أبحاث

الوحي – القمص عبد المسيح بسيط

الوحي – القمص عبد المسيح بسيط

الوحي - القمص عبد المسيح بسيط
الوحي – القمص عبد المسيح بسيط

الوحي – القمص عبد المسيح بسيط

عن كتاب:  التوراة كيف كتبت وكيف وصلت إلينا؟ للقمص عبد المسيح بسيط

1- ما هو الوحي :

1- قال داود النبى “وحي داود بن يسى … روح الرب تكلم بى وكلمته على لسانى(1)”، وقال نحميا “وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبيائك(2)”، وقال بطرس الرسول “وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا(3)”، وقال الرسل في صلاتهم “القائل بفم داود فتاك(4)”، وقال بولس الرسول “حسنا كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى قائلاً(5)”، وقال السيد المسيح عن دعوة داود للمسيح ربا “كيف يدعو داود بالروح ربا(6)”.

هذه الآيات جميعاً وغيرها توضح حقيقة واحدة وهى أن الله تكلم إلى الشعب بروحه مستخدماً أفواه أنبيائه، فقد كان هو العامل فيهم أو المحرك لهم، والقائل بواسطتهم ومن خلالهم، إذا فالوحي هنا هو كما قال وبستر في قاموسه الشهير “هو تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشرى، به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدسون لأن يقدموا الحق الإلهى بدون مزيج من الخطأ”، أو كما جاء في قاموس شامبرز هو “النفس : التأثير الإلهى الذي بواسطته أرشد كتبة الكتاب المقدس القديسون”.

2- قال القديس بطرس الرسول أيضا “وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت الذين تفعلون حسنا أن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم. عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل بكلام أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس(7)”.

وكلمة “مسوقين” هنا معناها الحرفى “محمولين”، والمعنى أن الروح القدس حمل أو ساعد، قاد، حرك، أرشد، هيمن على كتاب الوحي، حملهم لكتابة الإعلان الإلهى لكل البشرية. كما يؤكد الوحي هنا على أن جميع النبوات “ليست من تفسير خاص”، وإنما هى كلام الروح القدس على الأنبياء، ليست بمشيئة إنسان، بل بمشيئة الله. مصدر الكتب المقدسة هنا هو الروح القدس الذي حرك الأنبياء وتكلم بأفواههم وذكرهم بكل شئ لأنه ماكث فيهم، ويرشدهم إلى جميع الحق(8).

3- جاء في الرسالة الثانية إلى تيموثاوس قول الوحي “كل الكتاب هو موحي به من الله(9)”، وتعتبر “موحي به من الله” في اللغة اليونانية “ثيئوبنوستوس ـ   Theopneustos” ويعنى حرفياً “نفس الله” أو “تنفس الله” أو “الله تنفس”، فتكون الآية حرفياً “كل الكتاب تنفس به الله” أو “كل الكتاب هو نفس الله”. ونفس الله كما توضح لنا الآية التالية : “بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها(10)”، هو التعبير عن القدرة الإلهية الكلية، وعندما خلق الله الإنسان الأول جبله ترابا من الأرض “ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية(11)”.

نسمة الله أو نفس الله أعطت لآدم الحياة وخلقت الكون، والكتاب المقدس هو “نفس الله” أو “تنفس الله” أو الذي “تنفس به الله” وهذا يعنى أنه كلمة الله الذي أعطاه للبشرية إذ تنفس به، كتبته القدرة الإلهية التى خلقت الكون إذ حركت الرسل والأنبياء التى ذكرتهم بكل شئ وأرشدتهم إلى كل الحق وحفظتهم من كل زلل أو خطأ، عصمتهم من الخطأ، أثناء كتابتهم لكلمة الله الحية، فهو ذاته نفس الله خالق الكون ومعطى الحياة، هو كلمة الله الحية التى تنفس بها الله الحى، هو كتاب الله الحى.

4- قال السيد المسيح في أول كلماته، في بداية خدمته، في التجربة على الجبل “مكتوب(12)”. وقال في كلماته الأخيرة قبل الصعود “مكتوب … في ناموس موسى والأنبياء والمزامير(13)”، وكرر هذه الصيغة “مكتوب” مرات عديدة مؤكداً حتمية إتمام هذا المكتوب “ليتم المكتوب(14)”، وأن كل ما يحدث له لابد أن يتم “لأنه مكتوب”.

وهذا يؤكد أن “المكتوب” ليس مجرد مذكرات أنبياء أو كتابة بشرية، أدبية أو فكرية أو دينية، وإنما هو كلمة الله ذاتها التى أعلنها لأنبيائه وحركهم لكتابتها، تنفس بها، التي تكلم بها الروح القدس مستخدماً أفواههم وأعضائهم البشرية في إعلانها وكتابتها، لذلك يقول الرسول بولس، أنه ليس “أقوال تعلمها الحكمة الإنسانية بل بما يعلمه الروح القدس(15)”.

2- المسيحية ووحي العهد القديم :

وكما أكد السيد المسيح على حتمية إتمام المكتوب عنه في العهد القديم، فقد كان العهد القديم أيضا هو كتاب المسيحية الأول إلى جانب البشارة الشفوية بالإنجيل ولما دون العهد الجديد وكتب وكان هو العهد الجديد المبنى على ما جاء في العهد القديم، لقد كان وما يزال العهد القديم هو الجزء الأول من كتاب الله وكلمة قدرته، كلمة الله الحية والفعالة، الجزء الأول من الكتاب المقدس بعهديه.

فاقتبس من التلاميذ والرسل واستشهدوا به وبكل ما كتب فيه عن السيد المسيح “مات المسيح لأجل خطايانا حسب الكتب(16)”، بل كان هو في الأغلب نقطة البداية في الكلام عن المسيح والبشارة به “وأبتدأ من هذا الكتاب (سفر أشعياء) فبشره بيسوع(17)”، “وكان يحاجهم من الكتب ثلاثة سبوت موضحاً ومبيناً أنه كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات(18)”، “وأنا لا أقول شيئاً غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون(19)”، “لأن داود يقول فيه (المسيح)(20)”، “الكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع أمم الأرض … لتنصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح(21)”.

وكان الرسل يستخدمون دائما تعبير “المكتوب”، “كلمة الله”، “تكلم الله بفم”، “تكلم الروح القدس”، فقد كان العهد القديم بالنسبة لهم ـ كما علمهم السيد المسيح نفسه ـ هو كلمة الله الحية التى كتبها “أناس الله القديسين مسوقين من الروح القدس” و”كل الكتاب هو تنفس الله” موحي به من الله.

3- كتاب الإعلان ودورهم في الكتابة :

العهد القديم مثل العهد الجديد هو كلمة الله وأعماله الخلاقة، فهو يضم كلمة الله وعمله الخلاق إلى جانب الأحداث الجارية التى جرت في عصور الإعلان المختلفة، إذ يضم أيضا بعض أعمال الأنبياء وأسلوب وكيفية تلقيهم للإعلان وكيفية توصيله للبشر وكيفية تقبل البشر له، والظروف والأحداث التى كانت ملازمة للإعلان وتأثير هذا الإعلان فيها، كما أنه في كتاب الإعلان استخدمت كل ألوان وأنواع الأساليب الأدبية من شعر ونثر ودراما وقصة وملحمة وأمثال وحكم وتاريخ وأدب … الخ، فما دور الكتاب في هذا الإعلان؟

ونجيب على هذا السؤال بمثال حى وهو حقيقة تجسد السيد المسيح، فهو كلمة الله الأزلى الحى الخالق، عقل الله الناطق الذي لكى يظهر للبشرية “اتخذ جسداً”، “صار جسداً(22)”، “ظهر في الجسد(23)”، “تشارك مع البشرية في اللحم والدم(24)”، “شابه البشرية في كل شئ ماعدا الخطية(25)”، ومن ثم كان يتكلم بأقوال الله ويعلن عن ذاته ويعمل أعماله، كل أعماله(26)، فهو كامل في لاهوته، وكان يتكلم كإنسان ويعمل أعمال الإنسان، عدا الخطية، فهو أيضا كامل في ناسوته، إنسانيته، أنه إله وفى نفس الوقت إنسان، الله الذي اتحد بالبشرية في ذاته.

والكتاب أيضا هو كلمة الله الحية الفعالة إلى ظهرت في شكل كلمات بشرية لأن الله أستخدم البشر في كتابتها فصيغت بكلمات وعبارات يفهمها البشر، صيغت بأسلوبهم وأدبهم، وكتبت بيديهم فعبرت عنهم وعن قوتهم وضعفهم.

الكتاب إذاً هو كلمة الله ونفس الله الذي تكلم به بروحه على أفواه قديسيه وكتبه بأقلامهم وأسلوبهم، هو إعلان الله عن ذاته وإرادته وغايته لكل البشرية، وهو أيضا كتاب الإنسان لأنه يحكى تاريخه ويعبر عنه في كل مواقف حياته، أنه كتاب الله في علاقته مع الإنسان وكتاب الإنسان الذي حمله روح الله على كتابته أو الذي استخدمه الله في تدوينه وكتابته، أنه نفس الله الذي تنفسه فصارت الكلمات التى يستخدمها البشر حية، كلمات حية هى كلمة الله الحية والفعالة التى تكلم بها وكتبها البشر إذ نطقها الروح القدس بأفواههم وكتبها بأقلامهم.

ولكننا لا نقصد هنا ولا يشير الكتاب ذاته إلى وحي إملائى، ميكانيكى، آلى، جامد، بمعنى أن الروح القدس أملى على كتاب الوحي أو حفظهم أو لقنهم كل كلمة وكل حرف وكأنهم مجرد شريط تسجيل لا دخل له فيما يسجل عليه، نعم هناك نصوصاً كتبت إملائياً، أملاها الله وكان على البشر أن يحفظوها كما هى مثل الوصايا العشر التى كتبها الله بنفسه على لوحي الحجارة، ولكن الله في الكتاب المقدس مثل المؤلف الموسيقى والأنبياء كعازفى الكمان أو الفرقة الموسيقية التى تعزف ما ألفه المؤلف الأصلى بآلاتهم وأسلوبهم.

لقد كتب الكتاب بأسلوبهم واحتفظوا بتفردهم ولم تلغى شخصياتهم ودورهم كشهود وأعضاء عاملين في توصيل الإعلان، فكتبوا بأسلوبهم واستخدموا قدراتهم بل واختلف أسلوب كتابة كل واحد منهم. وعلى سبيل المثال يختلف أسلوب كتابة موسى النبى الذي تعلم بكل حكمة المصريين وأسلوب كتابة دانيال الذي تربى في مدرسة الحكمة في بابل بل وصار الوزير الأول عن أسلوبه كتابة عاموس راعى الغنم وجانى الجميز.

وعلى ذلك نسب الكتاب كله لله ونسب للبشر أيضا، فيقال “موسى كتب(27)”، “قال موسى(28)”، “أشعياء … يقول(29)”، “أشعياء قال(30)”، “صاح أشعياء(31)”، “تنبأ أشعياء(32)”، “يقول داود(33)”، “قال داود(34)”، ثم يقال أيضا “قال الله”، “كلمة الله”، فكلام الكتاب هو كلام الله الذي تفوه به الأنبياء “لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم(35)”، “سبق الروح القدس فقاله بفم داود(36)”، أو صموئيل أو أشعياء … الخ.

فهرس الكتاب:

 

(1) 2صم 1:23،2

(2) نح 30:9

(3) أع 25:4

(4) أع 25:28

(5) متى 24:22

(6) 2بط 9:1-21

(7) يو 17:14؛ 13:16

(8)

(9) 2تى 16:3

(10) مز 6:33

(11) تك 7:2

(12) متى 4:4

(13) لو 45:44

(14) يو 18:13؛ 12:17

(15) 1كو 13:2

(16) 1كو 3:15،4

(17) أع 35:8

(18)

(19) أع 22:26

(20) أع 25:2

(21) غل 8:3،14

(22) يو 14:1

(23) 1تى 16:3

(24) عب 12:2-14

(25) عب 5:4

(26) يو 15:16

(27) مر 19:2؛ لو 28:20

(28) متى 24:22؛ مر 10:7؛ أع 22:3

(29) رو 20:10

(30) يو 39:12

(31) رو 27:9

(32) رو 29:9

(33) لو 42:20؛ أع 25:2؛ 9:11

(34) مر 36:12

(35) متى 20:10

(36) أع 16:1

الوحي – القمص عبد المسيح بسيط

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)