أبحاث

إقامة ابنة يايرس – إنجيل لوقا 8 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إقامة ابنة يايرس – إنجيل لوقا 8 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إقامة ابنة يايرس – إنجيل لوقا 8 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إقامة ابنة يايرس – إنجيل لوقا 8 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
إقامة ابنة يايرس – إنجيل لوقا 8 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو 8: 49- 56) ” وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلاً لَهُ: قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ. فَسَمِعَ يَسُوعُ، وَأَجَابَهُ قِائِلاً: لاَتَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى. فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَدْخُلُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَأَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا. وَكَانَ الْجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَيَلْطِمُونَ. فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ، عَارِفِينَ أَنَّهَا مَاتَتْ. فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ خَارِجًا، وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى قَائِلاً: يَا صَبِيَّةُ، قُومِي!. فَرَجَعَتْ رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحَالِ. فَأَمَرَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ. فَبُهِتَ وَالِدَاهَا. فَأَوْصَاهُمَا أَنْ لاَ يَقُولاَ لأَحَدٍ عَمَّا كَان “.

 

هلم يا جميع محبيِّي مجد المخلِّص، هلم وانسجوا أكاليل لرؤوسكم، تعالوا أيضًا، لكي ما نبتهج به، وبينما نحن نمجده بتسابيح لا تنتهي، دعونا نقول بكلمات النبي إإشعياء “ يارب أنت إلهي أعظمك. أحمد اسمك لأنك صنعت أعمالاً عجيبة. مقاصدك منذ القديم أمانة وصدق” (إش25: 1). ما هي إذًا مشورة الله الآب وقصده الذي كان منذ القديم وكان صدقًا؟ واضح أنَّ الأمر يخصنا نحن, لأن المسيح سبق فعرف سره حتى قبل تأسيس العالم. ولكن في الأزمنة الأخيرة للعالم نهض لأجل سكان الأرض، وإذ قد حمل خطية العالم فإنه يبطلها ويبطل الموت أيضًا الذي نتج عنها، والذي جلبناه على أنفسنا بواسطة الخطية. لأنه هكذا قال هو نفسه بوضوح ” أنا هو القيامة والحياة، من يؤمن بي فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة” (يو11: 25؛ 5: 24). وهذا هو ما نراه يتحقق بالوقائع الفعلية لأن رئيس مجمع اليهود اقترب منه واحتضن قدمي المخلص، وطلب منه أن ينقذ ابنته من رباطات الموت. لأنها كادت أن تصل إلى حالة الموت وكانت في خطر عظيم، ووافق المخلص وانطلق معه، بل إنه كان يسرع إلى بيت ذلك الذي طلب منه هذا الإحسان. وكان يعرف أنَّ ما يحدث سوف ينفع كثيرين من أولئك الذين يتبعونه، وسوف يكون أيضًا سببًا لمجده. وفي الطريق شُفِيَت المرأة التي كانت فريسة لمرض غير قابل للشفاء (نازفة الدم)، لأنها كانت تُعاني من نزف دم لم يستطيع أحد أن يوقفه, حتى إنَّ مهارة الأطباء كانت بلا فائدة، ولكنها بمجرد أن لمست هدب ثوبه بإيمان، فإنها شُفِيَت في الحال. وهكذا حدثت معجزة مجيدة وظاهرة نتيجة مجردَّد سير المسيح في الطريق.

وبعدد ذلك جاء واحد من بيت رئيس المجمع قائلاً له ” ابنتك قد ماتت لا تُتعب المعلم“. فماذا إذًا كان جواب المسيح إذ هو يملك سلطانًا كاملاً وهو رب الحياة والموت، وبقرار إرادته الكلية القدرة يُتمِّم كل ما يريد؟

لقد رأى الرجل مضغوطًا بأثقال الحزن، ويكاد يغمى عليه، وهو مذهول ويكاد ييأس من إمكانية إنقاذ ابنته من الموت, لأن الكوارث تستطيع أن تُسبِّب اضطرابًا حتى للعقل الذي يبدو متماسكًا، وأن تبعده عن أفكاره المستقرة. لذلك فلكي يساعده، أعطاه كلمة رحمة مخلِّصة، يمكن أن تسنده في حالته الحائرة، وتخلق فيه إيمانًا غير متذبذب، إذ قال له ” لا تخف، آمن فقط، وهي ستحيا“.

ولما جاء إلى البيت، بدأ يهدئ نواحهم، ويُسكت المزمرين، ويكفكف دموع الباكين قائلاً “الصبية لم تمت لكنها نائمة”. ويقول الإنجيل إنهم ” ضحكوا عليه“، وأرجو أن تلاحظوا هنا المهارة العظيمة في التعامل, فرغم أنه عرف جيدًا أنَّ الصبية كانت ميِّتة لكنه قال “إنها لم تمُت، ولكنها نائمة”. ولماذا قال هذا؟ فإنهم ببضحكهم عليه أعطوا اعترافًا واضحًا أنَّ الصبية قد ماتت، لأنه مِن المحتمل أن يكون هناك بعض من تلك الفئة التي كانت دائمًا تقاوم مجده، أولئك الذين يرفضون المعجزة الإلهية ويقولون إ إنَّ الصبية لم تكن قد ماتت بعد، وأنه بإنقاذها من المرض لم يكن هناك شيء فوق العادي فَعَله المسيح. لذلك فلكي ينتزع اعتراف كثيرين أنَّ الصبية قد ماتت قال ” إنها نائمة“،, ولا يستطيع إنسان أن يُقرِّر أنَّ المسيح تكلم بغير الحق, فإإنه بالنسبة إليه إذ هو نفسه الحياة بالطبيعة، ليس هناك شيء ميت، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نحن الذين لنا رجاء ثابت في قيامة الموتى، أن نسميهم “الراقدين” لأنهم سيقومون في المسيح، وكما يقول بولس المبارك ” هم يحيون معه ” (رو6: 8). ويعني أنهم سيحييون.

ولكن لاحظوا هذا أيضًا. فكما لو أنه يريد أن يعلِّمنا أن نتجنب المجد الباطل، رغم أننا لن نستطيع بالتأكيد أن نجري مثل هذه الأعمال العجيبة، حينما جاء إلى البيت الذي كانت ترقد فيه الصبية ميتة، فإنه أخذ معه ثلاثة من الرسل القديسين وأبا الصبية وأمها.

والطريقة التي أجرى بها المعجزة طريقة جديرة بالله. فكما يقول الإنجيل، أمسك بيد الفتاة وقال، يا صبية قومي، فقامت في الحال.. ييا لقوة هذه الكلمة، وقدرة الأوامر التي لا يستطيع شيء أن يقاومها! ويا لهذه اللمسة المعطية للحياة، من يده،, تلك اللمسة التي تبيد الموت، والفساد! هذه هي ثمار الإيمان، الذي لأجله أعطى الناموس أيضًا للقدماء بواسطة موسى.

ولكن ربما يقول أحد هنا: ولكن أي إنسان يستطيع أن يرى أنَّ الفرائض التي أمر بها الناموس ليست مثل الإيمان بالمسيح، بل هي مختلفة عنه، لأن الناموس يأمرنا أنّ نقدم ذبائح دموية، والإيمان يرفض كل شيء من هذا النوع، وقد أتى للبشرية بعبادة تُُقدََّم بالروح وبالحق. لأن المسيح نفسه يتكلم في موضع ما بواسطة قيثارة المرنم موجهًا الحديث لله الآب في السماء ” ذبيحة وقربانًا لم ترد، بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسر، ولكن هيأت لي جسدًا. ثم قلت هأنذا أجئ في درج مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا الله” (مز39: 6، 7س). لذلك فالتقدمات الدموية لا تنفع، ولكن الرائحة الطيِّبة للعبادة الروحية هي مقبولة تمامًا عند الله. وهذه العبادة لا يستطيع أحد أن يقدمها له إن لم يكن له أولاً ذلك الإيمان الذي هو بالمسيح. ويشهد بولس المبارك لهذا الإيمان، حيث يكتب “ بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه” (عب 11: 6).

لذلك فمن الضروري لنا أن نشرح بأي معنى نحن نقول إ إنَّ الناموس قد أعطى بسبب الإيمان. فإبراهيم المبارك تبرر بالطاعة والإيمان, لأنه مكتوب  أنَّ “ إبراهيم آمن بالله ودُعيَ خليل الله وحُسب له الإيمان برًّا” (يع2: 23). ووعده الله أنه سيكون ِأبًا لأمم كثيرة، وأن كل الأمم ستتبارك فيه، أي بالتمثل بإيمانه. لذلك يمكن أن نرى أنَّ النعمة التي بواسطة الإيمان سابقة على الفرائض التي أمر بها الناموس، إذ أنَّ إبراهيم وصل إلى هذه النعمة بينما كان لا يزال غير مختون. وفيما بعد، بعد فترة من الزمن دخل الناموس على يد موسى. فهل هو يطرح بعيدًا التبرير الذي بواسطة الإيمان، أعني الذي وعد به الله لأولئك الذين يتبعون خطوات إيمان أبينا إبراهيم، الذي كان له وهو لا يزال غير مختتن؟ ولكن كيف يكون هذا صحيحًا؟ لذلك يكتب بولس المبارك “ وإنما أقول هذا إنَّ الناموس الذي صار بعد أربعمائة وثلاثين سنة لا ينسخ عهدًا قد سبق فتمكَّن من الله نحو المسيح، حتى يجعل الموعد الذي أعطى للآباء باطلاً” (غل3: 17). وأيضًا يقول “ هل الناموس ضد مواعيد الله؟ حاشا” (غل3: 21) وبولس الإلهي نفسه يُعلِّمنا الأسباب التي لأجلها دخل الناموس بواسطة خدمة ملائكة، والطريقة التي بها يُدعِّم الإيمان بالمسيح، إذ أنَّ الناموس قد أعطى قبل زمن تجسد الابن الوحيد، وهو يقول مرة إنَّ “ الناموس دخل لكي تكثر الخطية” (رو5: 20). وفي مرة أخرى “ إن الكتاب أَغلق على الكل تحت الخطية” (غل3: 22)، ويقول أيضًا: ” لذلك، فالناموس قد زيد بسبب التعديات” (غل 3: 19).

هل تريدون أن تعرفوا كيف أَغلق الكتاب على الكل تحت الخطية؟ إني سأشرح هذا الأمر بأقصى ما هو في استطاعتي. فالأمم، الذين كانوا حينئذ بدون إله، ولا رجاء لهم، كانوا في هذا العالم كأناس مسجونين في شراك الدناءة، ومعلَّقين في حبال الخطية بلا رجاء في النجاة. ومن الجهة الأخرى كان الإسرائيليون حاصلين على الناموس كمؤدِّب حقًّا، ولكن لم يستطع أي إنسان أن يتبرر بواسطته, فلم تكن أي منفعة من تقديمهم ذبائح دموية عن خطاياهم. وهذا ما يشهد له بولس أيضًا قائلاً ” لأنه لا يمكن أنَّ دم ثيران وتيوس يرفع خطايا” (عب10: 4). إن الناموس هو برهان على ضعف جميع البشر، ولذلك فإإنَّ بولس المبارك يسميه ” خدمة الدينونة” (2كو3: 7). وقد كثُرت الخطية بواسطة الناموس. وذلك ليس كأنه يجعل الإنسان يخطئ، بل بالحري  لأنه يعلن دينونة كل من هو تحت التعدي. لذلك فقد أُعطى الناموس بسبب التعديات، حتى أنه ليس هناك إنسان يستطيع أن يصل إلى حياة بلا لوم، فإن مجئ التبرير الذي بواسطة المسيح يصير أمرًا ضروريًّا تمامًا., فلم يكن هناك طريق آخر يستطيع سكان الأرض أن يهربوا بواسطته من طغيان الخطية.. إذًا فالناموس دخل أولاً لأجل الإيمان، لكي يكشف خطية أولئك الذين كانوا معرَّضين للضعفات. ويثبت أنهم خطاة., لذلك فالناموس, كما لو كان يرسل الناس إلى التطهير الذي في المسيح بواسطة الإيمان. ولهذا السبب كتب بولس المبارك أيضًا: ” إذن قد كان الناموس مؤدِّبنا إلى المسيح… ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدِّب” (غل 2: 24، 25)، لأننا جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع.

إذًا فالإيمان من كل جهة، هو سبب الحياة، وهو الذي يميت الخطية التي هي أُم الموت ومُربِّيته. لذلك كم هو رائع ما قاله المسيح لرئيس مجمع اليهود عندما ماتت ابنته “ لا تخف آمن فقط وهي ستحيا“, لأنه كما قلت، فالمسيح يحيي أولئك الذين يقتربون إليه بإيمان أنه هو الحياة: ” لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد” (أع17: 28), ” وهو سيقيم الموتى في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير” كما هو مكتوب (1كو15: 52). وإذ لنا هذا الرجاء فيه فإننا سوف نصل إلى المدينة التي هي فوق، وسنملك كملوك معه، الذي به ومعه، لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

إقامة ابنة يايرس – إنجيل لوقا 8 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)