أبحاثكتب

رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين ج1 – د. وليم سليمان قلادة

رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين ج1 - د. وليم سليمان قلادة

رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين ج1 – د. وليم سليمان قلادة

رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين ج1 - د. وليم سليمان قلادة
رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين ج1 – د. وليم سليمان قلادة

 

مقدمة

رسالة اكليمندس الروماني إلى الكورنثيين

 

          رسالة اكليمندس الروماني إلى الكورنثيين هي من أهم وثائق تلاميذ الرسل القديسين والذين أُطلق عليهم فيما بعد لقب: ” الآباء الرسوليون “، وهي أقدم الكتابات المسيحية بعد أسفار العهد الجديد. كتب القديس إيريناؤس أسقف ليون في القرن الثانى يقول: إنها ” رسالة قوية جدًا أرسلتها كنيسة روما إلى الكورنثيين تحثهم على السلام، وتجدد إيمانهم، وتعلن عن التقليد الذى تسلمته من الرسل منذ فترة قصيرة.. ” (Adv. Haer. III, 3:3). وقد أشار إلى هذه الرسالة أو اقتبس منها آباء كثيرون قبل إيريناؤس وبعده. أرسلت كنيسة روما هذه الرسالة إلى الكورنثيين بواسطة ثلاثة أعضاء من كنيسة روما هم كلوديوس إفيبيوس، فاليريوس بيتو، وفرتناتوس (أنظر فصل 65 من الرسالة). والرسالة لا تحمل اسم اكليمندس نفسه بل تحمل اسم كنيسة روما ومع ذلك فقد أجمع كل القدماء والمحدثين من الآباء والعلماء على أن كاتب الرسالة هو القديس اكليمندس أسقف كنيسة روما [1].

القديس اكليمندس الرومانى:

          يذكر القديس إيريناؤس أن القديس اكليمندس هو ثالث أسقف ـ بعد لينوس وأناكليتوس ـ لكنيسة روما بعد الرسولين بطرس وبولس، ويقول عنه إنه ” إذ قد عاين الرسل المغبوطين وتحدث معهم، ويمكن أن يُقال إن كرازة الرسل كانت لا تزال ترن في أذنيه، وتقاليدهم لا تزال ماثلة أمام عينيه ” (Adv. Haer. III, 3:3).

          ويقول كل من أوريجينوس (Comm. In Joan VI: 36) أوسابيوس (H.E. V:6) وجيروم(De Vir. Illus. C. 15)، إنه هو اكليمندس الذى مدحه الرسول بولس في رسالته إلى فيلبى (في3:4) كمجاهد معه في خدمة الإنجيل.

          ويذكر أوسابيوس المؤرخ أنه كان أسقفًا لكنيسة روما من سنة 92 إلى سنة 101 ميلادية.

          ومن نص الرسالة نفسها نعلم أن اكليمندس كان يونانى الثقافة، ذو شخصية قوية، عارفًا جيدًا بالعهد القديم وعلى دراية جيدة بالوضع الاجتماعى في عصره، حاملاً للتقليد الرسولى، ومقتدرًا في عرض وجهات نظره وتعليمه.

ظروف كتابة الرسالة وقيمتها العظيمة في الكنيسة الأولى:

          يتضح من نص الرسالة نفسها وما ذكره كل من إيريناؤس و أوسابيوس أن الظروف التى استدعت إرسال هذه الرسالة إلى الكورنثيين هو حدوث انقسام ومشاجرات في كنيسة كورنثوس وتمرد من بعض الأفراد في الكنيسة ضد القسوس، إذ قاموا بعزلهم من عملهم في الكنيسة (أنظر الفصول 1،3،44 من الرسالة). ولذلك كتب القديس اكليمندس إلى الكورنثيين يحثهم على الصلح والمحبة والتواضع مستشهدًا بأمثلة من الكتاب المقدس بعهديه ويحث على التمثل بالمسيح و رسله خاصة الرسولين بطرس وبولس.

          هذه الرسالة نالت تقديرًا عظيمًا في الكنيسة الأولى، وظلت تُقرأ في كنيسة كورنثوس وكنائس أخرى عديدة حتى بداية القرن الرابع. إذ يذكر ديونيسيوس أسقف كورنثوس (170م) في رسالته إلى سوتير أسقف روما أنه قد جرت العادة منذ البداية أن تُقرأ رسالة اكليمندس أثناء ليتورجية يوم الأحد في كنيسة كورنثوس (Eus, E. H. IV:23). كما يشهد أوسابيوس (القرن الرابع) من معرفته الشخصية أن هذه الرسالة كانت تُقرأ في كنائس كثيرة أثناء الخدمة الليتورجية طوال الأزمنة السابقة وكذلك في عصره أيضًا. ويصف أوسابيوس الرسالة بأنها مُعترف بها أنها أصيلة وأنها رسالة طويلة وتستحق تقديرًا عظيمًا (Eus, E. H. III:16). وهذا التقدير الذى كان لرسالة اكليمندس يفسر لنا سبب وضعها ضمن المخطوطة الأسكندرانية للكتاب المقدس Alex. Codex التى يرجع تاريخ نساختها إلى القرن الخامس، والرسالة موضوعة في المخطوطة الأسكندرانية بعد سفر الرؤيا مفصولة عن رسائل الرسل. وهذا يعطيها التقييم الصحيح، فهي ليست ضمن أسفار الرسل الموحى بها ولكنها أقدم وأفضل الكتابات من العصر التالى للرسل مباشرة.

 

تاريخ كتابتها:

مما ذكره أوسابيوس المؤرخ عن اكليمندس أسقف روما ورسالته إلى الكورنثيين، نصل إلى أن تاريخ كتابتها هو في الفترة بين 95 ـ 98م.

النص الأصلى للرسالة:

          وصل إلينا النص الأصلى للرسالة ضمن المخطوطات التالية:

1 ـ مخطوطة الكتاب المقدس المشهورة باسم المخطوطة الأسكندرانية Alexandrine Codex  والتى يرجع تاريخا نساختها إلى القرن الخامس الميلادى وهي محفوظة الآن بالمتحف البريطانى، وتقع الرسالة في آخر المخطوطة بعد سفر الرؤيا، وجزء من الرسالة (من فصل6:57 إلى1:64) مفقود في هذه المخطوطة.

2 ـ المخطوطة الأورشليمية التى ترجع إلى القرن الحادي عشر والتى اكتشفها في القسطنطينية عام 1875 المطران برينيوس. ونص الرسالة في هذا المخطوط كامل الفصول.

ترجمات مخطوطة للرسالة:

          1 ـ توجد ترجمة سريانية كاملة للرسالة اكتشفت بباريس عام 1876م وترجع هذه المخطوطة إلى عام 1170م.

          2 ـ توجد ترجمة لاتينية للرسالة في مخطوط يرجع للقرن الحادي عشر واكتشفت سنة 1984م ببلجيكا.

          3 ـ توجد ترجمة قبطية في لهجة أخميمية على ورق بردى (موجودة بمكتبة برلين) (تنقصها فصول5:34ـ42) وهذه المخطوطة ترجع إلى القرن الرابع وكانت أصلاً ملك الدير الأبيض للأنبا شنودة بسوهاج.

          4 ـ توجد مخطوطة لترجمة قبطية أخرى ترجع إلى القرن السابع، وهي بردية اكتشفت في ستراسبورج، وهذه النسخة ناقصة وتتوقف عن فصل2:26.

 

رسالة اكليمندس

إلى الكورنثيين [1]

 

          من كنيسة الله النزيلة[2] في روما[3]، إلى كنيسة الله النزيلة في كورنثوس ـ إلى المدعوين[4] والمقدسين بإرادة الله، بربنا يسوع المسيح: لتكثر لكم، بيسوع المسيح، النعمة والسلام[5] من الله ضابط الكل [6].

(1)

          1 ـ إن البلايا والأحداث المفاجئة، التي أصابتنا واحدة إثر الأخرى، كانت ـ أيها الاخوة الأعزاء، سببًا في أن اهتمامنا قد اتجه متأخرًا إلى المسائل التي استشرتمونا فيها، ولا سيما فيما يختص بتلك الفتنة المعيبة الممقوتة والتي يشمئز منها تمامًا مختارو الله ـ وهي التي أثارها إلى درجة التهور بضعة أشخاص طائشون ومعتدُّون بأنفسهم، حتى أن اسمكم المكرَّم الجليل والجدير بالمحبة من الجميع قد لحقته إهانة بالغة.

 

          2 ـ لأنه أى إنسان قد مكث بينكم، ولو لمدة قصيرة، ولم يرَ إيمانكم مثمرًا في الفضيلة بقدر ثبات بنيانه؟! أى إنسان لم يُعجب برزانة واعتدال تقواكم في المسيح؟!. من الذي لم يعلن كرم ضيافتكم على الدوام، أو من الذي لم يُسَرّ بمعرفتكم الكاملة المتأصلة؟! 3 ـ لأنكم قد فعلتم كل شئ بدون محاباة الوجوه، وسلكتم بحسب قوانين الله ـ خاضعين لرؤسائكم، ومعطين الإكرام اللائق للقسوس الذين بينكم. لقد أوصيتم الأحداث بالاعتدال والرزانة، وأوصيتم زوجاتكم[7] أن يفعلن جميع واجباتهن بضمير لائق طاهر وبدون لوم، وأن يكنَّ مُحبّات لأزواجهن كما ينبغى، وعلمتموهن أن يعشن في قانون الطاعة، وأن يدبرن شئون بيوتهن بلياقة، متميزات برجاحة الفكر في كل شئ [8].

 

(2)

          1ـ ثم إنكم تميزتم جميعًا بالتواضع ولم تكونوا بأى وجه منتفخين بالكبرياء، بل بالحرى كنتم مستعدين لأن تطيعوا أكثر من أن تأمروا [9]، سعداء في العطاء أكثر من الأخذ [10]، مكتفين بنِعَم الله. وإذ كنتم تسمعون كلامه باهتمام، امتلأتم بتعليمه في أعماقكم، وكانت آلامه أمام أعينكم [11]. 2ـ لذلك فقد منحكم جميعًا سلامًا عميقًا مفرحًا، وصار لديكم اشتياق لا يهدأ لفعل الخير[12] إذ انسكب عليكم ملء الروح القدس.

3 ـ وكنتم ـ وقد امتلأتم بالمقاصد المقدسة ـ تبسطون أيديكم إلى الله القدير بغيرة حقيقية وثقة إلهية، متوسلين إليه أن يكون رحيمًا بكم إذا كنتم قد اقترفتم أى خطية بغير إرادتكم. 4 ـ وكنتم ليلاً ونهارًا تجاهدون من أجل جماعة الاخوة كلها [13]، كى بفضل تقواكم ووحدة العواطف[14] يتم خلاص عدد مختارى الله. 5 ـ ولقد كنتم مخلصين بسطاء بلا أحقاد فيما بينكم. 6 ـ كل ثورة وكل شقاق كان مرذولاً في نظركم؛ وبكيتم من أجل خطايا أقربائكم معتبرين نقائصهم منسوبة إليكم. 7 ـ وما تذمرتم قط من فعل المحبة، إذ كنتم ” مستعدين لكل عمل صالح ” [15]. وإذ تزينتم بحياة الفضيلة والتقوى الكاملتين، فعلتم كل شئ في خوف الله. وكانت وصايا الرب وأوامره مكتوبة على ألواح قلوبكم [16].

(3)

1 ـ لقد مُنحتم كل أنواع الكرامة والسعة ـ وبعد ذلك تم المكتوب: “أكل حبيبى وشرب وغلظ وسمن، ثم رفس” [17]!

2 ـ من هنا سرت الغيرة[18] والحسد، المنازعات والانقسام، الاضطهاد والتشويش، الحرب والسبى. 3 ـ لذلك قام ” الأدنياء ضد الشرفاء “[19]، والذين لا صيت لهم ضد ذوى الصيت الحسن ـ الأغبياء ضد الحكماء، والأحداث ضد المتقدمين في السن. 4 ـ لهذا السبب يبتعد عنكم الآن[20] البر والسلام، إذ ترك كل واحد مخافة الله وفقد نور إيمانه (بالله)، ولم يسلك في أوامر شريعته، ولم يتصرف كما يليق بالمسيح[21]، بل يسير كلٌّ وراء شهواته الشريرة مواصلاً ممارسة الحسد الأثيم الشرير الذي بواسطته ” دخل الموت إلى العالم ” [22].

(4)

          1 ـ لأنه مكتوب هكذا: ” وحدث بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض ذبيحة لله، وقدم هابيل أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها. 2 ـ فنظر الله إلى هابيل وتقدماته، ولكن إلى قايين وقرابينه لم يلتفت. 3 ـ فاغتاظ قايين جدًا وسقط وجهه. 4 ـ فقال الله لقايين: لماذا اغتظت، ولماذا سقط وجهك؟ ألم تخطئ إذ وأنت تقدم ذبيحتك حسنًا لم تصنع القسمة باستقامة ؟ [23]. 5 ـ فاهدأ ـ ها قربانك يرجع إليك وتعود تمتلكه ثانية. 6 ـ وقال قايين لهابيل أخوه: لنذهب إلى الحقل. وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله ” [24].

          7 ـ ترون أيها الاخوة كيف أدىّ الحسد والغيرة إلى قتل الأخ.

8 ـ وبسبب الحسد أيضًا هرب أبونا[25] يعقوب من وجه أخيه عيسو[26].

9ـ ولقد سبب الحسد أن يُضطهد يوسف حتى القتل ويصبح أسيرًا [27].

10 ـ والحسد أجبر موسى على أن يهرب من وجه فرعون ملك مصر حين سمع واحدًا من بنى قومه يقول له: ” من جعلك قاضيًا أو حاكمًا علينا؟ أتريد أن تقتلنى كما قتلت المصرى بالأمس؟” [28]. 11 ـ وبسبب الحسد نُفي هرون ومريم خارج المحلة [29]. 12 ـ والحسد هو الذي أنزل داثان وابيرون أحياء إلى الهاوية[30] لأنهما ثارا ضد موسى خادم الله [31].

          12ـ وبسبب الحسد تعرض داود، ليس لكراهية الغرباء[32] فقط ـ بل لاضطهاد شاول ملك إسرائيل أيضًا [33].

 

(5)

          1 ـ ولكننا لا نقتصر على ذكر الأمثلة القديمة ـ بل فلنأت إلى الأبطال الروحيين الحديثين، ولنتناول الأمثلة النبيلة المقدمة لنا في عصرنا هذا. 2 ـ فإنه بسبب الحسد والغيرة قد اضُطهد أعظم وأبر عمودين [في الكنيسة] وجاهدا حتى الموت. 3 ـ ولنضع نصب أعيننا الرسل الأجلاء؛ 4 ـ فبطرس بسبب الحسد الأثيم احتمل ـ لا مشقة واحدة أو اثنتين، بل مشقات عديدة. وبعد أن أتم شهادته[34] ذهب إلى دار المجد اللائق به [35].

          5 ـ وبسبب الحسد والشقاق، نال بولس جزاء[36] صبره، 6ـ بعد أن أُلقى به سبع مرات في السجن، واضطر للهرب، وبعد أن رُجم [37]. ثم بعد أن كرز[38] في الشرق والغرب، حاز مجدًا عظيمًا بسبب إيمانه، 7 ـ إذ نادى بالبر في كل العالم حتى وصل إلى أقصى حدود الغرب[39] وأتم شهادته أمام السلطات[40]، وانتقل من العالم وذهب إلى المكان المقدس ـ قدوةً رائعة للصبر.

(6)

          1 ـ ويُضاف إلى هؤلاء الرجال الذين قضوا حياتهم في القداسة، جمهور عظيم من المختارين الذين احتملوا ـ بسبب الحسد ـ كثيرًا من أنواع الإهانة والتعذيب، فتركوا لنا[41] أعظم قدوة.

          2 ـ فبسبب الحسد اضطُهدت أولئك النساء مثل دانادس وديرسى[42] (وغيرهم)، اللواتى بعد أن كابدن عذابات مريعة تفوق الوصف ـ بلغن غاية الإيمان وعلى الرغم من ضعفهن في الجسد، نلن جزاءً عظيمًا.

          3 ـ لقد فرق الحسد بين الزوجات وأزواجهن وتسبب في تغيير قول أبينا آدم: هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى. 4 ـ ولقد طوح الحسد والخصام[43] بمدن كبيرة واستأصل أممًا قوية [44].

(7)

          1 ـ هذه الأمور نكتبها إليكم أيها الأحباء، لا لكى ننبهكم أنتم فقط إلى واجبكم، بل لكى ننبه أنفسنا أيضًا؛ لأننا نكافح معكم في نفس الميدان ـ ونفس الجهاد[45] ينتظر كلينا[46]. 2 ـ فلنترك عنا إذن الاهتمامات الباطلة وغير المثمرة، ولنخضع لقانون تقليدنا ـ (ذلك القانون) الموقر والمجيد[47]. 3 ـ لنهتم بما هو صالح ومُسِر ومقبول في عينى خالقنا[48]. 4 ـ لنثبت أنظارنا على دم المسيح فنرى كم هو ثمين ذلك الدم[49] عند الله أبيه[50]. ذلك الدم الذي وقد سفك من أجل خلاصنا، هيأ نعمة التوبة لكل العالم.

          5 ـ ولنرجع إلى كل عصر من العصور الماضية لنعلم كيف أن السيد[51] من جيل إلى جيل[52] ” كان يعطى مكانًا للتوبة “[53]  لكل الذين يحبون الرجوع إليه؛ 6 ـ فنوح قد كرز بالتوبة[54]، وكل الذين استمعوا له خلِّصوا. 7 ـ ويونان أنذر أهل نينوى بالهلاك[55]، ولكنهم إذ تابوا عن خطاياهم واستعطفوا الله بالصلاة، نالوا الخلاص مع أنهم كانوا غرباء عن [عهده] [56].

(8)

          1 ـ لقد تكلم خدام نعمة الله بالروح القدس عن التوبة، 2 ـ وسيد جميع الكائنات نفسه تكلم بقسم عن التوبة قائلاً: ” حى أنا يقول الرب، إنى لا أسر بموت الشرير بل بالحرى بتوبته “[57] ويضيف إلى ذلك، هذا الإعلان الكريم : 3 ـ ” يا بيت إسرائيل توبوا عن جميع معاصيكم. قولوا لبنى قومى : ولو كانت خطاياكم تصل من الأرض إلى السماء، وإن كانت حمراء كالدودى وسوداء كالمسوح ـ ورجعتم إلىَّ بكل قلوبكم قائلين يا أبانا، فإنى أسمع لكم كما لشعب مقدس” [58]. 4 ـ وفي موضع آخر يقول: “اغتسلوا، تنقوا، ابعدوا شر نفوسكم من أمام عينى. كفوا عن طرقكم الشريرة، وتعلموا الاستقامة. اطلبوا العدل، خلصوا المظلوم، اقضوا لليتيم، وانصفوا الأرملة. هلم نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقرمز فإنها تبيض كالثلج، وإن كانت حمراء كالدودى أجعلها بيضاء كالصوف. إن شئتم وأطعتم تأكلون خير الأرض، وإن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف ـ لأن فم الرب تكلم بهذا ” [59].

          5 ـ فلأنه يرغب أن يكون لجميع أحبائه نصيب في التوبة، هيأ بإرادته الكلية القدرة [ هذه الإعلانات ].

(9)

          1 ـ لذلك فلنذعن بالطاعة لمشيئته الفائقة المجيدة، ضارعين إلى رحمته وتعطف محبته، ملتجئين إلى رأفته، تاركين كل الأعمال غير المثمرة والخصام والحسد الذي يؤدى إلى الموت. 2 ـ لنتأمل دوامًا أولئك الذين كانوا خدامًا كاملين لمجده العظيم[60]. 3 ـ لننظر إلى أخنوخ الذي إذ وُجد بارًا في الطاعة رُفِع [إلى السماء] ولم يذق الموت قط [61]. 4 ـ ونوح إذ وُجِدَ أمينًا[62] كانت خدمته الكرازة للعالم ببشارة التجديد[63]، وخَلُّص بواسطته الحيوانات التى دخلت في وفاق معه إلى الفلك.

(10)

          1 ـ وإبراهيم الملقب “بالخليل”[64] حُسِب مؤمنًا لأنه أطاع كلام الله، 2ـ وبهذه الطاعة خرج من وطنه وعشيرته وبيت أبيه، حتى أنه وقد ترك وطنًا صغيرًا، وأسرة ضئيلة وبيتًا حقيرًا ـ استطاع أن يرث مواعيد الله؛ فقد قال له الله : 3 ـ ” أخرج من وطنك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك إياها، وسوف أجعلك أمة عظيمة وأباركك وأجعل أسمك عظيمًا، وتكون مُباركًا، وأبرك مباركيك وألعن الذين يلعنونك، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض “[65].

          4 ـ وحينما فارقه لوط قال له الله: ” ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه ـ شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، لأن جميع الأرض التى أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد، 5 ـ وأجعل نسلك كتراب الأرض ـ فإذا استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فنسلك أيضًا يُعَدُّ ” [66]. 6 ـ ويقول الكتاب أيضًا: ” وأخرج الله أبرام خارجًا وقال له : أنظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها هكذا يكون نسلك. وآمن إبراهيم بالله فُحسب له برًا “[67].

          7 ـ ومن أجل إيمانه وحسن ضيافته أُعطى ابنًا في شيخوخته، ومن أجل الطاعة قدمه محرقة على أحد الجبال التى أراه إياها[68].

 

 

[1] يؤكد هذا كل من مؤلف كتالوج محتويات النسخة الأسكندرانية للكتاب المقدس [Alexandrine Codex (Cod. A) ] ؛ وديونيسيوس أسقف كورنثوس (170م) في رسالته إلى سوتير أسقف روما (Euseb. IV:23)؛ والقديس إيريناؤس (Adv. Haer. III.3:3)؛ واكليمندس الأسكندرى الذى اقتبس من الرسالة مرات كثيرة؛ وأوريجينوس (Com. In Joan VI:36) ؛ وأوسابيوس (H.E. 4:3)؛ وجيروم (De V. Ill. C. 15)؛ والقديس بوليكاربوس.

[1] العنوان مشوه في نسخة الإسكندرية إذ لم تورد إلاّ 000 الكورنثيين الأولى. ولكنه كامل في نسخة أورشليم. ومسهب في السريانية: الرسالة الجامعة لإاكليمندس تلميذ الرسول بطرس إلى كنيسة الكورنثيين. وموجز في اللاتينية: رسالة اكليمندس إلى الكورنثيين. أما القبطية فأوردته كما في صورته الأولى: رسالة أهل روما إلى الكورنثيين، وهذه الصيغة قريبة مما أورده إيريناؤس (ضد الهرطقات3:3)، وفي تاريخ يوسابيوس(6:5).

[2] Paroicoàsa أى الذي يحيا في بلاد غريبة، العابر. على عكس المقيم، المواطن. وفي قاموس المنجد: النزيل هو الضيف. وهذه هي المرة الأولى التي توصف الكنيسة فيها هكذا. وأوردتها بعد ذلك رسالة بوليكاربوس إلى أهل فيلبى. ومن هذا الوصف جاءت كلمة “إيبارشية” لتعبر عن جماعة المسيحيين في مدينة أو إقليم. أنظر استشهاد بوليكاربوس، العنوان. تاريخ يوسابيوس 5:23:4. هذا وإن شعور المسيحي بأنه مواطن السماء وغريب في الأرض كثيرًا ما ورد في كتابات المسيحيين الأوائل: أف19:2، 1بط17:1، 11:2، عب13:11، 2اكليمندس1:5،5، هرماس1:3، ديوجنيتس5:5.

[3] لم يرد في الرسالة ذكر للكاتب.

[4] مطابق لقول القديس بولس 1كو2:1.

[5] هذه هي صيغة التحية والتسليم الموجودة في جميع رسائل القديس بولس ما عدا العبرانيين وكذلك أوردها القديس بطرس 1بط2:1.

[6] في النسخة القبطية: الله الآب ضابط الكل. قارن بدء قانون الإيمان حيث نجد نفس الصيغة.

[7] قارن رسالة بوليكاربوس إلى فيلبى4.

[8] قارن تى5:2.

[9] أف21:5، 1بط5:5.

[10] أع35:20.

[11] غل1:3.

[12] 1بط19:4.

[13] 1بط17:2، 19:5.

[14] أنظر ما يلى 7:34، 2:59.

[15] تى1:3.

[16] أم3:7، 2كو3:3.

[17] تث15:32.

[18] يع16:3.

[19] إش5:3.

[20] قارن إش14:59.

[21] 2كو21:2، أف20:4، في27:1.

[22] حكمة24:2، قارن رو12:5.

[23] يتبع الكاتب هنا كما في اقتباساته الأخرى من العهد القديم، النسخة السبعينية. والمقصود هنا اقتسام الذبيحة ـ فاحتفظ قايين بدون حق بالجزء الأحسن منها وترك للرب الأردأ. وكثيرًا ما استخلص الآباء في كتاباتهم من هذه القسمة المعنى الأخلاقى لها أى بالنظر إلى المشاعر التي كانت في نفس قايين من نحو أخيه. فالقديس إيريناؤس، حين يعلّم بخصوص التقدمات، يقول: ” إن سبب عدم قبول ذبيحة قايين هو أن قلبه كان منقسمًا بسبب الحسد والشر اللذين أضمرهما نحو أخيه. فهو كان يظن أنه يقدم ذبيحته حسنًا لأنه كان يحكم بحسب الظاهر بينما كان في الحقيقة يُغضب الله لأنه أضمر الخطية. ولذلك تُرفض ذبيحته ويقول له الله: اهدأ ولا تتعب ذاتك بتقديم الذبائح، فإننى غير محتاج إليها وهي ترجع إليك. فقط عليك أن تنقى داخل الكأس والصحفة ولذلك فلو أن خاطئًا قدم ثورًا يكون كمن يذبح الكلب “. (ضد الهرطقات3:18:4). ويبدو أن المقصود بالآية كما وردت في السبعينية أن قايين اقتسم الذبيحة بغير استقامة فاحتفظ لنفسه بقلبه ـ وهو الجزء الأحسن، وملأه حسدًا وشرًا وقتلاً، وقدم لله النفاية أى المظهر الخارجى ـ الذبيحة المادية.

[24] تك3:4ـ8.

[25] هكذا ينسب جميع المسيحيين أنفسهم سواء كانوا من اليهود أو من الأمم إلى رؤساء الآباء. وهم يعنون بذلك النسب الروحى وقرابة الإيمان. أنظر يوستينوس المحاورة مع تريفو فصل134.

[26] تك41:27ـ إلخ.

[27] تك37.

[28] خر14:2.

[29] عد14:12،15.

[30] قارن بوليكاربوس إلى فيلبى2:1.

[31] عد33:16.

[32] أى الفلسطينيين 1صم11:21،4:24.

[33] 1مل8:18ـ إلخ.

[34] الكلمة اليونانية المقابلة لهذه الكلمة هنا وفي فقرة 7 تعنى معنيين: الكرازة العامة بالإنجيل، والشهادة بالدم. وهي لا تعنى بحسب معناها اللغوى الأصلى موت الشاهد إلاّ بطريق مباشر. وفي القرن الثانى يستخدمها هيجسيوس بالمعنى الأصلى أى الكرازة (يوسابيوس، تاريخ الكنيسة6:20:3) ولكنها منذ وقت مبكر خصصت للشهادة العظمى بالدم(أع22:20). هذا وأننا نجد الكاتب هنا يقرن إتمام الشهادة بالموت (فقرة2و4و7).

[35] بوليكاربوس فيلبى2:9، برنابا1:19، وما يلى5:44.

[36] 1كو24:9، في14:3.

[37] بخصوص أتعاب بولس أنظر مثلاً 2كو25:11ـ33، أع25:9ـ30، 50:13، 6:14، 10:17ـ14، 3:20.

[38] 1تى7:2، 2تى11:1.

[39] يظن البعض أن المقصود هنا رومية وآخرون إنها أسبانيا وهناك من يقول إنه يشير إلى بريطانيا. قارن رو8:15 وفيها يتبين نيته للسفر إلى أسبانيا.

[40] قارن مر9:13.

[41] يقصد المسيحيين في روما. قارن ما يلى 2:55.

[42] يشير إلى العذارى الضعيفات والإماء المستعبدات اللواتى اضطُهدن.

[43] نجد هاتين الكلمتين مجتمعتين في أنحاء كثيرة مثلاً رو23:13، 2كو20:12، غل20:5.

[44] قارن أم10:11،11، ابن سيراخ14:28. ولابد أن اكليمندس كان يفكر في أورشليم التي هدمها حديثًا تيطس.

[45] 1تى12:6، 2تى5:2، 7:4.

[46] 1كو26:9،27، في30:1، عب1:12.

[47] اكليمندس الأسكندرى يستخدم نفس الألفاظ، سترومات15:1:1.

[48] 1تى3:2،4:5 قارن مز1:133.

[49] 1بط19:1.

[50] رو6:15، 2كو3:1، 1بط3:1، رؤ6:1.

[51] لو29:2، أع24:4، رؤ10:6. ما يلى 2:8.

[52] تعبير عبرى نجده في استير28:9، مز11:49، 1:89،1:90، لو50:1.

[53] حكمة 10:12.

[54] تك7، 1بط20:3، 2بط5:2، ما يلى4:9.

[55] يونان3، مت41:12.

[56] أف12:2،13.

[57] حز11:33.

[58] هذه الفقرة مركبة من جملة نصوص في الكتب المقدسة: حز30:18، 12:33، مز10:103،11، إش18:1، إر19:3.

[59] إش16:1ـ20.

[60] قارن 2بط17:1.

[61] تك24:5، عب5:11.

[62] تك8:6، 1:8، عب7:11، 2بط5:2.

[63] مت28:19.

[64] إش8:41، 2أى7:20، يهوديت19:8، يع23:2. قارن ما يلى 2:17. وترتليان ضد اليهود، رقم2.

[65] تك1:12ـ3.

[66] تك14:13ـ16.

[67] تك5:15،6، رو3:4.

[68] تك22:21، عب17:11.

 

رسالة اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين ج1 – د. وليم سليمان قلادة

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)