أبحاث

دوافع تجميع قانون العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

دوافع تجميع قانون العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

دوافع تجميع قانون العهد الجديد - القمص عبد المسيح بسيط
دوافع تجميع قانون العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

دوافع تجميع قانون العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

بعد هذا الشرح التفصيلي نسأل أنفسنا مرة أخرى؛ ما هي دوافع تجميع قانون العهد الجديد؟ ونعتمد هنا على ما يقدمه لنا نورمان جيسلر[1] لعدد من هذه الدوافع كما يلي:

(1) نبوية الكتب:

من أهم الأسباب التي أدت لتجميع وحفظ الأسفار المقدسة هو أنها أسفار نبوية. لأنها مكتوبة إما بيد رسول أو نبي من الله، لذلك فهي ثمينة وإن كانت كذلك فيجب حفظها. وكان هذا كما يبدو من عصر الرسل حيث كانت تتجمع رسائل القديس بولس وتوزع، كما بينا أعلاه[2]، وقد عكست الفترة التالية لعصر الرسل الاهتمام الكبير بالكتابات الرسولية لأسفار العهد الجديد وظهر ذلك من خلال اقتباسات الآباء الهائلة من الأسفار المقدسة.

(2) حاجة الكنيسة:

ومن دوافع حفظ الأسفار المقدسة أيضاً احتياج الكنيسة لمعرفة أي الكتب التي يجب قراءتها في الكنائس. أنظر: ” أُنَاشِدُكُمْ بِالرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هذِهِ الرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الإِخْوَةِ الْقِدِّيسِينَ ” (1تس5: 27)، وأي من هذه الكتب التي تستخدم في شرح العقائد اللاهوتية والرد على التعاليم الخاطئة. وهنا اصبح من الضروري امتلاك مجموعة كاملة من الكتب التي تزود الكنيسة بالمعيار الرسمي للايمان والتطبيق؛ ” كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ ” (2تي3: 16و17).

(3) دافع لاهوتي:

أما على الجانب السلبي فقد كان هناك تأثير الهراطقة. ففي عام 140م، قبل ماركيون الهرطوقي عدد محدود من كتب قانون العهد الجديد. وكان قانونه يتكون من الإنجيل للقديس لوقا إلى جانب عشرة من رسائل القديس بولس مظهرا الحاجة الواضحة الى تجميع قانون كامل لكتب العهد الجديد.

(4) دافع تبشيري:

وعلى الجانب الايجابي كان هناك الدافع التبشيري. فقد انتشرت المسيحية بقوة في البلاد الأخرى وظهرت الحاجة لترجمة الأسفار المقدسة الى لغات أخرى. ومن ثم فقد ترجمت إلى اللغتين السريانية واللاتينية في القرن الثاني الميلادي، ثم الترجمة القبطية في نهايته. وحتى لا تترجم كتب ليس لها وجود في القانون وجب الانتباه الى السؤال: أي الكتب تنتمي للقانون؟.

(5) دافع سياسي:

كما أن المرحلة الأخيرة من التعريف العام بالقانون الكامل لكتابات العهد الجديد تأثرت بالتأثير السياسي. فقد حفزت الأوامر باضطهاد المسيحيين وحرق الأسفار المقدسة في عصور الاضطهاد في زمن داكيوس عام 249 – 251م. وأيضاً الاضطهاد في زمان دقلديانوس فيما بين عام 302 – 305م.

وكان الاضطهاد الكبير لدقلديانوس/مكسيميانوس فيما بين 302 – 313 م. فقد حل بجميع المسيحيين بأنحاء الامبراطورية الرومانية عامة. وهذا الاضطهاد أعطى الكنيسة دافع قوي لتجميع وفحص وتوطيد كتب العهد الجديد. وكان من الطبيعي أن لا يعرض المسيحيون حياتهم للخطر إلا بسبب أسفار هم مؤمنون بها وواثقون أنها أسفار مقدسة.

ويروي لنا المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري الأحداث التي تمت في هذه الايام بقوله: ” في السنة التاسعة عشرة من حكم دقلديانوس وفي شهر ديستروس الذي يسميه الرومانيين مارس، حيث كان أسبوع آلام المخلص قد قرب أُذيعت أوامر ملكية في كل مكان تأمر بهدم الكنائس إلى الأساس وحرق الأسفار المقدسة بالنار وطرد ذوي المناصب الرفيعة وحرمان خدم البيت من الحرية إذا أصروا على الاعتراف بالمسيحية.

هذا هو الأمر الأول الصادر ضدنا. وبعد ذلك بوقت قصير صدرت أوامر أخرى تأمر بأن جميع رؤساء الكنائس في كل مكان يجب أن يزجوا في السجن أولاً، وبعد ذلك يلزموا بالذبح للأوثان بعد استخدام كل حيلة معهم “[3].

ويقول نورمان جيسلر ساخراً[4]: ” يالسخرية فخلال خمسة وعشرين سنة من مرسوم تدمير الأسفار المقدسة فان الإمبراطور قسطنطين قام بعمل إيجابي من أجل حفظها. فقد كلف المؤرخ يوسابيوس لإعداد خمسين نسخة من هذه الأسفار المقدسة على نفقة الامبراطورية.

وينقل فيليب شاف نص خطاب الملك قسطنطين ليوسابيوس القيصري، هكذا: ” من المنتصر مكسيموس أغسطس قسطنطين الى يوسابيوس, لقد وجدت أنه من المناسب أن أعلم قداستك لنسخ خمسين نسخة من الأسفار المقدسة … على أن تنسخ على جلود معدّة وبطريقة قابلة للقراءة وفي شكل مناسب قابل للحمل بواسطة نُساخ متخصصين ومتمكنين في مهنتهم. أساقفة الإبارشيات تسلموا أوامرنا … وتزويد كل الأشياء الضرورية من اجل اعداد هذه النسخ … “[5].

وهناك جوانب أخرى تسببت في تحديد قانونية أسفار العهد الجديد وتجميعها وهي كما يقول بيتر انز[6]:

  • ظهور الكتابات المزيفة (الابوكريفية) ومهاجمة الأسفار.
  • وقد شهد لمحتوى أسفار العهد الجديد وموثوقيتها وقانونيتها آباء الكنيسة الأولى.
  • كما استخدمت هذه الكتابات الرسولية في طقوس العبادة العلنية. ولذا اصبح من الضروري تحديد اي هذه الكتابات قانونية.
  • وهناك اعتبارات هامة: يلخصها لنا تشارلز كالدويل ريراي[7] لبعض النقاط الهامة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في موضوع القانونية هذا وكيفية قبول أسفار الكتاب المقدس والاعتراف بها، كالآتي:

1 – الأصالة الذاتية:

فمن الضروري أن نتذكر أن الكتاب المقدس يتصف بالأصالة الذاتية حيث انه انفاس الله (2تي3 :16). أو بكلمات أHخرى فقد كانت هذه الأسفار أسفاراً قانونية منذ لحظة كتابتها. ولم يكن هناك حاجة لانتظار المجامع لتفحصها وتحدد مدى قانونيتها من عدمه. فقد كانت القانونية صفة ملازمة لهذه الأسفار لأنها أتت من الله. وكان الشعب والمجامع متأكدين من ذلك ومعترفين بقانونيتها ووحيها الطبيعي منذ لحظة كتابتها. ولا يوجد سفر من أسفار الكتاب المقدس اكتسب القانونية بفعل أحد مجامع الكنيسة.

2 – القرارات البشرية:

فقد وضع الشعب والمجامع في الاعتبار الكتب التي يجب الاعتراف بها كقانونية بسبب ظهور بعض الكتب غير الموحى بها (الابوكريفية). وقد اتخذت بعض القرارات والاختيارات بإرشاد الله للجماعة لاختيار الأسفار الصحيحة بالدليل لجمع الكتابات القانونية في قانون العهد القديم والجديد.

3 – جدال القانونية:

وكان من المستبعد أن تظهر بعض الشكوك في هذه الأسفار اثناء عملية تقرير القانونية وجمع الأسفار. فهذه المجادلات التي حدثت لم تضعف من موثوقية الكتب الأصلية الحقيقية ولم تمنح القانونية لكتب غير موحى بها من الله.

4 – تمام القانون:

وقد اعتبرت الكنيسة أن قانون الكتاب المقدس قد اكتمل منذ عام 397م. وإذا كان قد اكتمل فقد كان لابد أن يغلق. لذا لا يمكن ان نتوقع المزيد من الكتب المكتشفة أو المكتوبة التي يمكن أن تفتح القانون مرة اخرى وتضيف اليه. حتى لو ظهرت رسالة للقديس بولس فسوف تكون غير قانونية.

ويضيف بنجامين وورفيلد[8]:

اكتمل قانون العهد الجديد عندما استلمت الكنيسة أخر كتاب رسمي من الرسل وهذا تم عندما كتب القديس يوحنا سفر الرؤيا عام 98م. وسواء كانت كنيسة افسس قد استكملت القانون عندما استلمت سفر الرؤيا أو لا فأن هذا يعتمد على وجود اي رسالة (فلتكن مثلا رسالة يهوذا) قد وصلت افسس مع دليل موثوق برسوليتها … فمن المؤكد ان الكنائس لم تستلم القانون بالكامل حتى زمن لاحق.

فالكنيسة اللاتينية في القرنين الثاني والثالث لم تكن تعرف ماذا تفعل بخصوص رسالة العبرانيين. والكنيسة السريانية ظلت لعدة قرون تحتاج إلى الرسائل الجامعة والرؤيا. ولكن منذ زمن إيريناؤس وما بعده امتلكت الكنيسة القانون كاملا كما نحن الآن. وعلى اية حال فقد كان المبدأ الذي كان يقبل على أساسه السفر أو كان يُشك فيه ويطرح جانبا هو التقليد التاريخي للرسولية.

إقرأ أيضاً: 

[1] Norman Geisler, N. L., & Nix, W. E. A general introduction to the Bible. P. 276.

[2] أنظر 2بط3 :15و16 وكولوسي 4 :6.

[3] يوسابيوس 8 : 2 :4و5.

[4] Geisler, N. L., & Nix, W. E. A general introduction to the Bible. P. 282.

[5] Philip Schaff, The Nicene and Post-Nicene Fathers, 1:549.

[6] Peter Enns, P. P. The Moody Handbook of theology P. 171.

[7] Charles Caldwell Ryrie, Basic Theology: A Popular Systematic Guide to Understanding Biblical Truth P. 119.

[8] B.B. Warfield, The Formation of the Canon of the New Testament!

دوافع تجميع قانون العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط