آبائياتأبحاثكتب

لفظ غير مولود ج1 – الحوار الثاني ج1 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

لفظ غير مولود ج1 – الحوار الثاني ج1 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

لفظ غير مولود ج1 – الحوار الثاني ج1 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

لفظ غير مولود ج1 – الحوار الثاني ج1 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
لفظ غير مولود ج1 – الحوار الثاني ج1 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الثانى

عن أن الابن أزليّّ مع الله الآب ومولود منه حسب الطبيعة

 

مقدمة: ظُُلمَة المعاندين:

كيرلس: أليس من الصدق أن نقول يا إرميا إن كلمة الحق بسيطة بطبيعتها لأنها تجد راحتها فى القلوب البسيطة وإنها أشهى لدى الكثيرين من ثمرة تعب النحل؟ ونستدل على أن الأمر صادق من الكلمات التى وجهها داود الإلهى إلى الله مخلّص الجميع “مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ لِفَمِي”[1].

إرميا: نعم إن كلام الحق فى ملء بساطته لهو أشهى من أقراص العسل، وأنا على استعداد أن أصدّق على هذا الكلام. ولكن المشكلة فى الموضوع الذى نحن بصدده تكمن فى كيفيّة فهم هذا الكلام البسيط.

كيرلس: لا شيء يكشف لنا أن كلمة الحق بسيطة أكثر من حقيقة كونها استُخلِصت من خلال تعقيدات كثيرة وفخاخ عديدة، ولا يوجد فى ـ كلمة الحق ـ أي مظاهر عنف أو كُره، وهى لا تميل بطبيعتها إلى فعل الشر، أى إنها تُظهر قوّتها من أجل الوصول إلى الحقيقة، دون أن تسبب أضرارًا للذين يستمعون إليها. وتستطيع ـ إذا أردت ـ أن ترى ذلك بصورة ساطعة كما فى لوحة مضيئة، إذا تأملت فى هرطقة آريوس وأتباعه[2] والتى أشعر إننى يجب أن أقول فيهم وبكل سهولة هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ[3]. وأنا أعتقد أن طريقة تفكير خصومنا لا تختلف فى شئ عن الفهد الذى له ألوان مختلفة ويحمل على ظهره خليطًا من البقع متعددّة الألوان والأشكال. وهم بدورهم لهم ذهن غير منسجم وبلا مضمون أو قوام، ومن قلوبهم تخرج أفكار مستكبرة. وكما هو مكتوب “لِسَانُهُمْ سَهْمٌ قَتَّالٌ يَتَكَلَّمُ بِالْغِشِّ. بِفَمِهِ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ بِسَلاَمٍ وَفِي قَلْبِهِ عداوة.[4]. وهم يظهرون كأنهم لا يعترضون بأى شكل من الأشكال على مجد الابن الوحيد (المونوجينيس) ولكنهم يجرحونه بكلامهم التجديفى الذى لا يُحتمل.

إرميـــا: ماذا تقصد بكلامهم التجديفى؟

كيرلس: إنهم يُسمّون كلمة الله الوحيد بالابن وهذا صحيح، وهم يتفقون معنا فى أنه مولود، ولكنهم يتجنّون على كلمة الحق حينما يقللّون ـ بعدم تقوى ـ من مجد الابن ويقولون إنه من طبيعة أخرى مختلفة عن طبيعة الآب، وهكذا يظهر الابن على أنه غريب عن جوهر الآب، ومن طبيعة أخرى ولا يمت بصلة طبيعيّة للذى وَلَده. وهكذا فحسب كلامهم لا يكون قد وَلَده. وأنا لا أرى وراء وصولهم بهذه السهولة إلى هذه الدرجة من الحماقة إلاّ سببًا واحدًا.

إرميــــا: ما هو إذن؟

كيرلس: هو تشامخهم الشديد واعتقادهم بأنهم أقدر على التحدّث فى الأمور العويصة أكثر من الآخرين، وذلك لأنهم تدرّبوا على المبارزات الكلاميّة التى تُغذّيها الحيّل والتشبيهات الخادعة والالتواءات العقلّية والتى لها شكل جميل، وهذه كلها تؤثر بشكل قوى على أولئك الذين اختاروا أن يحيوا فى بساطة عقلّية.

وهم قد استندوا على حكمة هذا العالم كما يتكئ المرء على قصبة مرضوضة[5]. ولقد جمعوا قاذورات الأفكار المغشوشة حتى أن صحة وسلامة وإستقامة العقائد صارت لا تعنى لهم شيئًا، وهم لا يُفكرون مثلاً فى أن أولاد هارون قد هلكوا لأنهم تحدوا إرادة الله وأحضروا على مذبح التقدمة نارًا غريبة[6]، وهم يرفضون سماع صرخة صوت الناموس القائل: “وَلاَ تُدْخِلْ رِجْسًا إِلَى بَيْتِكَ لِئَلاَّ تَكُونَ مُحَرَّمًا مِثْلَهُ. تَسْتَقْبِحُهُ وَتَكْرَهُهُ لأَنَّهُ مُحَرَّمٌ”[7]. إنها حقًا نار غريبة وملعونة من الله وهى حركة ذهن مشتعل بحكمة شيطانية، وغير مستنير بنور الكتب المقدسة[8].

          إنها لعنة أن يصنعوا تمثالاً ويحوّلونه إلى شبيه بالله، أى يصنعون ابنًا ويزيّنونه بالكرامة والمجد الساطع الذى يليق بالله ولكن هذا كله ليس هو التمجيد الصحيح، لأنه يستند إلى أسماء ومسميّات باطلة يطلقونها على الله. وفى الواقع إن القول إنه مولود، وتسميته ابنًا بدون أن يقال إنه ابن الله ومولود منه، حسب الطبيعة، لا يعنى لنا شيئًا.

          وبالنسبة لنا فإن الكنز مخفى فى أوانى خزفية[9]، والحق عزيز لدينا، بالحري حينما يكون حرًا من حكمة هذا العالم والحيّل الشيطانية.

إرميـــا: نعم بالصدق قُلْتَ إن الحق عزيز لدينا، ولكن أتوسل إليك أن تكشف لنا أعماق مفاهيمهم عن الآب والابن، فإن هذا بالحرى سيعود عليهم بالنفع الكثير.

كيرلس: أنا أدرك تمامًا أن هذا سيعود بالفائدة عليهم. وما دام رأيك أن هذا أفضل شئ فليكن، مادامت “الحبال مرخيّة”، كما يقول الشعراء اليونانيون، لنترك الشاطئ ولنُطلِق الحديث كما تُطْلَق السفينة فى أعالى البحار.

إرميـــا: هيّا بنا إذن .

 

 

نتائج استعمال لفظ ”غير مولود”(Αγέννητος)    (وجهة نظر منطقية):

كيرلس: إن اسم “آب” وكيانه أمران مختصان بذات الله الآب نفسه وقد شرحنا ذلك فى حديثنا السابق[10]. والسبب الوحيد لتميّز الآب بهذه الخصائص هو أنه وَلَدَ الابن. وفى نفس الوقت فإن اسم الابن بدوره، يعتبر من خصوصيات الابن ولقد ذكرنا السبب وراء ذلك، لأنه قد وُلِدَ من الله الآب، وهذا الرأى كما يبدو لنا يعلو فوق كل هجوم.

إرميـــا: إننا نرى الأمر هكذا. وزيادة على ذلك أريد أن أقول لك إننى قد امتلأت بالخوف والرعّدة حينما تساءلت إلى أين يمكن أن تقودنا أفكارهم، ويجب أن تضع فى اعتبارك أنه يمكن لمن انحرفت أفكاره، أن يطرح عليك هذا السؤال: بما أننا قلنا إن اسم آب وكيانه أمران مختصان بالله الآب نفسه بسبب أنه وَلَدَ ولذلك فهو ليس ابنًا، وكذلك الابن هو ابن لأنه مولود. وهكذا فمن الصحيح القول إنه لا يمكن أن يكون هناك تداخل بين الأمرين لأن الآب سيظل دائمًا أبًا ولن يتحّول إلى ابن، والابن سيظل دائمًا ابنًا ولن يتحّول إلى أب، وخاصية الآب هى أنه “غير مولود” بينما خاصية الابن ستظل أنه هو “المولود”. وبما أن هناك فرقًا كبيرًا بين “غير المولود” و”المولود” فهل سيظّل الآب والابن مختلفين وبالتالي من المستحيل أن نتصورهما فى كيانين متماثلين تمامًا؟

كيرلس: ماذا يمكن لمثل هؤلاء الناس أن يفعلوا سوى أن يشوّهوا بساطة جمال الفكر الذى فى المسيح تمامًا مثل مزّيفى النقود الذهبية؟ إنهم يحرّفون كلام الحق المستقيم، ويجدون سعادتهم فى اختراع حكمة غير شرعيّة وبُلغُتَهم المتعّجرفة يحاولون أن يصيبوا جماعة الربَّ بالهلع وذلك إقتداء بما فعله المتعجرف جليات[11].

إرميا: هذا هو الموقف ولابد أن تعرف أن هذا ما سوف يقولونه، وسوف لا يتوّرعون عن أن يسلكوا الطريق التى ذَكَرتَ.

كيرلس: أى إنسان يستطيع أن يدرك أنهم انحرفوا عن التفكير الواجب والذوق الصالح. وما يحتاجون إليه هو أن يبكوا على غباوتهم ويختاروا الحلّ الصحيح بأن يطبقوا على أنفسهم ما قاله آخرون لأَنَّنَا جَعَلْنَا الْكَذِبَ مَلْجَأَنَا، وَبِالْغِشِّ اسْتَتَرْنَا[12]. وهم يجهلون حسب اعتقادى أن “آب” و”غير مولود” لا يمثلان حقيقة واحدة وليس لهما مغزى واحد. فالحقيقة أن أى كائن إذا دُعى “أبًا” فهو ليس بالضرورة وبشكل دائم وفى كل الأحوال “غير مولود”. وأيضًا فأى كائن ما، غير مولود لا يصير أبًا بشكل حتمى. وهكذا (بحسب فكرهم) هناك كائنات كثيرة غير مولودة لأن هناك آباء كثيرون. وإذا كان هناك آلاف من الآباء فبنفس القَدْر يوجد كائنات “غير مولودة”، وهذا هو ما نخرج به من فحص أفكارهم. لأننا إذا فحصنا بدقة، طبيعة الكائنات وميزّنا سبب وجود كل كائن منها، فسوف نكتشف أن هذه الكائنات لم تأتِ كلها إلى الوجود عن طريق الولادة . فهل نعتبر أن القصد من هذه الكائنات وهدف وجودها بلا معنى وقوّة، لمجرد أن “غير مولود” لا تعنى شيئًا واحدًا بالمعنى المطلق .. فهناك كثرة من الكائنات غير المولودة تختلف فى طبيعتها باختلاف الطبيعة. فماذا سوف يقولون إذا سألناهم هنا عن القصد من وراء اسم الأب؟ هل الأهمية في المعنى تقع على أن الكائن وُلِدَ من كائن أخر أو تقع على الذى وَلَدَ؟

إرميــــا: أعتقد الأهم هو الذى وَلَدَ.

كيرلس: هذا صحيح؟ فإذا كان هدف قانون الأبوّة أن يرفع ببساطة كل الآباء إلى مرتبة “غير المولودين” فلماذا لا نستفيد نحن من هذه الرتبة التى لغير المولودين مادام البرهان واضحًا أننا آباء؟ أما إذا كان قانون الطبيعة نفسه لا يرفعنا إلى هذه الدرجة، لأننا بحسب قانون الطبيعة ذاته، مولودون. فلماذا يُزيّفون الحق بقولهم إن حقيقة عدم الولادة هى نفسها خاصية أنه أب، بينما لقب أب فى حالتنا نحن البشر لا يمكن أن يعنى شيئًا إلاّ عندما نَلِدُ؟

إرميــــا: حسب رأيك، بماذا نجيب على الذين يسألوننا إن كان الله الآب مولودًا أم غير مولود؟

كيرلس: أقول إنه بالنسبة لذهن نقيّ، هو غير مولود، ولكن يجب أن لا نعتبر أنه لمجرد كونه أبًا يكون غير مولودٍ. ولكن كونه آبًا يرجع إلى أنه لم يُولد من أى شخص، ومع كونه قائمًا بدون ولادة إلاّ أنه وَلَد ابنه الذى هو كائن فيه و لهذا السبب ندعوه أبًا.

إرميـــا: ليكن، ولكن المشكلة تكمن فى أن هناك فرقًا بين كائن غير مولود وكائن مولود. ومن المستحيل أن نرى الاثنين كشيء واحد وهما مختلفين، وإذا أردت أن لا تعتبرهما شيئين مختلفين بل شيئًا واحدًا فيجب أن تستبدل الواحد بالآخر بدون تحديد، بمعنى أن الأسماء التى للآب والابن يمكن أن تطلق على الاثنين معًا فى وقت واحد، وذلك مثلما نقول غير المرئى وغير الفاسد.

كيرلس: يجب أن لا نهدم اتزان الحقيقة بإزالة الاختلاف بين المولود وغير المولود، وهذا الأمر متفق علية من الجميع، وفى مثل هذه الحالة فإن اختلاف الأسماء والمسمّيات لا يعنى اختلافًا فى الله فى ذاته، هذا الاختلاف معناه فقط أن الله ليس بهذه الطريقة بل أنه غير مولود .. وبماذا سيجاوبون على ذلك، أولئك الذين يَقلِبُون معانى الأشياء، بالرغم ذكائهم الكبير وكبريائهم الظاهر في مثل هذه الأمور؟…

إرميـــا: إذن، هل عدم الولادة شئ عارض بالنسبة لله الآب؟

كيرلس: إطلاقًا! حينما نتكلّم عن الله فإننا نعنى كل ما يخص الله، ولا يمكن أن يتطّرق إلى أذهاننا أن فى الله شيئًا عارضًا، حاشا، ولا تتعّجب، فحينما نتأمل فى أحوالنا، نرى بسهولة نفس الشيء. فرغم أن وجودنا جعلنا نحيا فى الزمن، فنحن مولودون فى نفس الوقت بكل صفاتنا الجوهرية وطبائعنا التى لا تنفصل عنا، وهكذا لا يوجد فى الله شئ يحق لنا أن نعتبره أمرًا عارضًا، والصفات الطبيعيّة الجوهرية لكائن ما أو حتى ما يُنسَبْ إليه لا توجد قائمة بذاتها، وذلك كما نرى فى الإنسان أو فى أى كائن آخر[13]. فهذه الصفات كامنة فى جوهر كل كائن. وإذن ما هى المكانة التى سوف تحتلها “حقيقة عدم الولادة” فى الله نفسه؟ هل هى شئ كائن فى طبيعة الله ووجوده الخاص، وكما يقول أولئك إنه “صفة ذاتية[14] لله الآب”. إذن فهذه الصفة ستصير متميّزة عند صاحبها لأن الشيء الذى ينتسب إلى شئ آخر وفى نفس الوقت له قوام قائم بذاته يعتبر شيئًا متميّزًا عن الذى ينتسب إليه، وهكذا حسب ما يقولون تصير طبيعة الآب البسيطة طبيعة مركبّة، بالنسبة لفهمنا عن الآب وعن غير المولود. ويجب أن لا نُعير الحكمة الشكليّة لهؤلاء الناس، أى اهتمام، بل ننتبه إلى كلمات المخلّص الذى يعرف جيدًا طبيعته وطبيعة الآب الذى وَلَده. والابن لم يُسمِ أباه أبدًا غير مولود بل سماه من أجلنا “أبًا “.

إرميـــا: يقول سليمان لأَنَّ عَصْرَ اللَّبَنِ يُخْرِجُ جُبْنًا[15]، ويبدو لى أن هذا القول الإلهى ذو فائدة كبيرة لنا، لأننا كلَّما اعتصرنا التعاليم الإلهية كلَّما أخرجت لنا زبدًا، وكلَّما اشتقنا بلا حدود للفهم أكثر، كلَّما صار لنا الله اللبن (العقلى)، مصدرًا ـ لا حدود له ـ للتقوى. وألتمس منك العذر لأنى لحوح وأُكثِر من السؤال ولكن أريد أن تجيب عن سؤالى هذا: هل كان الابن يعرف أن الآب “غير مولود”؟

كيرلس: نعم هذا أمر لا أنكره أبدًا لأنه لا يستطيع الإنسان أن ينكر الشيء الواضح وضوح النهار، ولكن رغم معرفته بأن الآب غير مولود وغير مرئى وأزلىّ، إلاّ أنه لم يذكر أيًّا من هذه الصفات، ولكن فى المقابل سمّاه “آب” حينما قال أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وأيضًا “أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجْتُ، بل أيضًا حينما وضع السيَّد قانون المعمودية المقدسة، أى أساس الإيمان الذى بلا عيب لكل الذين يوجدون تحت الشمس، فإنه لم يذكر شيئًا عن هذه التعبيرات “الأزليّ” و”غير المولود”، ولكن أوصى بالمعمودية “باسم الآب والابن والروح القدس”.[16] وحسب رأيىَّ فإن الربَّ قد اختار التعبيرات التى تُظهر لنا بدقة، الوجود الخاص بكل ما يعنيه، أى الصفات المشتركة فى اللاهوت، وذلك بدلاً من الحديث عن كل ما يخص الجوهر الإلهى، بالطبيعة. وحينما نقول الطبيعة الإلهية، فإنما نعنى كل الثالوث القدوس فى الله الواحد، ولا نعنى كل أقنوم على حده. بينما حين نتناول البحث فى “الآب والابن والروح القدس” فإننا لا نقصد كشف كل الطبيعة الإلهية بلا تميّيز، ولكننا نبدأ بقدر الإمكان بتمييّز الأقانيم كل أقنوم بحسب خاصيته، لنصل إلى إدراك وحدتهم الجوهرية، حسب طاقتنا.

          والمصدر الذى لا يوجد قبله شئ هو الآب، والذى وُلِدَ من هذا المصدر بالطبيعة، ندعوه الابن. وهذا الابن ليس فى عداد الكائنات المخلوقة الحاصلة على وجودها بالولادة داخل الزمن الحاضر، وهو ليس أقل شأنًا من الآب من جهة طبيعته الخاصة النورانية، وهو قائم في الآب أزليًا، والذي يساويه فى كل شئ ماعدا حقيقة “الأبوّة”، التى لا تناسب إلاّ الله الآب وحده. وأما الروح القدس فيمكنك أن تشرحه هكذا: إنه انسكب من طبيعة الله الآب بالابن، وذلك مثل النَفَس الذى يخرج من أفواهنا ويدل على وجودنا الخاص، وهكذا تلاحظ بوضوح وبدون خلط أن كل من الأقانيم الثلاثة له مزيته الخاصة به، وذلك فى الطبيعة الواحدة المتساوية فى الجوهر والمسجود لها من قِبَلْ كل الكائنات.

[1] مز119: 103س.

2 رغم أن الموضوع الذي يدافع عنه ق. كيرلس في هذه الحوارات، هو ألوهية الابن، الأمر الذي كان ينكره آريوس وأتباعه، إلاّ أنه لم يذكر اسم آريوس أو أتباعه بل كان يشير إليهم بقوله “المعارضين أو “المخالفين”

3 إر13: 23.

4 إر9: 8س.

5 إش 36: 6.

6 لا10: 1-3.

7 تث7: 26.

8 راجع ما يقوله ق. أثناسيوس في هذا الصدد: تَجسُّد الكلمة، ترجمة د. جوزيف موريس فلتس. المركز الأرثوذكسي لدراسات الآبائية ج1: 4، 2006 فصل 57: 1. وقد سبق أن اشار ق. كيرلس لأهميّة الكتب المقدّسة ناصحًا ايانا “بأنه لا يجب أن نلجأ للكتب المقدسة بنفس رخوه” وذلك في الحوار الأول من هذا الكتاب. 

9 2كو4: 7.

10 يقصد في الحوار الأول في هذا الكتاب.

11 انظر 1صم17: 4، 54.

12 إش28: 15.

[13] اعتاد الآباء الكلام عن الإنسان لِيَسُهل عليهم توصيل المفاهيم عن الله ( المترجم ).

[14] خاص أو ذاتى ‡διον من الكلمات الهامة فى شرح الثالوث عند الآباء ويستخدموها أيضًا عن التجسّد بقولهم “جسده الخاص” “σëμα  “‡διονراجع مثلا ق. أثناسيوس: تجسّد الكلمة، المرجع السابق الفصول 8/4، 10/1، 14/8، 17/1، 31/4، 43/4.

15 أم30: 33.

16 سيعود القديس كيرلس للحديث عن أهمية الإيمان الثالوثي والذي على أساسه تُجرى المعمودية. انظر ” حوار حول الثالوث ” ج2، ص11.

 

لفظ غير مولود ج1 – الحوار الثاني ج1 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري