أبحاث

رسالة رومية الأصحاح8 – عظة14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح8 – عظة14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح8 – عظة14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح8 – عظة14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح8 – عظة14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

 

          11 ـ لكن ماذا؟ أتريد أن تتكلم عن الجشعين؟ فالجشع يعتبر حقيقةً، سُكرًا آخر يثير فزعًا أكثر. وطالما أنه سُكر، فهو على أية حال موت أسوأ بكثير من الموت، لأن الجشع أمر مفزع جدًا. فالسُكر بالخمر لا يعد أمرًا سيئًا جدًا، إذا قورن بشهوة اقتناء المال. لأن الخسارة في هذا المجال تصل إلى حد الألم، وتنتهى إلى فقدان الحس وتدمير الثمل لنفسه، أما بالنسبة للجشع فإن الضرر ينتقل إلى آلاف النفوس، لأنه يُشعل حروبًا مختلفة في كل مكان. لنُقارن الجَشِع، بالثَمِل، ولنرَ في أى النقاط يتفقان، وفي أى النقاط أيضًا يتجاوز أحدهما الآخر، ولنُقارن الآن بين السكارى. لأنه لا ينبغي أن   نقارن هؤلاء، بالمطوب الذي يسلك بالروح. بل لنفحص هؤلاء فيما بينهم. دعونا نحضر في المنتصف المائدة المليئة بكثير من جرائم القتل. إذًا في أى النقاط يتفقان ويتشابهان فيما بينهما (أي بين السكر والجشع)؟ يتفقان ويتشابهان في نفس طبيعة المرض.

          من المؤكد أن هناك اختلاف في أنواع السُكر، فواحد يأتى من النبيذ، والآخر يأتى من المال. أما الشهوة فهى واحدة، لأن الاثنين مأسوران بشئ واحد أى بشهوة رديئة. لأن الذي يسكر فإنه بقدر ما يشرب من كؤوس، بقدر ما يشتهى أكثر. وذاك الذي يشتهي المال جدًا، يرغب في اقتناء المزيد، ويشتعل فيه بالأكثر لهيب الشهوة، ويصبح العطش للمال مرعبًا جدًا. إذًا فهما متشابهان في ذلك. لكن مُحِب الفضة، يفوق الثَمِل. وهذا ما سنوضحه. إن الذي يسكر يعانى من جراء أمر طبيعي، لأن النبيذ الدافئ، يُزيد من درجة الجفاف الطبيعى، وهكذا يجعل السكارى يعطشون، بينما الآخر الذي يشتهى المال بصفة دائمة فإنه يطلب المزيد. كيف، عندما يصير غنيًا جدًا يكون بالحرى فقيرًا؟ إن هذا الهوى هو أمر محير تمامًا، ويبدو بالأكثر أنه يشبه اللغز.

          لكن لنرَ هؤلاء، بعد السُكر، إن أردت أن تعرف عنهم شيئًا. أو من الأفضل لنرَ الجَشِع، فمن غير الممكن أبدًا أن نراه بعد السُكر[1]، إذ أنه يوجد في حالة سُكر دائم وشديد.

          وبناءً على ذلك لنرَ، عندما يوجد الاثنان (السكران والجَشِع) في نفس حالة السُكر، ولنفحص مَن منهما الأكثر سخرية، ولنرسم ملامحهما، واصفين أيضًا كلاهما بدقة. سنرى إذًا أن ذاك الذي يُسرف في شرب النبيذ، عندما يأتى المساء، لا يمكنه أن يرى أحدًا، رغم أن عينيه تكونان مفتوحتين، بل ويتجول بلا هدف وبدون سبب، ويصطدم بهؤلاء الذين يُقابلهم، ويتقيأ، ويُضرَب ويتعرى بدون لياقة، سواء كانت زوجته حاضرة، أو كانت ابنته، أو خادمته، أو أى أحد آخر.

أتضحكون بشدة؟ لنتحدث الآن عن الشَرِه أو الجشع، لأن الأمور هنا لا تستحق الضحك فقط، لكن تستحق اللعنة، والغضب الشديد. بل لنرَ السخرية أولاً، لأنه بالحقيقة هو نفسه الجَشِع مع الثمل يجهلان الجميع: الأصدقاء والأعداء، وهو نفسه يُعتَبر  أعمى، على الرغم من أن عينيه مفتوحتان. وكما أن السكران ينظر إلى كل شئ على أنه نبيذ، هكذا هو أيضًا يرى كل الأشياء وكأنها أموالاً.

          والقئ ـ في حالة الجَشِع ـ هو شئ مخيف جدًا. لأنه لا يُخرج أطعمة، بل كلام إهانة وشتائم، وحروب وموت، وهى أمور تجلب صواعق لا تُعد على رأسه. ومثلما يكون جسد الثمل متورمًا ومرتخيًا، هكذا تكون نفس ذاك الشَرِه، بل أن مثل هذه الأمراض تسود على جسده، طالما أن الانشغال، والغضب، والسهر، يستنزفه أكثر من النبيذ، وشيئًا فشئيًا يدمره بالكامل. ومن المؤكد أن من تُسيطر عليه شهوة السُكر، يمكنه بعد عبور الليل أن يكون هادئًا أو غير مضطرب. أما الجَشِع فيكون ثملاً نهارًا وليلاً عندما يكون مستيقظًا أو نائمًا، ويُعاقب بأشد من عقاب أى سجين وأى عامل في المناجم.

          أخبرنى إذًا هل هذه حياة، أو من الأفضل أن نقول، أليست هذه هى أكثر تعاسة من كل موت؟ لأن الموت يُريح الجسد ويُخلّصه من السخرية، والأمور الشائنة، والرذائل. بينما هذه الأطماع تلقيه في كل هذه الأمور المعيبة التي تصم الآذان وتعمى الأعين، وتحبس الذهن في ظلام شديد. لأنه لا يحتمل أن يسمع أو يقول شيئًا آخرًا، سوى تلك الأمور المتعلقة بالفوائد والأرباح القذرة، والتجارة البغيضة، إنها موضوعات دنيئة وخسيسة، مثل كلب ينبح نحو الجميع، كارهًا للجميع، ويمقت الكل، ويعاديهم، بلا سبب، ساخطًا على الفقراء، حاسدًا للأغنياء، دون أن يفرح بأحد. حتى وإن كانت لديه زوجة أو أولاد أو أصدقاء فإن كان غير قادر على أن يربح منهم فسيكون هؤلاء أعداءًا له، أكثر من أعدائه الطبيعيين أو الحقيقيين. هل هناك أسوأ من هذا الهوس؟ وما هو أكثر تعاسة من هذا، حين يُعد هذا الإنسان لنفسه وعلى الدوام، عوائقًا، وصخورًا، وانحدارًا، وهوة سحيقة، ومشاكل لا تُحصى، بالرغم من أن له جسد واحد، وهو عبد لبطن واحدة؟

          ولو أن شخصًا كلفك بمهام سياسية ألا تهرب لأنك تخشى التكلفة، في حين تجهز لنفسك أعمالاً لا حصر لها، ليس فقط أكثر تكلفة، بل أيضًا أكثر خطورة، إذ أنها مرتبطة بالمال، مُقدمًا لهذا المستبد الشرير، ليس فقط أموالاً، ولا جهدًا جسديًا، ومتاعب نفسية وآلامًا، بل تُقدم دمك، يا لتعاستك من جراء هذه العبودية المُرّة؟ ألا ترى هؤلاء الذين يُحمَلون كل يوم إلى القبور، كيف يُنقَلون عراه مجردين من كل شئ من أملاكهم، بل إن أجسادهم هذه يقدمونها للحشرات؟ ينبغي أن تفكر في هؤلاء كل يوم، ربما تتوقف عندك شهوة التملك، لأن الشهوة هى بالحقيقة صعبة، والمرض مُخيف. ولذلك نحن اعتدنا أن نكلمكم في هذا الموضوع في كل اجتماع، ودائمًا ما نملأ آذانكم بهذا الكلام، لكى يصير شيئًا مهمًاعلى الأقل من خلال هذه العادة.

          أيضًا لا تختلفوا معي، لأنه ليس فقط توجد عقوبات كثيرة في الدينونة الأخيرة، بل حتى قبل أن تأتي الدينونة، فتلك العقوبات هى نتاج هذه الشهوة متعددة الأشكال. لأنه وإن كنت بعد أُشير إلى السجناء بصفة دائمة، أو ذاك المُقيد بالمرض لسنوات عديدة، أو مَن يُصارع الجوع، أو أى أحد آخر، فلا أحد يستطيع أن يُدلل كيف يُعانى من نفس الأمور التي يُعاينها أولئك الذين يشتهون المال بشكل زائد عن الحد. إذًا هل هناك شئ أكثر بشاعة من أن يكون المرء مكروهًا من الجميع؟ وأن يبغض الجميع؟ وأن يرتاب في أى شخص؟ وأن لا يشبع مطلقًا؟ وأن يعطش على الدوام؟ وأن يُصارع الجوع على الدوام. وأن يكون أكثر خوفًا من الجميع؟ وأن يُعانى الحزن اليومي؟ وأن يكون سلبيًا على الاطلاق؟ وأن يعيش في قلق واضطراب دائم؟ لأن كل هذا بل وأكثر يُعانيه الجَشِعون، طالما أنهم بالنسبة للمكسب لا يشعرون بأى فرح حتى لو كانوا يملكون كل شئ، لأنهم يشتهون ما هو أكثر ويعتقدون أنهم فقدوا الكثير، وأنهم فقدوا حياتهم ذاتها لو خسروا حتى فلسًا واحدًا فقط.

          أى كلام إذًا يمكن أن يصف هذه الشرور؟ لو أن أمورك في هذا الدهر هى بمثل هذه الشرور. عليك أن تفكر فيما ستؤول إليه فيما بعد: فقدان الملكوت، القيود الدائمة، ظلام الجحيم، الحشرات السامة، صرير الأسنان، الحزن والألم، الضيقة، نهر النار، والأتون الذي لا يُطفأ أبدًا. وبعدما تجمع كل هذا وتقارنه بفرح اكتناز الأموال، ينبغي أن تقتلع هذا المرض من الجذور، حتى أنك عندما تكتسب الغنى الحقيقي، وتتخلص من هذا الفقر المخيف، ستحقق الخيرات في الزمن الحاضر، وفي الدهر الآتى بالنعمة ومحبة البشر اللواتى لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والكرامة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

[1]  يقصد سُكر محبة المال

رسالة رومية الأصحاح8 – عظة14 ج5 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)