آبائياتأبحاث

معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة – د. أنطون جرجس عبد المسيح

معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة - د. أنطون جرجس عبد المسيح

معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة – د. أنطون جرجس عبد المسيح

معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة - د. أنطون جرجس عبد المسيح
معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة

سوف نستعرض في هذا البحث تطور لاهوت معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة في القرون الخمسة الأولى بالاستعانة بالنصوص الآبائية ورأي الأستاذ الكبير إيفريت فيرجسون Everett Ferguson صاحب الموسوعة الأشهر عن سر المعمودية في القرون الخمسة الأولى عند آباء الكنيسة.

القديس إيرينيؤس أسقف ليون

لم يأت ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي في خضم حديثه عن معمودية الأطفال على ذكر أن معمودية الأطفال كانت في العصر الرسولي لمغفرة خطية آدم الأصلية، بل تحدث عن أن معمودية الأطفال هي ولادة ثانية من الله، وتقديس لهم من المسيح الذي قدسهم ببشريته المقدسة بأن مر بنفس مراحل سن الإنسان مقدسًا كل مرحلة من مراحل عمر الإنسان في نفسه كالتالي:

”لذلك لكونه معلم، فكان له عمر ثلاثون سنة، دون أن يحتقر أو يتجنب أي حالة من حالات البشرية، ولم يهمل ذلك الناموس الذي كان قد وضعه للجنس البشري، بل قدس كل سن بواسطة المرحلة المقابلة لها في نفسه، لأنه جاء ليخلص الكل من خلال نفسه. أقول الكل، الذي من خلاله يُولد الأطفال ثانيةً لله، والأولاد، والفتيان، والشبان، والكبار. إذًا، فهو قد عبر بكل عمر، فصار طفلاً للأطفال، وهكذا قدس الأطفال، وولدًا للأولاد وبذلك قدس أصحاب هذا السن، وصائرًا في نفس الوقت في البر والتقوى والخضوع، وصار شابًا للشبان، صائرًا مثالاً للشبان، وصار بالمثل كامل السن لكاملي السن لكي يكون معلمًا كاملاً للجميع، ليس فقط بأن يعلن الحق، بل أيضًا من جهة السن، مقدسًا في نفس الوقت كاملي السن، صائرًا مثالاً أيضًا“.[1]

ويستطرد ق. إيرينيؤس في حديثه عن مصير أطفال بيت لحم الذين استُشهدوا قبل موت المسيح على الصليب وقيامته، حيث يؤكد ق. إيرينيؤس على أنهم صاروا شهداءً من أجل المسيح المولود في بيت لحم، لذا نصيبهم السعيد هو الملكوت، على العكس من أوغسطينوس الذي يؤكد أن الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية بسبب وراثتهم للخطية الأصلية لا يدخلون الملكوت، بل يدخلون الجحيم للعقاب والهلاك الأبدي. وبالتالي نرى الفرق واضحًا بين تعليم ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي وتعليم أوغسطينوس بخصوص مصير الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية، حيث يقول التالي:

”ولهذا السبب أيضًا، أخذ هو فجأة أولئك الأطفال – الذين من بيت داود – الذين كان نصيبهم السعيد أن يُولدوا في ذلك الوقت لكي يرسلهم مسبقًا إلى ملكوته، وحيث أنه كان طفلاً، فقد رتب أن يصير الأطفال شهداءً، يُذبحون حسب الكتب لأجل المسيح المولود في بيت لحم اليهودية في مدينة داود (مت٢: ١٦)“.[2]

كما يؤكد ق. إيرينيؤس على أن خصائص الأطفال البشريين أنهم لا يعرفون الخير من الشر، بسبب طبيعتهم البريئة، حيث يقول التالي:

”إذًا، فالروح القدس قد أشار بعناية بواسطة ما قيل إلى ميلاده من عذراء وإلى جوهره، أي أنه الله، لأن اسم عمانوئيل يوضح ذلك، ويبين إنه إنسان، حينما يقول: ’زبدًا وعسلاً يأكل‘، ومن قوله عنه أنه طفل يقول: ’قبل أن يعرف الخير والشر‘، فكل هذه هي خصائص الطفل البشري، وأما أنه لا يوافق على الشر، وإنه يختار الخير، فهذا ما يخص الله“.[3]

العلامة ترتليان

يأتي العلامة ترتليان على ذكر معمودية الأطفال في شمال أفريقيا، ولكنه لا يحبذ معمودية الأطفال، ويؤكد على براءة الأطفال من أية خطية سواء موروثة أو فعلية، ويتعجب من التسرع في اقتيادهم إلى مغفرة الخطايا بالرغم من براءتهم، حيث يقول التالي:

”يتبع ذلك تفضيل إرجاء المعمودية، مع الآخذ في الاعتبار شخصية، وميل، وحتى سن الشخص؛ خاصةً في حالة الأطفال. لأنه لأية حاجة، إنْ لم يكن في الحالات الطارئة، بسبب تعرض المسئولين عنهم للخطر، وبسبب تخلف هؤلاء الصغار عن مواعيدهم بالموت أو بالإخفاق بسبب نموهم إلى شخصية شريرة؟ في الواقع، قال الرب: ’لا تمنعوهم أن يأتوا إليَّ‘. فبالتالي دعهم يأتون عند اقترابهم من سن النضوج، عندما يتعلمون، وعند تعليمهم عما يأتون إليه. دعوهم يصيرون مسيحيين عندما يقدرون على معرفة المسيح. لِما استعجال الشخص البريء إلى مغفرة الخطايا؟“.[4]

العلامة أوريجينوس

أشار العلامة أوريجينوس في أكثر من موضع إلى معمودية الأطفال على أنها تقليد رسولي تمارسه الكنيسة، حيث يقول التالي:

”ولهذا السبب أيضًا قد قبلت الكنيسة تقليدًا من الرسل بأن يعمدوا حتى الأطفال الصغار. لأن الذين ائتمنوا على خفيات الأسرار الإلهية كانوا واعين بأنه في كل إنسان يوجد دنس فطري للخطية يحتاج أن يُطهر بواسطة الماء والروح القدس. وبسبب هذا الدنس أيضًا دُعِي الجسد نفسه جسد الخطية. ليس ذلك بسبب أن الخطايا ارتكبتها النفس حين كانت في جسد آخر كما يتخيل مَن يقولون بعقيدة ’إعادة التجسد‘، وإنما بسبب أن النفس قد جُبِلت في جسد الخطية، وجسد الموت والوضاعة“.[5]

ولكن يرتبط مفهوم معمودية الأطفال عند العلامة أوريجينوس بمغفرة الخطية الجدية المتوارثة من آدم، ولكن مفهوم العلامة أوريجينوس عن وراثة الخطية الجدية رفضته الكنيسة، حيث يرتبط مفهومه عن الخطية الجدية الموروثة بالتعليم عن الوجود السابق للأرواح في عالم الغبطة، وسقوطها، وانحباسها في أجسادها عقابًا لها على الخطية الجدية الموروثة، ونجد هذا المفهوم بوضوح في كتابه ”المبادئ“، حيث يقول التالي:

”بحسب الكتاب يجدر السؤال عن لفظ النفس، ألعله لا يُشتق مجازًا من هذه البرودة، ابتداءً من حالة إلهية فضلى، أعني أن النفس لعلها لم تفتر من حرارتها الطبيعية والإلهية، حتى تسلمت حالتها الراهنة وتسميتها […] ولكننا نرى أن الكتاب قد أقرن الإجرام بالنفس، وأعرض عما يجدر مدحه. أما الآن فحري بنا أن ننظر هل النفس، كما أسلفنا القول في معنى هذه اللفظة، قد نالت اسمها لأنها فترت فاقدةً تقوى الصديقين والشركة بالنار الإلهية، دون التخلي مع ذلك عن قدرتها عن الانصراف ثانيةً إلى حالة الورع هذه التي وُجِدت فيها منذ البداية […] إذا صدق هذا، يخيل إليَّ أنه لا يحسن الاعتقاد بأن سقطة الإدراك هذه وهذا الانحطاط لديه سواء لدى الجميع، بل ينطوي هذا التبدل عن تفاوت، كما يُبقي بعض المدارك على بضع عنفوانه الأول، فيما لا يحتفظ غيره بشيء أو قلما. ولهذا نجد مَن ذو استيعاب أحد، منذ نعومة أظفاره، ومَن استيعابه أبطأ، وآخرين يأتون الدنيا وهم خبلون تمام الخبل، عاصون كل العصيان على تربيتهم. إن ما قلناه في موضع انقلاب الإدراك نفسه، وما يمت بصلة إليه، فليناقشه القارئ باعتناء وليدرسه في قرارة نفسه، إننا لا نفوه به كأنه العقائد، بل نطرقه على سبيل الدراسة والبحث“.[6]

وهكذا نجد العلامة السكندري أوريجينوس بالفعل يتحدث عن وراثة الدنس الفطري في الإنسان من آدم في سياق تعليمه عن الخطية الجدية، ولكن مفهوم أوريجينوس مختلف تمامًا ونهائيًا عن المفهوم اﻷوغسطيني عن الخطية الجدية. حيث يرى أوريجينوس الخطية الجدية وآثارها على البشر -كما قلنا سابقًا- بسبب فتور أرواح البشر في العالم الطوباوي السابق على وجودها في أجسادها عن محبة الله والشركة معه، وبالتالي سقوطها من العالم الطوباوي المسبق وانحباسها في أجسادها كعقوبة على ذنوبها السابقة في العالم السابق.

القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة

يشير ق. كبريانوس أسقف قرطاجنة الشهيد إلى معمودية الأطفال في عصره، ولكنه يؤكد على خلو الأطفال من أي خطايا، إلا أنهم معرضون للموت بسبب انحدارهم من آدم بالميلاد الجسدي، ويؤكد على أن الخطايا المغفورة للطفل لم تكن خطاياه الخاصة، بل خطايا الآخر، حيث يقول التالي:

”ولا يُمنع أحد من المعمودية والنعمة، فكم بالأكثر جدًا لا ينبغي أم يُمنع الرضيع المولود مؤخرًا، الذي لم يخطئ إطلاقًا، إلا أنه مولود بالجسد تبعًا لآدم، فقد تعرض لعدوى الموت الأول من الولادة الأولى. لذا فإنه يقترب بسهولة أكثر من هذه الحقيقة عينها لينال غفران الخطايا، لأن الخطايا التي تُغفر له لا تكون خطاياه الخاصة، بل خطايا الآخر“.[7]

ولكن يعلق البروفيسور إيفريت فرجسون على قول ق. كبريانوس قائلاً: ”كبريانوس، مثله مثل أوريجينوس، يربط معمودية الأطفال بخطية الطفل، إلا أنه لا يربطها مباشرةً بوصمة ميلاد الطفل. مع ذلك، قد يكون هذا الأمر في خلفية الحجة، لأن العدد يشير إلى اليوم الثامن (لا12: 3) الموجود في الفقرة بخصوص التطهير الذي شكَّل جزءًا من أساس حجة أوريجينوس، ولكن في الواقع، يشير كبريانوس بوضوح إلى خطية آدم التي أدت إلى وراثة الموت الجسدي، وبالتالي ينبغي أن يكون المرء حريصًا بشأن استنتاج الكثير جدًا عن تعليم الخطية الأصلية في إشارة كبريانوس إلى خطايا الآخر (لاحظ الجمع). لأنه بعد خمسين عامًا، لم يُعد يُسمع دوي صوت معارضة ترتليان لمعمودية الأطفال في شمال أفريقيا؛ ولم يكن تسليمه ببراءة الأطفال طرفًا في الجدال؛ بينما دافع اللاهوتيون الشرقيون في القرن الرابع -كما سنرى- عن معمودية الأطفال الصغار انطلاقًا من الفوائد الأخرى التي تناولت واستمرت في القبول بخلو الأطفال من أية خطية. وهكذا يُعتبر منح هذه المعمودية مغفرة الخطايا هو أمر محوري أيضًا في الجدال. حيث تمنح المعمودية النعمة حتى إلى أعتى الخطأة الذين قد آتوا إلى الإيمان؛ فكم تكون مؤثرة كثيرًا جدًا وفورًا في الطفل الذي لم يرتكب خطيةً. وبالتالي ممارسة معمودية الأطفال هي محاولة للتفكير بشأن حالة الطفل المولود حديثًا. فالجدل حول معمودية الأطفال -كما سنرى في الفصل 52- حتى عند أوغسطينوس ناتج عن الخطية الأصلية“.[8]

القديس أثناسيوس الرسولي

لم يشر ق. أثناسيوس صراحة إلى معمودية الأطفال في كتاباته الأصلية المعروفة، إلا أنه أشار إلى براءة الأطفال من أية خطية، واستشهد بإرميا ويوحنا المعمدان اللذين كانا مقدسين من الرحم، وممتلئين من الروح القدس. كما لم يشر ق. أثناسيوس إلى أية خطية موروثة في إرميا ويوحنا المعمدان، إلا أنه أشار إلى سلطان الموت على جميع البشر المنحدرين من آدم، والذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، وأكد على استمرار قابليتهم للفساد، والموت، والتعرض للأوجاع الخاصة بطبيعتهم. حيث يقول التالي:

”ولهذا هناك أمثلة لكثيرين قد تقدسوا وتطهروا من كل خطية مثل إرميا الذي تقدس من الرحم (أنظر إر1: 5)، ويوحنا الذي وهو لا يزال جنينًا في البطن ارتكض بابتهاج عن سماع صوت مريم والدة الإله (أنظر يو1: 44). ومع ذلك، فقد ملك ’الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم‘ (رو5: 14)، وهكذا ظلَّ البشر مائتين وقابلين للفساد كما كانوا، ومعرضين للأوجاع الخاصة بطبيعتهم“.[9]

وهناك كتابات أخرى منسوبة إلى أثناسيوس تتحدث عن معمودية الأطفال، وتشير إلى وجود معمودية الأطفال في القرون الأولى قبل القرن السادس، وإنْ كانت غير شائعة كما بعد القرن السادس. فنجد عظة عن صوم المسيح التي تناقش سؤالاً حول لماذا صام المسيح بعد معموديته، وتقليد الكنيسة بضرورة أن يصوم المرشحون للمعمودية قبل معموديتهم. وهكذا تحتوي الأسئلة الموجهة لحاكم أنطاكية ديسيم Ducem على فقرة تعطي مثالاً على الاختلاف بين المنظور الشرقي للأطفال والمنظور الغربي الأوغسطيني كالتالي:

”السؤال: أين يذهب أطفال المؤمنين الذين يموتون؟ هل إلى العقاب أم إلى الملكوت؟ وأين يذهب أطفال غير المؤمنين؟ وإلى أين ينتقل أطفال المؤمنين غير المعمدين الذين يموتون، هل مع المؤمنين أم مع غير المؤمنين؟

الإجابة: ما دام الرب قال: ’دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ‘ (مت19: 14) وتحدث الرسول أيضًا: ’وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ‘ (1كو7: 14)، فيبدو من الواضح أن أطفال المؤمنين المعمدين، الأطهار والمؤمنين، يدخلون إلى الملكوت. ولكن لا يدخل الأطفال غير المعمدين وأطفال غير المؤمنين الوثنيين الملكوت، ولكنهم لا يذهبون إلى العقاب، لأنهم لم يفعلوا خطيةً“.[10]

وهناك عمل آخر منسوب لأثناسيوس عبارة عمل في صورة سؤال وجواب أيضًا بعنوان ”أسئلة عن الأسفار المقدسة“، يشير هذا العمل بوضوح في السؤال رقم 93 إلى تغطيس الطفل في المعمودية، وأن المعمودية بالنسبة للأطفال بمثابة موت وقيامة مع المسيح، ولم يشر إلى مغفرة الخطية الأصلية في المعمودية كالتالي:

”كما مات المسيح وقام في اليوم الثالث، هكذا نحن أيضًا نموت في المعمودية ونقوم. لأنه من الواضح أن تغطيس الطفل في جرن المعمودية وإصعاد الطفل ثلاث مرات هو موت المسيح وقيامته في اليوم الثالث“.[11]

القديس يوحنا ذهبي الفم

يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى معمودية الأطفال ولكنه يؤكد على أن الأطفال بلا خطية سواء موروثة أو فعلية، وهكذا يعدد قائمة ببركات معمودية الأطفال، ولم يذكر فيها التخلص من الخطية الجدية الموروثة في الأطفال، حيث يقول التالي:

”ولهذا السبب نفسه نعمَّد الأطفال ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكي ما ينالوا بقية العطايا من تقديس وبر، واختبار للتبني، والميراث حتى يشَّبوا أخوة وأعضاء ويصيروا هيكلاً للروح“.[12]

وهكذا يحدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم هنا غاية معمودية الأطفال لنوال التقديس والبر واختبار التبني لله وميراث الحياة الأبدية ولكي يصيروا هيكلاً للروح القدس أعضاء في جسد المسيح الواحد (أي الكنيسة)، ولم يتحدث عن إزالة الخطية الجدية من الأطفال بالمعمودية.

ثم يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على حقيقة أن نفوس الأطفال ليست شريرة مثلها مثل نفوس الأبرار، ولا تحمل أي شر، حيث يقول التالي:

”ولا هو ممكن حقًا لنفسٍ، وقد انتُزعت من الجسد، أن تهيم هنا بعد. لأن ’نفوس الأبرار هي في يد الله‘ (حك3: 1). وإنْ كانت نفوس الأبرار هكذا، فإن نفوس أولئك الأطفال أيضًا؛ فليست هي شريرة“.[13]

ثم يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى معمودية الأطفال في موضع آخر دون أي ذكر عن إزالة الخطية الجدية الموروثة في المعمودية، بل يتحدث عن أن المعمودية شفاء بلا ألم، حيث يقول التالي:

”ختاننا؛ أتحدث عن نعمة المعمودية، هو شفاء بلا ألم، ويكفل الكثير من الأمور الصالحة لنا، وامتلاءً أيضًا من نعمة الروح القدس فينا، فلا يحده زمن، ولكن يمكننا الحصول على هذا الختان غير المصنوع بأيادٍ؛ الذي يحدث في السن الصغير جدًا، أو السن المتوسط، أو السن الكبير عينه“.[14]

ويعلق البروفيسور إيفريت فرجسون على تعليم المعمودية عند ق. يوحنا ذهبي الفم، ويقول التالي: ”يؤكد ذهبي الفم على الارتباط المشترك بين المعمودية ومغفرة الخطايا. وهكذا يقرر ذهبي الفم في تأكيده على خلو الأطفال من أي خطية الرأي الشرقي المعتاد عن الطبيعة البشرية، وبالتالي تفسير معمودية الأطفال على أسس أخرى. بل ويختلف هو نفسه في هذا الشأن عن التقليد الأوغسطيني في الغرب الذي ربط بين معمودية الأطفال والخطية الأصلية. ولا يتحدث ذهبي الفم عن أيّ شيء يشير إلى الخطية الأصلية (عظة2: 1-8) في سياق مناقشته الواسعة لتعامل الله مع آدم. في الواقع، لا يهلك الطفل الذي يموت بدون معمودية“.[15]

وهذا أيضًا ما يؤكده عالم الآبائيات جوهانس كواستن عن مفهوم الخطية الأصلية عند ق. يوحنا ذهبي الفم في سياق الحديث عن معمودية الأطفال، موضحًا الاختلاف الشديد بين ق. يوحنا ذهبيّ الفم وأوغسطينوس في مفهوم وراثة الخطية الأصلية كالتالي: ”يشير ق. ذهبي الفم بالتفصيل في عظته ’إلى المعمدين الجدد‘ Ad neophytos التي أعاد هايداشر اكتشافها إلى مفاعيل المعمودية قائلاً: ’وبالتالي هل نعمد أيضًا الأطفال الصغار، بالرغم من أنهم ليس لديهم خطايا άμαρτήματα‘. وقد استخلص يوليانوس أسقف إكلانوم البيلاجيّ أن ق. ذهبي الفم قد أنكر الخطية الأصلية، ويرد ق. أوغسطينوس في (Contra Julianaum 1, 22) أن كلا من الجمع ’خطايا‘ والسياق يثبتان أن ق. ذهبي الفم قد قصد الخطايا الشخصية propria peccata ويدعم حجته بثمان اقتباسات إضافية من أعمال أخرى للقديس يوحنا ذهبيّ الفم ليوضح بأنه قد علّم بوضوح بوجود الخطية الأصلية. ومع ذلك، ففي كل هذه الفقرات، لا يتطابق مفهوم ق. يوحنا ذهبي الفم تمامًا مع أفكار ومصطلحات ق. أوغسطينوس“.[16]

القديس غريغوريوس النزينزي

تحدث ق. غريغوريوس النزينزي عن معمودية اﻷطفال، ولكنه يؤكد على براءة اﻷطفال من أية خطية سواء موروثة أو فعلية، ويعزو معمودية اﻷطفال إلى أنها من أجل حصول اﻷطفال على ختم الروح القدس، ويفرق بينها وبين معمودية البالغين الذين يحتاجون ختم الروح القدس والدواء القوي في المعمودية. حيث يقول التالي:

”مادام الجرن واحد، فهو ينبوع النعمة، ﻷنه هكذا نجا اﻷطفال العبرانيون من المهلك بفضل مسحة الدم المرعبة، حين طهروا أعمدة اﻷبواب، فما هو وقت جميع أبكار مصر؟ إنهم سقطوا في نفس ليلة الإنذار، كذلك أيضًا ختم الله حافظنا ههنا في الوسط، للأطفال اﻷبرياء ختمًا فقط، بينما للرجال البالغين ختمًا ودواءً قويًا“.[17]

وبالتالي لا نجد أي ذكر لوراثة الخطية اﻷصلية في معمودية اﻷطفال عند ق. غريغوريوس اللاهوتي، بل نراه يؤكد أن سبب معمودية اﻷطفال هو لنوال ختم الروح القدس فقط، بينما معمودية البالغين هي لنوال ختم الروح القدس والدواء القوي، أي يؤكد على الجانب الخلاصي الشفائي في معمودية البالغين.

وهكذا يرفض ق. غريغوريوس النزينزي فكرة تأجيل الأمهات لمعمودية أطفالهن بحجة ضعف طبيعتهم بل يحثهن على معمودية الأطفال لنوال نعمة الثالوث القدوس كأفضل وقاية وحماية، حيث يقول التالي:

”هل عندك طفل؟ فلا تعط فرصة للشر. عمده في سن الطفولة. قدمه إلى الروح القدس منذ نعومة أظفاره. ولكن بعض الأمهات يؤجلن المعمودية، لأن طبيعة الطفل هي ضعيفة! يا لك من أم صغيرة النفس وقليلة الإيمان! […] أعط ابنك نعمة الثالوث القدوس أحسن وأعظم حجاب ووقاية“.[18]

ثم يتحدث ق. غريغوريوس النزينزي عن الأطفال المعذورين في عدم معموديتهم لأسباب فوق العادة قائلاً:

”أما الأطفال والمعذورون في عدم معموديتهم (لأسباب فوق العادة) فهؤلاء ليس عليهم عقاب أمام القاضي العادل، كما أنه ليس لهم مجد وبهاء (بسبب حرمانهم من المعمودية). لأن مَنْ يشتهي المعمودية، ولم يحصل عليها لسبب ما، فكأنه حصل عليها، ولكن لماذا لا نحصل عليها فعلاً؟ ولأقل لك هذا: إذا كان يكفيك أن يكون عندك الشوق لكي تظهر فيك قوة المعمودية“.[19]

 ويؤكد ق. غريغوريوس النزينزي هنا على الحالة المتوسطة التي يظل فيها الطفل الذي يموت قبل المعمودية فهو لا يُعاقب من الله الديان العادل ولكنه لا يُمجَّد في نفس الوقت وإنه بالرغم من ضرورة معمودية الأطفال ولكنه لوجود أسباب قهرية تمنع معمودية الأطفال (مثل الموت المبكر أو أي سبب آخر) فالرغبة في المعمودية تُعادل الحصول عليها والشوق إلى المعمودية يكفي لظهور قوة المعمودية في المشتاق إليها. وعندما سُئِلَ النزينزي عن معمودية الأطفال الذين لا يشعرون بنعمة المعمودية ولا بخسارتها أجاب بأنه يجب تعميدهم خصوصًا لو كان هناك خطر من الأخطار على حياتهم فمن الأفضل تعميدهم من غير أن يشعروا من أن يذهبوا من العالم غير مشاركين في سر النعمة والكمال المقدس عابرين وغير مختونين.[20]

القديس غريغوريوس النيسي

لم يشر ق. غريغوريوس النيسي صراحةً إلى معمودية الأطفال، ولكنه تحدث ق. غريغوريوس النيسي عن براءة الأطفال وخلوهم من أي خطية في سياق حديثه عن مفاعيل المعمودية كالتالي:

”بل إن ذاك الذي تركت الخطايا أثارها عليه وتقسَّى وتوحش بسبب الأعمال الشريرة، نعيده بالمعمودية إلى براءة الطفولة مرة أخرى، أي كما أن الطفل بمجرد ولادته، هو خالي من أي ذنب يستوجب العقوبات، هكذا طفل الولادة الجديدة، فليس هناك ما يجعله يدافع به عن نفسه تجاه أي شر بعدما تخلَّص وتحرَّر بالنعمة الملوكية من كل ما يعرِّضه للمساءلة والحساب والعقاب“.[21]

ويشرح ق. غريغوريوس النيسي هنا إن الطفل ليس عليه عقوبة من خطية عند معموديته، بل هو خالي من أي ذنب يستوجب العقوبات ولكن المعمودية لازمة له من أجل الولادة الثانية والخلاص والتحرر بالنعمة. كما يرى ق. غريغوريوس أن الأطفال يُولدون بدون وباء الخطية لأن الطفل بريء ليس فيه مثل هذا الوباء قبل أن يغطي عين نفسه قياسها من النور وهكذا تستمر في الوجود في هذه الحياة الطبيعية، ولا تحتاج إلى الصحة الآتية من التطهير؛ لأنها لم تسمح أبدًا بدخول الوباء إلى نفسه مطلقًا.[22]

يرى ق. غريغوريوس النيسي أيضًا أن مصير الأطفال سيكون الملكوت حتى لو ماتوا مبكرًا قبل العماد لأنه في حالة الأطفال الذين يموتون مبكرًا لا يوجد أي شيء من هذا القبيل بل أنهم ينطلقون نحو نصيبهم من السعادة فورًا ولكنه يوضح أن الطفل الذي يموت بدون معمودية لن ينال نفس القسط من السعادة التي ينالها الرجل الناضج الذي قد نال العماد وكان بارًا طوال حياته رغم أن الاثنين قد يكونان بلا خطيئة أو ذنب؛ لأنه ليس من العدل القول بأن الرجل والطفل يكونان في نفس الحالة على الرغم من أن كليهما قد يكون حرًا من أي اتصال أو احتكاك بالمرض بل على العكس على الرغم من غياب أي تأثير من المرض قد يُنسب إلى الاثنين إلا أن الاثنين متشابهان على حد السواء في كونهما بعيدين عن مدى تأثيره.[23] وهذا ما أكده ق. غريغوريوس النيسي في موضوع آخر حيث تخلو حياة الطفل من كل ميل شرير ولا يملك تمييز الخير والشر فكيف يُعاقب الطفل عوضًا عن الأب المذنب؟! الطفولة تجهل الشهوة كما يؤكد ق. غريغوريوس على عدم وراثة الابن لأي ذنب شخصي من الأب، بل كل نفس تخطئ هي تموت الابن لا يحمل من إثم الأب والعكس صحيح (حز١٨: ٢٠).[24] وبالتالي أيضًا لم يأت ق. غريغوريوس النيسي على ذكر أي شر موروث من آدم تزيله المعمودية، بل على العكس صرَّح بدخول الطفل مباشرةً للملكوت لأنه بدون أي شر موروث أو فعليّ.

القديس كيرلس السكندري

يشير ق. كيرلس السكندري إلى وجود معمودية الأطفال في عصره، حيث يؤكد على إحضار الاشبين المسئول عن الطفل به لينال مسحة الموعوظين، ثم يحصل على المسحة الكاملة بالمعمودية المقدسة، ولم يأت ق. كيرلس السكندري على ذكر أية خطية موروثة تمحوها المعمودية المقدسة في الأطفال، بل كانت إشارته إلى نوال المسحة المقدسة في المعمودية كالتالي:

”لأنه حينما يُحضرون طفلاً مولود حديثًا لكي ينال مسحة الموعوظين، أو يحصل على المسحة الكاملة بالمعمودية المقدسة، فإن مَن يُحضِره إلى المعمودية (أي الاشبين) يكرر بصوتٍ عالٍ قائلاً: ’آمين‘ نيابةً عنه“.[25]

ثم يتحدث ق. كيرلس السكندري عن مصير اﻷطفال غير المعمدين، ويذكرنا موقفه هذا بموقف كل من كاتب عظة صوم المسيح المنسوب إلى ق. أثناسيوس، وموقف ق. غريغوريوس النيسي في عظته عن الموت المبكر للأطفال غير المعمدين. حيث يقول ق. كيرلس في رده على سؤال الشماس انثيموس (منشور القول في بردية crum حققها وعلق عليها العالم Ehrhard) التالي:

”انثيموس: هل يدخل الأطفال الصغار إذا ماتوا قبل أن ينالوا المعمودية الملكوت؟ كيرلس: حقًا الملكوت هو لهم، لأنهم عندما تكونوا في بطون أمهاتهم قد حُسِبوا للملكوت. وبالإضافة إلى ذلك، إذا كان الجذر مقدسًا هكذا تكون الأغصان“.[26]

نجد هنا ق. كيرلس السكندري لم يقل إن الأطفال غير المعمدين لا يدخلون الملكوت بسبب عدم معموديتهم، ولا بسبب الخطية الأصلية الموروثة كما يقول أوغسطينوس، بل الملكوت هو لهم من بطون أمهاتهم، لأنهم مقدسون من البطن بلا خطية.

مار آفرام السرياني

يتحدث البروفيسور إيفريت فرجسون عن تعليم المعمودية عند مار آفرام السرياني كالتالي: ”على الرغم من التسليم بأن مار آفرام لم يذكر معمودية الأطفال، ولم يذكر قولاً صريحًا عن الخطية الأصلية؛ إلا أن جورج صابر Georges Saber يجادل بوجود النتائج المنسوبة لهذه العقيدة في كتابات مار آفرام (فعلى سبيل المثال، فقدان ثياب المجد، وانتقال الوصمة بالولادة) بجميع عناصرها. ولكن يبدو لي بقراءة الكثير من النصوص المُقتبَسة أن الموت هو الذي انتقل إلى أحفاد آدم وليس الذنب الموروث للخطية. فلا تعكس العبارات مثل: ’خميرة الشيطان‘، و ’سمة آدم الأول‘، و ’وصمة الخطية‘، بالضرورة الذنب بسبب خطية آدم. بل يؤكد مار آفرام على براءة وخلاص الأطفال الذين يموتون صغارًا دون أية إشارة إلى معموديتهم (أناشيد الفردوس 7: 8؛ 14: 10-11)؛ وهكذا يقول صابر إن هذا يقتضي معموديتهم مسبقًا، على الرغم من قبوله باحتمالية بقاء معمودية الأطفال على سبيل الاستثناء في ضوء مار آفرام فقط لأولئك المعرضين لخطر الموت“.[27]

ثيؤدوريت أسقف كورش

يتحدث البروفيسور إيفريت فرجسون عن تعليم معمودية الأطفال عند ثيؤدوريت أسقف كورش أحد أعلام مدرسة أنطاكية في عصره كالتالي: ”يفصل ثيؤدوريت، مثله مثل ذهبي الفم، معمودية الأطفال عن مغفرة الخطايا. حيث يتحدث كلا اللاهوتيان اليونانيان فقط عن الخطايا الفعلية؛ ولم يقدموا أي مفهوم عن خطية آدم الموروثة؛ ولم يربطوا معمودية الأطفال بمثل هذا المفهوم. بل على العكس برَّروا الممارسة بالعديد من البركات الأخرى الملازمة للمعمودية. ويعكس هذا النهج المنظور المختلف تمامًا عن المنظور الذي دعمه أوغسطينوس المعاصر لثيؤدوريت في شمال أفريقيا“.[28] ثم يستطرد البروفيسور فرجسون في موضع آخر قائلاً: ”تتضح أهمية السؤال رقم 56 في إثبات اختلاف نمط التفكير اليوناني تمامًا في معمودية الأطفال عمَّا كان يُطوِّره أوغسطينوس خلال نفس الفترة في الكنيسة اللاتينية“.[29] وهكذا يوضح ثيؤدوريت الفرق بين الأطفال الذين يموتون سواء قبل المعمودية أو بعدها قائلاً:

”لا يستحق الأطفال المائتون المدح أو اللوم على أعمالهم؛ إذًا، ما هو الفرق بين قيامة الذين تعمدوا بواسطة آخرين ولم يفعلوا أي شيء والذين لم يتعمدوا ولم يفعلوا أيّ شيء كذلك. الإجابة هي كالتالي: هذا هو الفرق بين هؤلاء الأطفال المعمدين وأولئك الأطفال غير المعمدين: ينال هؤلاء الأطفال الأمور الصالحة في المعمودية؛ ولا ينالها أولئك الأطفال غير المعمدين. فيستحق السابقون الأمور الصالحة في المعمودية على إيمان مَنْ أحضروهم إلى المعمودية“.[30]

ويتفق ثيؤدوريت هنا مع غيره من آباء الشرق الذين عرضنا آرائهم بخصوص مصير الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية وتأكيدهم على خلو الأطفال من أية خطية سواء موروثة أو فعلية.

ويعلق البروفيسور إيفريت فرجسون على إجابة ثيؤدوريت قائلاً: ”كانت هذه الإجابة قريبة من موقف بيلاجيوس. حيث يشير المتحدثون الرسميون باسم الأرثوذكسية إلى الإيجابيات والصالحات الملازمة للمعمودية؛ كما فعل ذهبي الفم (في الفصل 33)، ولا يشيرون إلى مغفرة الخطايا. كما أن الإشارة إلى إيمان الوالدين أو الأشابين هي النقطة المشتركة بين الكُتَّاب اليونانيين واللاتينيين“.[31]

ثم يصرح البروفيسور إيفريت فرجسون تصريحًا هامًا عن مدى انتشار معمودية الأطفال بصورة واسعة في القرون الخمسة الأولى قائلاً: ”يبدو أن معمودية الأطفال في الغرب كما في الشرق، لم تكن شائعة قبل القرن السادس. ولقد كان هناك الكثير من حالات معمودية الأطفال والإشارات إلى هذه الممارسة سواء للطوارئ أو معمودية اكلينيكية (أي معمودية على فراش الموت). وكانت هناك أصوات داعية إلى معمودية الأطفال مثل: إيسيذوروس الكاهن في الفرما بمصر (435م) القائل: ’نحن محاطون بالشرور؛ فدعونا نسرع في معمودية أطفالنا‘ (الرسالة 1: 125) [PG 78. 265]“.[32]

ويتحدث البروفيسور إيفريت فرجسون في نفس السياق عن عدم شيوع ووحدة اللاهوت المرتبط بمعمودية الأطفال بين الشرق والغرب، ويؤكد على ارتباط معمودية الأطفال بمشاركة الأطفال في ذنب خطية آدم في تعليم أوغسطينوس ومن ثم في الغرب فقط كالتالي: ”وضع لاهوت المعمودية الذي ينطبق على أصحاب السن المسئول وفقط في تعليم أوغسطينوس عن مشاركة الأطفال في ذنب خطية آدم تبريرًا لاهوتيًا مؤيدًا لمعمودية الأطفال؛ ومن ثم في الغرب فقط. يدفع غياب لاهوت مُتفَق عليه بخصوص معمودية الأطفال بين الكنائس اليونانية (مثال ذهبي الفم) والكنائس اللاتينية (مثال أوغسطينوس) في الوقت الذي صارت فيه الممارسة محل جدال (أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس) بشدة ضد شيوع أو توحيد معمودية الأطفال في القرون السابقة“.[33]

ثم يقدم البروفيسور إيفريت فرجسون شهادة مهمة جدًا من مكاريوس أسقف ممفيس بمصر في القرن العاشر عن عدم شيوع معمودية الأطفال في القرون الأولى للمسيحية، حيث يقول مكاريوس الأسقف التالي: ”لم يعمد أحد الأطفال في الجيل الأول، بل أولئك الذين وصلوا إلى سن مناسب كانوا يُدعون بالموعوظين. فإنها كانت لأولئك الذين وعظهم أحد عن المعمودية؛ وعلَّمهم الديانة المسيحية لمدة ثلاث سنوات، هكذا كانوا يُعمدون“.[34]

الخلاصة

  1. اختلاف مفاهيم اللاهوت الشرقي اليوناني بخصوص تعليم معمودية الأطفال عن اللاهوت الغربي اللاتيني سواء قبل أوغسطينوس أو بعده.
  2. الاستثناء الوحيد في اللاهوت الشرقي اليوناني بشأن تعليم معمودية الأطفال هو تعليم أوريجينوس عن الوجود السابق للأرواح في عالم الغبطة، ووراثة خطية آدم الجدية، وسقوطها، وانحباسها في أجسادها عقابًا لها عن هذه الخطية الأصلية الموروثة.
  3. لا يجب التسرع في الحكم على تشابه تعليم معمودية الأطفال عند الآباء اللاتين أمثال العلامة ترتليان والقديس كبريانوس مع تعليم معمودية الأطفال عند أوغسطينوس وارتباطه بمحو الخطية الأصلية الموروثة.
  4. إجماع أغلب الآباء قبل أوغسطينوس خاصةً آباء الشرق اليوناني وبعض الآباء اللاتين قبل أوغسطينوس مثل العلامة ترتليان والقديس كبريانوس على براءة الأطفال وخلوهم من أية خطية سواء موروثة أو شخصية.
  5. يتأرجح تعليم الآباء الشرقيين عن مصير الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية بين الإقرار بدخولهم الملكوت فورًا، وبين بقائهم في حالة متوسطة بين العقاب والتمجيد، ولكن أجمع الآباء الشرقيون على براءة الأطفال وخلوهم من أية خطية سواء موروثة أو شخصية.
  6. عدم شيوع معمودية الأطفال على نطاق واسع في الغرب والشرق، وإنْ كانت موجودة، قبل القرن السادس، بل كانت معمودية الموعوظين البالغين هي الأكثر شيوعًا في القرون الخمسة الأولى.

[1] إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١3)، 2: 22: 4، ص223.

[2] إيرينيؤس أسقف ليون (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١9)، ٣: ١٦: ٤، ص 80.

[3] المرجع السابق، ٣: ٢١: ٤، ص 105.

[4] Tertullian, Bapt. 18: 4-5, (CCL 1: 293. 23-34).

[5] أوريجينوس (علامة)، تفسير رسالة رومية ج1 (الكتب 1-5)، ترجمة: عادل ذكري، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2020)، 5: 9: 11، ص391.

[6] أوريجينوس (علامة)، في المبادئ، ترجمة: الأب جورج خوام البولسي، (لبنان: المكتبة البولسية، ٢٠٠٢)، ٢: ٨: ٣، ٤، ص٢١٧، ٢١٨.

[7] كبريانوس (قديس)، الرسالة 64 إلى فيدوس.

[8] Everett Ferguson, Baptism in The Early Church, (Cambridge: WM. B. Eerdmans Publishing Co., 2013), p. 456.

[9] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرين، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 3: 26: 33، ص336.

[10] PG 28. 670-672.

[11] PG 28. 735.

[12] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات في المعمودية، ترجمة: الراهب القمص مرقريوس الأنبا بيشوي، (القاهرة، 2007)، عظة 3: 6، ص64.

[13] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 1998)، عظة ٢٨: ٣، ص51.

[14] Homilies on Genesis 40: 4 (PG 53. 373D).

[15] Everett Ferguson, Baptism in The Early Church, (Cambridge: WM. B. Eerdmans Publishing Co., 2013), p. 682.

[16]) جوهانس كواستن، علم الآبائيات ”باترولوجي“ مج ٣، ترجمة: الراهب غريغوريوس البراموسي ود. نادر مدحت، مراجعة: د. جوزيف موريس ود. عماد موريس، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي)، ص623، 624.

[17] Carmina, i (poemata theologica), sect. i, 9 (de testamentis et adventu Christi), lines 87-92 (ii, p. 252).

[18] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من خطب القديس غريغوريوس النزينزي اللاهوتي، ترجمة: الأب استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية المقدسة، عظة 40: 16، ص145.

[19] المرجع السابق، عظة المعمودية، عظة ٤١: ٧، ص 150.

[20] المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون، عظة 41: 10، ص154.

[21] غريغوريوس النيسي (قديس)، اعتمدنا لموته وقيامته (عظة عيد الأنوار)، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية)، ص26.

[22] Gregory of Nyssa, Early death of infants, NAPNF II, Vol. 5, Trans. By William Moore & Henry Austin Wilson, Edit by Henry Wace & Philip Schaff, T & T Clark, Edinburgh, Grand Rapids, Michigan P.698.

[23] Ibid, P 699.

[24] غريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب يوحنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، )، القسم الثاني، ص68.

[25] كيرلس السكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، تعليق على (يو11: 26)، ص 46.

[26] A. Ehrhard, Der PapyrusCodex Saec. VI- VII Der Philipusbibliothek in Cheltenham Koptische theologische Schriften, Herausgegeben und ubersetzt von W. E. Crum, (StraBbrugh: Karl J. Trubner, 1915), pp. 43-48.

[27] Everett Ferguson, Baptism in The Early Church, (Cambridge: WM. B. Eerdmans Publishing Co., 2013), p. 643.

[28] Ibid, p. 899.

[29] Ibid, p. 902.

[30] PG 6. 1297C-D.

[31] Everett Ferguson, Baptism in The Early Church, (Cambridge: WM. B. Eerdmans Publishing Co., 2013), p. 902.

[32] Ibid, p. 793.

[33] Ibid, p. 796.

[34] Ibid.

معمودية الأطفال في تعليم آباء الكنيسة – د. أنطون جرجس عبد المسيح