آبائياتأبحاث

المقالة10 ج6 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج6 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج6 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج6 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة10 ج6 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة العاشرة

استكمالاً للحديث السابق “عن الخيمة المقدسة، وعن الأشياء الموجودة فيها”

 

كيرلس: أمَّا أنه يجب أنْ ننتج ثمارًا لمجد الله، وألا ندخل بأيدٍ فارغةٍ إلى الخيمة المقدسة، فسيوضِّحه أيضًا الكتاب المقدس في سفر العدد قائلاً: ” وَيَوْمَ فَرَغَ مُوسَى مِنْ إِقَامَةِ الْمَسْكَنِ، وَمَسَحَهُ وَقَدَّسَهُ وَجَمِيعَ أَمْتِعَتِهِ، وَالْمَذْبَحَ وَجَمِيعَ أَمْتِعَتِهِ وَمَسَحَهَا وَقَدَّسَهَا، قَرَّبَ رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ، رُؤُوسُ بُيُوتِ آبَائِهِمْ، هُمْ رُؤَسَاءُ الأَسْبَاطِ الَّذِينَ وَقَفُوا عَلَى الْمَعْدُودِينَ. أَتَوْا بِقَرَابِينِهِمْ أَمَامَ الرَّبِّ: سِتَّ عَجَلاَتٍ مُغَطَّاةً، وَاثْنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا. لِكُلِّ رَئِيسَيْنِ عَجَلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْرٌ، وَقَدَّمُوهَا أَمَامَ الْمَسْكَنِ. فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: خُذْهَا مِنْهُمْ فَتَكُونَ لِعَمَلِ خِدْمَةِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَأَعْطِهَا لِلاَّوِيِّينَ، لِكُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ خِدْمَتِهِ. فَأَخَذَ مُوسَى الْعَجَلاَتِ وَالثِّيرَانَ وَأَعْطَاهَا لِلاَّوِيِّينَ ” (عدد7: 1 ـ 6).

ولم يتوقف رؤساء القبائل إلى هنا بل أضافوا أشياءً أخرى لأنه مكتوب: ” وَقَرَّبَ الرُّؤَسَاءُ لِتَدْشِينِ الْمَذْبَحِ يَوْمَ مَسْحِهِ. وَقَدَّمَ الرُّؤَسَاءُ قَرَابِينَهُمْ أَمَامَ الْمَذْبَحِ. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: رَئِيسًا رَئِيسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ يُقَرِّبُونَ قَرَابِينَهُمْ لِتَدْشِينِ الْمَذْبَحِ.  وَالَّذِي قَرَّبَ قُرْبَانَهُ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ نَحْشُونُ بْنُ عَمِّينَادَابَ، مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا. وَقُرْبَانُهُ طَبَقٌ وَاحِدٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ شَاقِلاً، وَمِنْضَحَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ فِضَّةٍ سَبْعُونَ شَاقِلاً عَلَى شَاقِلِ الْقُدْسِ، كِلْتَاهُمَا مَمْلُوءَتَانِ دَقِيقًا مَلْتُوتًا بِزَيْتٍ لِتَقْدِمَةٍ، وَصَحْنٌ وَاحِدٌ عَشَرَةُ شَوَاقِلَ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٌ بَخُورًا، وَثَوْرٌ وَاحِدٌ ابْنُ بَقَرٍ وَكَبْشٌ وَاحِدٌ وَخَرُوفٌ وَاحِدٌ حَوْلِيٌّ لِمُحْرَقَةٍ، وَتَيْسٌ وَاحِدٌ مِنَ الْمَعَزِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، وَلِذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ ثَوْرَانِ وَخَمْسَةُ كِبَاشٍ وَخَمْسَةُ تُيُوسٍ وَخَمْسَةُ خِرَافٍ حَوْلِيَّةٍ. هذَا قُرْبَانُ نَحْشُونَ بْنِ عَمِّينَادَابَ ” (عدد7: 10ـ17).

 

أحضر الآخرون تقدماتهم، في اليوم الذي حُدِّد لكل واحد منهم، كل واحد بدوره حتى الثاني عشر، الكل قدَّم بنفس الطريقة. بكرمٍ ليس له نظير، لأنه هكذا أمر الله.

بلاديوس: وما السبب الذي من أجله قدَّموا أنواعًا كثيرةً جدًا؟

كيرلس: يا بلاديوس الأمرُ يتعلق بالأثمار، ويصاحب هذا معنىً سرّيٌ ينقل الرمز إلى عمانوئيل ولنا نحن أنفسنا. سأعرض لك الأمر بقدر المُستطاع. عندما ظهرت الخيمة المقدسة الحقيقية، أي الكنيسة في العالم، وأشرق المسيح فيها بطرقٍ كثيرةٍ، قُدِّمت فديةٌ وتعويضٌ لأجل حياة الكل كذبيحةٍ مقدسةٍ إلى الله الواحد في الجوهر مع كل البشر. أي بسبب أنَّ وحيدَ الجنسِ صار إنسانًا كواحدٍ منَّا قدَّم ذاته إلى الله كخميرةٍ واحدةٍ ممتازةٍ، وبدايةٍ للطبيعة البشرية (الجديدة)، والذي تفوح منه القداسة الموجودة فيه من طبيعته وجوهره لأنه هو الله. ورغم أن المسيح واحد، إلاَّ أنه رُمِزَ إليه بطرقٍ كثيرةٍ مثلما نرى في تقدمة الرؤساء، ويُخدم عن طريق الرؤساء، ومكرَّمٌ بألقابٍ مختلفةٍ.

 

التقدمة اليومية تشير إلى استمرارية ذبيحة المسيح كل يوم وعدم انقطاعها، والثمار تشير إلى أولئك الذين خلصوا بالإيمان. لأن السجود له لن ينقطع، ولا تقديم العطايا. سوف يظهر المسيح بواسطتنا ولأجلنا مقدِّمًا نفسه ذبيحةً بطريقةٍ سرّيةٍ في الخيمة المقدسة. وهو نفسه يكون تقدُمتنا الأولى الممتازة. لأنه يقدِّم ذاته ذبيحةً إلى أبيه، وليس بالتأكيد لأجل ذاته وفق التعليم المستقيم، لكن لأجلنا نحن الذين كُنَّا تحت نير وثقل الخطية. ونحن نتشبه حقًا بذاك ونصير نحن ذبيحةً مقدسةً ونموت عن العالم (انظر رو6: 5) لأن الخطية ماتت فينا ونحيا لله حياة القداسة. هذه الأمور أُعلنت لنا عن طريق تقدمة الرؤساء. لكن هل تريد أنْ نفحصها ونجُمِّع علامةً إلى علامةٍ بقدر استطاعتنا لنشرح هذه الأمور شرحًا أفضل؟

بلاديوس: حسنًا جدًا.

كيرلس: لقد قُدِّم ثورٌ واحدٌ من كل واحدٍ من الرؤساء، ووُزِّعت العربات ـ والتي كان عددها ستة ـ على أعمال الخيمة المقدسة. ثم قُدِّم من كل واحدٍ طبقٌ ومنضحةٌ من الفضة، مكتوبٌ أنَّ كلتيهما مملوئين دقيقًا ملتوتًا بزيتٍ لتقدمةٍ، وصحنٌ مملوءٌ بالبخور، وكبشٌ واحدٌ وخروفٌ واحدٌ حوليٌ لمحرقةٍ، وتيسٌ واحدٌ من المعز للتكفير عن الخطايا. أيضًا قدَّموا تقدمات للذبيحة عن الخلاص، ثوران وخمسةُ كباشٍ، وخمسةُ تيوسٍ، وخمسةُ خرِافٍ حوليةٍ (انظر عدد7: 12 ـ 17).

 

بلاديوس: اخبرني إذن ـ قبل أيةِ أمورٍ أخرى ـ ما علاقة هذه الأمور ببعضها البعض، وما هو الاختلاف بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخلاص (السلامة)؟

كيرلس: اسمع إذن. الحيوانات المقدَّمة لذبيحة المحرقة يجب أن تُحرق كلها بالنيران، في نارٍ مقدَّسةٍ لا تُطفئ، دون استثناء لأيةِ قطعةٍ من الذبيحة، إذ أنَّ كلَّ ذرةٍ وكل عضو منها يُشعل إلى الله تُشتم كرائحةٍ ذكيةٍ.

 

لكن ما يُذبح لذبيحة الخلاص (السلامة) يُقدَّمُ بعضه مثل الكتف الأيمن، الرأس، الأرجل أو الكُلى والكبد، أو أجزاء أخرى داخل الحيوان مع الأمعاء.

 

إذن، ذبيحةُ المحرقةِ ترمز إلى المسيح؛ لأنه هو حقًا كليُ القداسة، وكله رائحةٌ ذكيةٌ، بينما ذبيحة الخلاص (السلامة) تشير إلينا لأننا لسنا كُلّيِّ القداسة، إذ يوجد داخلنا دنسٌ ما بسبب الخطية. وهذا وفق المكتوب: ” مَنْ يُخْرِجُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ ” (أيوب14: 4) وأيضًا: ” اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا ” (مز19: 12). لذلك حدَّد الناموس جيدًا ألاَّ تحُرق ذبيحةُ الخلاص (السلامة) كلها، بل فقط أجزاءٌ منها. أليس حديثي يا بلاديوس واضحًا وكافيًا لكي تفهم هذا الأمر جيدًا؟

بلاديوس: حسنًا جدًا.

كيرلس: إذن، هيا بنا الآن نقول شيئًا عن تلك التقدمات التي يقدمها كل واحد، ولندرك أنَّ هذا هامٌ لفائدتنا.

بلاديوس: هيا بنا.

كيرلس: ما يقدِّمه كلُ رئيسٍ كان طبقٌ من الفضة وكأس، والاثنان مملوءان من دقيقٍ ملتوتٍ بزيت. الطبقُ تحتاجه المائدة، ومفيد للطعام كما علَّم المسيح نفسه عندما سأله تلميذه يوحنا من الذي يسلمك:      ” الذي يغمس يده معي في الصحفة ” (مت26: 3، يو13: 26). ولاستخدام الكأس، ماذا أقول؟ فالأمر واضح جدًا!! الدقيقُ يُشير إلى الخبز لأن منه يُصنع الخبز، وخبزُ الحياةِ هو المسيح. إذن، هكذا بالطبق والكأس والدقيق الموجود في الاثنين (لأنهما كانا مملوئين من الدقيق) في الطعام والشراب يُعلِنُ المسيحُ الحياةَ. لأنه يقول: ” الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ ” (يو6: 53).

 

يقول أيضًا إنَّ الدقيق يجب أن يكون ملتوتًا بالزيت، وهذا الأمر نراه في المزامير: ” أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ ” (مز45: 7).

 

والصحنُ أيضًا في شكل مبخرةٍ كان مملوءًا من البخور. لأنَّ المسيحَ هو الرائحةُ الذكيةُ، والمذبحُ الذي لا يكتسب رائحته من الخارج، مثلما يحدث معنا نحن الذين نحصل عليها عن طريق ما تجلبُه علينا التقوى والفضيلة والقداسة؛ أما هو فهو إله بطبيعته، ولذلك فهو يملك في داخله غنىً وفيرًا يملأ كلَّ المسكونةِ برائحته الزكية التي يفيض بها على الخليقة.

 

ولأنه حقًا إلهٌ حقيقيٌ بطبيعته، ويملك في طبيعته رائحةَ معرفةِ أبيه الزكية، صار مُدرَكًا هكذا بسهولةٍ؛ إذ أنه (رمزيًا) الصحنُ المملوءُ بخورًا. لذلك يُقدَّمُ (المسيحُ) عن طريق الذبائح مثل الثور والكبش والخروف والتيس وكل الأشياء الأخرى المصاحبة للتقدمة.

فيُرمز إليه بالثور بسبب قوته العظيمة، وبسبب أنَّ الثورَ ـ من بين الحيوانات الطاهرة والأليفة ـ يملك عظمةً، خصوصًا من جهة حجم جسده. والمسيحُ له كل العظمة الروحية والفائق عن الكل بسبب فرادته.

 

أيضًا يُرمز للمسيح بالكبشِ بسبب كمالِه، وبالخروفِ بسبب براءته، لأنه يقول: ” وَأَنَا كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَعْلَمْ ” (إر11: 19). وبالتيسِ لأجل أنه يُذبح لأجل أولئك الذين قد فعلوا الخطية؛ إذ أنَّ التيسَ ـ وفق الناموس ـ هو ذبيحةٌ لغفران الخطايا. وقد تألَّم عمانوئيل من أجلنا وفدانا من خطايانا القديمة بفضل أنه قَدَّم ذاته ذبيحةً لأجلنا. أم أنك تُنكر أنَّ هذا هو الحق؟

بلاديوس: كيف لا يكون هذا هو الحق؟

كيرلس: لاحظ أيضًا أنَّ الثيران تُقدَّم وتُعطى لأجل أعمال الخيمة بهدف أن تنقل القائمون على الخدمة في الخيمة على عَجَلات حتى لا يُرهقون من التعب والإجهاد. بمعنى أنَّ الكنيسةَ تستريح فوق المسيح، وينقلنا هو نفسُه ولا يترك الجنسَ المقدس والكريم والشعب المختَبَر في أعمالٍ مقدسةٍ، ويضع عليهم أتعابًا فوق قدراتهم.

 

إذن، هكذا يجب أنْ نقدِّم للمسيح كل ما قلناه سابقًا. الأشياءُ المحددةُ مسبقًا (التجهيزات) لأجل ذبيحة الخلاص يُقدِّمها الرؤساءُ من ذواتهم ويخصصونها للخيمة المقدسة ويقدِّمونها إلى الله لكي يَشتم رائحتهم الذكية. وهذه التقدمات كانت ثوران وخمسةُ كباشٍ، وخمسةُ تيوسٍ، وخمسةُ خرافٍ حوليةٍ.

 

والثورُ ـ بالتأكيد ـ رمزٌ للمسيح، بينما الكباش ترمز لنا نحن. والسببُ واضحٌ وحقيقيٌ؛ لأنَّ الذَّكرَ هو دائمًا القائد ويحظى بالشرف والمجد من جانب الله، والطبيعةُ شاهدةٌ وتعترف بهذا الأمر. والنساءُ يتبعن الرجال في قوتهم ومجدهم. هكذا بالثور الذَّكر يُرمز إلى المسيح الذي هو رئيسنا. ونحن خاضعين تحت نيره بقوة ونتبعه ولنا مجد أقل مما يخصه، وبمسافةٍ كبيرةٍ فائقةٍ فيما بيننا وبينه. وبالرغم من أنه صار شبيهًا لنا (لأن الكبشَ شبيهٌ بالثور)، لكنه أسمى منَّا بكثير؛ لأنه يقول: ” مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ الرَّبَّ. مَنْ يُشْبِهُ الرَّبَّ بَيْنَ أَبْنَاءِ اللهِ ” (مز89: 7). أي أنَّ المسيحَ شبيهٌ بنا، وفي نفس الوقت بعظمة إلوهيته هو أعلا منا جميعًا، بالرغم من أنه صار جسدًا.

 

كان عددُ الكباشِ اثنين، ويرمزان إلى الشعبين اللذين اتحدا إلى واحدٍ، ووحَّدهم ذاك الذي تشبَّه بنا وصار إنسانًا لأجلنا، في وحدةٍ روحيةٍ بالإيمان. كما يُشير العدد المتساوي للكباش والخراف والتيوس إلى جَمْع الذين يؤمنون، وهو ما سوف يحدث في الوقت الخامس[1] عندما يتحقق مجيء ذاك إلى الأرض، إذ يقول: ” وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ ” (يو12: 32).

 

الكباشُ تُشير إلى الكمال في تصرُّف أولئك الذين آمنوا، وإلى نضوج عمرهم الروحي داخل مجال نعمة المسيح، بينما الخرافُ تشير إلى كمال البساطة والبراءة. إذ يقول:” أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لاَ تَكُونُوا أَوْلاَدًا فِي أَذْهَانِكُمْ، بَلْ كُونُوا أَوْلاَدًا فِي الشَّرِّ، وَأَمَّا فِي الأَذْهَانِ فَكُونُوا كَامِلِينَ ” (1كو14: 20). لذلك تعلَّمنا أنْ نقول في صلواتنا: ” َاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ” (مت6: 12). لأنه لا توجد ساعةٌ حيث لا يكون هناك ضرورةٌ للذين لديهم عقولٌ سليمةٌ، ويدركون ضعف الطبيعة البشرية أنْ يصرخوا: ” اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا، مِنَ الْخَطَايَا الْمُسْتَتِرَةِ أَبْرِئْنِي ” (مز19: 12). هذه هي الذبيحة الروحية المرسلة إلى الله كرائحة زكية لخلاص نفوسنا.

بلاديوس: هذا حقٌ.

كيرلس: حسنًا، لقد قلت إنَّ الثورَ، والكباش والخراف، كذلك التيوس، والأشياء الأخرى تُشير إلى المسيح. وهذا الرأي لا أعتقد أنه خطأ. لكن لو أراد أحدٌ أنْ يأتي إلينا بتفسيرٍ آخر لهذه الأفكار، فلا مانع لدينا.

بلاديوس: أيُ تفسير تقصد؟

كيرلس: يقدِّم الإسرائيليون الذبائح بحسب الناموس، ويسكبون الدم على المذبح، وهذا العمل ـ كأنه في ظلالٍ ـ يعلن أنه يجب أنْ نكرس نفوسنا إلى الله.

بلاديوس: ما قلته صحيح.

كيرلس: إذن، تُقدَّم الذبائح لأجلنا، ونحن نقدِّم أنفسنا كذبيحةٍ وفق مثال ذبائح الناموس.

بلاديوس: هذا حقيقي.

كيرلس: إذن، تعالَ نفحص بالتفصيل وباستقامةٍ، الترتيبات التي كانت تُقدَّم من الجميع بيد رؤسائهم لنرى جمال الرؤية الروحية.

حسنًا، الأشياءُ التي كانت تُقدَّم هي آنيةُ فضة، أقصد الطبق والكأس، ودقيقٌ ملتوتٌ بزيت. الفضةُ رمز اللَّمعان والبهاء، والدقيقُ هو رمز الحياة؛ لأنَّ منه يصير الخبز الذي يجعل الحياةَ تستمر، والزيتُ يرمز للابتهاج. إذًا دعنا نقدِّم ذات هذه الأمور من جانبنا إلى الله بابتهاجٍ نابعٍ من بهاءِ حياتنا برجائنا في المسيح؛ لأنه مكتوب:    ” فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ ” (رو12: 12). كيف لا يكون هؤلاء ـ الذين حافظوا على وصايا مخلصنا ـ مملوءين من الفرح العظيم، وقد مارسوا بامتيازٍ، البهاءَ في الحياة والتعليم، إذ حفظوا الوصايا التي بدونها لا نصير مشاركين في غنى مجد الله؟ لأنه مكتوب: ” لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ ” (كو3: 3 ـ 4).

 

حسنًا، الدقيقُ ملتوتٌ بزيت، أي يحمل حياة القديسين والبهجة برجاء المجد، أي ببهاء القداسة والبر. الصحنُ الذهبي المملوء بالبخور يصوِّر جمال القديسين ورائحة القداسة الذكية التي توجد داخل الآنية المختارة كتقدمة حقيقية إلى الله. ألا نعتبر ـ يا بلاديوس ـ أنَّ القديسين هم آنيةٌ بهيةٌ ومختارةٌ؟

بلاديوس: بالتأكيد هم آنية بهية ومختارة.

15 راجع ما قلناه سابقًا عن الوقت الخامس في الهامش الوارد في ص 14 من هذا الجزء.

 

المقالة10 ج6 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم