آبائياتأبحاث

الله يقوم بالحركة الأولى ف2 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

الله يقوم بالحركة الأولى ف2 - الفردوس بين يديك - الأب أنتوني م. كونيارس

الله يقوم بالحركة الأولى ف2 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

الله يقوم بالحركة الأولى ف2 - الفردوس بين يديك - الأب أنتوني م. كونيارس
الله يقوم بالحركة الأولى ف2 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

 

 

 

الفردوس بين يديك

هأنذا واقف على الباب وأقرع

الفصل الثاني – الله يقوم بالحركة الأولى

 

الله بنفسه

يلتمس الحُب

عند باب قلب الإنسان

بول إفدوكيموف

Paul Evdokimov

 

 

هل كان صائدًا أم فريسة؟!

  • ذات مرة, أثناء موسم صيد الغزلان, ظهرت في مجلة رياضيَّة صورة صائد جالس على جذع شجرة وبندقيته فوق ركبتيه، مترقبًا ظهور أحد الغزلان في ساحة الصيد, فاقترب منه من الخلف دب أسود دون أن يراه, وكان التعليق المكتوب تحت الصورة: “هل كان صائدًا أم فريسة؟” نحن نتحدَّث كثيرًا عن بحث الإنسان عن الله، كما لو كان الله هو المفقود، لا نحن, وكما لو كان الإنسان هو الباحث عن الله، وليس الله هو الباحث عن الإنسان.

الله يقوم بالمبادرة الأولى:

  • يقول يسوع: «هأنذا واقف على الباب وأقرع». ليس الإنسان هو الذي يقرع أولاً على باب الله, إنه العريس ـ يسوع ـ الذي يأخذ بزمام المبادرة، ويقدِّم لكل منا عرضًا بالزواج. إنه الله الذي يبدأ بالمبادرة الأولى. الخلاص لا يبدأ أبدًا بالإنسان, لكنه يبدأ بالله: «لأنه هكذا أحب الله العالم, حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16).
  • قال يسوع: «لا يقدر أحد أن يُقبِل إلَّي إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني.» (يو 44:6)
  • كتب القديس أمبروسيوس Ambrose:

“يتمشَّى الله في الأسفار المقدسة باحثًا عن الإنسان كما كان يتمشَّى في الفردوس.”

  • الكتاب المقدس ليس هو بحث الإنسان عن الله، لكنه بحث الله المتواصل عنا. الله المنطلق للبحث عنا حتى يجدنا. الله يضع واحدًا من الأسئلة المبكِّرة في الكتاب المقدس: «آدم، أين أنت؟» (تك3: 9). ضع اسمك في هذا السؤال: “مارك، مايكل، ستيفن، جانيت، بول، أين أنت؟” إنه نفس السؤال الشخصي لبحث الله عنا: “أين أنت؟” يمكننا أن نرُد كبطرس: “يا رب، ها أنا أغرق في الأمواج. نجِّني!  يا رب، ها أنا في الحفرة، في مستنقع الخطية، في قبر الموت. نجِّني.”
  • وضع القديس يوحنا ذهبي الفم John Chrysostom هذه الكلمات على لسان الرب يسوع: الملاحِق العظيم، المطارد السماوي العظيم:

“ماذا أقول؟ ليس بهذه الطريقة وحدها أوضحتُ لك حبي، بل أيضَا بما عانيتُه من أجلك. بُصِق على وجهي، وجُلدتُ. أخليتُ ذاتي من المجد. خرجتُ من عند أبي وأتيتُ إليك، يا من تكرهني، وتحيد عني، وتستنكر اسمي. لاحقتُك وتعقَّبتُك حتى أُدركك…”

  • الحق إنه ما زال يتتبَّعنا ويلاحقنا بينما نواصل نحن هروبنا منه، متوقِّعين أن نجد السعادة في مسرَّات هذا العالم.

العهود الأربعة:

  • كتب القديس إيريناؤس Irenaeus عن أربع مناسبات عظيمة قطع الله فيها عهودًا مع الإنسان أثناء ملاحقته إيَّانا:
  • المرَّة الأولى كانت مع نوح بعد الطوفان عندما أعطاه قوس قزح كعلامة. العهد الثاني كان مع إبراهيم عندما أعطاه الختان كعلامة. العهد الثالث كان على جبل سيناء, وكانت علامته الناموس. والعهد الرابع أعطاه الرب يسوع بنفسه، وهو على الصليب مختومًا بدمه. من هنا نرى على امتداد أحداث الكتاب المقدس أن الله يلاحقنا باستمرار، ولا ييأس منَّا أبدًا، المرة تلو الأخرى, والميثاق تلو الميثاق, ساعيًا أن يدخل قلوبنا كي يُوحِّد نفسه بنا.

    «أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي.» (رؤ 20:3)

كيف لم أطلبه؟

  • لو طلبناه، فنحن نطلبه لأنه طَلَبَنا أوَّلاً. كتب ستارتز (الأب الرُّوحي) سلوانSiloun Staretz:

“كيف أطلبك؟ لأنك قد طلبتني أوَّلاً.”

  • هذا البحث عن الله يبدأ مبكِّرًا جدًّا في حياتنا, فهو يبدأ في المعمودية. يتساءل كارل رانر Karl Rahner:

“ماذا يحدث في معمودية الأطفال؟ … الله يعرف احتياجنا, فتغمرنا رحمته قبل أن نطلبها, إنَّه حقًّا يفتقدنا حتى نقرع بابه. وهو وجدنا أوَّلاً لكي نطلبه.”

الآب الباحث:

  • النظر بإمعان لأب الابن الضال يعكس لنا صورة جميلة لمحبة الله الباحثة, عندما غادر الابن منـزل أبيه، لم يجلس الأب على كرسي هزاز منتظرًا عودته, فليست هذه من صفات الله كما كشفها لنا الرب يسوع.
  • من المُتصوَّر أن يكون الأب قد قال للخادم: “لا يمكنني تحمُّل الانتظار أكثر من ذلك, أنا ذاهب للبحث عن ابني”, وبهذا الشُّعور سار في الطريق في نفس اللَّحظة التي اقترب فيها ابنه. فلما رآه أبوه من بعيد، ركض إليه ووقع على عنقه، وقبَّله. عندما نبدأ العودة إلى الله لأي سبب من الأسباب، سنجد الله حتمًا ماضيًا في نفس الطريق كي يلاقينا, وبمجرد أن نمضي خطوة واحدة تجاهه، سيأخذ هو ألف خطوة تجاهنا. وحتى لحظة الموت، عندما ننتقل من أنوار هذه الأرض خلال وادي ظل الموت، فإن الله سيكون هناك منتظرًا إيانا بمصباح حبه، في أحلك الأودية على الإطلاق. للوصول إلى اختبار شخصي لمحبة الله في المسيح, يجب أن تؤمن بحقيقة أن الله منذ لحظة الميلاد حتى لحظة الموت, سوف يلاحقنا بالمحبة، ويعرض علينا أن يقدِّم لنا أعظم ما في الحياة: نفسه!

كنتُ أعرف أنَّهم يبحثون عني:

قصَّة:

  • هبط أحد طياري الحرب العالمية الثانية في بحر الشمال في طقس الشتاء القارس, وساعة تلو الأخرى تعلق بطوافته رغم الرياح الشديدة، والأمطار المتجمدة، والأمواج العاتية, وفي النهاية تم إنقاذه. وعندما سُئل عن سبب صموده طيلة هذه المدة في مثل هذه الظروف المرعبة، ردَّ قائلا: “لولا أنني كُنت أعرف أنهم كانوا يبحثون عني، لما كنتُ قد صمدتُ هكذا على الإطلاق.”
  • الرسالة العظمى لإيماننا المسيحي هي: الله كان يبحث عنا، ولا يزال يبحث عنَّا. لقد شيَّد الله سلَّمًا نازلا من السماء حتى الباب المؤدِّي مباشرة لقلبك وقلبي, وهو يقف خارج هذا الباب ويقرع، داعيًا إيَّانا بأسمائنا ملتمسًا وساعيًا للدخول.

    «هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشَّى معه وهو معي.» (رؤ3: 20)

  • أين يقف؟ إنه واقف قريبًا جدًّا خارج باب قلبك وقلبي ـ منتهى القرب! هل يشترط علينا أن ندعوه للدخول؟ لا! إنه يقرع برفقٍ، منتظرًا إيَّانا أن نستجيب من أعماق قلوبنا, ذاك الذي جاء إلى بيت لحم لا زال يواصل مجيئه إليك أينما كنت، ساعيًا للدخول كي يحوِّل جسدك إلى هيكل يحضر فيه الله.
  • يكتب اللاهوتي بول إفدوكيموف Paul Evdokimov فيقول:

“وفقًا لأقوال النسَّاك العظام، فالمسيحي إنسان بائس، متوسِّلٌ للنِّعمة، إلاَّ أنَّه يكتشف الواحد الذي يبدو كأنَّه أكثر توسُّلاً، إنَّه الله نفسه الذي يستجدي المحبة عند باب قلب الإنسان.”

يسوع يقرع كشحَّاذ:

  • الرب يسوع يأتي كشحَّاذ. لقد خدم الآخرين أولاً، وتحدَّث مع من لم يسمح أحد لنفسه أن يتحدَّث معه، وأكل مع أدنى أفراد المجتمع، ولمس من كان غير مسموح لأحد أن يلمسه لئلاَّ يتنجَّس, وغسل أرجل عبيده. لم يكن لديه عرش أو تاج أو مجموعة خدَّام أو حرَّاس مسلَّحون, بل كان له سكن مُستأجَر, وقبر مستأجر, وكان هذا هو نمط حياته الأرضية. الملوك والرؤساء ورؤساء الوزارات يحيطون أنفسهم بأتباعٍ يتقدَّمون أمامهم ويفتحون لهم الأبواب, ويقفون بانتباه منتظرين مرور العظماء, أمَّا يسوع فقال إنه يقف بنفسه على الباب كشحَّاذ وهو يقرع، منتظرًا بصبر أن يدخل حياتنا.
  • قال القديس أمبروسيوس:

“لو كان يسوع لا يرغب أن يدخل، لما جاء وقرع الباب، وإن لم يدخل، فاللَّوم يقع علينا نحن.”

مطارَدٌ من الله:

     دعني أشاركك قصتَي شابَّين يحكيان كيف كان الله يطاردهما بحثًا عنهما:

القصَّة الأولى:

  • كان كريج مورتون Craig Morton لاعب خط وسط فريق دنفر برونكس، وكان أبرز لاعبي الفريق في العام يكتب قائلاً:

    “كانت حياتي متمركزة أساسًا في الأمور الماديَّة. كنت أمتلك شقة فاخرة في نيويورك، وأتنـزَّه مع أجمل الجميلات، وأطوف بالطائرة أرجاء الولايات المتحدة, ولكن… عانيتُ في أعماقي… قضيت مرحلة بلوغي بلا معنى ولا هدف وأنا أمرح في الشوارع والحانات, ولكن في الواقع، لم يكن هناك أي شعور بالإشباع, حتى قابلتُ الرب يسوع”. بدأ كريج يدرك أن هناك شخصًا ما بالإضافة للاعبي الدفاع كان يطارده؛ وذاك المطارد أثبت له أنه من الصعب جدًّا مقاومته أو تخطِّيه.

    استمرَّ كريج يقول:

    “عرفتُ في أعماقي أن الرب كان يقرع، آملاً أن يدخل قلبي ويسكن فيه حتى النهاية”. وأخيرًا فتح كريج قلبه للرب يسوع، ودعاه لدخول حياته. سخر منه أصدقاؤه لأنه أصبح متديِّنًا عميقًا, إذ ظنُّوا هذا التديُّن تعصُّبًا, فرد كريج على ذلك قائلاً:

     “إن الرب يسوع لم يجعلني متديِّنًا متعصِّبًا، بل جعلني إنسانًا سعيدًا حقًّا”. وضع كريج حياته بأكملها في يد الذي لاحقه باستمرارٍ ومثابرة سنوات طويلة وأخيرًا انتهى هروبه من الله.  والسؤال الآن: هل سأجد الله؟

القصَّة الثانية:

  • وهي خاصة بشاب مُلحِد, سأل ذات يوم أستاذه في حصَّة دين: “هل تعتقد أنَّني سأجد الله يومًا ما؟”, وكان الأستاذ قسًّا. فأجابه القس: “توم، أعتقد أنك لن تجد الله على الإطلاق، لكنَّني متيقِّن تمامًا أنه سوف يجدك!” بعد التخرج اكتشف توم أنه كان يعاني من سرطان مميت, فذهب للقاء القس، الأب جون بول, وقال له: ”سبق لي أن سألتُك ما إذا كنتَ تعتقد أنني سأجد الله، فأجبتني قائلا: “لا! وهذا ما أدهشني.” ثم قلتَ لي: “لكن الله سوف يجدك.” فكَّرتُ في ذلك الأمر كثيرًا، رغم أن بحثي عن الله كان ضعيفًا للغاية في ذلك الوقت, ولكن عندما استأصل الأطباء ورمًا من فخذي، وأخبروني أنه كان ورمًا خبيثًا, فكَّرتُ جديًّا في وضع الله بالنسبة لي. وذات يوم التفتُّ لأجد الله هناك في داخلي, الآن علمتُ أنَّ الله يجري الأمور جيدًا بطريقته الخاصة وميعاده الخاص, لكن الشيء المهم هو أنَّه كان هناك, قد وجدني. أنت كنتَ على حق أيُّها الأب القس, فالله وجدني حتى بعدما توقَّفتُ أنا عن البحث عنه“.
  • الرب يسوع! ذاك الذي جاء متضعًا ليكون مخلِّصنا, لا يزال إلى اليوم وكل يوم مستمرًّا في المجيء إلينا اليوم بنفس الاتضاع، قارعًا الباب، منتظرًا إيانا أن ندعوه للدخول, وذلك المضيف يطلب أن يكون ضيفًا. ألا نستضيف ذاك الذي نستمد منه كل نسمة حياة؟ أنتركه خارج باب نفوسنا، بينما نزل من السماء من أجل خلاصنا؟ هل نستمر عائشين في الظلمة بينما يقف خلف الباب مباشرًة: نور العالم، وشمس البر، وهو يقرع ويدعو، ويلتمس، ويطلب أن يدخل قلوبنا الملوثة كي يحوِّلها مسكنًا لحلوله ولحضوره.
  • سأل أحدهم: “أين الله؟” فكانت الإجابة: “الله موجود أينما ووقتما تسمح له بالدخول.”
  • قال القديس يوحنا ذهبي الفم:

“لا تغلق الباب، لأن الواحد الذي تتركه واقفًا بالخارج هو المسيح.”

Øصلاة×

أنا مثل طفل ألعب الإستغماية,

منتظرًا أن يجدني واحد، ويدعوني باسمي،

ويقول لي: “أمسكتك!”

وقد فعلتَ أنت ذلك، يا رب!

وجدتني مختبئًا في أحقر وأردأ الأماكن،

وراء الضغائن القديمة…

تحت أطنان الإحباطات,

متورِّطًا في ذنوبي،

مختنقًا بالتنهُّدات الداخليَّة.

وجدتني، وهمست باسمي،

وقلتَ لي: “أمسكتُك!”

وأنا أومن أنَّك تعني ذلك…

والآن,

ربما تخرج الدموع الصامتة

من عيني …

وتُبلِّل خدودي.

وربما منذ الآن فصاعدًا,

لا أضطر أن ألعب الإستغماية

فيما بعد.

                                          روبرت أ.رينر

Robert A. Raines

 

الله يقوم بالحركة الأولى ف2 – الفردوس بين يديك – الأب أنتوني م. كونيارس

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !