آبائيات

ميمر على الصعود المقدس للأنبا بولس البوشى – د. سعيد حكيم

ميمر على الصعود المقدس للأنبا بولس البوشى - د. سعيد حكيم

ميمر على الصعود المقدس للأنبا بولس البوشى – د. سعيد حكيم

ميمر على الصعود المقدس للأنبا بولس البوشى - د. سعيد حكيم
ميمر على الصعود المقدس للأنبا بولس البوشى – د. سعيد حكيم

 

يا من صعد إلى السماء جسدايًا وهو يملأ الكل بلاهوته، أيها المسيح إلهنا، اصعد هممنا من تنازل الأرضيات إلى اشتياق السمائيات.

يا من شرّف جنس البشر بارتفاع الجسد المأخوذ منهم إلى حيث مجد لاهوته الأزلي، أيها السيد، أرفع عقولنا من تنازل رذائل هذا العالم إلي ارتقاء ذلك الدهر المستأنف.

يا من عظّم الإنسان الترابي وجعله أهلاً أن يصير سمائياً، أقبلنا إليك أيها الرب الإله الذي يعلوا الكل وهو فوق كل رئاسة وسلطان، وهب لي أنا أيها القدوس قولاً لأتكلم عن كرامة صعودك إلي الذي لم تزل فيه أزلياً.

يا من وهب للأرضيين أن يبلغوا رتبة السمائيين أعطني نطقاً، يا عمانوئيل إلهنا، الذي أعطي قوة للجسدانيين أن يصيروا روحانيين لأنطق علي جلال ارتفاعك العجيب بالجسد إلي السموات التي أنت فيها باللاهوت لم تزل.

امنحني معرفة يا من وهب فضلاً خلاصاً وارتفاعاً لجنسنا الذى كان ساقطاً في هاوية الهلاك وصيره فوق في ملكوت السماء الباقية، لأخبر بحسن بهائك وأنت صاعد إلي علو سمائك، وأرسل مع داود المرنم وأقول “ صعد الله بتهليل الرب، بصوت القرن رتلوا لإلهنا رتلوا لملكنا رتلوا. لأن الرب هو ملك الأرض كلها. رتلوا بفهم بان الرب هو ملك علي كل الشعوب. جلس الله علي كرسي مجده ” (مز46). أعلن معه أيضاً بدخولك في أبواب المجد الدهرية وأقول ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم. ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد. من هو ملك المجد؟ رب القوات هذا هو ملك المجد ” (مز23).

وأخبر معه أيضاً بالسبي الذي أقتلعه من يد الشيطان بصعود الجسد الذي اتحدت به وأَفَضَت مواهبك علي البشر وأقول ” صاعد إلي العلا وسبى سبياً وأعطي الناس عطايا ” (أف8:4). ونسجد لك ونسبح جميعاً معه قائلين”  يا جميع ملوك الأرض سبحوا الله. رتلوا للرب الذي صعد إلي سماء السماء في المشارق، ونرسل لك أيضاً معه تسبيحاً جديداً لأن الأشياء العتيقة قد زالت، وكل شئ قد تجدد بك أيها المسيح الرب الذي جدّد الخليقة بقيامته وأعلي رتبتها بصعوده ونهتف جميعاً قائلين باتفاق واحد ” سبحوا الرب تسبيحاً جديداً. سبحوا الرب يا جميع الأرض باركوا اسمه. بشروا يوماً فيوماً بخلاصه، حدثوا في الأمم أن الرب قد ملك ” (مز1:96،2) أعني غلب الشيطان، وأن الجسد قد ظفر بالملك الأبدي كما قال لرسله بعد قيامته. أعطاهم كل سلطان في السماء وعلي الأرض وإن كان السلطان له لم يزل، إنما أعني الجسد الذي أُعطي كرامة وسلطاناً باتحاده باللاهوت وإقامته من بين الأموات، وهكذا نفهم نوع الصعود والجلوس والملك كقول داود ” الرب قد ملك فلتبتهج الأرض سحاب وضباب حوله. بالعدل والحق أتقن كرسيه ” (مز1:97) هذا هو المُلك الذي عناه جبرائيل الملاك للسيدة مريم البتول قائلاً: ” ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ولا يكون لملكه انقضاء ” وداود أيضاً يقول: ” قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعدائك تحت موطئ قدميك عصا قوة يرسل لك من صهيون وتملك في وسط أعدائك إلي الأبد ” (مز1:110) وهذا الموضع فسره الرب في الإنجيل، هكذا اسمه القدوس قد ملك في وسط أعدائه. وليس إلي وقت ينقضي بل إلي الأبد بلا انقضاء، وعني بأعدائه الشياطين المردة واليهود الكفرة والذين لم يذعنوا للإيمان باسمه كما قال ” أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي” (لو27:19). أعني انتقاماً منهم في استعلانه الثاني. وبحق أيها الأخوة الأحباء إن كرامة هذا العيد الشريف أعني عيد صعود ربنا يسوع المسيح إلي السماء جليلة جداً لأن فيه كمال التدبير بالتجسد العجيب.

اليوم صعد الرب إلى السموات بالجسد وهو فيها باللاهوت لم يزل، وإنما ذِكر نزوله أي أنه تجسد وذِكر صعوده أى أنه صعد بالجسد الذى اتحد به إلى فوق كل رئاسة وسلطان.

اليوم صعد الرب إلى سماء السموات وخضعت له الملائكة والرؤساء والقوات.

اليوم صار الذى كان تحت الكل ساقطًا فى التراب والبلاء على الأرض، فوق الكل فى سما السموات. ولما نظر البشر إلى الجسد الذى كان ساقطا فى الهاوية أنه قد علا سماء السموات فوق كل ما يرى وما لا يرى علموا أن الهلاك قد مضى، والغضب قد ذهب وانقضى، ومجد حرية البنوة قد استنار بربنا يسوع المسيح. لأنه كيف تستطيع الأرض الصعود إلى السماء[*] لو لم يتحد بها رب السماء بالتجسد العجيب ويصعد إلى حيث مجده غير المدرك. وكيف يقدر الجسدانيون أن يصيروا روحانيين لو لم يتجسد منهم رب الأرواح وإله كل جسد ويصلح كل شئ كما يليق به؟. كيف يقدر المسجونون تحت حكم الموت والفناء أن يبلغوا رتبة الذين لم يوجب عليهم حكم الموت، أعنى الملائكة، لو لم تخالط طبيعتهم ذاك البار غالب الموت ويصعدها فوق الكل؟ فكل شئ خضع تحت قدميه.

لم تصر لنا النعمة بمقدار الزلة، بل عظُمت نعمة ربنا يسوع المسيح وفاقت كل زلة وهفوة وبلغت فى العلو حتى نفذت إلى سماء السموات فوق كل الملائكة والرؤساء والقوات.

أليشع النبي يعلمنا سر صعوده وذلك أنه مكتوب فى أسفار الملوك إن بنى الأنبياء أتوا إلى أليشع النبي وسكنوا عنده فقال لهم يا اخوة ليس فى المكان سعة لنا جميعاً فاقطعوا لكم خشباً من على شاطئ نهر الأردن واصنعوا لكم محلاً تأوون إليه، وتجدوا هدوءً وسكونًا جيدًا.

لم يكن عندهم سوى فأس واحدة فأخذوها ومضوا يقطعون بها فانقلعت العصاة من الفأس وسقط الحديد فى نهر الأردن وكان الموضع مهبط مياه قوى التيار جداً. فأتوا وأعلموا أليشع النبي بذلك فأخذ عصاةً جديدةً غير تلك الأولى وأتى إلى الموضع الذى سقطت فيه الفأس وألقى العصا الجديدة فى النهر فطفا الحديد فمد النبي يده وأخذ الفأس، وكان هذا مثالاً ـ بروح النبوة ـ على البشرية التى سقطت فى بحر العالم ورسبت مثل حديد ثقيل ولم تقدر أن تصعد إلى الشرف العالى، فتحنن الرب السماوي وأتحد بجسد طاهر لم يعتق بالخطية بل أخذه من البتول مريم بغير زرع بشر ثم أصعده بغير مانع كما يليق به وأعطى لجنسنا القوة على الصعود إلى حيث مجده كما يقول الرسول ” نتمسك بالرجاء الموضوع أمامنا الذى هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائراً على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد ” (عب18:6ـ20) وقال أيضاً فلنقترب الآن إلى كرسي نعمته لنظفر بالرحمة ونستفيد بالنعمة ليكون لنا ذلك عوناً فى زمان الضيق.

يعقوب إسرائيل سبق فأبصر كيفية صعود الرب حيث أبصر سلماً مرتفعاً من الأرض إلى السماء وملائكة الله نازلين وصاعدين عليه والرب فوق أعلى السلم. يدل هذا على تدبير الرب الذى أكمله بالتجسد البشرى وارتقى من واحدة إلى أخرى كنوع السلم حين التجسد إلى حين الصعود والملائكة خادمون له فى ذلك بأسره من حين البشارة إلى حين القيامة والصعود.

هلما فى وسطنا اليوم أيها الإنجيلي القديس لوقا لنأخذ منك سياق القول على صعود الرب وكيف كتبت الإنجيل بتأييد الروح من ابتداء التجسد وأكملته بالصعود ثم ابتدأت أيضا بالصعود فى كتاب الأبركسيس وجعلته فاتحة القول ثم ذكرت كيف كان كمال الإنجيل وجمعت الاثنين فى حال الصعود وقلت ” الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس ” أعنى الإنجيل المقدس. قال ” عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به ” (لو1:1) أعنى سياسة تدبير الرب وأنه عمل أولاً وعلّمنا أن نتبع أثره، ولكي ما يظهر بهذا أن كل ما عمله إنما كان لأجل تأديبنا وتعليمنا وليس حاجة به إلى ذلك، أعطانا بهذا مثالاً أن نعمل ونعلم، قال ” حتى اليوم الذى صعد فيه ” أي أن للصعود الكريم هو كمال بشرى الإنجيل وفيه انتهى القول فى نوع تدبير الله، قال    ” بعدما أوصى رسله الذين اصطفاهم بروح قدسه ” أعنى الوصية التى ذكرها فى الإنجيل، قال ” أولئك الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ” أعنى القيامة المقدسة التى هي عربون قيامتنا، قال ” بعد ما تألم، بآيات كثيرة ” أعنى بالآيات، شهادات الأنبياء التى تقدمت لأجله التى تظهر كيفية علامات آلامه المحيية مع الآيات التى كانت وقت الصلبوت علانية من تغيّر وجه السماء والأرض واضطراب العناصر، قال: ” فى أربعين يوما كان يتراءى لهم ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله ” أعنى أنه مكث أربعين يومًا بعد القيامة المقدسة يظهر لهم حيناً بعد حين. فحيناً يظهر لهم ليفرّح قلوبهم بمشاهدته، وحيناً يختفي بقوة لاهوته عنهم لكى يشتاقوا إليه ويحفظوا ما أوصاهم به ويتذكروه فيما بينهم. وقوله: ” يتكلم على ملكوت الله “، أعنى كل تعاليمه لأجل ملكوت السموات التى هو صاعد إليها بالجسد وبلاهوته هو حال فيها. قال “ وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم” وهذه الوصية قد تقدم ذِكرها فى الإنجيل وهى وصيته لهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى يتذرعوا القوة من العلاء، ههنا أيضا بناء على ذلك قال ” بل ينتظرون موعد الآب “.

قد تقدم ووعدهم بأن يرسل إليهم موهبة الروح، وهو والآب واحد فى الفعل والقوة، ولهذا قال ” موعد الآب ” لكى يثبت لهم وحدانية اللاهوت بغير تجزئ ولا افتراق قال ” ذلك الذى سمعتموه منى ” أعنى أن منه سمعوا ذلك، وهو والآب واحد كما قال لليهود وأيضاً قال لفيلبس من ” رآني فقد رأى الأب “، قال ” يوحنا عمّد بالماء وأنتم تعمّدون بالروح القدس“.  ذكر ههنا شرف المعمودية التي هم مزمعون أن يقبلوها بحلول الروح القدس عليهم عندما يعطيهم موهبة الكمال، وأن يوحنا شُرَّفَ بالعماد لكن بالماء وأنتم تعمدون بعماد الروح القدس ثم تكونون أئمة لكل المسكونة في الميلاد من فوق. قال ” ليس بعد أيام كثيرة ” عنى كمال الخمسين فلما سألوه عن مُلك بنى إسرائيل الجسدانى نزع هذا التشاغل العالمي من عقولهم ثم عرّفهم أن الروح إذا أقبل عليهم يملأهم معرفة ويعلمون كل شئ، وليس هذا فقط بل ويقبلون قوة فاضلة حتى يكونوا له شهوداً ليس فى مكان واحد، بل قال في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.

 

فلما أكمل لهم هذه الأشياء بآسرها وثبتهم على انتظار الموعد الذى يهبط عليهم من السماء ويكون لهم مرشدًا ومعزيًا ومعلمًا، حينئذ باركهم الرب الإله معدن كل البركات، وصعد إلى السماء أمام أعنيهم وهم ينظرون إليه ثم قبلته سحابة ليتم المكتوب ” أستوي على السحاب ومشى على أجنحة الرياح ” (مز3:104 ) أعنى أن الجو غير المحسوس والرياح غير المضبوطة صعد فيها بقوة لاهوته من غير مانع وكأن لها أجنحة خادمة لباريها وأيضا مكتوب ” سحاب وضباب حوله. بالعدل والحق أتقن كرسيه ” (مز2:97 ). ومكتوب “ ركب على الكاروبيم وطار، طار على أجنحة الرياح ” (مز 10:18 ).

ذكر أولا ركوبه على الكاروبيم ثم ذكر طيرانه على أجنحة الرياح ليعلن قوة لاهوته وأنه غير محتاج إلى شئ من البرايا بل هو أصعد الجسد المتحد به بقوة إلى أعلى المراتب الروحانية فوق كل القوات العقلية، ولما شاهدوا خضعوا جميعًا، الملائكة والرؤساء والقوات، أعنى كافة الروحانيين الذين فوق السموات. أما الرسل فبقوا قيامًا متفرسين نحوه وهو صاعد وهم متعجبون.

وفيما هو كذلك إذ وقف بهم رجلان بلباس أبيض لامع أعنى أن ملاكين ظهرا لهم بشبه البشر لكى يقدروا على مخاطبتهم ولكي يعلمون أن السمائيين قد صاروا واحداً مع الأرضيين بالرب الذى أصعد الجسد المتحد به إلى السماء. لأن لوقا جرت عادته فى ذكر الملائكة، أنها تظهر بشبه الناس كما ذكر في الإنجيل عن الملاكين اللذين بشروا النسوة بهذا المثال بعينه، فقالا ” أيها الرجال الجليليون ” يعنى أن الرسل من الجليل . قالا       ” لماذا أنتم قيام متفرسون فى السماء “، أعنى أن صعود الرب إلى السماء ليس أمراً غريباً، ثم قالا ” إن يسوع الذى صعد عنكم إلى السماء، هكذا يأتي كما رأيتموه صاعداً إلى السماء ” عَنِيَا بيسوع المخلص لأنه سمّى بهذا الاسم لأجل التجسد فأعلنا لهم كرامة صعوده ثم أثبتا مجيئه فى استعلانه الثاني من السماء التى صعد إليها لأنهم مزمعون أن يأتوا معه كما قال الرب “ إنه يأتى في مجده مع ملائكته القديسين“. ثم أن الرسل الأطهار رجعوا إلى أورشليم مسرورين بما شاهدوا من المجد والكرامة لأجل الموعد الإلهي، فلما دخلوا إلى العلية المقدسة التى كانوا مجتمعين فيها أولاً مع الرب، وفيها دخل عليهم والأبواب مغلّقة، كمثل عبيد يتذكرون المكان الذى كانوا فيه مع سيدهم منتظرين رجاء الموعد وهم فرحون.

وقد كانت سيدتنا مريم أيضاً مع نسوة تقيات مواظبات مع الرسل على الصلاة والطلبة بنفس واحدة منتظرين جميعاً موعد الآب بالروح القدس. وهم مشتاقون لما سمعوه من الرب أن به الغاية فى معرفة الكمال، وهو المرشد إلى الحق، فإن به يُعطون قوة البشرى فى أقطار الأرض كلها.

نعظم الآن يا أحبائي صعود الرب يسوع المسيح ونعيّد له بكل الوقار والإكرام، لأن به شرّف ورفع طبيعتنا الأرضية الهالكة وجعلها فاضلة سمائية كما يقول الرسول ” إن الله الغنى برحمته من أجل كثرة محبته كما كنا أمواتاً بخطايانا أحيانا بنعمته وأحبنا وأقامنا وأجلسنا مع يسوع المسيح” (أف4:2).

نسجد ونمجد الذى خضعت له الملائكة والرؤساء والقوات. نخرج مع رسله عقلياً خارجاً عن المدينة، الذى هو الخروج عن سيرة العالم الحسي، ثم نصعد إلى الجبل، الذى هو ارتقاء العقل عن الرذيلة، إلى علو الفضيلة ليباركنا مع خواصه الأطهار الأفاضل ونسجد له معهم. ثم نرتل مع النبي المرنم داود قائلين “ عظّموا الرب إلهنا واسجدوا فى جبله المقدس فإن الرب إلهنا قدوس ” (مز9:99)، وأيضاً نقول ندخل إلى مظلته ونسجد فى موضع قدسه ثم نصعد إلى العُلّية ونمكث ناظرين نحوه وله مترجين لكى يمنحنا موهبة روح قدسه، حتى يرشدنا إلى البر والحق إذ أن الرسول يعلمنا بمثل ذلك قائلاً ” إن كنتم قد متم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله واهتموا بما فوق لا بما على الأرض “، فإذا سمعت بالجلوس عن يمين الله فلا تظن أنه يمين محسوس لأن داود يقول  ” يمين الرب رفعتني يمين الرب صنعت قوة ” فلا تفتكر فى شئ محسوس ولا يمين ضد اليسار بل يعنى باليمين القوة والرفعة وإن الجسد الذى كان أسفل الكل صيّره فوق جالساً يعلو الكل. وبولس يفسر هذا قائلاً ” إنه أجلسه عن يمينه فوق فى السموات فوق الرؤساء والملائكة والسلاطين وفوق كل اسم يُسمّى وكل شئ أخضع تحت قدميه ” أعنى باليمين الرفعة والقوة والشرف الذى أُعطى للجسد المتحد به لأنه باللاهوت هناك لم يزل.

 

فلنرفض عنا الآن دنس العالم ولنطلب الشرف الذى صار لنا لئلا نكون نحن السبب فى هلاك نفوسنا وحدنا.

نحفظ أجسادنا نقية وأرواحنا طاهرة مضيئة لأجل الذى أتحد بحبه بالبشرية ورفعها إلى السماء العلوية.

فنصنع صلحاً وسلاماً مع بعضنا لأجل الذى صعد إلى السموات وصيّر الأرضيين واحداً مع السمائيين.

نرحم أهل الفاقة من أجل الذى رحمنا وأعطانا كل شئ بسعة غناه لحاجاتنا.

نسلك أمامه فى سبل مستقيمة لكى يجعلنا مستحقين الارتقاء إلى السبل العلوية السمائية، التى تقدمنا فيها رئيس الحياة الأبدية مخلص كل البَريّة. نحب النقاوة والطهارة ونجاهد على حفظها لكى يشرق فينا نور نعمته فى عُلّية نفوسنا ويملأنا من موهبة روح قدسه.

ننطق بمجده نتكلم بعجائبه ونخبر بقوة خلاصه وعظم ذراعه. نتلو ما صنع من أجلنا لكى نستحق الشركة مع رسله الأطهار الذين كرزوا باسمه بين الملوك والسلاطين وكافة الشعوب باجتهاد ومحبة كل أيام حياتهم. إذ أن الرسول يفتخر بذلك ويتلو مثل هذه الألفاظ قائلاً: ” عظيم هو سر التقوى، الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى للملائكة كُرز به بين الأمم أومن به فى العالم رُفع فى المجد ” (1تى16:3).

ونحن نسأل ربنا يسوع المسيح الذى صعد إلى السموات، أن يُصعدنا بقوته من بحر هذا العالم المهلك. ويثبت فى السبيل المستقيم أقدامنا. ويغفر ما تقدم من قبيح أعمالنا. ويساعدنا على العمل برضاه وحفظ وصاياه، ويرحم كافة بنى المعمودية الذين رقدوا على رجاء الإيمان باسمه القدوس بشفاعة سيدتنا الطوباوية البتول القديسة مريم والدة الخلاص. وكافة الرسل الأطهار والشهداء والقديسين الأبرار آمين.

*  يقصد الطبيعة البشرية المخلوقة.

ميمر على الصعود المقدس للأنبا بولس البوشى – د. سعيد حكيم