أبحاث

عصيان الشعب – العظة الثامنة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

عصيان الشعب - العظة الثامنة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

عصيان الشعب – العظة الثامنة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

عصيان الشعب - العظة الثامنة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
عصيان الشعب – العظة الثامنة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

القصة

          1ـ إثنا عشر من أبناء إسرائيل قد أُرسلوا ليتجسسوا الأرض     ” لاستطلاع أرض الموعد” ورجعوا من تجسس الأرض بعد أربعين يومًا ببيانات متناقضة. عشرة من بينهم دفعوا لشعب لليأس وكانوا يريدون سقوط موسى ليختاروا رئيسًا آخر ويرجعوا إلى مصر. الاثنان الآخران بشرا بأخبار جيدة.

وشجعا الشعب بأن يتمسك بالإيمان قائلين “إن سر بنا الرب يدخلنا إلى هذه الأرض”. الشعب غير المؤمن سلم نفسه لليأس، وهجم ليرجم حاملي البشري السعيدة، لكن مجد الرب ظهر لكل الشعب، وقال الرب لموسى أني أضربهم بالوباء وأبيدهم وأصيّرك وبيت أبيك شعبًا أكبر وأعظم منهم (عد 12: 3،  26؛ 14:  1ـ 12).

 

ليس في طبيعة الله غضب:

          فإذا كان الرب قد نطق بمثل هذا التهديد ليس لأن الطبيعة الإلهية خاضعة للعواطف ولرذيلة الغضب ولكن لكي تظهر محبة موسى للشعب، ولطف الله الذي لا نستطيع أن ندركه أو نفهمه نحو كل الخطاة. مكتوب أن الله يغضب ويهدد الشعب بالموت. على الإنسان أن يتعلم من ذلك أن له مكانًا عند الله وأنه يحظى باعتبار كبير لدى الله.

إذا كان الله لديه أسباب للسخط ضد الإنسان فإن هذا الغضب يهدأ بواسطة ابتهالات الإنسان وتضرعاته ويستطيع الإنسان أيضًا أن يحصل من الله على تغيير الأحكام التي سبق وأصدرها حيث إن اللطف الذي يتبع الغضب يبين مكانة موسى لدى الله ويعرفنا أن الطبيعة الإلهية لا تتفق مع رذيلة الغضب.

 

شعب جديد

في نفس الوقت يوجد أمر ينبغي أن يتم في المستقبل وهو مختبئ في الوعد الصادر من الله بأن يقام شعب آخر بعد أن يطرح الأول. يقول الله هنا “أني أضربهم بالوباء وأبيدهم وأصيّرك أنت وبيت أبيك شعبًا أكبر وأعظم منهم” (عد 14: 12)، وهذا التهديد ليس ناتجًا عن الغضب لكنه نبوة[1]. حيث إن أمة أخرى يجب أن تختار، وهي شعب الوثنيين لكن هذه الأمة سوف لا تختار بواسطة موسى لذا أعتذر موسى أن يصير معه هكذا[2].

فإن هذه الأمة الكبيرة الموعودة لا يجب أن تحصل على دعوة الله منه، لكن من يسوع المسيح وأن هذا الشعب لا يجب أن يحمل الاسم “موسوى” لكن يحمل الاسم “مسيحي”، لهذا السبب تضرع موسى بإلحاح لصالح الشعب. والرب يوقع العقاب مخففًا ويعلن “ الشعب الذي خرج من مصر الذين أهانوني والذين ظلوا غير مؤمنين سيطرحون في القفر” (عد 14: 23). وقال الله ” لن يروا الأرض التي حلفت لآبائهم” ولكن فقط أطفالهم الذين هم هنا معي والذين لا يعلمون الخير والشر” (عد 14: 23).

 

سر أكثر عمقًا

          ربما يوجد سر أكثر عمقًا مختبئًا في كلمات الله هذه ” أطفالكم الذين هم هنا معي” هنا التي تعني المكان. كيف يكونون “معي”؟ “من له أذنان للسمع فليسمع” (مت11: 15).

 

قسوة الله ولطفه

          مهما يكن نقول إن الشعب القديم تكّون من آبائنا. وإننا نحن أبناؤهم، هم قد طرحوا بسبب خطاياهم وقد سقطوا، لكن نحن أولادهم قد قمنا وانتصبنا في أماكنهم، نحن الذين لا نعلم الخير ولا الشر حيث إننا أولاد الأمم ونحن لا نعلم لا الخير الذي يأتي من الله ولا الشر الذي هو ناتج من الخطية، لكننا نأخذ المكان الذي طرحوا منه، خائفين من مثل هذه السقطة، وسامعين إنذار بولس ” فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا وأما اللطف فلك أن ثبت في اللطف وإلا فأنت أيضًا ستقطع وهم أن لم يثبتوا في عدم الإيمان سيُطّعمون” (رو11: 22ـ 23).

 

مدة العقوبات

أضاف الرب ” وبنوكم يكونون تائهين في القفر 40 سنة” (عد 14: 33، 34). ويشرح السر المتضمن في هذا العدد “كعدد الأيام التي تجسستم فيها الأرض 40 يومًا السنة تقابل يوم تحملون ذنوبكم 40 سنة فتعرفون ابتعادي.

أني أخشى أن أبحث غوامض هذا السر. أني أري أنها تتضمن بيان خطورة الخطية وعقابها. إذًا فكل خاطئ يجب أن يقاسي سنة من المشقة لكل يوم من الخطية. فإذا كان عدد السنين التي يجب أن تمر في العقاب مساويًا لعدد أيام الخطية، فنحن الخطاة الذين نخطئ كل الأيام، وربما لا يمر علينا يوم من حياتنا بدون خطية، وماذا أقول؟ أني أخشى أن دهر الدهور لا يكفي لكي ندفع ديوننا، الواقع إن الشعب القديم تألم في القفر خلال 40 سنة بسبب خطأ 40 يومًا ولم يستطع الدخول إلى الأرض المقدسة.

هذا يظهر لنا بعض التناسب مع الدينونة المستقبلة عندما يقدم حساب الخطايا. ربما الأعمال الحسنة تجلب بعض المكافأة، كذلك الأوجاع التي يختبرها الواحد منا في حياته كما علمنا إبراهيم في موضوع لعازر. لكن المعرفة الكلية لهذه الأشياء قد حفظت ” للذي قد أعطى له الآب كل الدينونة” (يو5:5). أما أن يوم الخطية يساوي سنة من العقاب فهذا لم يشرح في الكتاب بل نجد تعالم مشابهة في كتاب (الراعي) إذا أردنا أن نعتبر هذا الكتاب كالكتاب المقدس[3].

 

القيمة العلاجية للتأديب

          ربما نعترض بأنه لا يتناسب مع لطف الله أن يفرض سنة من العقاب عن خطية يوم واحد[4]. وسوف يقال وحتى ولو كانت النسبة ليوم فسوف يظهر أن الله تنقصه الرحمة واللطف. انصت جيدًا ربما نتمكن من أن نحل الصعاب بمقارنات أكثر وضوحًا فإن كان الجسد به جروح، وإذا كان أحد العظام به كسر أو إذا كانت الأعصاب محطمة، فرغم أن جروح الجسد هذه تنتج عادة في أقل من ساعة واحدة، لكنها بعد ذلك تحتاج لكثير من الأتعاب وكثير من الوقت ليتم الشفاء.

ويحدث أن يصاب الإنسان بنفس الجروح مرة أخرى أو مرات أخرى كثيرة وأن الكسور تتجدد ويلزمها كثير من الجهد لتشفي. وكثير من الأتعاب وكثير من الوقت حتى يعود ذلك الإنسان إلى كامل صحته؟ وكما أنه من الصعب أن يشفي الإنسان دون أن تتخلف لديه عاهة أو بعض آثار الجروح المؤلمة هكذا في حالة جروح النفس. النفس تكون مجروحة في كل مرة تخطئ، لاشك أنها تكون مجروحة بالخطية، كما يجرح الجسد بالسهام وبالسيوف.

          فلننصت للرسول عندما ينصحنا أن نحمل “ ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة” (أف6: 16)، هل ترى؟ الخطايا هي سهام الشرير الموجهة نحو النفس لكن أنفسنا تتعرض لمخاطر أخرى علاوة على هذه الجروح: “ وهي الشبكة المهيأة لخطواتنا” (مز57: 6)، ” ومحاولات قلقلتها” (مز37: 31)، فكم من الوقت ستحتاجه النفس لتشفي من هذا النوع من الجروح؟ آه إذا استطعنا أن نرى في كل خطية كيف يكون الإنسان الداخلي مجروحًا وكم تسبب له الكلمات الرديئة من آلام ألم تقرأ:

” إن السيوف تجرح أقل من اللسان”. النفس إذًا تكون مجروحة باللسان، وتكون مجروحة أيضًا بالأفكار الرديئة والرغبات السيئة لكنها تكون مكسورة ومحطمة بأعمال الخطية. إذا استطعنا أن نرى كل شئ، إذا استطعنا أن نشعر بآثار جروح النفس المصابة، آه سنقاوم الخطية حتى الموت ولكننا نكون كإنسان به شيطان أو كمجانين لا يشعرون أنهم مجرحون، إذ لا يستعملون الحواس الطبيعية أو هم منجذبون بشهوات العالم أو سكارى بالرذائل، لا نستطيع أن نشعر بأي ضربات نضرب بها، وبأي جروح تصيب أنفسنا بالخطية.

أن مدة التطبيق العملي للعقاب الذي هو في نفس الوقت علاج ودواء، قد تطول أو تقصر حسب خطورة كل جرح.

          تظهر أيضًا عدالة الله ولطفه في العقوبات المحزنة المفروضة على النفس، وفي هذا التأني على الخاطئ حتى يتوب إلى الله ولا يخطئ أبدًا. حيث إن التحول هو في الحياة الحاضرة والتوبة تأتي بثمر يجلب العلاج السريع لهذا النوع من الجروح، لأن التوبة لا تشفي فقط الجرح السابق الإصابة به بل تمنع النفس فيما بعد أن تُجرح بالخطية.

سأضيف أيضًا هذا إذا كنتُ خاطئًا، هل أعاقب بنفس العقاب إذا كنت لم أخطئ إلا مرة واحدة وإذا أخطأت مرة أخرى ومرة ثالثة أو أكثر من ذلك أيضًا؟ لأن العقاب يجب أن يكون متناسبًا مع نوع وعدد وكبر الخطية، حيث إن الله سيعطينا خبز الدموع ويسقينا الدموع بالكيل. هذا الكيل سيكون حسب أخطاء كل واحد إذ يقول في موضع آخر: ” في يد الله كأس وخمرها مختمرة ملآنة شرابًا ممزوجًا” (مز75: 8).

          إذًا الله سيجهز لكل واحد مزيجًا والحكم سيُنطق ليس فقط على حسب الشر، لكن أيضًا حسب الصالحات التي نكون قد عملناها. ورغم ذلك فإن مزيج الخير والشر يترك رواسب رديئة لن تنتهي بحسب رأيي بشكل كامل[5].

 

نصيحة نهائية

          كل هذا كما سبق أن قلت هو في يد الله. علينا نحن أن نسرع بتطهير أنفسنا بأن نتوب إلى الله دون مكر، بأن نبكي الماضي، وأن نحترس من المستقبل، بأن نطلب العون من الله عندما ” نقترب من الله بتنهد عندئذ سنخلص حيث الذي يشفع” (إش45: 29)، من أجلك أمام الآب، الرب يسوع هو أعظم حالة من موسى الذي ” صلى لأجل الشعب” (عد21: 7)

وقد استجاب الله، وربما لأجل هذا نقل الكتاب المقدس شفاعة موسى عن خطايا الشعب القديم حتى يكون لنا أيضًا ثقة بأن شفيعنا يسوع يحصل لنا من الآب على غفران مؤكد بشرط أن نلتجئ إليه وأن لا ” يرتد قلبنا إلى الوراء” (مز44: 18)، كما نتبع كلمات يوحنا الحبيب في رسالته ” يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا” (1يو2: 1ـ 12)، الذي له المجد والسلطان إلى آبد الآبدين آمين.

 

[1] لأنه ليس تهديدًا باطلاً مثلما يكون التهديد ناتجًا عن غضب.

[2] موسى حقًا حسب أوريجانوس يعلم الحقيقة التي نشرت في الرموز.

[3] أوريجانوس لا يعتبر كتاب Pasteur dHermes أو الراعي لهرماس ككتاب قانوني حسب تعليم الكنيسة لكنه أعطى له قيمة كبيرة.

[4] أتباع ماركيون يوجهون هذه الاعتراضات ضد ما يسمونه إله العهد القديم.

[5] نرى من هذا إصرار أوريجينوس على حرية إرادة الإنسان حتى بعد نهاية الدهر الحاضر. وهذا قد يبدو متعارضًا مع ما يشاع عنه أنه كان يعتقد بالخلاص الشامل وخلاص الشيطان نفسه.

عصيان الشعب – العظة الثامنة من عظات أوريجانوس على سفر العدد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)