أبحاث

الكتاب المقدس والنقد الحديث – القمص عبد المسيح بسيط

الكتاب المقدس والنقد الحديث – القمص عبد المسيح بسيط

الكتاب المقدس والنقد الحديث - القمص عبد المسيح بسيط
الكتاب المقدس والنقد الحديث – القمص عبد المسيح بسيط

الكتاب المقدس والنقد الحديث – القمص عبد المسيح بسيط

عن كتاب:  التوراة كيف كتبت وكيف وصلت إلينا؟ للقمص عبد المسيح بسيط

يهتم نقد الكتاب المقدس، أولا، بدراسة الوثائق القديمة من لفائف وأدراج ومخطوطات وكتب للتأكد من صحة نصوص وآيات الأسفار المختلفة كما دونها كتاب الوحى الأصليون من الأنبياء، ثم يتجه النقد بعد ذلك لبحث المحتوى الداخلى والأشكال الأدبية إلى جانب البراهين الخارجية كالخلفية التاريخية والمكتشفات الأثرية، وذلك للوصول إلى المصادر التى حصل منها الكتاب على المادة التاريخية والكتابية والتاريخ الذى دونت فيه الأسفار، كل سفر على حدة. وينقسم نقد الكتاب المقدس إلى النقد الأدنى والنقد الأعلى.

1- النقد النصى (النقد الأدنى) :

النقد النصى Textual Criticism أو النقد الأدنى Lower Criticism هو الذى يبحث فى الوثائق القديمة والنسخ العديدة المنقولة عن المخطوطات الأصلية سواء بلغاتها الأصلية أو باللغات التى ترجمت إليها، خاصة اليونانية واللاتينية والسيريانية والقبطية، وذلك من عصور وأزمنة وبلدان وأمم مختلفة، للتأكد من صحة النصوص ومطابقتها أو الوصول بها إلى التطابق الكامل مع النصوص الأصلية كما دونها كتاب الوحى، واستعادة الكلمات الصحيحة، الأصلية، فى حالة ما إذا كان قد طرأ عليها تبديل أو تغيير بسبب عمليات النسخ اليدوية المتكررة على مر العصور والأزمنة وفى مختلف البلاد والقارات وذلك بواسطة كتبة (نساخ) مختلفين فى الفكر والثقافة والظروف.

فقد كانت عمليات انتشار وتوزيع الكتب قديما وقبل عصر الطباعة تتم بنقلها ونسخها يدوياً سواء من المخطوطات الأصلية التى دونها الأنبياء كتاب الوحى أو من المنقولة عنها وهكذا استمرت هذه العملية حوالى من ثلاث آلاف سنة إلى 1900 سنة بالنسبة لأسفار العهد القديم وحوالى 1400 سنة بالنسبة لأسفار العهد الجديد.

ويقوم بهذه المهمة مجموعة من العلماء الذين وصلوا إلى درجة عالية من الخبرة والتمرين، فى هذا المجال، والذين لديهم موهبة مميزة ومقدرة عالية على دراسة النصوص دراسة دقيقة للوصول إلى النص الأصلى وذلك بمقارنة المخطوطات المتنوعة والتى جاءت من عصور وبلاد مختلفة سواء فى لغاتها الأصلية أو المترجمة عنها. ومما يسهل هذه المهمة، نسبيا، وجود آلاف المخطوطات التى ترجع أقدمها إلى زمن قريب نسبيا من زمن المخطوطات الأصلية، إذ ترجع أقدم العهد القديم إلى سنة 250ق.م.

وكان عزرا الكاتب والكاهن قد جمع أسفار العهد القديم بعد العودة من السبى وكتب سفره حوالى سنة 440 ق.م. أى أن المدة بين أخر جمع لأسفار العهد القديم وبين أقدم المخطوطات حوالى 200 سنة بل أن أحد العلماء يؤكد أن قسما من سفر اللاويين وجد ضمن مخطوطات البحر الميت يرجع إلى سنة 400 ق.م. أى قريبا جدا من عصر عزرا الكاتب، كما ترجع أقدم محطوطة من العهد الجديد وهى جزء من إنجيل يوحنا إلى سنة 125 م أى بعد القديس يوحنا بحوالى 25 سنة.

وهذا مكن العلماء من التأكد من سلامة وصحة نصوص الكتاب المقدس وأنها وصلت إلينا كما كانت فى مخطوطاتها الأصلية.

