آبائياتأبحاث

المقالة7 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة7 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة7 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة7 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة7 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة السابعة

في المحبة الواجبة نحو الاخوة

كيرلس: ويمكن أن يرى المرء وبسهولة جدًا أن هناك فترة زمنية طويلة تفصل بين هؤلاء الذين خلصوا بإيمانهم بالمسيح وأولئك الذين كان الناموس مؤدبًا لهم. لأن القدماء يرون أن هناك عقاب ينتظر الذي ينشأ بين أناس وثنيين ويشاكل الناس الغرباء. أما نحن فينصحنا بولس بأنه يجب علينا أن نحيا حياة أفضل وأكثر شجاعة قائلاً: ” لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد كذلك المسيح أيضًا. لأننا جميعًا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد يهودًا كنا أم يونانيين عبيدًا أم أحرارًا وجميعنا سقينا روحًا واحدًا. فإن الجسد أيضًا ليس عضوًا واحد بل أعضاء كثيرة[1]، إذن بأي طريقة يطبق هنا هذا التدبير؟ لأن واضع الناموس كان يخشى على الناس قديمًا من الاختلاط بأناس يعتنقون دينًا آخر والآن لا يخشى عليهم. لأن أولئك الذين دُعوا إلي المسيح ولديهم محبة لا تتزعزع نحو الله يجعلهم الروح القدس الساكن فيهم مؤسسين بواسطته حتى ” نصرخ يا أبا الآب[2]. لكن أولئك القدماء لم تكن لديهم هذه العطية العظيمة وكما يقول يوحنا العظيم: ” لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد[3]. إذًا فالكمال التام يصير بالمسيح، بينما الناموس لا يستطيع إطلاقًا أن يقود إلي الكمال كما هو مكتوب.

بلاديوس: أرغب بشدة أن تخبرني كيف يكون الناموس غير كامل؟

كيرلس: بالتأكيد. لكن حديثنا سوف يتناول الأمور التي نثبتها الآن، وسوف نفحص بالتفصيل طرق المحبة نحو القريب بعمق أكثر مما كتبه موسى للقدماء.

بلاديوس: سر إذن إلي ما تتحدث عنه.

كيرلس: يقول الناموس ” تحب قريبك كنفسك[4]، بينما ربنا يسوع المسيح يعلّمنا بآلاف الأقوال أن نحب بعضنا بعضًا معضدًا ـ بطريقة ما ـ ناموس المعرفة الغريزي وإرادة كل واحد، فيقول ” فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم أيضًا بهم[5]. إذن ما يتمنى المرء أن يفعله الآخرون به، فليفعله هو بالآخرين، وسوف لا يحيد عن هدفه، لكن بالأحرى سوف يسلك مباشرةً في المحبة وسوف يُتوّج بتاج محبة الآخرين.

بلاديوس: حسنًا قلت هذا.

كيرلس : المحبة إذًا هي كمال الناموس وهي أسمى من الإيمان والرجاء لأن هذا ما كتبه لنا بولس العظيم[6]. لذلك وإذ هو يصنع منها تاجًا من ورود الربيع المتعددة الألوان قال أيضًا ” إن أطعمت كل أموالي وإن سلّمت جسدي حتى احتِرق ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئا. المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تُقَبّح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وتحتمل وتُصدِّق كل شئ، وترجو كل شئ، وتصبر علي كل شئ، المحبة لا تسقط أبدًا. وأما النبوات فستبطل والألسنة فستنتهي والعلم فسيبطل[7]. هذه الأقوال واضحة للجميع والحديث عنها سيكون طويلاً، وخاصة إذا أراد المرء أن يجمع بالتفصيل كل ما قيل عنها في العهد الجديد لكن ليتنا نركز حديثنا الآن عن ظلال الناموس وعن كل ما شُرِّع أيضًا للقدماء بنماذج أو أمثلة.

بلاديوس: فكرك صائب جدًا

كيرلس: بمعنى أن الناموس كان معنيًا بالبر ـ وبطريقة ما ـ كان ممهدًا للنعم الإنجيلية لأنه مكتوب ” بداية الطريق الصالح أن تفعل الحق[8]. أى أن الناموس يقود إلى المسيح وأن حياة المجد تعتبر مضمونة إذا فهمنا الناموس روحيًا، فأنواع البر هي، أولاً، التقوي والمحبة تجاه الله الواحد الحقيقي، وبعد ذلك مباشرة المحبة نحو الإخوة والآخرين، خاصة تقديم الاحترام للوالدين. فبالترتيب اللائق يستمر الكتاب في تعليمنا بأنه، بعد التوقير لله واحترام الوالدين، علينا أن نُظهر محبتنا نحو الكل. لأن فى كل الحالات يتعهد الناموس بالمساواة، ويشرِّع بأنه يجب أن تُمتحن الأمور بدقة. إذ أنه مكتوب فى سفر التثنية: ” لا يكن لك فى كيسك أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة. لا يكن لك فى بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة. وزن صحيح وحق يكون لك، ومكيال صحيح وحق يكون لك، لكى تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك. لأن كل من عمل ذلك كل من عمل غشًا مكروه لدى الرب إلهك[9]. مكتوب أيضًا فى سفر اللاويين: ” لا ترتكبوا جورًا فى القضاء لا فى القياس ولا فى الوزن ولا فى الكيل. ميزان حق ووزنات حق وإيفة وهين حق تكون لكم. أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض  مصر[10]. إذن، حَرِص (الناموس) بكافة الطرق أن يعادل بالقياسات والمكاييل والأوزان، طرق العدل. لأنه العقل الصادق والبار، يوازِن ويقيس طبائع الأشياء ويفحص بالتفصيل وبدقه أكثر من هؤلاء الذين يراقبون الموازين والأثقال التي توضع فوق الميزان، ويقيس كل شىء من الأشياء التي يفحصها بدون أن يدمر بالنافل جمال المساواة الدقيقة، ولا يسمح بالتأكيد بالخطأ لكى يفتعل هذه المساواة، ها هي إذن ـ يقول ـ مقاييس الأطوال، والأوزان، والسوائل صحيحة. وأعتقد أن هذه هي بعض النماذج والأمثله الواضحة، والتي تعلن لنا الطرق التي بها نستطيع أن نفسر الكلام الدقيق عن المساواة وتصير معرفة البر واضحة. ولاحظ أن كل ما يتضمنه الناموس يهدف إلى البر، لكن يكسب الأعظم (نعمة العهد الجديد)، وكل ما علّمه المسيح يمضى أبعد جدًا عن ما يقدمه الناموس. لأن الصلاح أسمى من الناموس، أى مجد التوافق مع إراده الحياة بحسب المسيح.

بلاديوس: تتحدث بالصواب. بالتأكيد سأتذكر أولئك الذين تبرروا بالإيمان، وفق ما قاله المسيح: ” إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات[11].

كيرلس: وهذا أكيد. لكن دعنا ننشغل بالتفصيل إذا أردت، بمقياس الاستفادة الموسوية ومجد بر الناموس. لأن من يحب الحق (الله)، ويعتبره أمرًا ضروريًا أن يحب إخوته ينبغى عليه أن يبدو واثقًا وثابتًا. إن الإنسان غير المخادع عليه أن يهتم بكل حرية بسلوكه الأخلاقى ليكون مكشوفًا وبلا لوم، ذلك بدون أن يتزعزع وبلا سطحية ولا بإظهار وداعة كاذبة تجعله يخفى وراء فروة الحمل حقيقة أنه ذئب، لذلك يقول الناموس: “ لا تسعَ فى الوشاية بين شعبك. لا تقف على دم قريبك. أنا الرب. لا تبغض أخاك في قلبك. إنذارًا تنذر صاحبك ولا تحمل لأجله خطية[12]. وهذا الأمر صاغه برؤية أخرى، لأنه يقول: ” لا يكن عليك ثوب مصنف من صنفين[13]، وأيضًا: ” لا تلبس ثوبًا مختلطًا صوفًا وكتانًا معًا[14].

          إن خداع وجبن هؤلاء الذين نعتبرهم صالحين، يُعتبّر شرًا مخيفًا ويستحق التأنيب. الخداع يُعَدّ من الأشياء التي يمقتها الله جدًا، والذي يصاحبه دائمًا الازدواجيه والتقلب فى الرأى. بسبب هذه الأمور يستفز ويغضب العقل الإلهي النقى الطاهر. لأنه يقول للبعض: ” لسانهم سهم  قتّال يتكلم بالغش. بفمه يكلم صاحبه بسلام وفى قلبه يضع له كمينًا[15]. سوف يصعد إلى جبل الرب، يقول داود، العامل بالحق والطاهر فى القلب “ الذي لا يشى بلسانه ولا يصنع شرًا بصاحبه ولا يحمل تعييرًا على قريبه[16]. اذن، فإن السلوك بخداع، أى المرء الذي يحيا بالمكر ويلبس قناع البر، وفى نفس الوقت يؤذى إخوته غير مبالٍ بنواميس المحبة فهذا ما حرمه الناموس كشىء بذئ، ويوصينا ألاّ نلبس ثوبًا مصنفًا من صنفين مستخدمًا هذا الثوب كرمز، وهو يعنى أنه من البذاءة أن نخفى إزدواجيه فى نفوسنا، إزدواجيه داخلية وذهنية، إنه الرياء البشرى الملعون الذي يُنسج من الانشغال برأيين يجعل تصرفات الواحد تجاه الآخر سيئة وفاسدة. نتساءل ماذا تكون حياة  المنافقين؟ هي طبعًا مثل هؤلاء الذين يراهم الناس كصالحين ويعتبرونهم صالحين، لكن فى الحقيقه هم غير صالحين.

بلاديوس: بالتاكيد.

كيرلس: إذن، طريق المنافقين طريق مزدوج مغلّف بإرادتين مختلفتين، لكن داود العظيم يمتدح الإنسان ذا الطريق الواحد ويقول إنه جدير بنظر السماء لأنه يقول: “ الله مُسْكِن المتوحدين فى بيت[17]، أيضًا يُقال إن الله يشتت عظام الذين يفرحون باستحسان البشر لهم. وهذه الشهوه يمقتها بولس قائلا ” أفأستعطف الآن الناس أم الله. أم أطلب أن أرضى الناس. فلو كنت بعد أرضى الناس لم أكن عبدًا للمسيح[18].

بلاديوس: هل يوجد أحد لم يكن واضحًا له أن الرياء هو بالحق سخيف وبعيد جدًا عن التقدير الصحيح ؟

كيرلس: إذن ثمرة المحبة التي بلا لوم والتي تتمشى مع الرجل البار والصالح هي أن يكون متحررًا من الخداع. وهذا ما يحتاجه الدارس الحقيقي للبر وعاشق المحبة تجاه الإخوة أن يعتبر هذا الرأى مستقيمًا ليس فقط إذا توقف عن هذا الخداع، لكن أن يصير معلمًا لأهله أو للذين يسكنون معه. والقديس بولس يتحدث عن الشخص الذي سوف يأخذ على عاتقه الاهتمام بكنيسة الله أن يكون له أولاد مطيعين، وجعل هذا الأمر برهانًا على صلاحه أو عدم صلاحه قائلاً: ” إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتنى بكنيسة الله[19].

لذلك يقول الناموس بمثال وصورة حية ” وإذا نطح ثورًا رجلاً أو امرأة فمات يُرجم الثور ولا يؤكل لحمه وأما صاحب الثور فيكون بريئًا ولكن إن كان ثورًا ناطحًا من قبل وقد أُشهد علي صاحبه ولم يضبطه فقتل رجل أو امرأة فالثور يٍُرجم وصاحبه أيضًا يُقتل. وإن وضعتَ عليه فدية يدفع فداء نفسه كل ما يوضع عليه. أو إذا نطح ابنًا أو ابنةً فبحسب هذا الحكم يُفعل به. إن نطح الثور عبدًا أو أمةً يُعطي سيده ثلاثين شاقل فضة والثور يُرجم[20]، إذن تشريع الله واضح ؟

بلاديوس: ليس واضحًا تمامًا.

كيرلس: انتبه إلي ما أقوله وليكن في ذهنك ما كتبه القديس بولس ” ألعل الله تهمه الثيران أم يقول مطلقًا من أجلنا[21] يُشبَّه الشتّام والحسود بالثور الذي عنده قوة هجومية. لأن هذا الحيوان منتفخ ومتغطرس ورهيب في قوته ومن الصعب مواجهة هجومه. إذن يُشرح هذا الكلام روحيًا هكذا، إذا كان لإنسان صديق يعرفه معرفة جيدة وتقابلا معًا مع رجل صالح آخر يعرفه وحدث أن قام هذا الإنسان بفعلٍ مشين تجاه هذا الرجل الصالح الذي كان يجهل حقيقة شخصية الصديق وكانت النتيجة أن شُلّت حركة هذا الرجل أو الأفضل قُتِل من جراء هذه السلطة الظالمة لصديق هذا الإنسان، عندئذٍ أمر الناموس بأن يُفرض على هذا الإنسان (إذا كان على عِلم بوحشية صديقه هذا) جزاء الموت إذ قال يجب أن يموت بالرجم. لكن يتحرر هذا الإنسان من الغضب إن كان لا يعرف طريقته الناطحة ولم يدرك أنه يشارك في دناءة ذلك (الثور). لأن جرائم الآخرين لا تؤذينا إذا حدثت بدون أن نعرف حقيقتهم. لذلك لا يسمح أن يؤكل لحم الثور، لأنه لا يجب أن نشترك في نجاسة الآخرين، التي يشير إليها بمثال الأكل والمشاركة. إذن، ألاّ يشير هذا بواضح إلى القول بأنه: ” لا تشترك في خطايا الآخرين. احفظ نفسك طاهرًا[22].

بلاديوس: واضحًا جدًا.

كيرلس: الناموس شرّع بالحق أن صاحب الثور مع الثور يُدان، إذا كان يعرف خطره، وقد أقرّ بأنه يعرف إنه شرس، لأنه في إمكانه أن يمنع وقوع الظلم وارتكاب الخطأ. لكن كونه لم يفعل هذا الأمر مع سبق الإصرار يكون هذا الإنسان مشاركًا في فعل هذا الأمر بالإرادة والفكر، هكذا مع من اختار أن يعمل ويتعاون مع أولئك الذين يريدون أن يرتكبوا جرائم. هذا الإنسان ـ كما يقول الناموس ـ فليمت إذا كان القضاة لم يفرضوا تعويضًا وجزاءات خاصة بهذه الأمور. الناموس يهدف إلي الرحمة لأنه يقول: “يعاقب باعتدال إذا أراد القضاة”. ذلك ينقل الآن المثال إلي الحقيقة، بمعنى أن القاضي يدين الكل بالموت لكنه يقبل هؤلاء الذين أخطأوا ويقدمون فدية لإبطال الخطيئة، أى دموع التوبة وألم التوبة وطرق الإحسان المختلفة، لأن حسب الكتاب: ” الرحمة تفتخر علي الحكم[23]. الناموس يُميّز بين أولئك الذين وقع عليهم الضرر. فإذا كان الثور قد قتل ابنًا أو ابنةً، فليمت الثور وصاحبه بلا رحمة أما إذا قتل عبدًا أو عبدةً فليدفع فدية. ألاَ يستحق إذن أن نرى ما هو السبب؟ بالرغم من أن وجود أحرار وعبيد ينتج عن سوء استخدام السلطة وليس نتيجة لخطأ ما، مثل المرض مثلاً لأنه حسب كلام النبي: ” أليس أب واحد لكلنا أليس إله واحد خلقنا[24]. هل نستنتج إذن أن الخالق يسلم البعض إلي الجريمة والعبودية؟ هل الله هو الذي وضع العبيد في مكان مهين والأحرار في المجد؟ بالتأكيد لا، لأنه مكتوب: ” ليس عبد ولا حر.. لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع[25]. بناءً علي ذلك، فالناموس هو ظل، والابن والابنة يعني الجيل الحر للقديسين، بينما العبد أو العبدة الجنس المستعبَد الموجود تحت ثقل الخطيئة. وارتكاب الأخطاء ضد القديسين وضد الخطاة ليس له نفس الثقل ونفس العقاب. وبالتأكيد إن كون هؤلاء وأولئك هم إخوة من جهة الطبيعة فهذا واضح لكل واحد: لكن القديس موجود في سمو روحي وعلي مرتفعات الفضيلة. ومن جانب الله فإنه وضع القديسين في رتبة الأبناء والبنات، الأمر الذي يتخطى قياس البشر والعبيد. الناموس أوصي بطرق أخرى أن نفعل أعمال صالحة ونمارس المحبة تجاه الإخوة. سوف نستعرض هذه الطرق وسوف نتحدث عن كل ما هو في حدود طاقتنا. قال أيضًا: ” وإذا فتح إنسان بئرًا أو حفر إنسان بئرًا ولم يغطه فوقع فيه ثور أو حمار فصاحب البئر يعوّض ويرد فضة لصاحبه والميت يكون له[26]. هذه الوصية تشير إلي أنه لا يصنع أحد عائقًا أو عثرةً لأخيه ولا يجعل الأمور التي هي ضرورية للحياة لنا وللآخرين وسيلة للموت. هل من يحفر بئرًا لا يفعل شيئًا مفيدًا وضروريًا لنفسه وللآخرين؟ لكن لا يجب أن يكون ما تفعله أنت يُسبب خطرًا للآخرين، لأنه كما يقول بولس العظيم ” المحبة لا تطلب ما لنفسها[27].

بلاديوس: ومن هو هذا الذي يحفر بئرًا؟ وما الذي يشير إليه البئر لأنني أريد أن أعرف هذه الأمور بوضوح.

كيرلس: ما يشير إليه النص المقدس واضح بالطبع، لأنه يقول ينبغي أن يُغطى البئر حتى لا تحدث حادثة للآخرين، لأنه يقول ليت من لا يغطى البئر يعرف أنه إذا انزلق حيوان في البئر فسوف يدفع أموالاً لصاحبه، لكن هذا الذي قُتِل سيكون ملكه. وسوف نقول ونحن نفسر الأمر وفق المفهوم الروحي: الناموس يدعو البئر معرفة الكتاب الموحى به من الله، وأيضًا الكلام عن الثالوث المقدس والمساوي وعن سر المسيح  كمال كل هذا كان موجودًا في العمق وفيه القوة المحيية وهذا ما سوف يؤكده لنا المخلص نفسه ” وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته[28]. إذن، كل مَنْ يدرس الكتابات القديمة ويتحقق بجهد وفير من أقوال الكتاب الموحي به من الله مفتشًا عن المعرفة الدقيقة والصحيحة، يُشبه إلى حد كبير من يحفر بئرًا لأنه يفتش عن الماء الذي يعطي الحياة[29]، والنبع الذي يحتوى علي البهجة والسرور. فالذي وصل الي هذه الدرجة من الفهم، يستطيع أن يُسلَّم ما فتش عنه كمن يحفر بئرًا ولن يصنع شيئًا جديدًا بعرق الآخرين ولكن يفيد ذاته والآخرين بأتعابه. لكن محبي المعرفة الكاذبة بحسب قول النبي يحفرون آبارًا. حسنًا يقول النبي إذا حفر شخص بئرًا عليه أن يؤَمنه لكى لا يصير لآخرين سببًا للهلاك، في حين أنه يظن أنه صنعه حسنًا، لأنه ينبغي أن نكرز بكلام الله بطريقة مستقيمة وبدقة حتى لا يصير هذا الكلام سببًا للعثرة. وهذا ما يعنيه الغطاء علي البئر، بمعنى أن لا يغيب عن الكرازة الأمان الواجب، لأنه يقول إذا وقع في البئر حمار أو ثور فصاحب البئر يعوّض. الثور أيضًا والحمار لم يذكرهما بالصدفة لكن الإشارة لهما لها معنى عميق. ذَكَرَ الثور لكي يحضر إلي ذهنك الجنس المقدس والطاهر، بينما الحمار لكي تتذكر الجنس الدنس وغير الطاهر، لأنه حسب الناموس لا تُقدم إلي الله ذبيحة غير طاهرة. بالتأكيد فإن الجنس المقدس والطاهر هو كل الذين تطهروا بالمعمودية المقدسة، لكن ما زال البعض بداخلهم دنس الخطية. فهو كأنه يقول: “إذا حدث ضرر لشخص من أولئك الذين تعمدوا وقبلوا ختم النعمة من جهة الشركة مع الله، أو لشخص تصادف أنه لم يعتمد بعد سوف يعاقب مسببًا العثرة وسوف يبقى في هذا الموت بمعنى سيصير الموت موت ذاك الذي أصابه الموت. بالتأكيد المخلص نفسه قد حذرنا قائلاً: “ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بِى فخير له أن يُعلَّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر[30].

بلاديوس: تتحدث بالصواب.

كيرلس: يمكنك أن تتحقق بسهولة أن الناموس يعلن بطرق رمزية أنه ليس من الصواب أن يخطئ المرء إلى الإخوة. لأنه كون أن أحد يجرح ضميرهم الضعيف روحيًا فيكون كمن يخطئ إلى المسيح[31]، يقول إذن     ” إذا خرجت نار وأصابت شوكًا فاحترقت أكداس أو زرع أو حقل فالذي أوقد الوقيد يُعوِّض[32]. لأنه لا يجب أن يُهلك الأشياء المفيدة مع الأشياء الضارة ولا تهلك الحيوانات الأليفة مع الحيوانات المفترسة.

بلاديوس: كيف تفهم هذا ؟

كيرلس: هل لا يوجد تشابه بين كتابات الهراطقة الفجار والمعلمين الثرثاريين اليونانيين وبين الشوك الذي علي الجبال وفي الحقول؟ بمعنى أي فائدة يمكن أن تكون لنفوس البشر من هذه الأمور أو بمعنى آخر أي ضرر سوف لا يصيب كل الذين لا يريدون أن يضعوا هذه الأمور في عقولهم؟ الأشواك تغذى النار وتمثل فقط غذاءً لألسنة النار. هكذا العقائد المظلمة التي لأولئك الذين هم في الضلال وحكايات العجائز الوثنية فهي توقد ألسنة النار الأبدية. السنابل والقمح هي طعام لذيذ للبشر وضروري لفائدتنا إذ بها نستمر في الحياة، وهي مثال لعقائد الحق والتي بها يتغذى كل الذين يؤمنون بالخبز الحقيقي أي بالمسيح. الكتب المقدسة هي وادي سهل وبدون وعورة لأولئك الذين يعرفون أن يحيوا بطريقة صحيحة ومستقيمة. لأنه حسب ما هو مكتوب: ” كلها واضحة لدى الفهيم ومستقيمة لدى الذين يحبون المعرفة[33]. إذن، فالشوك هو ثرثرة المنحرفين الدنسة والمملوءة فُجرًا بينما القمح والسنابل هي كلمة الحق التي تفيد وتغذي النفس إذ أن الكتاب المقدس هو وادي سهل. وذلك عندما نقول إن أقوال القديسين تنقَضّ كألسنة النار على ضلال الهراطقة واليونانيين، إذ أن القديسين يدافعون عن عقائد الحق ويهاجمون تلك الأشواك حتى تحترق كتابات أولئك مثل الأشياء المادية غير المفيدة بدون أن تسبب أي ضرر للسنابل ولا القمح الذي تحمله، ليت المعلمون يحترسون كى لا يلحقون الأذى بأى عقيدة من عقائد الحق. والمعلم الذي لا يحترس ولا يؤدى واجبه على ما يُرام وأحرق شيئًا من الأشياء المفيدة (أى حرَّف عقيدة من العقائد) فإنه سيدفع ثمن إهماله هذا. هل أدركت إذًا كم يريد المشرِّع بما  يأمر به أن يُنهِض انتباهنا لكى ينقذ فى كل الحالات نقاوة وصراحة المحبة نحو إخوتنا؟

بلاديوس: بالتأكيد أدركت.

 

[1] 1كو12:12ـ14.

[2] رو15:8.

[3] يو39:7.

[4] لا18:19.

[5] متى12:7.

[6] 1كو13:13.

[7] 1كو3:13ـ8.

[8] أمثال7:16س.

[9] تث25 :13ـ26.

[10] لا35:19ـ36.

[11] مت20:5.

[12] لا 16:19ـ17.

[13] لا19:19.

[14] تث11:22.

[15] إر8:9.

[16] مز3:15.

[17] مز6:68.

[18] غلا10:1.

[19] 1تى5:3.

[20] خر28:21ـ32.

[21] 1كو9:9ـ10.

[22] 1تي22:5.

[23] يع13:2.

[24] ملا10:2.

[25] غل28:3.

[26] خر33:21ـ34.

[27] 1كو5:13.

[28] يو3:17.

[29] انظر يو14:4.

[30] مت 6:18.

[31] انظر 1كو12:8.

[32] خر6:22.

[33] أمثال9:8.

 

المقالة7 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم