أبحاث

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1
البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

الجزء الثاني: البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

البئر ـ سيحون

البئر ـ افتقار الحرف

          قد قرئ على مسامعنا في سفر العدد دروس البئر والنشيد الذي رنمه إسرائيل حول البئر. وكالعادة نرى فيها أسرارًا. فإنه يفيض أكثر من ذي قبل “ومن هناك إلى بئر وهي البئر حيث قال الرب لموسى اجمع الشعب فأعطهم ماء” (عد21: 16)، في هذا النص القصة بالمعنى الحرفي لا تبدو أنها تقدم قيمة كبيرة.

ما هذا؟ السيد الرب يصّر بأن موسى يجمع الشعب ويعطيه ليشرب من ماء البئر، هل الشعب لم يكن ليأتي من نفسه للبئر لكي يشرب منه؟ لماذا إذًا الإصرار على النبي حتى بواسطة غيرته وبواسطة جهده الشخصي يجمع الشعب ويجعله يشرب من البئر؟

الآبار في الكتاب المقدس
الكلمة الإلهية ـ المعنى الروحي

          فقر المعنى الحرفي يدعونا أن نبحث في اتساع المعنى الروحي. وأن نلتقط ما جاء في أجزاء من الكتاب المقدس عن أسرار الآبار، حتى ينكشف بالمقارنات العديدة معنى النص الحاضر. يقول روح الله بصوت سليمان في سفر الأمثال ” أشرب مياهًا أوانيك ومياها جارية من بئرك، لا تفض ينابيعك إلى الخارج سواقي مياه في الشوارع” (أم 5: 15، 16)، بمعنى أن مياهك لك وحدك وأن لا أحد آخر له نصيب فيها.

          كل واحد منا، بحسب الرمز، له في نفسه بئر، بل يقول إن كل واحد منا له في داخله ليس بئر واحد بل أكثر من بئر، ليس إناء ماء واحد، لكن أواني كثيرة، لأن الكتاب المقدس لم يقل اشرب مياهًا من إنائك لكن “من أوانيك”. لم يقل من مصدر بئرك لكن قال “من مصدر أبارك” أيضًا لقد سبق أن قرأنا إن الآباء كان لهم آبار، إبراهيم كان له آبار. أسحق أيضًا ويعقوب كان لديهم آبار.

ارحل من هذه الآبار تصفح كل الكتاب المقدس في البحث عن الآبار وتوصل إلى الأناجيل، ستجد أن البئر الذي استراح مخلصنا عن نهايته عندما تنتهي الرحلة، وترى المرأة السامرية التي أرادت أن تملأ الدلو من هذا البئر، وكيف يشرح عن فضائل البئر أو الآبار ويعمل مقارنة بين مختلف المياه، ويظهر لها أسرار السر الإلهي عندما قال لها “ إذا شرب أحد من المياه المعطاة من الآبار الأرضية سيعطش أيضًا أما الذي يشرب من الماء الذي يعطيه يسوع يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية” (انظر يو4: 6).

          لماذا إذًا في نص آخر من الإنجيل، لا يتعلق بالينابيع ولا بالآبار لكن ببعض الأشياء الأكبر أهمية كما جاء في الكتاب “مَنْ آمن بي تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يو7: 38)؟ ترى إذًا أن من آمن به يملك لنفسه أكثر من بئر، آبارًا وأكثر من ينبوع، أنهار، ينابيع وأنهار لا تفيد هذه الحياة البائدة، لكن تظل للأبدية. مما سبق ومما جاء عن موضوع الآبار والينابيع، يجب أن نفهم أنها تتعلق بكلمة الله، آبار حيث تخفي أسرار عميقة، ينابيع: وهي التي تفيض على الشعوب وترويهم.

آبار وينبوع:

الثالوث والوحدة

          لكن يجب أن نبحث باهتمام كيف نستطيع أن نشرح أن الآبار مكتوبة بصيغة الجمع، والينبوع بصيغة المفرد، حيث الحكمة تقول في سفر الأمثال “أشرب مياهًا جارية من آبارك” من أي بئر؟ يقول لنا أنه ليس لديه إلا ينبوع واحد.

في رأيي أن معرفة الآب غير المولود يمكن أن تكون مثل البئر ـ ومعرفة ابنه الوحيد يجب أن تكون بئرًا آخر، حيث إن الآب هو مميز عن الابن، والابن ليس هو الآب كما يقول في الأناجيل ” الذي يشهد لي هو آخر” (يو8: 18)، أي الآب فإنه يبدو لي أننا نستطيع أن نرى أيضًا بئرًا آخر في معرفة الروح القدس، حيث إنه مميز عن الآب والابن كما يؤكد الإنجيل الآب سيرسل لكم معزيًا آخر… روح الحق” (يو14: 16ـ17).

إنه إذًا التمييز لثلاثة الأقانيم في الآب والابن والروح القدس هو الذي يشرح صيغة الجمع في الآبار. لكن من هذه الآبار يوجد ينبوع واحد، حيث الوحدانية هي الجوهر، وطبيعة الثالوث. وأيضًا هل لا نجد التمييز الموضح في الكتاب المقدس ” من ينبوع آبائك” (أم5: 15)، أنه قد استعمل بكل دقة الاصطلاحات الرمزية وتكلم بالجمع عن الأشخاص، وبالتالي يتناسب المفرد مع الجوهر.

الآبار والمعرفة

          نستطيع أيضًا أن نرى الآبار في الأشياء كما في الحديث عن المعرفة التي بها يمتلئ الإنسان من حكمة الله، قائلاً: “ إنه هو الذي أعطاني المعرفة الحقيقية للكائنات التي عرفتني يقينًا تكوين العالم، وقوات العناصر، بداية ونهاية ووسط العصور، تغير الأزمنة وتحولها، دورات السنين وأوضاع الكواكب، وطبائع الحيوان، وغرائز الوحوش وقوة الأرواح وأفكار الناس وأنواع النبات، وقوة الجذور” (حكمة سليمان 7: 17ـ20).

هل ترى كيف تنفتح الآبار في معرفة الطبيعة؟ إن علم النباتات مثلاً هو بئر وربما تكون لطبيعة كل نبات بئر خاص بها. ويوجد بئر آخر وهو علم الحيوانات، وربما لكل نوع منها بئر خاص. كما أن نظام الأزمان وثوراته وتغيراته بئر آخر. إن العلم في كل هذه الأشياء عميق، لهذا السبب يمكن أن يسمى بئرًا بالمعنى المجازي “مادام سر المسيح ظل مكتومًا منذ الدهور ومنذ الأجيال” (كو1: 26).

المعرفة بهذه الأشياء يمكن أن تحمل اسم الآبار، لكن عندما نقرأ كلمة القديس بولس ” الله قد أعلنه للمؤمنين بروحه” (1كو2: 10)، فكل هذا يصبح ينابيع وأنهار: العلم لم يحتفظ بسريته لكن قدم للجموع على أنه يروي المؤمنين ويشبع ظمأهم.

هذا هو السبب في كلام المخلص لتلاميذه “من يؤمن بى”  ويشرب من ماء تعليمه فإنه سوف لا يكون له بئر وينبوع فقط، بل ستكون     ” أنهار ماء حي” (يو7: 38)، التي “تولد فيه” أيضًا من البئر الوحيد الذي هو كلام الله، تولد آبار وينابيع وأنهار لا تحصى. كذلك نفس الإنسان التي خلقت على صورة الله تستطيع أن يكون لها داخلها آبارًا وينابيع بل وتنتجها أيضًا.

حافرو الآبار

في الحقيقة تحتاج آبار نفوسنا إلى بيار لحفرها ينظفها وينزع منها كل ما هو أرضي، حتى تعطي الأفكار الحكيمة التي خبأها الله لكي تعطي شبكات من الماء النقي الخالص. ومادامت الأرض تغطي الماء وتخفي المجرى الخفي، فالماء النقي لا يمكن أن يجري. لهذا السبب قد كتب “وجميع الآبار التي حفرها عبيد أبيه في أيام إبراهيم أبيه، ردمها الفلسطينيون وملئوها ترابًا” (تك26: 15)، لكن إسحق الذي أخذ البركة من أبيه “حفر الآبار مرة أخرى ونبش آبار الماء” التي طمها الفلسطينيون في كراهيتهم وكانوا يلقون التراب فوق الماء.

ولقد لاحظنا أيضًا في سفر التكوين حيث يوجد هذا النص الذي قد استخرج منه، أنه في أثناء حياة إبراهيم لم يجرؤ الفلسطينيون أن يردموا الآبار ولا أن يرموا فيها التراب، وبعد موته رفعوا رؤوسهم وتعدوا على آباره. ولكن إسحق بعد ذلك أصلحها وعادت إلى طبيعتها.

الزوجات حول الآبار: الفضائل

          من جهة أخرى في أثناء رحلة إسحق لكي يتزوج فقد وجد خادم إبراهيم رفقة التي أسمها يعني “الصبر” عند البئر، وأنه ليس في جهة أخرى بل عند البئر وجدت امرأة أسحق. وعندما جاء يعقوب إلى بلاد ما بين النهرين (بني المشرق) لكي يطيع الأمر الأبوي بأن لا يأخذ امرأة من خارج شعبه أو من خارج دمه فعند الآبار أيضًا وجد راحيل.

وكذلك موسى وجد صفورة. إذًا عند الآبار قد فهمت ما هي الزيجات المقدسة. إذا كنت أنت أيضًا تريد أن تتزوج الصبر والحكمة والفضائل الأخرى التي تمثلها، وتقول ما قالته الحكمة “لقد بحثت عنه جيدًا لكي أتزوجه” حاصر هذه الآبار بلا انقطاع وستجد هناك زوجة مثلها، حيث إنه بجانب المياه الحية أي بجانب مجاري الكلام الحي، هناك تسكن كل الفضائل بكل تأكيد.

يسوع المسيح البئر الأوحد

إذًا يوجد كثير من هذه الآبار التي سبق أن قلنا عنها في داخل النفس. سنكتشف أيضًا كثيرًا من الآبار الأخرى في كل خطوة نخطوها في قراءة أو في تفسير الكتاب المقدس. لكن هناك بئر يفوق كل الآبار الأخرى، بئر عجيب، البئر الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس في هذا النص: والحفارون الذين حفروه لم يكونوا رجالاً عاديين لكن “رؤساء” وأيضًا شرفاء الشعب الذين يدعون “ملوك”. لهذا السبب “غنى نشيدًا لله” عند هذا البئر.

ولهذا السبب قد كتب “ ومن هناك إلى هذا البئر وهي البئر التي قال الرب لموسى اجمع الشعب فأعطيهم ماء” (عد21: 16)، موسى أمر بأن يجمع الشعب حتى يجتمعوا حول البئر ويشربوا الماء. في موسى يجب أن نرى الشريعة وقد سبق أن أوضحناها في كثير من المرات. إنها إذًا شريعة الله التي تدعوك لتأتي إلى البئر. إلى أي بئر؟ أن لم يكن إلى ذلك الذي سبق أن قلنا عنه أي يسوع المسيح ابن الله القائم في جوهره الذاتي، والذي هو مع الآب في اللاهوت الواحد. والشريعة تدعونا إذًا لهذا البئر أي للإيمان بالمسيح.

لقد قال هو نفسه “موسى كتب عني” لأي هدف يجمعنا؟ لكي نشرب الماء ولكي نرنم له نشيدًا بمعنى أن القلب يؤمن به للبر وفمنا يعترف به للخلاص (رو10:10).

البئر والبكر

 2 ـ ” يقول الكتاب المقدس ترنم له نشيد البئر” هذا هو المعنى. ضع البئر في بداية كل شئ، حيث يقول الرسول ” إنه الأصل وهو بكر كل الخليقة” (كو1: 15، 16). نستطيع أيضًا أن نفهم هذا بمعنى آخر فمن المفروض أن هذه الكلمات موجهة من موسى للشعب فهو يشجع الشعب ويقول له أعط البداية لقلبك أي بأن تبدأ في فهم ما هو هذا البئر حيث يجب أن نغترف الماء الروحي، وحيث يجب أن يصلح الشعب المؤمن. “رنم إذًا له” بمعنى أن لإسرائيل “نشيد البئر” حتى أن كل إنسان يرى الله في قلبه يستطيع أن يغترف المعنى الرمزي “السري”.

يجب أن نمر بواسطة موسى

فإذا دعا موسى بمعنى أن الشريعة تدعو، لتجمعنا لهذا البئر، أنه ليس كلامًا باطلاً فأنه يستطيع أي منا أن يدعو للمجئ لهذا البئر، لكن إن لم يكن قد استدعي لهذا البئر بواسطة موسى فسوف لا يكون مقبولاً من الله. ماركيون يعتقد أنه قد جاء لهذا البئر، وباسيليدس وفالنتيوس، لكن لأنهم لم يحصلوا على الشريعة والأنبياء فإنهم لا يستطيعون أن يمدحوا السيد الرب لأجل ينابيع إسرائيل. مثل هؤلاء الأشخاص لا يأتون للبئر التي “قد حفرها رؤساء وحفرها شرفاء”.

آبار الهراطقة

          هل تريدون أن تروا من الكتاب المقدس إلى أي بئر يأتون؟ أنه “وادي من الملح”، حيث تبدأ ” آبار حمر كثيرة” (تك14: 10). كل هرطقة وكل خطية، تكون في وادي من الملح. الخطية والآثم لا تعلو نحو العلو، لكنها تنزل دائمًا نحو الأماكن المنخفضة السفلى. كل فكر هرطوقي، وكل فعل، وكل فعل الخطية هي موجودة في وادي، أنه مالح ومر. أية عذوبة، وأية حلاوة تستطيع أن تقدمها الخطية؟ لكن يوجد ما هو أسوأ إذا سقط إنسان في آراء الهراطقة، إذا سقط في مرارة الخطية فهو قد سقط في “آبار حمر كثيرة”، الحمر هو غذاء، هو طعام النار.

فإذا تذوقنا ماءًا من هذه الآبار، إذا قبلنا آراء الهراطقة إذا قبلنا مرارة الخطية، فإننا نهيئ في أنفسنا مادة للنار وحطبًا لجهنم. لهذا السبب فإن الذين لا يريدون الشرب من ماء البئر المحفور بواسطة الرؤساء والملوك فأنهم يشربون من البئر الموجود في وادي الخطية، التي تغذي النار، فإنه يقال ” اسلكوا بنور ناركم وبالشرار الذي قد أوقدتموه” (إش50: 11).

رؤساء وملوك:

درجات العمق في معرفة الكتب المقدسة

ما هو إذًا النشيد المرنم حول البئر؟ فلنبدأ بلحن “نشيد” البئر “بئر حفرها رؤساء، حفرها شرفاء الشعب”، نستطيع أن نرى نفس الشخصيات في الرؤساء والملوك؛ لكن إن كان يجب أن نميزهم، فالرؤساء تعني الأنبياء. أنهم خبأوا المسيح وغطوا عليه بنبواتهم في أعماق الحرف، ولهذا السبب قال واحد من الأنبياء ” إن لم تسمعوا ذلك فإن نفسي تبكي في أماكن مستترة” (إر13: 17).

          وقال نبي آخر للسيد الرب “ تسترهم بستر وجهك من مكايد الناس. تخفيهم في مظلة من مخاصمة الألسن” (مز31: 20). إذًا الرؤساء هم الذين حفروا هذا البئر، الملوك هم الذين نقبوه. ينقب بمعنى يقطع أو يهذب الحجر، الشرفاء وهم أقل من الملوك، يحفرون الآبار، بمعنى يعمقون في الأرض، يحفرون إلى عمق معين.

لكن الذين دعوا ملوكًا هم أكثر قوة وأكثر علوًا لا ينقبون فقط سمك الأرض، ولكن ينقبون أيضًا صلابة الصخر، لكي يصلوا إلى الماء الأكثر عمقًا. والأكثر فحصًا إذًا نستطيع أن نقول أيضًا إلى أغطية الهاوية، عالمين برحمة الله “ ما أكرم رحمتك يا الله” (مز 36: 7).

          إذًا نستطيع أن نقول إن هؤلاء الملوك الذين لهم المقدرة أن يصلوا إلى مثل هذه الأعماق، وإلى مثل هذا الفحص من البئر، هم الرسل. وكان أحدهم يقول “ فأعلنه الله لنا نحن بروحه، لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله” (كو2: 10). وبما أنهم يستطيعون بفضل الروح القدس فحص أعماق الله بأنفسهم واختراق أعماق أسرار البئر، فهم في هذا النص، الملوك الذين نقبوا هذا البئر في الصخر، ليصلوا إلى أسرار المعرفة الصلبة والصعبة.

وأما بالنسبة للرسل أيضًا فيمكن أن يدعوا ملوكًا، إذ يمكن استنتاج ذلك بسهولة مما قيل عن كل المؤمنين: ” أنتم جنس مختار وكهنوت ملوكي أمه مقدسة” (1بط 2: 9)، فإذًا هم دعوا ملوكًا أولئك للذين آمنوا بواسطة كلمتهم. نستطيع بسهولة استنتاج ذلك من هذا: إذا كان الملوك هم الذين يحكمون، فكل الذين يديرون كنائس الله يستحقون أن يدعوا ملوكًا، لكن بأكثر استحقاق يدعون ملوكًا أولئك الذين يوجهون بواسطة كلامهم وكتاباتهم الذين يديرون الحكام.

          لهذا السبب دعى حقًا السيد الـرب “ملك الملوك” (رؤ19: 16). وإن كان الرسل وتلاميذهم ليسوا ملوكًا، لما ظهر أن الله ملك الملوك. بولس الرسول نفسه يقول لأهل كورنثوس لتبكيتهم بطريقة توبيخية “ أنكم ملكتم بدوننا وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضًا معكم” (1كو4: 8). أنه يؤكد بأن أهل كورنثوس يجب أن يدعوا ملوكًا وأنه يريد أن يملك معهم، ولكنه يظهر أن عندهم كبرياء لا يتناسب مع الشرف الذي يطلبونه.

ها هم الملوك الذين يحفرون البئر “وحفرها رؤساء” (عد21: 18)، الرسل حقًا هم بكل فخر ملوك الأمم بالتمام، لقد جمعوهم في طاعة الإيمان وفتحوا لكل العالم معرفة المسيح ” المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كو2: 3)، وذلك بذهابهم إلى العالم أجمع حسب وصية السيد الرب، وبتنفيذهم الأمر الذي أعطاهم إياه “ تلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت28: 19ـ20). بهذا قد حفروا البئر، بمعنى أنهم أعلنوا العلم وأعطوا المعرفة لكل الأمم.

          هذا الكتاب الذي بين أيدينا، هذا الدرس الذي قُرئ علينا، هما بئر. وفي نفس الوقت كل الكتاب المقدس والشريعة والأنبياء، والكتابات الإنجيلية والرسولية يكونون مجموعة “بئر” واحد، ولا يمكن أن يحفر ولا أن يفحص إلا إذا وُجِدَ ملوك ورؤساء حيث إنه يجب أن ينظر إليهم كملوك حقيقيين ورؤساء حقيقيين، أولئك الذين يمكنهم أن ينظفوا أرض البئر، أي رفع سطحية الحرف، وسطحية “الصخرة” الداخلية حيث يوجد “المسيح” ويعملون على تدفق المعنى الروحي. إذًا فالملوك أو الرؤساء هم الذين يستطيعون أن يعملوا على تدفق المياه، ولقد دعوا ملوكًا لأنهم عزلوا الخطية من تملكها على الجسد، وشيدوا في أعضائهم ما هو للبر.

          فلكي نعلم الآخرين يجب علينا أن نمارس أولاً ما نعلّمه، كما يؤكد الكتاب ” من عمل وعلم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السموات” (مت 5: 19). والذي هو عظيم في مملكته فهو ملك. إن “ملوك الأمم” يقول الكتاب ” قد حفروها في مملكتهم، وقد ملكوا عليها” (عد21: 18). في الحقيقة هم لا يستطيعون أن يحفروا هذا البئر ولا أن يكشفوا الأغطية المختبئة في الماء الحي، إن لم يتأسسوا بواسطة سيادتهم على الأمم البربرية. لأنهم إن قهروا واخضعوا لسلطة النفس المملوكة، إن سادوا على كل ما هو فيهم من وحشية في أفعالهم، وما هو بربري في عاداتهم، لكي يسلكوا فيما بعد بحسب الشريعة وليس كالوثنيين، فهؤلاء يكونون حقًا ملوكًا يفحصون أعماق البئر وأعماق أسرار كلمة الله.

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)