أبحاث

إخراج لجئون من إنسان مجنون – إنجيل لوقا 8 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إخراج لجئون من إنسان مجنون – إنجيل لوقا 8 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إخراج لجئون من إنسان مجنون – إنجيل لوقا 8 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إخراج لجئون من إنسان مجنون – إنجيل لوقا 8 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
إخراج لجئون من إنسان مجنون – إنجيل لوقا 8 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو 8: 26- 36) ” وَسَارُوا إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيل، وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا، وَلاَ يُقِيمُ فِي بَيْتٍ، بَلْ فِي الْقُبُورِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ لَهُ، وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي!. لأَنَّهُ أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ، وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِل وَقُيُودٍ مَحْرُوسًا، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى الْبَرَارِي. فَسَأَلَهُ يَسُوعُ قِائِلاً: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: لَجِئُونُ. لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ. وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى فِي الْجَبَلِ، فَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا. فَأَذِنَ لَهُمْ. فَخَرَجَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَاخْتَنَقَ. فَلَمَّا رَأَى الرُّعَاةُ مَا كَانَ هَرَبُوا وَذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ، فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَوَجَدُوا الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِسًا وَعَاقِلاً، جَالِسًا عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ، فَخَافُوا. فَأَخْبَرَهُمْ أَيْضًا الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ خَلَصَ الْمَجْنُونُ “.

 

حبقوق النبي سبق فرأي مجد المخلص, وإذ انغلب من أعماله العجيبة قدَّم له تسابيح قائلاً ” يارب قد سمعتُ خبرك فجزعت، قد رأيتُ أعمالك فاندهشت” (حب3: 2س), لأنه أي عمل من الأعمال التي أجراها مخلِّصنا جميعًا المسيح,، يستطيع أي واحد أن يقول إإنها ليست جديرة بكل إعجاب؟ فأي منها ليس عظيمًا وعاليًا جدًّا ويستحق المديح بل هو برهان على سلطانه الإلهي؟ وهذا يمكن أن نراه بوضوح شديد فيما قد قُرِئ علينا الآن من الإنجيل. فلنلاحظ إذًا كيف أنَّ طغيان العدو قد هزَّه المسيح، والأرض تحررت من شر الشياطين، فلننظر رؤوس الحية وقد جرحها الرب، وسرب الزحافات السامة مطرودة ومغلوبة في فزع، وأولئك الذين في الزمن القديم كانوا مملوئين من المكر والتهور، الذين أخضعوا لسلطانهم كل الذين تحت السماء وتسلطوا على هياكلهم الغالية الثمن وعلى مذابحهم المزيَّنة والذين كانوا يكرمون بالذبائح ويُتوَّجون بمدائح شاملة، قد سقطوا الآن من مجدهم السابق، وإذ لم يعد لهم سلطان ولا على إنسان واحد، فإإنهم يتوسلون لأجل قطيع الخنازير!إنه برهان واضح جدًّا على البؤس غير المتوقع الذي حل بهم وبرهان على أنهم قد كُسروا تمامًا.

ولكني ألاحظ أنني قد قفزت في حديثي مما بدأنا به، وأسرعنا إلى آخِر الدرس مباشرة، لذلك تعالوا لكي نعود إلى البداية. لأن المخلِّص جاء بصحبة تلاميذه إلى كورة الجدريين, وفي الحال قابلهم إنسان تسكنه أرواح نجسة كثيرة، وكان خاليًا من العقل والفهم، ولا يختلف في أي شيء عن أولئك الذين ماتوا ودفنوا في الأرض. أو بالحري ربما كان في حالة أكثر بؤسًا. لأن الموتى يُلّفون بعناية بالأكفان ويوضَعون في الأرض مثل من يوضع في حضن أمه،, أما ذلك الإنسان ففي بؤس عظيم وعري كان يججول بين الموتى, وكان في تعاسة كاملة يعيش حياة مهينة حقيرة، وهذا كان برهانًا على قساوة الشياطين ودليلاً واضحًا على نجاستهم. وإلى جانب ذلك فإن هذا كان تهمة ضدهم على كراهيتهم للجنس البشري، لأنهم لا يريدون لأي إنسان على الأرض  أن يكون متزنًا بل يرغبون أن يكون الجميع كسكارى ومجانين، وأن لا يعرفوا شيئًا لفائدتهم، بل أن يُترَكوا في جهل حتى لذاك الذي هو صانع الكل. لأن أي إنسان يمتلكونه ويخضعونه لسلطانهم، فإنهم في الحال يجعلونه مثالاً لبؤس عظيم، محرومًا من كل بركة ومقفرًا من كل تعقل, ومعدمًا كلية نفسه.

ويسأل البعض قائلين لماذا تملك الشياطين على الناس؟ ولشرح هذا الأمر أجيب  أنَّ سبب هذه الأمور عميق جدًّا. ففي مكان ما يخاطب أحد القديسين الله قائلاً “ أحكامك لُجَّة عظيمة” (مز36: 6).,  ولكن طالما أننا نضع هذا في أذهاننا فإإننا سوف لا نحيد بعيدًا عن العلامة الصحيحة.. إذًا فإله الكل يسمح للبعض أن يسقطوا تحت قوة الشيطان، ليس بقصد أن يعانوا، بل لكي ما نتعلم بمثالهم بأي طريقة تُعاملنا الشياطين. وهكذا نتحاشى أي رغبة في أن نكون خاضعين لهم، لأنه بآالام واحد يُُبنىى كثيرون.

ولكن إنسان الجدريين، أو بالحري سرب الشياطين المختفي داخله خرَّ أمام قدمي المسيح قائلاً: “مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟ أتوسل إليك أن لا تعذبني”, هنا أرجو  أنَّ تلاحظوا مزيجًا من الخوف مع الوقاحة العظيمة والكبرياء المفرط. والكلمات التي يُجبَر على أن ينطق بها هي ممتزجة بتعالي وانتفاخ. لأن هذا هو برهان على كبرياء العدو، أنه يتجاسر ويقول “مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي؟” فأنت تعلم بالتأكيد أنه ابن الله العلي، لذلك فأنت تعترف أنه أيضًا الله رب السماء والأرض وكل الأشياء التي فيها. فكيف إذًا تغتصب ما ليس لك أو بالحري  ما هو له، وتنسب لنفسك مجدًا ليس هو من حقك؟ – لأنك تطلب أن تكون معبودًا – قائلاً “ما لي ولك”؟ وهو الذي تحاول أنت أن تطرده من تلك الكرامة التي تليق به وحده. إن كل الناس على الأرض هم ملك له وأنت بِشرٍّ فظيع تفسدهم، وتبعدهم بعيدًا عن معرفته, الذي هو بالحقيقة الرب وخالق الكل، وتغرّقهم في وحل الخطية جاعلاً إياهم عابدين لك ـ وبعد ذلك تقول مالي ولك؟ أي ملك أرضي يحتمل أن الذين تحت حكمه يداسون بواسطة البرابرة؟ أو أي راعٍ هو بلا شعور وعدم مبالاة حتى حينما تهجم الوحوش الضارية على قطعانه لا يهتم بالكارثة ويحاول أن يساعد خرافه؟ اعترف إذًا حتى رغم إرادتك مَن أنت ولمن أنت تتكلم, وانطق بكلمات تناسبك مثل “أرجوك ألا تعذبني”، لأنه أَمَر, ـ أي يسوع ـ الروح النجس أن يخرج من الإنسان.

وأرجو أن تلاحظوا أيضًا الجلال الذي لا يقارَن في ذلك الذي يفوق الكل، أي المسيح. فبقدرة لا تقاوم وسلطان ليس له مثيل يسحق الشيطان بمجرد أن يريد أن يكون الأمر كذلك. وهو لا يسمح له أن يحاول أن يعطي نظرة معارضة لأوامره. إن إرادة المسيح كانت نارًا ولهبًا بالنسبة له، حتى أنه يصدُق قول المرنم المبارك “ إن الجبال تذوب مثل الشمع أمام وجه الرب” (مز97: 5). وأيضًا في مكان آخر يقول      ” يمس الجبال فتدخِّن” (مز104: 32), لأنه يقارِن قوات الشر العالية والمنتفخة بالجبال. وهذه القوات رغم اتصالها بالنار تذوب مثل الشمع أمام قدرة وسيادة مخلِّصنا. وإلى جانب ذلك يدخنون، والدخان يشير إلى نار على وشك أن تنفجر إلى لهيب، وهذا هو النصيب الذي تعانيه الأرواح النجسة.

ولكن المسيح سأله وأمره أن يقول ما هو اسمه؟ فقال لجئون لأن شياطين كثيرة دخلت فيه. فهل سأله لأنه لم يكن يعرف، ومثل واحد منَّا رغب أن يعلم اسمه كشيء يجهله؟ ولكن كيف لا يكون هذا هراء كاملاً أن نقول أو نتخيل أي شيء من هذا النوع؟ لأنه إذ هو الله “هو يعرف كل الأشياء، ويفحص القلوب والكلى” (انظر مز7: 9). لذلك فهو قد سأل لأجل خطة الخلاص لكي نعلم أنَّ عددًا كبيرًا من الشياطين تملكت على نفس ذلك الإنسان، وولدت فيه جنونًا رهيبًا ونجسًا. لأنه كان هو مجال عملهم، وهم حقًّا كما يقول الكتاب “ حكماء في عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون” (إر4: 22).

لذلك كما يقول المرنم ” فلنعيِّد بالزهور” (مز117: 27س)، وأيضًا ” يا جميع الأمم صفقوا بالأيادي” (مز47: 1) فلنضع في ذهننا ما هي صفة أعدائنا؟ ومن هم أولئك الرؤساء على كل الذين تحت السماء قبل مجئ مخلصنا، إنهم كانوا مملوئين مرارة ونجسين، وقتلة ومملوئين من كل شر. ولكن المسيح يحررنا من كراهية هذه الكائنات المؤذية. لذلك هيا نصيح بتهليل وفرح وبابتهاج عظيم ” لنقطع قيودهم ولنطرح عنا نيرهم” (مز2: 3), لأننا قد أُُطلِقنا أحرارًا بقدرة المسيح وأٌُنقِذنا من تلك الكائنات المُرَّة الأثيمة الذين في الزمن القديم كان لهم سلطان علينا.

إذًا فسرب الأرواح النجسة طلبوا سربًا من الخنازير جدير بهم ومماثل لهم! والمسيح أعطاهم الإإذن رغم أنه عرف جيدًا ماذا سيفعلون. وأستطيع أن أتخيل واحدًا يسأل: لماذا منحهم ما طلبوه؟ فنجيبه، إنه أعطاهم القوة لكي مثل كل أعماله الأخرى يكون ذلك واسطة لمنفعتنا ويلهمنا برجاء الأمان. ولكن ربما ستقول كيف وبأي طريقة؟ أنصت إذًا إنهم يسألون أن ينالوا قوة على الخنازير وهذا يوضح أنه لم تكن لهم هذه القوة. لا يوجد شك أنه لو كانت لهم هذه القوة لما طلبوها إ إن كان في سلطانهم  أن يأخذوها بدون مانع, ولكن أولئك الذين ليس لهم قوة على الأشياء التافهة والتي بلا قيمة لها، كيف يستطيعون أن يؤذوا أي واحد من الذين ختمهم المسيح، والذين يضعون رجاءهم فيه؟ لذلك فليتعزى قلبك ويستريح لأنك ربما فزعت عندما سمعت  أنَّ جمعًا من الأرواح الشريرة سكن في إنسان واحد وجعله يتجوَّل بين قبور الأموات في خزي وعري ومحرومًا من العقل والفهم وإذ أنك إنسان معرض للتجارب فإنك تخشى تعاسة مُرَّة هكذا وغير محتَمَلة لو هاجمك الشيطان، لذلك أنهض قلبك إلى الثقة، ولا تفترض أنَّ أي شيء من هذا يمكن أن يحدث بينما المسيح يحوطنا بالحماية والحب. بالتأكيد إنهم لا يملكون قوة حتى على الخنازير. عظيمة جدًّا هي العناية التي يُنعِم بها على جنس البشر – المعتني القدير بأمورنا – لأنه قال للرسل القديسين ” أليس عصفوران يباعان بفلس, وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم, وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعًا محصاة، فلا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة” (مت10: 29و30). لأنه إن كان يمنح حمايته للأشياء التافهة والتي بلا قيمة فكيف لا يحسبنا مستحقين لكل اعتبار نحن الذين من أجلنا تأنس ذلك الذي هو بالطبيعة الله، واحتمل الازدراء من اليهود؟ لذلك اطردوا كل خوف، لأن الله يساعد ويحيط بسلاح مسرَّته الصالحة أولئك الذين يرغبون أن يعيشوا له، والذين يسعون أن يمارسوا تلك الأشياء المرضيَّة في نظره.

وهذا أيضًا نتعلمه مما حل بقطيع الخنازير، أنَّ الشياطين الأشرار هم قساة ومسببون للأذى ومؤلمون وغادرون بأولئك الذين يقعون تحت سلطانهم. وهذا ما يثبته الواقع بوضوح، أنهم دفعوا الخنازير من على الجرف وأغرقوهم في المياه. لذلك فالمسيح أعطاهم ما طلبوا، لكي ما نتعلم مما حدث أنَّ اتجاههم قاسي ووحشي وأنهم غير قابلين لأن يلينوا، ويقصدون فقط أن يفعلوا الشر بأولئك الذي يستطيعون أن يأخذوا قوة عليهم.

لذلك فإن كان واحد بيننا شهواني وخنزيري ومحب للقذارة ونجس، وملوث بإرادته بالخطية الكريهة، مثل هذا الإنسان يسقط بإذن من الله تحت سلطانهم ويغرق في هاوية الهلاك. ولكن لا يمكن أن يحدث لأولئك الذين يحبون المسيح أن يصيروا خاضعين لهم. ولا يمكن أن يحدث لنا طالما أننا نسير في أثر خطواته ونتحاشى الإهمال في ممارسة ما هو مستقيم ونرغب في تلك الأشياء التي هي كريمة والتي تختص بالسيرة الفاضلة الجديرة بالثناء، التي علمنا إياها المسيح بتعاليم الإنجيل، الذي به ومعه، لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

إخراج لجئون من إنسان مجنون – إنجيل لوقا 8 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد