أبحاثإلحاد

مشكلة الشر في مشكلة أيوب – ستنتهي الأمور بصورة طيبة للأتقياء

مشكلة الشر في مشكلة أيوب – ستنتهي الأمور بصورة طيبة للأتقياء

مشكلة الشر في مشكلة أيوب - ستنتهي الأمور بصورة طيبة للأتقياء
مشكلة الشر في مشكلة أيوب – ستنتهي الأمور بصورة طيبة للأتقياء

مشكلة الشر في مشكلة أيوب – ستنتهي الأمور بصورة طيبة للأتقياء

أيوب 42

فيما يلي جزء من مثل رواه البروفيسور باسيل ميتشل: في زمن الحرب في بلد من البلاد المحتلة، التقى عضو من المقاومة في إحدى الليالي بغريب أذهله بعمق، وقضيا تلك الليلة يتجاذبان أطرف الحديث معاً فأخبر الغريب هذا العضو أنه هو نفسه إلى جانب المقاومة – والحقيقة أنه هو قائدها، وحث المقاوم على أن يثق فيه مهما حدث، كان المقاوم مقتنعاً تماماً بصدق وإخلاص الغريب في هذا اللقاء، وشرع في الثقة فيه.

لكنهما لم يلتقيا في ظروف مماثلة بعد ذلك، لكنه في بعض الأحيان كان يرى الغريب يساعد أعضاء في المقاومة، وكان عضو المقاومة ممتناً له وقال لأصدقائه، «إنه إلى جانبنا». وفي بعض الأحيان كان يُرى مرتدياً زي الشرطة وهو يسلم الوطنيين إلى قوى الاحتلال. وعندها كان أصدقاؤه يتمتعون بكلمات ضده: لكن المقاوم كان لا يزال يقول: «إنه إلى جانبنا». كان لا يزال يؤمن بذلك على الرغم من المظاهر المخالفة، فالغريب لم يخدعه، وفي بعض الأحيان كان يطلب المساعدة من الغريب، وكان يتلقاها بشكر. وفي أحيان أخرى، كان يطلب المساعدة لكن لا يتلقاها. وعندها كان يقول: «الغريب يعرف أفضل.»[1]

إننا إذ نأتي إلى نهاية دراستنا لأيوب، يبدو لنا معنى هذا المثل واضحاً. لأنه في الجوهر، كان هذا هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه أيوب. وبحسب العهد الجديد، إنه الدرس الذي علينا نحن أيضاً أن نتعلمه، وهو أنه على الرغم من المظاهر المناقضة، فإن “الغريب” – أي الله – يعرف أفضل، ونحن قد دعينا لأن نثق فيه.

 الدعوة إلى الثقة

بدأ اتجاه أيوب الشخصي بمزيج من الشفقة على الذات والثقة في الذات. فحيث أن حياته قد انهارت وتدمرت بمصيبة تلو الأخرى، لم يكن من المستغرب أن يغوص أيوب في أحزانه. لكنه على الرغم من نصيحة زوجته له بأن يلعن الله ويموت، أصر أيوب على الدفاع عن براءته الشخصية. لكن على النقيض من ذلك، كان الاتجاه الذي شجع عليه أصدقاء أيوب الثلاثة هو اتهام الذات. «لا بد أن تعترف يا أيوب أنك تتألم بسبب خطيتك. هذه هي دينونة الله عليك، تب وسيكون كل شيء على ما يرام.» لكن أيوب رفض أن يتم إجباره على توقيع اتهام باطل، وإنكار براءته. بعد ذلك ظهر الصديق الرابع أليهو في المشهد، وحث أيوب على تبني اتجاه آخر، وهو تهذيب النفس. فدعا أيوب أن يرى أن هناك نوع من السبب والهدف من ألمه، فليس الأمر قصاصاً بل تهذيباً وتدريباً، لكي يدرك أنه بقدر ما، هذه هي طريقة الله لتهذيبنا وتقويمنا. ثم أخيراً، تحدث الله إلى أيوب، والاتجاه الوحيد الذي ترك مفتوحاً لأيوب كان التسليم، والسقوط أمام الله في مهابة ورهبة واتضاع. وهذا بالطبع هو الاتجاه الذي يريده الله.

يشعر كثيرون من الناس أن القصة كان يجب أن تنتهي في أيوب 42: 6، بسقوط أيوب على ركبتيه، وهو يقول: «لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد.» لكن يبدو أمراً لا يمكن تصديقه تقريباً بالنسبة للبعض، أنه بعد ذلك الصراع القاسي مع مشكلة الألم التي فيها تم التعبير صراحة عن تحدي المعتقدات التقليدية القديمة، أن يتخلى الكاتب عن كل ذلك، وينهي القصة مثل نهايات الروايات الخيالية، «وعاشوا جميعاً معاً بسعادة.» قد تكون للروايات الخيالية نهايات سعيدة، ولكن ذلك لا يحدث في معظم الأحيان في الحياة الواقعية. فعندما تنتهي القصة بأن أيوب أصبح لديه أكثر مما كان له في الأصل، فإن هذا يقوض الجدل الرئيسي للسفر، لأنه يعطي الانطباع بأن نظرية القصاص العقابية هي نظرية صائبة؛ وهي أنك إذا كنت شريراً سوف تعاقب، وإذا كنت صالحاً سوف تكافأ؛ كما لو أن الله كان يحاول أن يسترضيه بقليل من الأشياء الجيدة، وهو يقول له: «إنني لست شريراً على أية حال، فأنا عطوف، كما تعرف».

بالقراءة السطحية للنص، يمكن للبعض فعلاً أن يعتقدوا ذلك، ولكني أعتقد أنه لم يكن من الممكن أن تكون النهاية غير ذلك. لأننا إذا كنا قد انتهينا ببساطة بمجرد لقاء أيوب مع الله، كان يمكن أن يتم تبرير حكمة الله وقوته، ولكن ليس عدله، إذا كان قبل كل شيء هو الاهتمام الأساسي لأيوب.

في هذه الخاتمة، نرى كلاً من عدل الله ورحمته، يلتقيان معاً بشكل كامل.

بل وأكثر من العدل.

بداية، نرى عدل الله في الطريقة التي تعامل بها مع أصدقاء أيوب الثلاثة:

«وكان بعدما تكلم الرب مع أيوب بهذا الكلام أن الرب قال لأليفاز التيماني قد احتمى غضبي عليك وعلى كلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا فيّ الصواب كعبدي أيوب. والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدي أيوب وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم وعبدي أيوب يصلي من أجلكم لأني أرفع وجهه لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم لأنكم لم تقولوا فيّ الصواب كعبدي أيوب. فذهب أليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماني وفعلوا كما قال الرب لهم ورفع الرب وجه أيوب» (أيوب 42: 7-9).

هل تذكر كيف كان على أيوب أن يتحمل الكثير من الافتراءات، وكيف تم ذمه مرات ومرات، وتم وضع صفاته وشخصيته موضع المساءلة والتشكك؟ هل تتذكر الآن كيف تم اتهامه بأنه مرائي، وأنه يتبنى أفكاراً شريرة، وأنه قد حصل على ثروته من خلال ممارسات قاسية؟ كان هذا مؤلماً للغاية. ولكنه كلما اعترض أكثر، كلما اقتنع متهموه أكثر بأنه يخفي شيئاً ما. كان أيوب يحتاج بشدة إلى شخص يأتي للدفاع عنه؛ شخص يعرف الحقيقة ويشهد ببراءته. لكن لم يكن هناك إلا شخص واحد استطاع أن يفعل ذلك، الله نفسه.

وهذا بالتحديد هو ما نجد الله يفعله هنا. فقد غضب من المعزين الثلاثة لأيوب بسبب ما قالوه. ربما كانوا مخلصين في اعتقاداتهم، لكن الإخلاص ليس مبرراً، فقد كانوا على خطأ واضح. كانوا مخطئين فيما قالوه عن أيوب، كما أن مفاهيمهم كان خاطئة بالنسبة لما قالوه عن الله، فمما يثير السخرية أن هؤلاء الثلاثة اعتقدوا أنهم يمثلون الله، بينما في الحقيقة كانوا طوال الوقت يسيئون فهمه. وفي النهاية، قام لاهوتهم بالتقليل من الله إلى مجرد طاغية متناقض مع نفسه، زاعمين أنه يفعل كل شيء لمجرد فقط العقاب، لكن من الواضح أن نظريتهم لم تتفق مع الحقائق، لذلك كانت النتائج ظهور الله وكأنه وحش متجبر، يعاقب بعض الناس ويترك الآخرين. وهذه نظرة خاطئة لله. لذلك نحتاج أن نكون شديدي الحذر حتى لا نجد أنفسنا نشوه صورة الله، ربما بالتركيز على عدله. لكن مثل هذه الصورة المريعة الباطلة لن تمر مرور الكرام.

لقد تم تبرئة أيوب في الوقت المناسب، لكن هذا لا يحدث دائماً بالنسبة للمسيحيين، فقد نواجه سوء الفهم أو تشويه السمعة، حتى ممن يطلق عليهم أصدقاؤنا المسيحيون، ويكون علينا أن نعيش مع هذا الألم. لكن سيأتي اليوم الذي سينكشف فيه كل شيء، عندما تفتح الأسفار – وسيكون هذا هو يوم الدينونة. وعندها سوف توضع الأمور في نصابها الصحيح، وتنكشف تلك الأكاذيب وأنصاف الحقائق، وتلك السخرية والاحتقار التي ربما كان علينا احتمالها، ليس فقط لأنه قد دعي علينا اسم يسوع، بل أيضاً لأنه كانت لدينا الشجاعة لكي نطبق إيماننا بطرقة عملية، حيث أحجم المسيحيون الآخرون عن ذلك. لذلك ليس علينا أن ننشغل كثيراً بمحاولة تبرئة أنفسنا، بل بدلاً من ذلك، علينا أن نكمل ما دعانا الله لتحقيقه، ونترك الحكم له. وسوف يعمل هو على إعلان براءتنا إذا كنا أبراراً. لذلك دعونا ألا نقلق بشأن هذا الأمر بإفراط.

وها هي الكلمات الحكيمة التي قالها الرسول بولس في هذا الشأن (وهو رجل مثل أيوب، عرف معنى أن يساء فهمه ويفترى عليه بواسطة أصدقائه): «إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله.» (1كورنثوس 4: 5).

نعمة مذهلة

لا نرى هنا فقط عدالة الله العاملة، لكننا نجد رحمته كذلك – رحمة الله التي لا نستحقها. فقد أظهر الله رحمته عندما قدم طريقة للتعامل مع خطايا أصدقاء أيوب وغفرانها. فلو كان الله قد عاملهم بحسب عدله الصارم، كما كانوا يجادلون بأن الله لا بد أن يعامل كل إنسان بهذه الطريقة، لكانوا قد أزيلوا من الوجود. ولكن الله لم يتعامل معهم هكذا. كان لا بد من التكفير عن الخطية، وقد تطلب ذلك ذبيحة. بل الأكثر من ذلك، كان لا بد من وجود شخص لكي يتشفع لأجل الخطاة، شخص له مكانة جيدة، شخص يسمعه الله. وكان الشخص الوحيد الذي حقق كل هذه المتطلبات هو الشخص الذي افتروا عليه باعتباره كاذباً ومخادعاً – أيوب.

وقد صلى أيوب لأجلهم بالفعل، وقبل الله صلاته. لم يكن لدى أيوب حقد أو استياء وغضب ضد هؤلاء الرجال الذين باتهاماتهم القاسية، قد أشعروه بألم وحزن أكثر مما استطاع احتماله. بل كان لديه فقط العطف تجاههم. وإني أتساءل، ترى كم منا يمكن أن تكون له نفس النعمة في التصرف بتلك الطريقة؟ إن أيوب شخص يثير الإعجاب حقاً، أليس كذلك؟ ففي كثير من الأحيان، عندما يقول شخص ما كلمات سيئة ضدنا فإننا لا ننساها، ونعمل على ألا ينساها هو أيضاً. لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لأيوب، فقد صلى لأجل أصدقائه. وهنا نتذكر سريعاً شخصاً آخر تألم وصلى لأجل أولئك الذين سخروا منه واستهزئوا به وبصقوا على وجهه وصلبوه. فقد صلى يسوع: «يا أبتاه اغفر له لأنهم لا يعلمون ما يفعلون.» ألا يوجد في استجابة أيوب على الأقل شبه بعيد بالطريقة التي كان الله يظهر بها دون أي شك أنه عادل ورحيم في نفس الوقت، بأن قدم أعظم تضحية وذبيحة لأجل خطايانا، في جسد ابنه الوحيد على الجلجثة (رومية 3: 26)؟ فالله لا يناقض نفسه، كما أوحى منطق أصدقاء أيوب بذلك، إذ أن الله لا يتجاهل الخطية، بل قد تعامل معها بأن حملها في نفسه في شخص ابنه الحبيب، لكي ننال نحن الحرية.

فضلاً عن ذلك، إننا نرى أيضاً رحمة الله تظهر لأيوب في الطريقة التي استرد بها حياته السابقة، ليس فقط كما كانت، بل أكثر بكثير: «ورد الرب سبي أيوب لما صلى لأجل أصحابه وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفاً.» (42: 10).

لكن من المهم ألا نرى ذلك باعتباره تعويضاً عن كل ما مر به أيوب. تذكر كيف كانت سخرية إبليس في البداية، بأن السبب الوحيد الذي يجعل أيوب تقياً هو كمية البركات التي تمتع بها، وأنه كان هناك دافع خفي لتقواه. لكن بأخذ كل شيء من أيوب، أظهر الله أن سخرية إبليس كانت كاذبة. فحتى عندما لم يكن لديه شيء يغريه بالإيمان بالله، ظل أيوب يثق فيه ويؤمن به. فلم يكن أيوب يفكر بمنطق: «حسناً، لو تمكنت فقط من الصمود إلى النهاية، فقد يكون لدى الله بعض المكافآت لي.» فأيوب لم يكن يعرف كيف ستكون النتيجة والنهاية، بل الحقيقة أنه كان يفكر على الأرجح أنه سيموت. ولكنه رغم ذلك استمر يثق في الله – “فالغريب” يعرف أفضل.

ألم يكن في ذلك مؤشراً للسماء؟ فقد ظهر سفر أيوب في تاريخ شعب الله المبكر، قبل وضوح أية أفكار معلنة عن السماء وعن الحياة بعد الموت. فقط بواسطة تبرير الله لأيوب في الوقت المناسب، بدلاً من تبرئته في نهاية الأزمنة، أمكن للعدل أن يرى. وفقط بواسطة مباركة الله لأيوب في هذا العالم، كما في العالم الآتي، أمكن إظهار أن الحياة التقية تستحق أن نحياها.

ورغم أننا لا يجب أن نتبع الله فقط بسبب ما يمكن أن نجنيه من وراء ذلك، لكنه من المنطقي جداً أن نتبع الله لأن هذه هي فقط الحياة المشبعة. فهذا أمر مشبع في هذه الحياة، عن طريق العلاقة الشخصية مع الله، ووجود توجه وإرشاد لنا في الحياة – “الحياة الأفضل”، كما قال يسوع. ورغم أننا مادياً قد لا يكون لدينا الكثير للتظاهر به، إلا أن هذا لا يمكن مقارنته بالأمور الروحية.

لكن الأمر المشبع كذلك في الحياة الآتية، لأننا عندها سوف نختبر الفرح الكامل لكوننا مؤمنين بالمسيح، بدلاً من العذاب الأبدي. وهنا نرى أيوب، بطريقته الخاصة، يكتشف تلك الحقيقة بنفسه، وهي أن الله يكرم الذين يكرمونه. فهو لا يأتي لنا خالي الوفاض، لكوننا قد تألمنا لأجله وظللنا أمناء له رغم صعوبة وقسوة الطريق، ومن الجيد بالنسبة للمؤمن الذي يجتاز في نيران الألم أن تكون له هذه النظرة الخاصة بتعزيات السماء. استمع مثلاً إلى تلك الكلمات من كتاب سفر العبرانيين، الذي كان يكتب للمؤمنين المحدثين الذين كانوا يطحنون من الألم بسبب إيمانهم:

«ناظرين إلى رئيس السلام ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله.» (عبرانيين 12: 2).

وحتى يسوع أعطيت له الشجاعة والقوة لكي يتحمل أشنع الآلام قسوة، بأن كان في قلبه وأمام عينيه السرور الآتي الموضوع أمامه. السرور ليس فقط لعودته إلى أبيه السماوي ولتلك العلاقة الرائعة للمحبة والمجد الذي استمتع به منذ الأزل؛ وليس فقط مجرد السرور لحكمه مع أبيه على الكون بأكمله الذي خلقه؛ لكن الفرح والسرور الفائق برؤية الكثيرين من الأبناء الروحيين يأتون إلى المجد من خلال الإيمان به. فقد أخرج أيوب نسله من الشدة والمحنة، كما فعل يسوع بأولئك الذين آمنوا به. أليس أمراً مؤثراً أن نعرف أنه ظننا مستحقين لذلك؟ فإذ نظر ابن الله الأزلي إلينا من السماء عبر الزمن، ورأى وجه كل ابن من أبنائه المختارين، قال: «لأجلهم سأذهب إلى الصليب، لأجلهم سأتحمل المهانة والسخرية وكل الألم الذي سيلقيه الناس عليّ، بل إني سأتحمل ذنبهم، ما دامت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تحريرهم. نعم، لأجل هذا السرور برؤيتهم في السماء، فإني مستعد للألم.»

الإيمان بإله متألم

لكن، ربما لا تزال غير مقتنع. فمثل الكاتب فيليب يانسي، قد تقول: «لو كان الله فعلاً هو المسؤول والمتحكم في كل شيء، وإن كانت له علاقة بشكل ما بكل الآلام التي تجري في العالم، فلماذا نجده متقلباً وغير عادل؟ هل هو شخص سادي يفرح بمشاهدتنا ونحن نتلوى من الألم؟»[2] وربما نقول: «لا بأس بذلك بالنسبة لله الذي يجلس مستريحاً وآمناً في السماء، فماذا يعرف هو عن الألم، وماذا يعرف عن الانهيار النفسي المدمر؟»

لكن لا بد للمؤمن بالتأكيد أن يرد بأن الله يعرف أكثر بكثير مما يعرف أي إنسان منا، ويعتبر أيوب نموذجاً لذلك من عدة نواح، مشيراً بذلك إلى الآخر الآتي، وهو الشخص الذي كان يعرف أيضاً بأنه عبد الرب، وهو شخص آخر أراد إبليس أن يجربه. لكن بينما لم يسمح الله بالنسبة لأيوب أن يقوم إبليس بتجربته إلى درجة الموت، فإنه مع ذلك العبد الآخر، سُمح لإبليس بأن يذهب الطريق بأكمله. فلم يكن هناك ألم كان أكبر من أن يوقعه على هذا البار. وإذا كان أيوب قد نزل إلى الدرجة التي كان فيها يجلس في التراب والرماد، فإن يسوع قد انتزعت منه ملابسه، وسمر على الصليب مثل خيال المآتة على تل من النفايات.

قد تجد من الصعب أن تؤمن بالله بسبب الألم، لكني أجد أنه يجب أن أومن بالله بسبب الألم – آلام يسوع. ففيها نرى الله الذي يهتم فعلاً، والذي يعتني بنا بما يكفي لأن يحمينا من العذاب الأبدي الذي تستحقه خطايانا، حتى أنه تألم مكاننا. هل ترغب حقاً في أن تسبر غور سر الألم؟ إذاً أنت تحتاج أن تنظر إلى ذلك الشخص المعلق منعزلاً ووحيداً ومشوهاً على الصليب، حيث المسامير تخترق يداه ورجلاه، وظهره ممزق، وأطرافه متهرئة، وجبينه يقطر دماً من إكليل الشوك، وفمه جاف ويشعر بعطش رهيب، وهو يهوي في ظلمة تجاهل الآب له. تحتاج أن تنظر إلى هناك، وإذا أردت أن ترى كيف يتحول هذا الكم الرهيب من الألم إلى خير غير محدود، فانظر إلى القبر الفارغ، وإلى البستان الذي يقف فيه المصلوب المنتصر، ويداه ممدودتان، مقدماً عطية الحياة الأبدية، وهو يقول لك: «ثق، وآمن بي.»

[1] باسيل ميتشل Theology and Falsification, in New Essaysin Philosophical Theology، إيه فلو وإيه ماكينتر (محرران)، (SCM، 1958).

[2] فيليب يانسي Where is God When it Hurts? (Zondervan، 1977).