أبحاث

الابن الكلمة اللوجوس (Logos) عبر تاريخ العقيدة – القمص عبد المسيح بسيط

الابن الكلمة اللوجوس (Logos)  عبر تاريخ العقيدة – القمص عبد المسيح بسيط

الابن الكلمة اللوجوس (Logos)  عبر تاريخ العقيدة - القمص عبد المسيح بسيط
الابن الكلمة اللوجوس (Logos) عبر تاريخ العقيدة – القمص عبد المسيح بسيط

الابن الكلمة اللوجوس (Logos)  عبر تاريخ العقيدة – القمص عبد المسيح بسيط

1 – كلمة الله في العهد القديم:

  أدرك علماء العهد القديم من اليهود، خاصة في القرن الخامس قبل الميلاد، أن لله كلمة في ذاته وهذا الكلمة هو، كلمة الله، الكائن في ذات الله، وأنه العامل والفاعل في الكون وخالقه ومدبره وفاديه وديانه، ومن ثم يستخدم الكتاب كلمة الله هنا بمعنى الكلمة التي تخرج من فم الله، ولكنها ليست ككلام الإنسان بل كلمة الله التي تعمل في الكون، وعندما يقول الله للشيء ” كن ” تعمل كلمته في الكون والمادة والطبيعة وتجعل الشيء موجوداً ” يكون ” وتعطي الحياة. ومن هنا نفهم حقيقة ما جاء في بداية سفر التكوين قوله: ” في البدء خلق الله السموات والأرض … وقال الله ليكن نور فكان نور “.

وفي بقية آيات الخليقة في بداية فسفر التكوين يقول أن الله قال ” ليكن “، ثم يتلوا أمره عبارة ” وكان كذلك “. (تك1 :1-27). وهذا يعني أن عمل الخلق، كما فهمه علماء اليهود، قد تم بـ ” كلمته “، كلمة الله التي تعمل في الكون والخليقة وتقوم بعمل الخلق وإيجاد الخليقة من لاشيء، من العدم، وتعطي الحياة للخليقة. فالكلمة، كلمة الله، هنا هي كيان إلهي في ذات الله يقوم بعمل الخلق، ويقدم لنا المزمور (33) صورة وصفية واضحة وإشارة لعمل كلمة الله الخالق حيث يقول: “ بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها ” (مز33: 6).

  والكلمة هنا مشخصة، ككيان متمايز في الذات الإلهية، تقوم بعمل الخلق في الكون والطبيعة وتعطي الحياة. كما يوضح لنا الوحي الإلهي في سفر اشعياء وجود هذا الكلمة الإلهي في الذات الإلهية وكيف يرسلها الله لتعمل في الكون والخليقة بقوله: ” لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه ” (اش48 :16). وهذا الوصف لعمل كلمة الله يساوي قوله: ” في البدء كان الكلمة (لوجوس – logos –lo,goj) والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله … والكلمة صار جسداً وحل بيننا ” (يو1:1و14). كما يوضح لنا كيفية عمله في الكون وكيفية خروج الكلمة من ذات الله، بدون انفصال، لتعمل ما يرسلها من أجله، بقوله: ” كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له ” (اش55 :11). أي أن الله يرسل كلمته من ذاته لتعمل إرادته وتنفذ العمل الذي أرسلها من أجله.

  فالله في طبيعته وجوهره، كلي الوجود وكلي القدرة وكلي الحكمة والعلم وهو روح ونور غير مرئي وغير مدرك بالحواس ولذا يكشف ويعلن عن ذاته في الطبيعة وفي الناموس والأنبياء بواسطة كلمته ويعمل في الخليقة والكون بكلمته وحكمته. وتظهر هذه العقيدة في العهد القديم في ثلاثة أوجه هي:

(1) الكلمة، كلمة الله في العهد القديم ترمز دائما لقوة الله وعمل الله في الكون والخليقة، فهي المنفذة لإرادته والموجودة والمتضمنة في ذاته الإلهية، وترتبط دائماً بعمل الله الخلاق، كما بينّا أعلاه: ” وقال الله ليكن “، وهي تظهر كأقنوم، مشخص ومتمايز في الذات الإلهية، كما يصورها الشعر العبري النبوي في العهد القديم(1)، التي تظهر في بعض فقراته، كالفاعل المحرك والفعال المنفذ للإرادة الإلهية كقوله(2): ” أرسل كلمته (Arb’D>â- to.n lo,gon auvtou – His word) فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم ” (مز107 :20)، والفاعل المنفذ في الطبيعة ” يرسل كلمته (Ar*b’D> – o` lo,goj auvtou/) في الأرض سريعا جدا يجري قوله ” (مز147 :15).

وينسب إلي كلمة الله كل صفات الذات الإلهية لكونها كلمة الله الذاتي والإعلان الإلهي المستمر سواء في الطبيعة والكون أو الناموس والأنبياء ” لأن كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالأمانة ” (مز33 :4)، ” يبس العشب ذبل الزهر وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد ” (أش40 :8)، كما أن الكلمة هو الشافي ” أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم ” (مز107 :20)، بل ويقول أيضاً: ” كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له ” (اش55 :11)، وكذلك قوله في مزمور (147 :15) ” يرسل كلمته في الأرض سريعا جدا يجري قوله “. وقد جاءت عبارة ” بكلمة الرب ” في قوله: “ بكلمة الرب (يهوه) صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها ” (مز33:6) ” בדבר יהוה – bdâbâr yhwh ” والكلمة هنا ” rb’D’ – dâbâr  “، لتؤكد هذا المعنى وهو أن الله خلق الكون وأعطاه الحياة بكلمته، كلمة الله، كلمة الرب (يهوه) ” dâbâr yhwh “.

  وقد ترجمت عبارة ” بكلمة الرب (يهوه) ” في هذه الآية الأخيرة (مز33:6) في اليونانية السبعينية ” tw/| lo,gw| tou/ kuri,ou – بكلمة الرب “، وفي الإنجليزية “By the word of the LORD  “، والكلمة هنا ” lo,gw| = lo,goς = Word “(3). كما أن كلمة ” rb’D’ – dâbâr  – الكلمة ” ترجمت إلى اليونانية في كل العهد القديم إلى ” lo,goj ” و ” r`h,ma “(4)، وترجمت ” لوجوس – lo,goj ” في كل الأسفار التاريخية. والكلمة نفسها في العبرية، كما يقول قاموس Kittel اللاهوتي، تقدم لنا المفهوم المادي للطاقة المحسوسة فتظهر كالقوة المادية التي تجرى القوة في المادة وتصنع الحياة. وكانت الكلمة في كل أسفار العهد القديم تعبر عن الإعلان الإلهي في الناموس والأنبياء. وفيما بعد السبي اجتمع الناموس في كل من أسفار موسى والأنبياء وهنا اتخذت الكلمة شكلا مكتوباً وتحول المفهوم النبوي لكلمة الرب (يهوه) ” דבר יהוה – dâbâr yhwh ” و ” lo,gw| tou/ kuri,ou ” إلى كلمة كلية جامعة، ولأن كلمة الرب (يهوه) تشير دائما للإعلان الإلهي في الناموس والأنبياء فقد استخدمها الكتاب لتشير أيضاً لإرادة الله المعلنة، كما يعلن الكتاب أن الكلمة لها مجال ثالث في الإعلان الإلهي هو خليقة الطبيعة والكون التي يقول الكتاب أنها خلقت بكلمة الرب (يهوه) (5).

  وعندما تُرجم العهد القديم من العبرية إلى الآرامية فيما سمي بالترجومات، أي الترجمات، أيام عزرا الكاهن والكاتب في القرن الخامس قبل الميلاد، وضُعت كلمة ” ميمرا – מימרא –Memra )(6) الآرامية كبديل وترجمة لـ ” دابار – dâbâr) العبرية، لتشير إلى ” كلمة الله ” بل وإلى ” الله ” نفسه، بل ووضعت أيضاً كترجمة لقول الله ” أنا “، وصارت اسم خاص لله. وصار هذا هو اعتقاد علماء اليهود، الربيين، منذ ذلك الوقت (نح8 :6-8). فتقول جذاذة ترجوم على التوراة (خر12 :42): ” في الليلة الأولى عندما ظهر كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) للعالم لكي يخلقه، كان العالم خالياً وخرباً وانتشرت الظلمة فوق كل اللاتكون وكان كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) مشرقا ومنيراً ودعاها الليلة الأولى “. ويقول ترجوم يوناثان على تكوين (1 :27) عن خلقة الإنسان: ” فخلق كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) الإنسان على صورته على صورة يهوه، يهوه خلقه “(7). ومن ثم فقد استقر في التقليد اليهودي أن الله الخالق الذي خلق الكون وأعطاه الحياة بكلمته، خلق بكلمته، وأن الخالق الفعلي هو كلمة الرب (يهوه)، وكلمة الله، كلمة الرب، متمايز في ذاته، فهو الله وهو كلمة الله الذي ينفذ إرادة الله ويعمل عمله في الكون والخليقة(8).

  يقول كتاب (Mek., Beshallaḥ, 10) مشيرا لقوله: ” بكلمة الرب خلقت السموات … ” (مز33 :6): ” الواحد القدوس المبارك خلق العالم بالكلمة ” Ma’amar “. كما يقول سفر يشوع بن سيراخ(9)، الذي يرجع للقرن الثاني قبل الميلاد: ” بكلمة الرب وُجدت أعماله ” (بن سيراخ42:15). ويقول سفر الحكمة، الذي يرجع للقرن الثاني قبل الميلاد، يقول ” بل كلمتك التي تشفي الجميع ” (حك16 :12)، ” حتى أنقضت كلمتك الجبارة من عرشك الملكي في السماء إلى تلك الأرض المنكوبة كالمحارب الشرس ” (حك18 :15). وتقول المشناه، التي تعني دراسة الشريعة، وهي تشير إلى خلق السموات في تكوين (ص1): ” أقيمت السموات العليا معلقة بكلمتك الخلاقة (Creative Ma’amar) “. بل ويقول اليهود في صلواتهم ” أنت خلقت العالم بكلمتك وعينت الإنسان بحكمتك ليسود على الخليقة التي خلقتها “. ويقول سفر عزدراس الرابع الأبوكريفي: ” يا رب أنت قلت في اليوم الأول للخليقة: ليكن هناك سموات وأرض وقامت كلمتك بإنجاز العمل “(10).

  وهكذا استخدم الترجوم كلمة (كلمة الرب – מימרא יהוה = Memra Yhwh ) ليعلن بها عن القوة الإلهية أو كالممثل لله الذي يقوم بعمل الله، بل والمرادف لله نفسه، ومن ثم يترجم قوله: ” لستم واثقين بالرب إلهكم ” (تث1 :32)، إلى ” لستم واثقين بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) “، و ” ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي ” (تث18 :1)، إلى ” ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) “، و ” الرب إلهك هو العابر أمامك نارا آكلة ” (تث9 :3) إلى ” كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) هو العابر “، و ” فضرب الرب الشعب ” (خر32 :35)، إلى ” فضرب كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) “، و ” واخرج موسى الشعب من المحلّة لملاقاة الله ” (خر19 :17)، إلى ” واخرج موسى الشعب من المحلّة لملاقاة كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) “، ” وأنا اجتمع بك هناك ” (خر25 :22)، إلى ” ويجتمع بك كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) و ” ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز ” (خر33 :22)، إلى ” وأسترك بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) “، و ” وترذلكم نفسي ” (لا 26 :30)، إلى ” وترزلكم كلمتي Memra “. وترجموا عبارة ” صوت الرب ” و ” صوت السيد ” في (تك3 :8؛ تث4 :33و36؛ اش6 :8)، إلى ” صوت كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) “، و ” أنا كنت واقف بين الرب وبينكم ” (تث5 :5)، إلى ” أنا كنت واقف بين كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) وبينكم “، و ” لأنه علامة بيني وبينكم ” (خر31 :13و17)، إلى ” لأنه علامة بين كلمتي  Memra  وبينكم “، و ” فجاء الله إلى ابيمالك في حلم الليل ” (تك20 :3)، إلى ” فجاء كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) إلى ابيمالك في حلم الليل “، و ” فوافى الله بلعام ” (عد23 :4)، إلى ” فوافى كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh ) بلعام “. وحول الترجوم كل العبارات الخاصة بمساعدة الله لإسرائيل وعمله للقوات والآيات والعجائب إلى كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh )، (أنظرعد23 :21؛ تث1 :30؛ 33 :3؛ اش63 :14؛ ار31 :1؛ هو9 :10)(11).

(2) ملاك يهوه؛ وإلى جانب عمل الله الذي أدرك علماء اليهود أنه خاص بالكلمة، كلمة الرب (يهوه)، كلمة الله، الذي من ذات الله وفي ذاته، أدركوا أيضا أن كل الظهورات الإلهية التي ظهر خلالها الله للآباء والأنبياء في العهد القديم، خاصة أسفار موسى الخمسة؛ مثل ظهوره وحديثه مع آدم وإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى النبي، والتي وصف فيها الإعلان الإلهي الظهور الإلهي بظهور ملاك الله؛ ملاك الرب (يهوه) وملاك حضرته (اش63 :9)، وملاك العهد (ملا3 :1)، هي ظهورات لكلمة الله، الكلمة الإلهي، الذي وصف في العهد الجديد بـ ” صورة الله غير المنظور ” (كو1 :15)، خاصة وأن هذا الملاك يتحدث عن نفسه باعتباره الله، الرب (يهوه)، كما عرف والآباء وأدركوا بالفعل أنه الرب (يهوه)، وتكلموا عنه باعتباره ملاك الرب (يهوه)، وأنه هو نفسه الرب (يهوه)، الله. لذا فعندما بارك يعقوب أبنه يوسف قال له: ” الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم واسحق. الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم. الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين ” (تك48 :15و16). وهو هنا يقول أن الله الذي سار أمامه هو وأبويه إبراهيم وإسحق ورعاهم، هو نفسه ملاك يهوه.

  ولأن الله بطبيعته وجوهر لاهوته، لا يرى لذا فقد أدرك علماء اليهود أنه كان يظهر للآباء والأنبياء بكلمته (ميمرا يهوه – מימרא יהוה = Memra Yhwh)، ومن ثم فعندما ترجموا العهد القديم للآرامية وضعوا عند ذكر الظهورات الإلهية، سواء لله أو لملاك يهوه، كلمة الرب (يهوه)؛ ” מימרא יהוה = Memra Yhwh) “، والتي تعني ” كلمة الله = كلمة الرب (يهوه) “، كبديل للرب (يهوه)، سواء في الظهورات أو في عمل الخلق. ويظهر تعبير ” מימרא יהוה = Memra Yhwh ” كتعبير عن الظهور الإلهي وعمل الله في الخليقة 596 مرة في الترجومات (أي الترجمات إلى الآرامية)، فيستخدم ترجوم أونكيلوس هذا التعبير 179 مرة، وفي ترجوم أورشليم 99 مرة، وفي ترجوم يوناثان 321 مرة. وعلى سبيل المثال فقد ترجموا قوله: ” وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة “. وقد ورد تعبير ” الرب الإله ” في العبرية: ” יהוה אלהיםElohim Yhwh ” إلى ” كلمة الرب – מימרא יהוה = Memra Yhwh “.

  ومن ثم فعندما ظهر الله لموسى النبي في العليقة ظهر له في البداية كملاك الرب (يهوه) ولما اقترب موسى من العليقة تحدث معه باعتباره الله، ” أهيه الذي أهيه – hy<+h.a,( rv<åa] hy<ßh.a,( (Eheyeh asher Eheyeh) = أكون الذي أكون ” والتي ترجمت في اليونانية ” أنا هو الكائن – evgw, eivmi o` w;n “، يقول الكتاب: ” وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليّقة … فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة … ثم قال أنا اله أبيك اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله ” (خر3 :2-6)، ” فقال موسى لله ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم اله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم. فقال الله لموسى أهيه الذي أهيه. وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه (hy<ßh.a,( – o` w’n = الكائن)(12) أرسلني إليكم وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه (hw”ùhy> – ku,rioj) اله آبائكم اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور ” (خر3 :13-15).

ويعلق ترجوم أورشليم: ” وقال كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) لموسى: أنا هو الذي قلت للعالم ” كنفكان: والذي سأقول له في المستقبل ” كن ” وسيكون. وقال: وتقول لبني إسرائيل: أنا هو أرسلني إليكم “.  ويقول ترجوم أورشليم على تكوين (16 :13) عن الظهور الإلهي لهاجر: ” وشكرت هاجر وصلت باسم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) الذي كشف لها عن نفسه “. وهكذا نسبوا كل ما لله، الرب، يهوه، لكلمة الرب، كلمة يهوه، ميمرا يهوه (Memra Yhwh)(13). ومن ثم يقول مدراش، أي دراسات العهد القديم، راباه على تكوين (44 :1): ” بعد هذه الأمور جاءت كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) إلى إبراهيم في الرؤيا قائلا. لا تخف يا إبرام. أنا ترس لك. أجرك كثير جدا “. لأنه مكتوب من جهة لإبراهيم أن طريقه كامل وكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) نقية (2صم22 :31) … وقد امتحن كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) بشكل جوهري أن القدوس الذي أرضاه جربه في فرن نارية وكان ترسا لكل الذين التجئوا إليه (2صم22 :31) “(14).

  ويقول ترجوم أونكيلوس على تكوين (15 :6): ” فآمن إبراهيم بكلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) وحسب له ذلك برا “. كما صلى إبراهيم باسم كلمة الرب: ” وعبد إبراهيم الرب وصلى باسم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh)، وقال أنت يهوه الذي يرى ولكنك لا يمكن تُرى “. ويقول ترجوم أورشليم عن إبراهيم عندما قدم إسحق ابنه: ” الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني ” (تك22 :8)، والتي جاءت في الترجوم: ” فقال إبراهيم كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) يرى له الخروف للمحرقة يا ابني “(15).

  ويقول ترجوم أونكيلوس على تكوين (28 :20و21): ” أن كان كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) معي … يكون كلمة الرب (ميمرا يهوه – מימרא יהוה = Memra Yhwh) لي إلها ” … الخ.

  ويقول أيضاً على تكوين (28 :20-21): ” ونذر يعقوب نذرا قائلا أن كان كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) معيني وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه وأعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس ورجعت بسلام إلى بيت أبي يكون كلمة الرب (מימרא יהוה = Memra Yhwh) لي إلها “.

  كما يقول ترجوم على مزمور (22 :9) أن الملك داود يحث شعب إسرائيل أن يثقوا في كلمة الرب: ” ثقوا في كلمة الرب (מימרא Hy”å = Memra Yah) كل الأوقات يا شعب بيت إسرائيل! أسكبوا أمامه تنهدات قلوبكم يقول الله ثقتنا إلى الأبد “(16).

(3) الحكمة المشخصة؛ ويصف الكتاب المقدس أيضاً عمل الحكمة التي كانت في الذات الإلهية منذ الأزل بلا بداية والتي لا يعرف عنها أحد شيء سوى الله ذاته في سفري أيوب والأمثال، في الكون والخليقة، ويشخصها لنا الوحي الإلهي بطريقة شعرية، ولكن كالحكمة الإلهية، ويقول عنها أنها سر عظيم في الحياة لأنها مخفية في ذات الله. يقول سفر أيوب بأسلوب شعري: ” أما الحكمة فمن أين توجد وأين هو مكان الفهم. لا يعرف الإنسان قيمتها ولا توجد في أرض الإحياء … فمن أين تأتي الحكمة وأين هو مكان الفهم … الله يفهم طريقها وهو عالم بمكانها ” (أي28 :12و13و20و23).

وهذه الحكمة تظهر بوضوح في سفر الأمثال، بل وتظهر أكثر تشخيصاً، ويصور لنا بأسلوب شعري كيف أمتلكها الله قبل أن يخلق العالم، قناها في بداية طريقه منذ الأزل وقبل كل بدء وخلق بها الكون والعالم: ” الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر أبدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة. لما ثبت السموات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة على وجه الغمر. لما اثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر. لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم أسس الأرض. كنت عنده صانعا وكنت كل يوم لذّته فرحة دائما قدامه ” (أم8 :22-30).

  واستخدم الكتاب هنا كلمة ” قناني – ynIn”q – Canani “، أي امتلكني، والتي تترجم في الإنجليزية ” possessed me  “، ولكنها ترجمت في اليونانية ” e;ktise,n me – ektisen me ” والتي تعني صنعني (made me) أو خلقني (created me). ولكن هذه الترجمة لا تتفق مع الأصل العبري ولا تتفق مع كونها  هي الخالق الذي خلق الله به الكون، فالخالق لا يمكن أن يكون مخلوقاً، بل ويذكر هذا الإصحاح وجودها قبل الخليقة خمس مرات. إذا فالنص العبري يقول قناني، أي امتلكني كما جاءت في الترجمات الإنجليزية “possessed me  “، وليس خلقني أو صنعني. وهذه الترجمة، اليونانية السبعينية أستغلها آريوس والآريوسيين بشدة في محاولة لإثبات هرطقتهم ولكن القديس أثناسيوس الرسولي رد عليهم رداً حاسماً، وبين لهم العكس.

  أما سفر الحكمة، من الأسفار القانونية الثانية، فيزداد المعنى فيه وضوحا وتظهر الحكمة مشخصة بصورة أكثر. فيصف السفر الحكمة بصفات الطبيعة الإلهية ويتكلم عنها كاسم مرادف للطبيعة الإلهية ويربطها بالمسيا، أي المسيح المنتظر، حيث يقول: ” فإِنَّ فيها روحًا فَطِنًا قُدّوسًا وَحيدًا متَشَعِّبًا لَطيفًا مَحَرِّكًا ثاقِبًا طاهِرًا واضِحًا سَليمًا مُحِبًّا لِلخَيرِ حادًّا حُرًّا محسِنًا مُحِبًا لِلبَشَر ثابِتًا آمِنًا مُطمَئِنًّا يَقدُِر على كُل شيَءٍ ويْراقبُ كُلَّ شيء يَنفُذُ إِلى جَميعَ الأَرْواح الفَهِمَةِ مِنها والطَّاهِرَةِ والأشَدً لَطافَةً لأنَّ الحكمةَ أكثر حَرَكَةً مِن كُلِّ حَرَكَة فهي لِطَهارَتها تَختَرِقُ وتَنفُذُ كُل شيَء. فإنَّها نَفحَةٌ من قدرَةِ اللهِ واْنبعاثٌ خالصٌ مِن مَجدِ القَدير. فلِذَلك لا يَتَسرَبُ إِلَيها شيءٌ نَجِس لأنَّها اْنعِكاسٌ لِلنَّّورِ الأزَليَ ومِرآةٌ صافِيَةٌ لِعَمَلِ الله وصورَةٌ لِصَلاحه. تَقدِر على كُلِّ شيء وهي وَحدَها وتُجَدَدُ كلَّ شيَءٍ وهي ثابِتَةّ في ذاتها وعلى مَرِّ الأجْيالِ تَجْتاُز إِلى نُفوسٍ قِدِّيسة فتُنشئُ أَصدِقاءَ لِلهِ وأنبياء لأنَّ اللهَ لا يُحِبُّ إِلَّا مَن يُساكِنُ الحِكمَة. فإنَّها أَبْهى مِنَ الشَّمس وأَسْمى مِن كُلً مَجْموعةِ نجوم وإِذا قيست بِالنورِ ظَهَرَ تَفوَقُها لأنَّ النَّّورَ يَعقبه اللَّيل. أَمّا الحِكمَةُ فلا يَغلِبُها الشَرَ ” (حكمة7 :22-30).

  بل ويعطيها صفات الله الأزلي الخالق ويتكلم عن جلوسها معه على كرسيه ويربطها بصفات الابن الذي كل شيء به كان والمرسل إلى العالم لخلاص البشرية: ” يا إِلهَ الآباءِ ويا رَبَ الرَحمَة يا صانع كُلِّ شيءٍ بكَلِمَتِكَ ومُكَوِّنَ الإِنْسانِ بِحِكَمَتِكَ لِكَي يَسودَ الخَلائِقَ الَّتي صَنَعتَها ويَسوسَ العالَمَ بِالقَداسةِ والبرّ ويُجرِيَ الحُكْمَ  بِاْستِقامةِ النًّفْس هَبْ لِيَ الحِكمةَ الجالِسَةَ مَعَكَ إِلى عَرشِكَ ولا تَنبُذْني مِن بَين أَبْنائِكَ … الحِكمَةُ الَّتي مِنكَ … مَعكَ الحِكمةَ العَليمةَ بِأَعمالِكَ والَّتي كانَت حاضِرة حينَ صَنعتَ العالَم وهي عارِفةٌ ما المَرضِيُّ في عَينَيكَ والمُستَقيمُ بِحَسَبِ وَصاياكَ. فأَرسِلْها مِنَ السَّمواتِ المُقَدَّسة واْبعَثْها مِن عَرشِ مَجدِكَ لِكَي تَقِفَ إِلى جانِبي وتَجِدَّ معي وأَعلَمَ ما المَرضِيّ لَدَيكَ. فإِنَّها تَعلَمُ وتَفهَمُ كُلَّ شيَء فتَكونُ لي في أَفْعالي مُرشِدًا فَطينًا وبِمَجدِها تَحْميني … مَنِ الَّذي عَلِمَ بمَشيئَتِكَ لو لم تُؤتِ الحِكمَة وترسِلْ مِنَ العُلى رُوحَكَ القُدُّوس؟ هكذا قُوِّمَت سُبُلُ الَّذينَ على الأَرض وتَعَلََّمَ النَّاسُ ما يُرضيكَ وبِالحِكمَةِ نالوا الخَلاص ” (حكمة9).

(1) كتبت معظم النبوات في أسفار الأنبياء في العهد القديم شعرا ليسهل على الشعب حفظها في عصور كانت تعتمد بالدرجة الأولى على الحفظ وترديدها شفويا.

(2) George B Stevens, Johannine Theology p.77.

(3) Brenton. The Septuagint Version of The Old Testament With An English Translation. P,716.

(4) كلمة ريما ” r`h,ma ” مرادفة لكلمة لوجوس لكنها لم تستخدم ككلمة الله الذاتي مثل لوجوس. أنظر فيرلين د. فيربروج، القاموس الموسوعي للعهد الجديد. ص 604 و605.

(5) Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. vol.iv.pp, 92-100.

(6) يقول جرشوم شوليم (Gershom Scholem) في كتابه في (شكل رأس إيلوهيم): ” الميمرا … مستخدمة في  تفسير الترجومات، الترجمات الآرامية للكتاب المقدس، لتشير إلى كلمة الله (ميمرا إيلوهيم). الميمرا ليست مجرد حيلة لغوية لحل مشكلة تجسيمات الله ، تشبيهه بصور بشرية؛ فهي لها مغزى لاهوتي حقيقي. الميمرا … هي … قوة مخترقة العالم، هي حقيقة في عالم المادة والعقل، الوجه الدائم لإيلوهيم،الذي يمسك كل الأشياء بقدرته ككلي الوجود “.http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(7) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(8) Ibid. جاء في كتاب ” زوهار بيريشيت Zohar Bereshit ch. 1. p. 86

” بالعمل السري الصامت للإرادة الإلهية من نقطة النور الأولى التي أشعت الشرارة الحيوية المعطية الحياة، التي سادت وعملت في أشكال الكون الهائل، أصبح روح الكون (اللوجوس)، نبع وأصل الحياة والحركة الأرضية والوجود الأرضي، وبقي في عمله السري غير موصوف وغير مدرك ولا يمكن تعريفه، ثم أدرك كاللوجوس الإلهي، الكلمة، ودعي البدء (براشيت – Brashith – tyviÞarEB.)، لأنه هو نفسه كان في البدء عند الله

(9) سفر يشوع بن سيراخ وسفر الحكمة من الأسفار القانونية الثانية.

(10) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(11) Jewish Encyclopedia ” MEMRA “.

(12) و ” hy<ßh.a – أهيه –  ehyeh- أكون ” اسم يعبر عن كينونة الله وكيانه وجوهره، ويعبر عن وجوده الذاتي، الدائم والمستمر، الوجود الأزلي الأبدي، الذي لا بداية له ولا نهاية. يقول هامش  الترجمة اليسوعية (1989م): ” أنا هو من هو… أنا هو أرسلني إليكم “. ” بما أن الله يعنى نفسه فهو يستعمل صيغة المتكلم ” أنا هو ” … لكن من الممكن أيضاً أن نترجم النص العبري حرفياً فنقول: ” أنا هو من هو “. وهذا يعنى بحسب قواعد الصرف والنحو العبرية ” أنا هو الذي هو “، ” أنا هو الكائن “. وبهذا المعني ترجمه علماء  الترجمة اليونانية السبعينية.

(13) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(14) http://www.thevineone.org/download/rico/The_Memra_of_YHVH_English.ppt

(15) Ibid.

(16) Ibid. تابع بالتفصيل هذا الموضوع في كتابنا ” وكان الكلمة الله – هل الكلمة إله أم الله؟ ” ص 24 وما بعده

الابن الكلمة اللوجوس (Logos) عبر تاريخ العقيدة – القمص عبد المسيح بسيط

انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

 

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)