانت عادتهم؟ فقد كانوا يسيرون في الطرق وهم متزيِّنون حسنًا، ويجلبون لأنفسهم كرامة طنَّانة، حتى ينالوا مديح أولئك الذين ينظرونهم. وبينما هم أشرار وقلبهم ممتلئ من عدم الاستقامة، فإنهم ينسبون لأنفسهم ـ كـذبًا ـ سمعة التقوى، والأخلاق الحسنة التى لا وجود لها فيهم في الواقع. فإنهم يجتهدون أن يطيلوا صلواتهم بكلمات كثيرة مفترضين أنه ربما لو لم يستعملوا كلمات كثيرة، فإن الله لن يعلم ما هى طلباتهم. وأمَّا مخلِّص الجميع، فإنه لم يسمح للذين يعبدونه أن يفعلوا مثل ذلك، فيقول: ” حينما تصلون لا تُكرِّروا الكلام باطلاً كالأمم، لأنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم ” (مت7:6)، ولكنه أوصاهم أن يكونوا متواضعين غير محبِّين للافتخار، وأن لا يعطوا أي اعتبار لحب المجد الباطل، ولكن أن يطلبوا بالأحرى الكرامة التى تأتي من فوق من الله. وبهذا فإنه يودع فيهم معرفة سرِّه؛ وهكذا فإنه يُجهِّز الذين سوف يُرشدون الآخرين لأن يحوزوا معرفة صحيحة وبلا لوم للتعاليم المقدسة، وهكذا فهو يجعلهم يعرفون كيف أنَّ ابن داود هو أيضًا رب داود، الذين معهم (مع الرسل) نحن نضع أنفسنا أيضًا، إذ يضئ علينا الله الآب بنور إلهي في المسيح، الذي به ومعه يليق التسبيح والسلطان لله الآب مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

[1] يقصد أتباع نسطور.

 

المسيح وداود – معلمي الناموس – إنجيل لوقا 20 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)