2- النقد الأعلى (النقد الأدبى والتاريخى) :

والنقد الأعلى Higher Criticism يبحث فى التكوين الداخلى للأسفار المقدسة، أى تركيب السفر من حيث المصادر التى أعتمد عليها كتاب الوحى والطريقة التى اعتمدوا عليها واستخدموها فى ضم هذه المصادر. وكان أول من أستخدم هذا الأسلوب من النقد وطبقة على الكتاب المقدس، على ما يبدو، هو ايكهورن  J.G. Eichhorn فى مقدمة طبعته الثانية من مقدمته “للعهد القديم” سنة 1787م ويعلل ذلك بقوله “اضطررت أن أنجز الكمية العظمى من العمل فى ميدان غير معمول به حتى الآن، فإن فحص معظم التكوين الداخلى لكل سفر على حدة، من أسفار العهد القديم تم بمساعدة النقد الأعلى ـ اسم جديد على غير أصحاب الحركة الإنسانية”.

أ- النقد المصدرى (Source Citicim) :

معظم المصادر التى استقى منها كتاب الوحى مادة كتبهم الإلهية كانت شفوية لأنهم دونوا إعلانات الله التى أعلنها لشعبه بواسطتهم، فكان مصدرها هو الله نفسه وقد أعلنها لهم بوسائل الإعلان الإلهى المختلفة وذلك إلى جانب الأحداث الجارية الخاصة بعصر كل نبى على حدة والمرتبطة بعلاقة شعب الله بهذا الإعلان وبالله ذاته. وتعتبر هذه الكتب هى المصدر الوحيد المكتوب لهذه المواد الكتابية، مثل أسفار الأنبياء. ولكن هناك أسفار كانت لها مصادر سابقة على عصر النبى وأحداث حدثت مع أجيال سابقة على جيله مثل سفر التكوين الذى دون فيه موسى النبى تاريخ البشرية من الخليقة إلى يوسف الصديق.

وهذه المصادر ليست موجودة بين أيدى النقاد والباحثين. وهناك بعض الأسفار التاريخية ما تزال بعض مصادرها موجودة بين أيدينا الآن، فهناك نصوص كاملة متطابقة أخذها كاتب سفر الملوك الثانى(ص13:18-1:20-19) من سفر أشعياء النبى (ص 34-39) وكان أشعياء هو النبى العامل فيها، أى أن سفر أشعياء هو أحد مصادر سفر الملوك، التاريخى، وبقاء النصين فى كلا السفرين يشهد بصحة كل منهما.

كما أن أسفار صموئيل والملوك تعتبر أحد المصادر الرئيسية سفرى أخبار الأيام، وطالما أنهم مازالوا موجودين فيمكن الرجوع إليهم للتأكد من صحة سفرى الأخبار، والعكس صحيح أيضا لأن سفرى الأخبار اللذين كتبا فى القرن الخامس ق.م. يشهدان على صحة أسفار صموئيل والملوك وأن نصوصهم التى بأيدينا اليوم هى هى كما كانت، على الأقل، فى القرن الخامس قبل ميلاد السيد المسيح. كما تشهد أجزاء من سفر أرمياء لأجزاء من سفر الملوك الثانى (2ملوك 25 وأرمياء 25) والعكس صحيح، كما أن خاتمة الأخبار الثانى هى فاتحة سفر عزرا وكلاهما يشهد لصحة الأخر.

ولكن بقية مصادر الأسفار التاريخية الأخرى غير موجودة بين أيدينا، فقد كان كهنة وملوك وأنبياء إسرائيل يسجلون الأحداث المعاصرة لهم ويحتفظون بسجلاتها إلى جوار تابوت العهد، ثم بعد ذلك فى الهيكل، وقد استعان الأنبياء كتاب الوحى بأجزاء منها عند كتابة الأسفار التاريخية مثل قضاة وصموئيل والملوك والأخبار، وذلك إلى جانب الأحداث الجارية التى كانت معاصرة للكتاب، مثل أحداث عصر أرمياء والتى دونها فى سفر الملوك الثانى وأحداث عصر صموئيل النبى التى دونها فى الإصحاحات الأولى من سفر صموئيل الأول … الخ.

وبرغم أن هذه المصادر المفقودة لا حاجة لنا بها لأنها كانت تهتم بحوليات الملوك والممالك وليست من أسفار الوحى إلا إننا نعرف الكثير منها من الكتاب المقدس ذاته والذى أكد الفحص الدقيق لمحتوياته الداخلية إلى جانب كتب التاريخ المدنى القديمة والحفريات والكشوف الأثرية الكثيرة جدا صحة ودقة كل ما جاء فيه.

ب معايير التاريخ :

هناك عدة معايير لتحديد تاريخ أى سفر أو جزء من أسفار الكتاب المقدس مثل اقتباس سفر من أخر أو إشارته إليه، وذكر أحداث أو أشخاص كانت معاصرة ولها سجلات أخرى خارج الكتاب المقدس أو تنبؤ بعض الأنبياء عن أحداث سوف تتم بعد تنبؤهم بها أو حتى بعد رحيلهم عن العالم أو بعد ذلك بمئات أو ألوف السنين. فهناك بعض الأسفار تقتبس من أسفار أخرى كمعظم الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى واقتبسوا من شريعته أو أشاروا إليها، وهذا يعنى أن تاريخ أسفار التوراة الخمسة أقدم من تاريخ كل أسفار الكتاب المقدس، وبهذا المعيار أيضا تكون أسفار صموئيل والملوك اسبق من سفرى أخبار الأيام.

وكذلك أيضا عندما يذكر أحد الأسفار حدثاً تاريخياً أو أشخاصاً لهم دور تاريخى معاصر وهذا الحدث أو هؤلاء الأشخاص مذكورين فى سجلات أخرى خارج الكتاب المقدس فتاريخ هذا الحدث أو هؤلاء الأشخاص يحدد لنا تاريخ السفر، مثل غزو سنحاريب لمملكة يهوذا وحصار نبوخذ نصر لأورشليم. كما حددت لنا سجلات حضارات الشرق الأدنى القديمة كبابل وآشور وكذلك سجلات مصر القديمة تاريخ بعض أجزاء العهد القديم. وعلى سبيل المثال فقد مكنتنا السجلات الآشورية من تحديد تاريخ سفر أشعياء بتاريخ سابق لعام 701ق.م. وهو العام الذى عزا فيه سنحاريب يهوذا.

وهناك بعض الأسفار النبوية تحدد لنا تاريخها بذكر السنين التى تنبأ فيها كتابها الأنبياء والحاكم الذى تنبأوا خلال فترة حكمه. فيجد أشعياء تاريخ نبوءته وبالتالى سفره بتاريخ أربعة ملوك “عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا(1)”، وكذلك هوشع يذكر نفس الملوك الأربعة(2)،وهكذا يفعل عاموس(3) وميخا(4) وصفنيا(5) وحجى(6) وزكريا(7)، كل منهم يحدد تاريخ وبالتالى تاريخ سفره بالملك أو الملوك الذين كانوا معاصرين له.

وقد ساعدت الكشوف الأثرية والحفريات على إعادة بناء تاريخ الشرق الأدنى القديم بتفصيل حاسم بدرجة معقولة وهكذا مكنتنا بدرجة كبيرة من تحديد الموقع التاريخى المناسب لأسفار العهد القديم المختلفة.

وهناك نبوءات تنبأ بها بعض الأنبياء عن أحداث تمت فى أيامهم أو بعد ذلك. والنبوءة هنا تحدد تاريخ السفر لأن النبوءة دائماً تسبق حدوث الأحداث المتممة لها، وعلى سبيل المثال فقد تنبأ ناحوم النبى عن سقوط نينوى(8) وتحققت نبوءته وسقطت نينوى عام 612ق.م. وهذا، بدوره، يحدد لنا تاريخ سفر نحميا قبل 612ق.م. وليس العكس. كما تنبأ أرمياء وحزقيال عن حصار أورشليم وقد تم ذلك بالفعل سنة 588-587 ق.م. وبالتالى يكون تاريخ هذه النبوءات قبل تاريخ الحصار، ثم عاد النبيان وسجلا أحداث هذا الحصار، بعد أن تم، كأحداث تاريخية ومن ثم يكون تاريخ هذا السجل بعد تاريخ الحصار ولكن، كما يدل السفر، قبل العودة من سبى بابل سنة 537 ق.م. بزمن.

فهرس الكتاب:

(1) أش 1:1

(2) هو 1:1

(3) عا 1:1

(4) ميخا 1:1

(5) صف 1:1

(6) حج 1:1

(7) زك1:1

(8) نا 8:3،9

الكتاب المقدس والنقد الحديث – القمص عبد المسيح بسيط

تقييم المستخدمون: 4.43 ( 3 أصوات)