أبحاث

معرفة الآب والابن – إنجيل لوقا 10 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

معرفة الآب والابن – إنجيل لوقا 10 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

معرفة الآب والابن – إنجيل لوقا 10 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

معرفة الآب والابن – إنجيل لوقا 10 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
معرفة الآب والابن – إنجيل لوقا 10 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو10: 22) ” وَالْتَفَتَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الابْنُ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الابْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ “.

 

          يكشف لنا ربنا يسوع المسيح مرَّة ثانية مجده وكرامة جلال ألوهيته وطريقته الحكيمة في تدبير التجسُّد، كما يبيِّن لنا بوضوح عظم الفائدة التي حصل عليها سكان الأرض من جراء ذلك. ليتنا نسأله الحكمة ونطلب الفهم، كي يمكننا أن ندرك معنى كلماته بالضبط. فهو الذي ” يكشف الأغوار في الظلام، ويخرج الأمور الخفية إلى النور” (أى12: 22)، ويعطى الحكمة للعميان، ويجعل نور الحق يضيء على أولئك الذين يحبونه، ومن بينهم نحن. فها أنتم قد أقبلتم ثانية كعطاش، والكنيسة ممتلئة من الراغبين في الاستماع وجميعهم عابدون حقيقيُّون باحثون عن تعاليم التقوى. تعالوا إذن ولنقترب من كلمات المخلِّص بذهن مفتوح، وكلماته هي: ” كل شيء قد دُفع إليَّ من أبي“.

          لقد كان المخلِّص، ولم يزل هو رب السماء والأرض، وهو الجالس مع الآب في عرشه المشارك له بالمساواة في حُكمه على الكل، ولكنه إذ وضع نفسه نزل إلى أرضنا وصار إنسانًا، فإنه يتكلم بطريقة مناسبة للتدبير في الجسد، كما لا يرفض أن يستخدم العبارات التي تناسب وضعه بعد أن أخلى نفسه حتى يمكن الإيمان به، كمن قد صار مثلنا ولبس فقرنا. لذلك فالذي هو رب السماء والأرض وكل الأشياء، يقول: ” كل شيء قد دُفع إليَّ مِن أبي“. لقد صار الحاكم المُهيمِن على كل ما هو تحت السماء. وإن كان في القديم، إسرائيل بحسب الجسد فقط هو الذي أحنى رقبته لشرائعه، و لكن الله الآب أراد أن يجعل كل شيء جديدًا فيه، وبواسطته يصالح العالم لنفسه، لأنه ” صار وسيطًا بين الله والناس” (1تى2: 5)، وصار ” سلامنا” (أف2: 14)، إذ وحَّدنا مع الله الآب بواسطة نفسه، إذ هو الباب والطريق الذي به يتم هذا، لأنه قال بوضوح: ” ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي” (يو14: 6) إذن، فالذي خلَّص إسرائيل في القديم من طغيان المصريين بيد موسى، وعيَّن لهم الناموس ليكون مؤدِّبهم، قد دعا الآن كل العالم، ولأجل ذلك مد شبكة رسالة الإنجيل بحسب مشيئة الله الآب الصالحة. وهذا هو إذن سبب قوله ” كل شيء قد دفع إلىَّ من الآب“.

          ومع أننا نؤكد أنَّ هذه الأمور قد فهمناها فهمًا مستقيمًا، ونشرحها لكم بالصواب، فإن الهرطوقي، لا يخضع لشروط التدبير، ولكنه يعمد إلى قِلَّة حيائه المعتاد، ويجعل ما يُقال طعامًا لخبث عقله، ويقول “إن الآب يمنح كل شيء للابن، وإن الابن لم يكن في احتياج إلى أخذ شيء لو كان من الجائز له أن يحصل عليه من نفسه. فكيف يكون إذن مساويًا للآب كما تقولون حينما ينال منه سلطانًا على ما لم يكن يملكه من قبل؟” دعنا الآن نرى إن كان هو في أي شيء أدنى من الآب في المجد والعلو كما تقول في غبائك.

          توجد عدة مجالات يمكن استخدامها للدفاع عن تعاليم الحق، ولكن في مناسبتنا الحاضرة هذه، سنبحث عن الحقيقة من الدروس الموضوعة أمامنا الآن، ومن نفس كلمات الابن، لأنه بعد أن قال: ” كل شيء قد دُفع إلىَّ من أبي“، مكرِّمًا بذلك سر تجسُّده، ومستخدمًا عبارات مناسبة لإنسانيته، فإنه يرتفع في الحال كما قلت، إلى مجده وعلوه الخاص، ويبيِّن أنه ليس أدنى من أبيه بأي حال، لأنه ماذا كانت الكلمات التي قالها بعد ذلك ـ “ لا أحد يعرف الابن إلاَّ الآب، ولا الآب إلاَّ الابن ومن أراد الابن أن يُعلِن له“. دعنا نسأل الآن الذين قاوموا مجده ولا زالوا يقاومونه، هل المسيح يتكلم بالكذب أم بالحق؟ لأنه إن كان يتكلم كذبًا، وأنتم تؤكدون أنَّ هذا هو الحال فأنتم خالون من كل فهم، وقد فقدتم عقولكم وشربتم من الخمر ” خمر سدوم” (تث32:32)، وعثرتم كالسكارى في مسالك غير مستقيمة. أما إن كنتم تؤمنون أنه يتكلم بالحق لأنه “هو الحق” (يو14: 6) فكيف تجرؤون أن تُفكِّروا وتقولوا إنه أدنى من الآب وهو الذي يقول: ” ليس أحد يعرف الابن إلا الآب” فقط، كأنكم تعرفون بالضبط من هو؟ ومع ذلك فكيف أنَّ ذلك الذي يعرفه الآب فقط، لا يتعالى كثيرًا جدًّا على قدرات الكلام، تمامًا مثل الآب نفسه أيضًا، الذي هو معروف من ابنه فقط؟ لأن الثالوث الواحد في الجوهر هو وحده الذي يعرف نفسه، إذ هو فائق جدًّا على كل كلام وفهم. فكيف تقول أنت إذن إنه أدنى من الآب بينما ترى أنه لا أحد يعرف من هو إلا الآب الذي ولده فقط ؟

          وسأضيف هنا شيئًا آخر: هل تقول إنه ” إله الحق” ولكنه أدنى من ذلك الذي هو ” الإله الحق والآب” أو أنه مصنوع ومخلوق؟ إن كان مخلوقًا، فلن يمكنك المقارنة بينهما على الإطلاق، لأن المسافة بين الخالق والمخلوق لا نهاية لها، كما بين السيِّد والعبد، وبين الذي هو بالطبيعة الله وبين الذي قد أُحضِر إلى الوجود، لأن الشيء المخلوق ليس هو فقط أدنى بالنسبة لله، ولكن هو مختلف تمامًا أيضًا في الطبيعة وفى المجد وفى كل صفة تتعلق بالجوهر الإلهي. فإن كان مخلوقًا كما تؤكدون، فكيف ” لا يعرف أحد من هو؟”، إذن لن يكون فوق كل فهم حتى إن عجز عقل الإنسان عن معرفة طبيعة ما هو مخلوق، ولكن إن كنت من الجهة الأخرى تؤكد أنَّه الله الحقيقي، وأنه هو هكذا بالطبيعة، ومع ذلك تقول إنه أدنى من الآب، فأنا لا أفهم كيف يمكن أن يكون هذا؟ أرجوك أخبرني مِن ماذا يتكوَّن هذا التدنِّي وأعطني مثلاً. هؤلاء الذين هم من نفس الطبيعة والجوهر، هم طبعًا متساوون في كل الصفات التي تختص بهم فيما يتعلق بجوهرهم، فالإنسان مثلاً ليس أدنى من إنسان آخر من جهة البشرية التي هي مشتركة بينهما، وهكذا الملاك بالنسبة لملاك آخر، فكيف إذن يكون إله حق أدنى من إله حق؟

          تعالوا إذ شئتم ودعونا نرفع أنفسنا إلى فحص امتيازات الآب وتلك الصفات التي تختص به كإله، فالله الآب بالطبيعة هو الحياة والنور والحكمة، ولكن الابن أيضًا بالمثل هو كذلك كما تشهد الكتب الإلهية الموحى بها في مواضع كثيرة، فهو النور والحياة والحكمة، ولكن إن كان هو أدنى من الآب، يكون مديونًا له بهذه الصفات، وذلك ليس في صفة واحدة، بل في كل الخصائص التي تختص بجوهره، ولن يكون هو الحياة كاملة ولا النور كاملاً ولا الحكمة كاملةً. وإن كان هذا صحيحًا إذن يكون فيه شيء من الفساد وشيء أيضًا من الظلام وأيضًا شيء من الجهالة؟ ولكن مَن الذي سيوافقكم في تفكيركم هذا؟ لأنه إن كان هو مخلوقًا، إذن، فكما قلت، فلا يجب أن تقارنوه بالخالق ورب الكل. أنتم تخفضون رتبته إلى مستوى الخليقة، بينما ترفعون إلى سمو لا يقارن تلك الطبيعة التي خَلَقَت الكل والتي فوق الكل. ولكن إن كان حقًّا هو الله الحق صادر من الله الحق والآب، فكيف تؤكدون أنَّ الآب له ابن هو غير مساوٍ له في الطبيعة، وأن طبيعته هذه وحدها هي التي عانت من هذا التمييز السيئ، بينما من المؤكد أنه بين كل الخلائق لا يوجد من يلاقى مثل هذا الحظ السيئ! فالإنسان يولد من الإنسان، وكل الأوصاف التي في جوهر أبيه توجد كلها في المولود، وهكذا بالمثل بالنسبة لباقي الحيوانات، تُنظِّمها قوانين طبيعتها الخاصة. فكيف يكون إذن لطبيعة الله الفائقة للكل أن تعانى ما لا نعانيه حتى نحن، ولا أي   من الخلائق الأخرى.

          لذلك دع أولئك الذين يُفكِّرون بازدراء عن عظمة مجد الابن أن يسمعوا، دع أولئك المخمورين أن يستفيقوا من خمرهم، ليعبدوا معنا هذا الذي هو مساو في الجوهر مع أبيه، والمكلَّل بتسابيح مساوية، وتفوُّق مماثل بدون اختلاف    ” لأن له تجثو كل ركبة مِمَّن في السموات ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أنَّ يسوع المسيح رب لمجد الله الآب” (فى2: 10و11) آمين.

 

معرفة الآب والابن – إنجيل لوقا 10 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)