أبحاث

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2
البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

الجزء الأول: البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

أربع مراحل من بدء البئر:

المرحلة الأولى العطايا

3 ـ بعد ذلك يقول الكتاب المقدس “من البئر إلى متانة، ومن متانة إلى نحليئيل ومن نحليئيل إلى باموت، ومن باموت إلى الجواء التي في صحراء موآب عند رأس الفسجة التي تشرف على وجه البرية” (عد 21: 18ـ 20). هذه الأسماء تبدو أسماء أماكن، لكن إذا اعتبرنا المعنى الذي تقدمه في اللغة الأصلية، نجد أنها مجموعة من الحقائق السرية أكثر من كونها أسماء أماكن[1].

“رحلوا من البئر ووصلوا حتى متانة” (متانة تعنى عطاياهم) بمعنى إذا شرب أحد من البئر “المحفور من الملوك والرؤساء” فهو يكسب من ذلك امتلاك عطايا يمكن أن يقدمها لله؟ أما ما يمكن للإنسان أن يقدمه لله فهو كما كتب في الشريعة “عطايا وتقدمات”.

إنه إذًا من الحسنات المعطاة من الله أن يقدم الإنسان قرابيننا لله. وما هي العطية التي أعطاها الله للإنسان؟ هي معرفة نفسه. وما هي التقدمة التي يقدمها الإنسان لله؟ هي إيمانه وحبه. هذا ما يطلبه الله من الإنسان، لأنه مكتوب ” فالآن يا إسرائيل ماذا يطلب منك الرب إلهك إلا أن تتقي الرب إلهك. لتسلك في كل طرقه، وتحبه، وتعبد الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك” (تث10: 12). هذه هي التقدمات، هذه هي العطايا التي يجب أن نقدمها للسيد الرب. أي نحن نقدم له هذه العطايا من قلوبنا بعد أن نكون قد عرفناه، وبعد أن نكون قد شربنا معرفة صلاحه من أعماق بئره.

حرية البشر وبر الله

          لاحظ إذًا كيف يقول موسى النبي ” فالآن يا إسرائيل ماذا يطلب منك الرب إلهك؟” (تث10: 12). فليخجل من هذا الكلام، الذين يدّعون أن خلاص الإنسان لا يتعلق به. كيف يمكن لله أن يطلب من الإنسان إن لم يكن في مقدرة الإنسان أن يعطي ما يطلبه الله منه، والذي عليه أن يقدمه له؟ يوجد إذًا نصيب الله ونصيب الإنسان. فمثلاً كان في مقدرة الإنسان أن يربح عشر وزنات أو خمس وزنات من وزنة واحدة. لكن الله وحده يمكن أن يعطيه وزنة واحدة وفي استطاعة الإنسان أن يرد له عشرة وزنات. 

          ولكن مرة أخرى عندما قدم العشر وزنات أخذ من الله ليس المال ولكن القدرة والملك (السلطان)، على عشر مدن. طلب الله من إبراهيم أن يقدم له أبنه أسحق ” على الجبل الذي يختاره الله له” (عب 11: 17)، فقدم إبراهيم ابنه الوحيد بدون تردد، ووضعه على المذبح وأخذ السكين ليذبح أبنه ولكنه أوقفه في الحال وًاعطِىَ كبشًا من الرب لكي يقدمه كضحية بدلاً من ابنه. أنت ترى إذًا ما نقدمه لله يبقى لنا، لكن ما يطلب منا هو لكي يختبر حبنا نحو الله وإيماننا به وفيما يخص أبناء إسرائيل سبق أن قلنا ” رحلوا من البئر ووصلوا إلى متان” (عد21: 19)، التي تعني عطاياهم.

المرحلة الثانية: عطايا الروح القدس

من متان نصل إلى “نحليئيل” التي تعني “من الله”. ما هو الذي من الله؟ بعد أن نقدم له إيماننا وحبنا فهو يعطينا مختلف عطايا الروح القدس كما يقول الرسول ” الذي منه جميع الأشياء” (1كو8: 6).

المرحلة الثالثة: موت عن العالم

          من نحليئيل نصل إلى “باموت” التي تعني مجئ الموت أي موت، أن لم يكن من النوع الذي به “نموت مع المسيح” لكي “نحيا معه” وبواسطته. يجب علينا أن ” نميت أعضائنا التي على الأرض” (كو3: 5)، وقد قيل أيضًا “ لقد دفنا معه بالمعمودية للموت” (رو6: 4). فإذًا دعنا نتابع المراحل لهذه الرحلة نحو الخلاص، فيجب أن نمر بكل هذه المحطات التي ذكرناها، ونصل بعد كثير من الجهد لهذا المكان الذي يعني “مجئ الموت”.

وحسب تعليم الكتب المقدسة يوجد بالفعل موت عدو وموت صديق، لنرى ما هو من المسيح. هنا إذًا ليس مسألة موت العدو، لكن الموت الذي قيل: ” آخر عدو يبطل هو الموت“، بمعنى الشيطان. ولكن ما هو هذا الموت الذي بواسطته نموت معه، لكي نحيا أيضًا معه، ما هو هذا الموت الذي يقول عنه الله ” أنا أميت وأحيي” (تث32: 39). أنه يميت حقًا لكي “نحيا مع المسيح”. ويحيي لكي “نحيا معه”. إذًا يجب علينا أن نشتهي أن نصل إلى الموت، وأن نشتهي بأقصى سرعة حلول هذا الموت السعيد حتى نستحق أن نحيا مع المسيح.

المرحلة الرابعة: فردوس وكمال

          ومن “باموت” يقول الكتاب المقدس ” إلى الجواء التي في صحراء موآب عند رأس الفسجة التي تشرف على وجه البرية“. بذلك نكون قد أكملنا هذه المرحلة، التي بحسب شرحنا تصف تقدم النفس أكثر من وصفها أسماء أماكن. بعد كل هذه المراحل نصل إلى الغابة، أو بتعبير آخر إلى جواء التي تعني مطلع أو قمة الجبل. وبمرورنا بهذه المراحل نصل إذًا إلى الغابات الشاسعة الإلهية:

الجنة، وإلى الإقامة الأولى الجميلة، أو على الأقل إلى قمة الكمال، وإلى فيض البهجة، بحيث يستطيع المؤمن أن يقول ” وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع” (أف2: 6). أرأيت أين نصل اعتبارًا من بدء البئر؟ أرأيت ما هي المراحل أو بالأحرى ما هو تقدم النفس ورحلتها نحو السماء التي قد أُعدْت من قبل إذًا تستطيع بفحص نفسك وتقدمك اليومي أن تعرف أين أنت، وقربك من ملكوت السموات، كما قال السيد المسيح “ لست بعيدًا عن ملكوت الله” (مر12: 34).

سيحون

          4 ـ قصة أخرى تلي القصة السابقة. وأرسل موسى أو بالأحرى “أرسل إسرائيل رسلاً إلى سيحون ملك الأموريين قائلاً دعني أمر في أرضك لا نميل إلى حقل ولا إلى كرم ولا نشرب ماء بئر. في طريق الملك نمشي حتى نتجاوز تخومك فلم يسمح سيحون لإسرائيل بالمرور في تخومه بل جمع سيحون جميع قومه وخرج للقاء إسرائيل إلى البرية فأتي إلى هايص وحارب إسرائيل فضربه إسرائيل بحد السيف وملك أرضه” (عد 21: 21ـ 24).

سيحون هو الشيطان

          القصة واضحة، لكن فلنصل للرب حتى يرينا بعض الأشياء التي تكون مناسبة لمعاني داخلية. سيحون له معنيان: شجرة عقيمة أو متكبرة. أرسل إسرائيل إذًا رسلاً إلى سيحون، إلى هذه الشجرة العقيمة، هذه الشجرة المتشامخة والمتكبرة. أما سيحون هذا فهو ملك الأموريين بمعنى مرشدًا إلى المرارة، أو متحدثًا.

موسى أرسل رسلاً إلى سيحون قائلاً دعني أمر في أرضك“، نحن قلنا حسب التفسير الروحي أن الملك سيحون يمثل الشيطان لأنه متكبر وعقيم. اعتقد أننا لا يجب أن نندهش إذا دعوته ملك حيث إن سيدنا ومخلصنا قال عنه في الإنجيل “ رئيس هذا العالم يأتي وليست له في شئ” (يو14: 30)، وأيضًا ” الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجًا” (يو12: 31). إذا كان قد دعي رئيسًا لهذا العالم كله في الأناجيل فهل من غير المناسب أن نقارنه بسيحون ملك الأموريين أو بأي ملك من الأمم الأخرى.

هو قد دعى رئيسًا لهذا العالم ليس لأنه قد خلق العالم، بل لأن الخطاة كثيرون في العالم. وبما أنه رئيس الخطاة فقد دعى رئيس العالم أي رئيس الذين لم يتركوا بعد العالم لكي يتجهوا إلى الآب. بنفس المعنى قد قيل إن “ العالم كله قد وضع في الشرير” (1يو5: 19).

ماذا يفيدنا أن نقول إن المسيح هو رئيسنا إذا كنا مقتنعين بأفعالنا وأعمالنا ونحن تحت سلطة الشيطان؟ هل لا نعرف بوضوح إلى أي رئيس ينتمي الفاجر، الفاسق، الظالم؟ رجل من هذا النوع هل يستطيع أن يقول أنه وُضِعَ تحت سلطان المسيح، ولو كان في الظاهر قد أحصى تحت اسم المسيح؟ حيث إن المسيح رئيسنا، لا يرتكب أبدًا لا النجاسة ولا البغى، ولا يوجد فيه مكان أبدًا لشهوة الظلم. وفي هذا المعنى. أنه يجدر بنا أن نقول إن المسيح هو رئيس الفضائل، والشيطان رئيس الشر وكل ظلم.

كبرياء الشيطان

          إذًا ” أرسل إسرائيل رسلاً إلى ملك الأموريين، ملك من الذين يقودون إلى المرارة. ملك عقيم، ملك متكبر. كيف نعرف الكبرياء، كبرياء الشيطان؟ أنه هو الذي قال “بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحطمت الملوك كبطل فأصابت يدي ثروة الشعوب كعش” (إش10: 13، 14).

أنه يقول أيضًا هذا الروح المتكبر والمتشامخ “ اصعد إلى السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال أصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلي” (إش14: 13، 14)، هل مازلت تسأل هل هو متشامخ ومتكبر؟ نعم هو متشامخ ومتكبر.

          إنه كذلك والذي كتب عنه ” لا يخدعنكم أحد على طريقة ما لأنه لا يأتي إن لم يأت الارتداء أولاً ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعي إلهًا أو معبودًا حتى أنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرًا نفسه أنه إله” (2تس2: 3، 4). إذًا كل كائن متكبر متشامخ هو ابن لهذا الروح المتكبر، أو تلميذه ومقتدي به، لهذا السبب قال الرسول عن بعض الناس “ لئلا يتكبر فيسقط في دينونة إبليس” (تي3: 6)، مبينًا من هنا أن كل كبرياء ستحاكم بدينونة مماثلة للدينونة التي سيحاكم بها إبليس.

جحد الشيطان

          إذًا نحن الذين نريد أن نمر خلال هذا العالم لنصل إلى الأرض المقدسة إلى الأرض الموعود بها للقديسين، ونحن ” أرسلنا بكلمات سلام لسيحون” مع وعد بأننا ” لا نمكث في أرضك وبأننا لا نتأخر معه” (عد21: 21)، بأننا في طريق الملك نمشي حتى نتجاوز تخومك بدون أن نميل إلى حقل، ولا إلى كرم ولا نشرب ماء بئر. فلنتأمل متى أعطينا هذه الوعود، هذا العهد للشيطان؟ على كل مؤمن أن يتذكر عندما تقدم لمياه المعمودية[2]، عندما أخذ أول ختم الإيمان وجاء إلى مصدر الخلاص فليتذكر الكلمات التي نطق بها حينئذ، يتذكر جحد الشيطان إنه وعد ألا يستعمل فخاخه، ولا أعماله، ولا يخضع أبدًا لعبوديته ولا لإغراءاته.

وهذا ما يقدمه لنا “ظل” كلمات الشريعة، “ إسـرائيل لا يميل إلى أي حقل ولا إلى كرم” (عد21: 22). إنه وعد أيضًا بأنه لن يشرب من ماء أي بئر، المؤمن لا يأخذ أي نقطة من علم الشيطان، من علم الفلك من السحر، من أي معلومات مضادة للتقوى نحو الله، لأنه له ينابيعه الخاصة، أنه يشرب من ينابيع إسرائيل، أنه يشرب من ينابيع الخلاص، أنه لا يشرب من بئر سيحون “ ولا يترك ينبوع الحياة” (إر2: 13)، لينقر في الآبار المشققة، لكنه يعلن أنه يتبع طريق الملك.

ما هو طريق الملك؟ بكل تأكيد طريق الذي قال ” أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو14: 6). أنه طريق ملوكي حيث قال النبي عنه “ اللهم أعط أحكامك للملك” (مز 72: 1). يجب إذًا أن نتبع طريق الملك بدون أن نميل إلى أي جانب ولا إلى أي حقل ولا إلى كرم، بمعنى أن إدراك المؤمنين لا يجب أن يميل نحو الأعمال أو نحو الأفكار الشيطانية.

عبور العالم في سلام:

          كيف إذًا نريد أن نعبر أرض مملكة الأموريين بسلام؟ نستطيع أن نقبل سلام الأموريين غير المؤمنين الذين في العالم. لكن اسمهم يعني كما سبق أن قلنا، مرشدًا إلى المرارة أو متحدثين يقودون الكفار وغير المؤمنين إلى المرارة؟ ليس من الصعوبة شرح ذلك. بالنسبة للذين يتحدثون نستطيع أن نفهمه كما يلي:

إن كل الكفار والذين هم تحت سلطان إبليس لا يعرفون إلا أن يتحدثوا، لكنهم يتحدثون بلا شئ ويشهد عليهم كتابهم، وهم المنجمون وبعض الفلاسفة أيضًا الذين لا ينطقون إلا بكلمات باطلة وفارغة. على العكس ذلك ” ملكوت المؤمنين الذي من الله ليس بكلام بل بقوة” (انظر 1كو 4: 20).

الاضطهاد:

          نحن نريد أن نعبر العالم في سلام، لكن هذا يغضب رئيس هذا العالم، فهو عندما يسمعنا نعلن أننا لا نريد أن نمكث معه، وعندما يعرف أننا لا نريد أن نتأخر ولا أن نلمس أي شئ من الأشياء التي يملكها، كل هذا يزيد كراهيته وكبرياؤه، وغضبه فيسلط علينا الاضطهادات ويضاعف من الأخطار ويكثر من الآلام.

لهذا السبب قال الكتاب المقدس ” جمع سيحون جميع قومه وخرج للقاء إسرائيل” (عد21: 23). ها هم كل هؤلاء القوم الذين مع سيحون، يجتمعون ضد إسرائيل؟ إنهم رؤساء وحكام هذا العالم، كل عبيد الشر الذين يهاجمون بلا انقطاع شعب الله ويضطهدونه[3].

إتمام الوصايا:

          ماذا يفعل إسرائيل؟ “إنه يأتي” يقول الكتاب المقدس إلى “ياهص”، وياهص تعني “إتمام الوصايا”، فإذًا نحن نأتي أيضًا إلى هذا المكان، بمعنى إلى إتمام الوصايا، متى تقدم ضدنا الشيطان المتكبر والمتشامخ مع جميع جيش سيحون، ومهما شرع في القتال ضدنا وحرض ضدنا كل أبالسته، سيكون لنا النصرة عليه، إن أتممنا وصايا الله، حيث إن إتمام الوصايا يعني أن يكون لنا النصرة على إبليس وكل جنوده وحينئذ يتم لأجلنا الكلام الذي قاله الرسول “وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا” (رو16: 20)، وكلام السيد الرب “ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شئ” (لو10: 19).

كل ذلك لا يمكنه فعلاً أن يؤذينا “إذا أتينا إلى ياهص” (1بط 4: 11)، بمعنى إذا حفظنا وصايا وتعاليم سيدنا يسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.

[1] هكذا نستطيع أن نلخصها: (أ) البئر: معرفة المسيح والكتاب المقدس، أول سكب من الروح القدس. (ب) متانة: هو الإنسان الذي يقدم إيمانه لله. (ج) نحلئيل: الله يعطي للإنسان عطايا الروح القدس. (د) باموت: موت العالم.

[2] الجحد العلني للشيطان ولكل أعماله قبل المعمودية يعتبر من الطقوس القديمة في الكنيسة  ولا يزال يمارس حتى اليوم في المعمودية.

[3] عبيد الشر هم القضاة والبوليس الإمبراطوري الذين يخدمون آلهة مزيفة ويضطهدون المؤمنين بدون أي سند قانوني وكذلك الشياطين الموجودون في الأوثان وعبادتها.

البئر – العظة الثانية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)