عام

سفر حكمة سليمان – بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر حكمة سليمان – بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

المحتوى

سفر حكمة سليمان - بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه
سفر حكمة سليمان – بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر حكمة سليمان – بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

أولاً: من هو سليمان

هو سليمان ابن دواد ملك إسرائيل وتجد أخباره في أسفار الملوك وأخيار الأيام

 

ثانياً: كاتب سفر حكمة سليمان

الكاتب هو سليمان الحكيم المشهور بأنه الحكيم المثالى في إسرائيل.

ولكن بعض الحكماء ظنوا لبعض الوقت أن سليمان ربما كتب الإصحاحات الأولى، بينما قام يهودى آخر غير معروف وربما يونانى من الشتات مصر مثلاً بكتابة بقية سفر حكمة سليمان بعد ترجمة ما كتبه سليمان إلى اليونانية.

غير أن الدراسات الحديثة أثبتت وحدة سفر حكمة سليمان، وأن كاتب سفر حكمة سليمان شخص واحد، يهودى متدين شديد الغيرة على الناموس.

أما عن الكاتب نفسه فهو شاعر وأديب روحى من طراز ممتاز، وإلى جانب ثقافته الكتابية ودرايته الواسعة بالأسفار، فهو مطلع على التقليد اليهودى ومنابع الحكمة في كل من مصر وبلاد ما بين النهرين، وقد اقتبس من الأسفار الأخرى ليس على مستوى المضمون فحسب بل على مستوى النص أيضاً.

ومما يؤكد أن سليمان هو الكاتب، هو التشابه الكبير بين تركيب سفر حكمة سليمان وبقية الأسفار التى كتبها (الأمثال النشيد الجامعة) وكذلك ما ورد في سفر حكمة سليمان نفسه، ” قد اخترتنى أنت لشعبك ملكاً ولأبنائك وبناتك قاضياً وأمرتنى أن ابنى هيكلاً في جبل قدسك ومذبحاً في المدينة التى نصبت فيها خيمتك على مثال الخيمة المقدسة التى هيأتها منذ البدء… أن معك الحكمة فأرسلها… لكي تقف إلى جانبى وتجد معى وأعلم ما المرضى لديك… فتكون لى في أفعالى مرشداً فطيناً وبمجدها تحمينى فتصبح أعمالى مقبوله وأحكم لشعبك بالعدل وأكون أهلاً لعرس أبى ” (حك 7:9-12) حيث لا ينطبق هذا الكلام إلا على سليمان نفسه.

وإذا اعِترض البعض بأنه إذا كان سليمان هو الذي كتبه، فكيف لم يعثر عليه عزرا الكاتب حيث قام بجمع الأسفار، نقول بأن عزرا لم يعثر على جميع الأسفار، بل كان بعضها مفقود عُثر عليه لاحقاً، وبالرجوع إلى سفر المكابيين سنجد أن يهوذا المكابى قد انشأ مكتبة بعد تطهير الهيكل سنة (164م) ضم فيها بعض الأسفار التى عثر عليها (راجع 2مكا 13:2-15) إضافة إلى الأسفار التى أحرقها أعداؤهم (1مكا 56:1-57).

ويرد في (1مل 32:4) عن سليمان أنه تكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمساً وتكلم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك… فأين ذهبت كل تلك المؤلفات. ويذكر بعض القديسين مثل القديس اغسطينوس أن سفر حكمة سليمان قد كتبه سليمان الحكيم، وحديثاً يؤكد العالم المدقق مارجليوت Margolioth في دراسته لسفر حكمة سليمان أن الكاتب هو سليمان الحكيم، أما شك البعض في أن سفر حكمة سليمان قد كتب في وقت متأخر قبل الميلاد بنصف قرن مما يعنى أن الكاتب يونانى، فهو في غير محلّه، بل يجب ملاحظة أن ترجمة سفر حكمة سليمان قد تمت ضمن الترجمة السبعينية، حيث ظهر ذلك في المفردات والصياغة كأمر طبيعى.

وبعدما ظل الاعتقاد ولفترة طويلة بأن اثنين من الكتّاب اشتركا في كتابة سفر حكمة سليمان، عادت نتائج الدراسات لتشير إلى أن الكاتب هو شخص واحد.

فقد حدث في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أن وزع سفر حكمة سليمان في أجزاء على علماء مختلفين لدراسته، حيث أكد أغلبهم على أنه كتب على مرتين، وفى القرن العشرين أثبتت الدراسات أن الجزء الأول من سفر حكمة سليمان هو ترجمة من العبرية مباشرة، وبقية سفر حكمة سليمان عن أية لغة سامية أخرى مثل الآرامية، ومما حمل العلماء على الاعتقاد بذلك هو أن الجزء الأول من سفر حكمة سليمان بسيط الأدوات والتركيبات الخصوصية في ترتيب الكلام، وفى نفس الوقت به متوازيات عبرية Hebrian Parallelism في حين يقل الأسلوب المتكلفة مع وجود الكثير من التوهجات البلاغية. ويعتمد الذين يثبتون عبرية الجزء الأول على بعض الأخطاء الموجودة في يونانية الترجمة.

 

ثالثاً: مكان كتابة سفر حكمة سليمان

إن تركيز سفر حكمة سليمان على مواجهة الوثنية من جهة ومعالجة ضربات المصريين وخروج بنى إسرائيل جعل أكثر العلماء يرون أنه كُتب في مصر، وفى الإسكندرية على وجه التحديد حيث يوجد مجتمع يهودى من أكبر تجمعات الشتات، ولكن موضوع الوثنية والخروج هما محور كتابات العهد القديم كله، إذ يعد الخروج هو الحدث الأعظم في تراث اليهود والمحور الرئيسى في العقيدة. كما أنه ليس من المناسب أن يكتب سفر حكمة سليمان في مصر، وهو يهجوها؟!

وأما الوثنية فهى مصدر فائق لليهود على الدوام، والباعث على إذكاء الروح الدينية القومية في كتاباتهم وبالتالى لا يصح اعتباره دليلاً على كتابة سفر حكمة سليمان في مصر، فقد عاش اليهود جميعهم تحت التغيرات السياسية في الشرق على الأقل، ذلك فمن الأرجح أن تكون الكتابة في اليهودية والترجمة في مصر، ضمن السبعينية.

 

رابعاً: زمن كتابة سفر حكمة سليمان

على الرغم من أن الكاتب هو سليمان الحكيم والذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد إلا أن أقدم نسخة عثر عليها ترجع إلى أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، فالنسخة التى وجدت في اليونانية، فيها إقتباس من بعض أسفار الكتاب المقدس بحسب الترجمة السبعينية (والتى بدأت من سنة 283 ق. م وحتى النصف الأول من القرن الأول الميلادى).

 

مثل ما ورد في (مز 15:135-18) ” أصنام الأمم فضة وذهب عمل أيدى الناس لها أفواه ولا تتكلم لها أعين ولا تبصر. لها أذان ولا تسمع كذلك ليس في أفواهها نفس. مثلها يكون صانعوها وكل من يتكل عليها “.

وكذلك في (حك 10:15) ” فقلبه رماد ورجاؤه أخَسُّ من التراب. وحياته أحقر من الطين “.

راجع أيضاً (أش 12:2 ومز 5:31-6 و4:115-7).

مع (حك 1:3 وحك 15:1-16).

 

وقد قرر أغلب العلماء الشراح والنقاد أن سفر حكمة سليمان كُتب في زمن سليمان، وأما الصيغة اليونانية الموجودة في سفر حكمة سليمان فهى الأدوات اللغوية للترجمة من العبرية أو الأرامية إلى اليونانية، فمما لا شك فيه أن النكهة السامية (العبرية والأرامية) تظهر بوضوح في سفر حكمة سليمان.

وقد حاول بعض الكتّاب إيجاد علاقة أو تشابه بين بعض عبارات من سفر أخنوخ سفر غير قانونى وأخرى من سفر الحكمة، مفترضين أن سفر الحكمة قد كُتب بعد ترجمة سفر أخنوخ إلى السبعينية (أى حوالى 74-79 ق. م)، ولكن الصيغة اليونانية عند الترجمة قد شملت الأثنين دون تأثر أحدهما بالآخر.

كما أقترح عالم آخر هو تاكيرى Thacheray وجود خلط بين حرفى اليونانية في كلمة حيث استخدمت الثانية في وقت متأخر في الكتابات اليونانية، مما جعله يستنتج أن سفر حكمة سليمان كتب عام (100 ق. م) ولكن من بين الدلائل على أن سفر حكمة سليمان قد كُتب قى وقت مبكر هو عدم استخدامه لفكرة الكلمة (اللوغوس) والتى ظهرت بوضوح في كتابات وأدب اليهود المتأخرين، والمسيحيين فيما بعد، هذا ويورد ” تشارلز ” قائمة باسماء بعض العلماء مع التاريخ المقترح من قِبلهم لكتابة سفر حكمة سليمان:

  • جريم Grinn 145 – 50 ق. م
  • تاكيرى Thakeray 130 – 100 ق. م
  • جيريج Gregg 125 – 100 ق. م
  • جرور Gfrorer 100 ق. م
  • فرر Furrar 40 م

وأخيراً فأنه من المناسب والمنطقى أنه قد كُتب في زمن سفر الأمثال وقبل الجامعة في حين تمت ترجمته إلى اليونانية في وقت لاحق.

 

خامساً: لغة سفر حكمة سليمان

بعض الدارسين يرى أن أصله عبري، تُرجم إلى اليونانية وانتشر بالأكثر في بداية القرن الأول ق. م في مصر. لم يحصل عليه عزرا ولا ضمه لبقية الأسفار.

 

سادساً: الأحداث التاريخية الجغرافية لسفر حكمة سليمان

تفسح:

اسم عبري معناه مخاضة أو معبر وكانت تمثل الحد الشمالى لمملكة سليمان والأرجح أنها تابساكوس على الضفة اليمنى لنهر الفرات قبل اتصاله بنهر بليخ وكانت طريق القوافل التى تعبر النهر من الشرق إلى الغرب وقد استخدمتها جيوش كورش وداريوس وكانت تسمى في عصر السلوقيين أمفيبوليس وقد أقام الأسكندر عند هذه النقطة جسرين لعبور جيوشه ولعل موقعها الآن قلعة ” دبسة ” حيث مازالت توجد مخاضة تستعملها القوافل وسكن يهوذا وإسرائيل أمنين كل واحد تحت كرمته وتحت تينته من دان إلى بئر سبع كل أيام سليمان.

 

بناء بيت الرب

أرسل سليمان عبيده إلى حيرام (ويسمى أيضاً حورام) ملك صور يطلب أرزاً من لبنان وكان حورام محباً لداود كل الأيام فارسل حورام ملك صور عمالاً مهرة في صناعة الذهب والفضة والنحاس والحديد والحجارة والخشب والأرجوان والأسمانجونى والكتان والقرمز والنقش والبناء وخشب أرز وخشب سرو وخشب صندل من لبنان وفى مقابل ذلك كان سليمان يرسل إلى حورام طعاماً كثيراً من القمح والزيت سنوياً.

 

صور:

اسم سامي معناه ” صخر ” مدينة فينيقية وميناء على الساحل الشرقى للبحر المتوسط على بعد نحو 40 كيلو متراً جنوبى صيدون ونحو 45 كيلو متراً شمالى عكا وكانت تتكون من جزئين أحدهما على الشاطئ والآخر عبارة عن جزيرة وقد قام حورام بربط الجزئين بجسر صناعى وبرزت أهميتها التجارية في عصر حورام وأصبح رجال صور رؤساء التجار وسادة البحار وقيل أنهم وصلوا إلى سواحل بريطانيا وغربى أفريقيا ويروى الإصحاح السادس من سفر الملوك الأول تفاصيل بناء البيت الذي استغرق بناؤه سبع سنين

 

ظهور الرب لسليمان ثانية:

وكانت المرة الأولى في جبعون، حيث ذهب الملك ليذبح هناك وقال له الله ” اسأل ماذا أعطيك فطلب (الحكمة والفهم) ” وأما في هذه المرة فكانت بمثابة عهد بينه وبين الله ليسلك في وصاياه.

جبعون:

كلمة معناها ” أكمة ” وكانت أحدى مدن الحويين الملكية، وقيل عنها أنها أعظم من ” عاى ” وكل رجالها جبابرة (يش 2:10) والجبعونيون هم الذين أرسلوا وفداً ليشوع وخدعوه بأنهم من بلاد بعيدة، وأقنعوه بأن يقطع لهم عهداً وبعد ثلاثة أيام أكتشف الخديعة فلعنهم وجعلهم عبيداً، ومحتطبى حطب ومستقى ماء للجماعة ولمذبح الرب.

وتوجد الآن في موقع المدينة القديمة قرية ” الجيب ” على بعد نحو خمسة أميال إلى الشمال الغربى من أورشليم لها سفوح صخرية متدرجة تحيط بها أطلال أثرية رائعة.

النمو العمرانى في عهد سليمان:

بنى سليمان جازر وبيت حورون السفلى كما بنى بعله وتدمر في البرية مع مدن مخازن ومدن مركبات ومدن فرسان، وعمل سفناً في عصيون جابر التى بجانب إيلة، على شاطئ بحر صوف في أرض أدوم وأمده حيرام بالنواتى العارفين بالبحر، واتوا إلى ” أوفير ” وجلبوا من هناك ذهباً لسليمان.

 

جازر:

ومعناه في العبرية ” نصيب أو مهر ” وهي مدينة كانت ذات أهمية عسكرية كبرى في العصور القديمة. وتم إكتشاف موقعها حديثاً في مكان ” تل جازر ” أو ” تل الجزيرة ” حالياً إلى الجنوب الغربى من جبعون، وتمر بها حالياً الخطوط الحديدية من يافا إلى أورشليم، وجاء في سفر الملوك الأول (16:9) أن فرعون ملك مصر قد أخذ جازر وأحرقها بالنار، وأعطاها مهراً لأبنته امرأة سليمان فأعاد سليمان بناءها.

بيت حورون السفلى:

يطلق اسم بيت حورون على مدينتين هما: بيت حورون السفلى، وبيت حورون العليا وقد بنتهما شيرة ابنة بريعة بن أفرايم، وكانت الحدود بين سبطى بنيامين وأفرايم تمر بهاتين المدينتين، وقد بنى سليمان أو أعاد بناءها وزودها بأسوار وأبواب وعوارض لتحصينهما

بعلة:

اسم سامي معناه سيدة أو مالكة وتقع على حدود سبط دان غربى جازر، وقد أعاد الملك سليمان بناءها وتحصينها.

تدمر:

وقد اشتهرت في التاريخين اليونانى والرومانى باسم ” بالميرا ” أى مدينة النخيل لكثرة أشجاره هناك، وكانت مركزاً تجارياً ومخفراً عسكرياً أمامياً. ونقطة للجمارك في الصحراء السورية في منتصف المسافة بين دمشق ونهر الفرات الأعلى وكانت واحة كبيرة وارفة الظلال بها ينابيع معدنية رائعة الجمال، ومحطة للراحة والتموين على الطريق التجاري بين بابل وسوريا وقد حصنها سليمان الملك لحماية طرق التجارة والتخوم الشمالية التي وصلت إليها مملكته.

 

عصيون جابر:

مدينة على الطرف الشمالي لخليج العقبة بين مرتفعات أدوم شرقاً، ومرتفعات فلسطين غرباً على بعد نحو ميلين ونصف إلى الغرب من مدينة العقبة التى هي إيلات القديمة وهي من المحطات التى نزل فيها بنو إسرائيل في أثناء ارتحالهم نحو سهل موآب، ومن عصيون جابر أبحرت السفينة التى بناها سليمان بمعاونة حيرام ملك صور، إلى ” أوفير ” لجلب الذهب، ويرجح أن أوفير على خليج العرب وأن كان هناك من يعتقد أنها في شرق أفريقيا أو بلاد الهند. وكانت عصيون جابر مركزاً لاستخلاص النحاس والحديد من خاماتها.

 

ملكة سبأ:

بلاد وشعب في جنوبى بلاد العرب، كانت ملكتهم المعاصرة لسليمان هي التى قامت برحلة طويلة وشاقة ومكلفة لكي ترى حكمة سليمان وتمتحنها بمسائل (أو أحاجى) ولعلها أرادت أيضاً أن تعقد معه إتفاقاً تجارياً، إذ كان سليمان يسيطر على طرق التجارة الرئيسية وكانت القوافل التجارية من أهم مصادر الدخل في سبأ رغم الزراعة الناجحة بها نتيجة مشروعات الري وإقامة سد مأرب المشهور، والأطياب والذهب الكثير والحجارة الكريمة التى أتت بها لسليمان، هي بعض ما كانت تحمله القوافل التجارية من منتجات شرقى افريقيا والهند، وجنوبى بلاد العرب. وسماها يسوع له المجد ملكة التيمن أى ملكة الجنوب.

 

سفن ترشيش:

كان للملك في البحر سفن ترشيش مع سفن حيرام، فكانت سفن ترشيش تأتى مرة كل ثلاث سنوات حاملة ذهباً وفضة وعاجاً وقروداً وطواويس (1مل 22:10).

 

ترشيش:

اسم بلاد أو مدينة تذكر دائماً بالارتباط بالسفن ” لأنه كان للملك في البحر سفن ترشيش مع سفن حيرام ” (1مل 22:10) كما أن يونان النبى نزل في سفينة ذاهبة إلى ترشيش. (يون 3:1) من ميناء يافا ليهرب إلى ارض بعيدة وكانت تلك البلاد غنية بالمعادن مثل الفضة والحديد والقصدير والرصاص التى كانت تصدر إلى البلاد الأخرى مثل صور ويافا والأرجح أنها

كانت بلاداً في غربى البحر المتوسط ويظن الكثيرون أنها ترتيسوس في أسبانيا بالقرب من جبل طارق والتى ذكرها هيرودوت في تاريخه. على أن هناك من يعتقد أنها قرطاجنة في شمال أفريقيا، والبعض يرى ان ترشيش ليست مكاناً بل هي نوع من السفن يتميز بالضخامة والقدرة على السير في أعالى البحار إلى أبعد البلاد.

السنوات الأخيرة في العصر الذهبى:

سقط سليمان في الثلاثة أمور التى نهت عنها الشريعة في (تث 16:17) وهي تكثيره الخيل والذهب والنساء، الأمر الذي أدخل العبادات الوثنية في مملكته فغضب الرب على سليمان، فتأمر ضده الخصوم.

ففى الجنوب حدثت قلاقل من هدد ملك أدوم.

وفى الشمال أتت متاعب من رزون ملك دمشق.

وفى الداخل مؤامرة انقلاب فاشل قادها يربعام الذي هرب إلى شيشق ملك مصر، وأقام هناك حتى وفاة سليمان، وتصدع نظام الحكم بسبب الإفلاس وكثرة الديون فضلاً عن تذمر الشعب من عبء الضرائب ونظام السخرة حتى أنه اضطر إلى التنازل عن المدن شمالى الكرمل، وسهل عكا، إلى الملك حيرام وبدأ شبح الانقسام يلوح في المملكة.

 

الثورة والانقسام:

حمل لواء الثورة يربعام القائد القدير في جنود سليمان، وهو من سبط أفرايم، وقد تنبأ عنه أخيا الشيلونى بأنه سوف يسود على عشرة أسباط. ووقتها ثار الشك في نفس سليمان مما دفع يربعام إلى الهرب، ليكون في حماية البلاط الفرعونى، وعاد بعد وفاة سليمان ليطالب بالعرش.

ولعل السبب المباشر الذي عجل بالانقسام هو حوار الشعب مع رحبعام في شكيم حيث قبلوه ملكاً بشرط تخفيف الضرائب ورفع السخرة فتجاهل رحبعام هذه الطلبات وهكذا خلع الأسباط العشرة رحبعام عن العرش وأختاروا يربعام ملكاً على مملكة إسرائيل في الشمال وبقى لرحبعام سبطا يهوذا وبنيامين فقط.

حكم رحبعام سبطى يهوذا وبنيامين وسليخة من الصحراء حتى عصيون جابر مع بعض أجزاء من أدوم، وأمتدت مملكة إسرائيل إلى التلال الوسطى والسهل العظيم ومنطقة الجليل وشرقى الأردن. وتركت الحدود جازر وعجلون وطريق بيت حورون في ايدى يهوذا، تاركة كلا من بيت إيل وأريحا في ايدى إسرائيل.

 

سابعاً: مفتاح سفر حكمة سليمان

” هذه أحببتها وطلبتها منذ حداثتى والتمست أن أتخذها عروساً لى وصرت لجمالها عاشقاً “

” إذ ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسره ” 13:1 “

” تشفق على جميع البرايا لأنها هي لك أيها السيد المحب للأنفس ” 27:11

” إن الحكمة لا تدخل إلى النفس المتفننة بالشر، ولا تقيم في الجسد المستعبد للخطية ” 4:1

 

ثامناً: غاية سفر حكمة سليمان

بنيان النفس روحياً وتحصينها بالحكمة الإلهية عن الارتداد وإغراءات العالم، لذا أبرز الحكمة كأقنوم إلهى (22:6 – 1:11).

 

الهدف من الكتابة

كتب سليمان الحكيم هذا سفر حكمة سليمان في إطار رغبته في الوصول إلى الحقيقة (الحق هو الله دائماً) وفلسفة الحياة، والوصول إلى حياة أكثر رقياً، قد تم التركيز في سفر حكمة سليمان على مناقشة الضغط العقائدى الوثنى من الشعوب المحيطة بإسرائيل، وإذكاء الروح الدينية الوطنية لدى اليهود ووعدهم بالمكافأة الأبدية، في حين ينتظر الأشرار مصيراً سيئاً، كما يناقش كيف هلك المصريون وخلص بنو إسرائيل.

وقد حاول الكاتب أن يجذب الوثنيين إلى اليهودية ولم يكتب للحكام والسياسيين وإنما للرجل العادى بإستثناء دعوته للحاكم لاقتناء الحكمة وأما وجهة النظر القائلة بأنه مكتوب إلى يهود مصر يحذرهم من الوثنية، فهى محدودة ولا تجد ما يسندها كثيراً حتى وإذا كان الكاتب قد أشار في بعض الأحيان إلى أمور محددة تخص المصريين.

كتب سليمان سفر حكمة سليمان إلى نوعين من الناس، اليهود الذين تركوا الشريعة وانبهروا بالعالم، ثم اليهود الذين يعانون أو سوف يعانون من الأضطهاد حيث يظهر الله كإله عظيم حى وليس كآلهة الوثنيين، مشيراً إلى كمال اليهودية وحيويتها. وربما إلى نوع ثالث هو الوثنيين أنفسهم لعله يجتذبهم إلى اليهودية.

 

تاسعاً: أقسام سفر حكمة سليمان

يعتبر سفر حكمة سليمان المنسوب إلى سليمان الحكيم أكثر من أعطاه الله حكمة وفهماً بين الناس من أجمل الكتابات القديمة في الحكمة، وينقسم سفر حكمة سليمان إلى ثلاثة أقسام:

 

القسم الأول: ويمثل الإصحاحات الخمسة الأولى من سفر حكمة سليمان:

ويعالج قضية جزاء الله في الأبدية للأبرار والأشرار الذين يضطهدونهم، مع مقارنات بديعة بين سلوكيات كل من الفريقين، ومقابلات رائعة بين حال اثنيهما هنا ثم هناك، ثم يعلم عن البحث عن الله بالاستقامة والحكمة، ويمكن أن يطلق على هذا القسم سفر الإيمانيات، حيث يؤكد الكاتب فيه على فكرة الخلود بعد الموت، لكن أروع ما ورد في هذا القسم هو نبوءة عن السيد المسيح (12:2).

القسم الثاني: ويمثل الإصحاحات (من ص6: ص9).

ويعالج قضية الحكمة، فيدعو سليمان بقية الملوك لينهلوا من نبع حكمة اليهود، ويصف الحكمة بأنها الزوجة المثالية، وسيرة التاريخ ثم يركز سفر حكمة سليمان على أنها هبة من الله تخلص البشر (الحكمة = المسيح) وفى لغة نصيحة يعرض جاذبية الحكمة وأنها تضمن للبشر الحياة مع الله في ملكوته، فيصل إلى الذروة فيصرح بأن الحكمة هي نفحة من قدرة الله (25:7) وفى نهاية القسم يصلى سليمان من أجل الحكمة.

القسم الثالث (من ص10: ص19):

ويبحث تأثير الحكمة في التاريخ، حيث يتناول خروج بنى إسرائيل من مصر والضربات التى أصابت المصريين، وكيف تمجد الله معهم، ثم يحذر الوثنيين من مغبَة الإساءة إلى شعب الله، ويسخر من كل عبادة الأوثان لاسيما الحيوانات، مما أفسد الناس، ثم يعود إلى كيفية تخليص الله لبنى إسرائيل لكي يعبدوه عبادة حقيقية في حين أهلك المصريين الوثنيين، ويجمل ذلك في أمرين ” لكي يعلموا أن كل واحد يُعاقب بما خطئ به ” (16:11) ” والأمور التى عُوقب بها أعداؤهم أصبحت تلك التى أحسن بها إليهم في ضيقهم ” (55:11) ويمثل القسم الثالث الإصحاحات العشرة الأخيرة.

هذا وتتميز الفصول الأخيرة بالتوهج في الأسلوب الأدبى والنهايات الحادة أكثر من الفصول الأولى، وإجمالاً فإن سفر حكمة سليمان يمجد الحكمة ويعلِّم بأن القادة والعظماء الذين تحلوا بها قادتهم إلى النصر والرفاهية، كما يحمل بشدة على الأصنام ويسخر منها.

وعموماً فقد كان الكاتب في الجزء الأول من سفر حكمة سليمان فيلسوفاً وفى الجزء الثاني واعظاً.

ويقع سفر حكمة سليمان ضمن ما يُعرف بأدب الحكمة للعبرانيين حيث الهدف الرئيسى لها هو مناقشة مشاكل الحياة وأحوالها وتنظيم العلاقة بين الناس والله من جهة، وبين الناس وبعضهم البعض من جهة أخرى فإن المتاعب تتفاقم عندما يزوغ الناس عن الحق ويفتقرون إلى الحكمة أو يتخلون عنها ” الله هو الحق… الحقيقة… الحب… العدل ” والمتاعب الصغيرة تنتج عن الجهل، والكبيرة عن التعمَّد والتبجح، وفى الحكمة يكمن علاج لكليهما والذي يبحث عن سر العناء الشخصى والعام سيجده في فقدان الحكمة أو التخلى عنها… وكاتب سفر حكمة سليمان المُلهم بالروح القدس يدخل إلى اسرار الله وغنى مجده ليقدمها لرفاقه من البشر، فالحكمة هي انبثاق من الله والحكمة تدخل إلى أسرار الذات الإلهية. وسفر حكمة سليمان لا يحتوى فقط على الفضيلة وإنما على العلوم أيضاً.

 

تقسيم آخر لسفر حكمة سليمان

مكافأة الحكيم التقى ص1 6

مفهوم الحكمة ص7 10

حكمة الله وغباوة الوثنية

ص11 19

الخلود مكافأة الحياة الحكيمة التقوية.

1. حث على العدل (البر) 1

2. الحية الشريرة هي موت 2

3. تدابير الله الخفية 3 – 4

 (التأديب العقر الموت المبكر)

4. دينونة الشرير النهائية 5

5. حث على طلب الحكمة 6

” أما الأهتمام بالأدب فهو محبة “

” اشتهاء الحكمة يسوق إلى الحكم الأبدى ” 19:6-21.

إذ يمتدح الملك سليمان الحكمة يكشف عن ماهيتها… ويعلن عنها عطية الله تُقدم لسائليها:

1. سليمان كسائر البشر 1:7-6

2. طلب الحكمة فاغتنى 7:7-12

3. طلب العون للحديث عن الحكمة

 22:13

4. طبيعة الحكمة. 22:7 – 1:8

5. الحكمة مصدر المعرفة 2:8-8

6. الحكمة واهبة المشورة والراحة

 9:8 – 16

7. الحكمة عطية الله 17:8 – 21

8. صلاته من أجل نوال الحكمة 9

9. الحكمة تخلص ذويها. 10

إن كان الله هو مصدر الحكمة، بل هو الحكمة ذاتها، ففى اقترابنا منه ننال رحمته. البعد عنه هو حرمان من الرعاية الإلهية وفقدان للأبدية.

1. ما رعى به شعبه أدّب به فرعون. 11

2. يسمح بالألم لنفعنا. 12

3. جحود الإنسان (وثنيته) بالرغم من رعاية الله المستمرة له 16:13

4. عمود النار مقابل ضربة الظلام. 17

5. الضربات العشر 19. 18

 

 

عاشراً: ملخص سفر حكمة سليمان

يتكون سفر حكمة سليمان من 19 إصحاحاً نعرض لها فيما يلي:

1 يدعو القضاة إلى حب العدل وعدم تجربة الرب أو التجديف عليه أو النطق بالسوء والكذب فهذا يجلب عليهم الهلاك. ويضيف أن الله خلق الكل معافين والبر خالد. لكن الناس بأعمالهم الشريرة التى لا تخفى على الله هم الذين يستدعون الموت بأيديهم وأقوالهم.

2 إن الأشرار يعتمدون أن حياة الإنسان ظل يمضى ولا يعود ولذلك فهم يدعون إلى أن يمتّعون أنفسهم في حياتهم القصيرة وفى شبابهم بالذات بالطيّبات والخمر والعطور. وهم يدعون إلى أتباع شريعة القوة والبطش بالفقير والأرملة والشيخ. وفى هذا الإصحاح نبوءة عن المسيح ابن الله الذي يقاومه الأشرار. وفى هذا يقول سليمان (ولنكمن للصديق فإنه ثقيل علينا يقاوم أعمالنا ويقرعّنا على مخالفتنا للناموس ويفضح ذنوب سيرتنا. برغم أن عنده علم الله ويسمّى نفسه ابن الرب.

وقد صار لنا عزولاً حتى على أفكارنا. بل منظرة ثقيل علينا لأن سيرته تخالف سيرة الناس وسبله تباين سبلهم. وقد حسبنا كزيوف (= جمع زيف بمعنى غش) فهو يجانب طرقنا مجانبة الرجس ويغبط موت الصديقين ويتباهى بأن الله أبوه. فلننظر هل أقواله حق ولنختبر كيف تكون عاقبته، فإنه إن كان الصديق ابن الله فهو ينصره وينقذه من أيدي مقاوميه وفلنمتحنه بالشتم والعذاب حتى نعلم حلمه ونختبر صبره ولنقض عليه بأقبح ميتة فإنه سيفتقد كما يزعم.

هذا ما ارتأوه فضلّوا لأن شرهم أعمالهم. فلم يدركوا أسرار الله ولم يرجوا جزاء القداسة ولم يعتبروا ثواب النفوس الطاهرة. فإن الله خلق الإنسان خالداً وصنعه على صورة ذاته. لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم. فيذوقه الذين هم من حزبه) (12:2-25). إن عاقبة الجيل الأثيم رديئة ونسلهم ملعون. أما الصديقين والأمناء في المحبة والأطهار والمتكلمون على الله، فمهما سمح الله لهم بالتأديب فرجاؤهم في الله خالد وهو تعالى يقبلهم كذبيحة محرقة. وفى وقت افتقادهم يتلألأون ويدينون الشعوب والأمم ويملك ربهم إلى الأبد.

4 البتولية مع الفضيلة ذكرها خالد لأنها تبقى معلومة عند الله والناس. والصديق ليس هو الذي يموت في سن الشيخوخة، وليس هو الذي يستهدف كثرة الأولاد ولكنه هو ذو الفطنة والحياة المنزهة عن العيب حتى ولو مات صغيراً ولم يخلف فروعاَ كثيرة.

5 إن الأشرار سيفاجأون وينوحون حين يرون أنفسهم خالدين في الدينونة. أما الصديقين فسيحيون إلى الأبد… وسينالون ملك الكرامة وتاج الجمال من يد الرب.

6 إن الملوك والقضاة سلطانهم وقوتهم من الرب. فإن لم يحكموا بالحق فسيكون قضاؤه عليهم شديد. لكن الذي يجدّ في طلب الحكمة مخلصاً ويحفظ الشرائع ويثبت في الطهارة سينجو ولن يكون له هم.

7 لا فرق بين ملك وحقير، بل دخول الجميع إلى الحياة واحد وخروجهم سواء. ولذا فإنني أى سليمان لم أفتخر بعرشى وغناى وعافيتى وجمالى، لأنها كلها زائلة. لكننى تشبثت بالحكمة فأعطانى الله أياها وأدركت أنها كنز لا ينقص. وكان أن الله أعطاني علم الأكوان ونظام العالم وقوات العناصر ومبدأ الأزمنة ومنتهاها وتحول الأوقات ومداور السنين ومراكز النجوم وطبائع الحيوان وأخلاق الوحوش وعصوف الرياح وخواطر الناس وتباين النباتات وقوى العقاقير. إن الله لا يحب أحداً إلا من يساكن الحكمة. أنها أبهى من الشمس (لأن النور يعقبه الليل أما الحكمة فلا يغلبها الشر) 30:7.

8 لقد اتخذت الحكمة عروساً لى. ففى نسبها مجد لأنها تحيا عند الله. وهي تعلم الفضائل كما أنها تعلم أنواع المعارف المختلفة قديمها ومستقبلها، وتُفقه بفنون الكلام وحل الأحاجى، وتعلّم عن الآيات والعجائب وحوادث الأزمنة قبل أن تكون بالحكمة أصبح لى مجدّ وكرامة وصار الملوك يرهبوننى.

9 ولما خشيت وعلمت بأنى لا أكون عفيفاً ما لم يهبنى الله العفة، صليت طالباً من الله أن ينظر إلى ضعفى ونقصى ويعطينى الكمال والحكمة لكي أستطيع أن أملك وأن أقضى وأن أبنى الهيكل الذي أمرنى الله أن أبنيه وطلبت من الله أن يعلمنى ما هو مرضى أمامه بمعرفته لأن أفكار البشر محدودة والجسد يثقل النفس ولا سبيل للحصول على الحكمة والمشورة لو لم تبعث لي روحك القدس.

10 إن الحكمة هي التى شدّدت آدم ليتسلط في الأرض. ولما تركها قايين هلك في حنقه إذ قتل أخاه. والحكمة هي التى حفظت نوحاً من الطوفان ولوطاً من النار والكبريت في سدوم ويعقوب من وجه أخيه وأعلنت له أن يرى السماء. وهي التى أوصلت يوسف المنبوذ إلى الملك. وهي التى حفظت شعب الله في مصر، وأيضاً عند خروجهم وعبور البحر.

11 ثم لما دعوك أعطيتهم ماءً من الصوان، بينما أنت الذي أعطيت أعداءهم دماً صديداً وأوسعت عليهم الضربات.

12 أنت الذي أهلكت أصحاب أرض كنعان لفظائعهم وحللت شعبك محلهم. أنت الذي أرسلت الزنابير أمام جندك لإبادتهم لتمنحهم فرصة للتوبة. وهكذا (تؤدبنا نحن وتجلد أعداءنا جلداً كثيراً لكي نتذكر حلمك إذا حكمنا وننتظر رحمتك إذا حكم علينا) (22:12).

13 يتحدث هنا عن حمق من عبدوا النار والريح والنجوم قائلاً أنه إذا كانوا قد عبدوها مدهوشين من جمالهاً أو قوتها فكم يكن منشؤها أجمل وأقوى منها. ثم يعيب على من يصنعون آلهة الذهب والفضة وتماثيل الخشب والحجر ويعبدها، متسائلا كيف نطلب العافية من الستقيم وكيف نطلب معرفة ممن يفتقر إلى من يعينه وكيف نتوسل من أجل سفر حكمة سليمان إلى من لا يستطيع المشى.

14 هنا يتعجب سليمان كيف بينما الإنسان يركب البحر في سفينة آمنة من خشب هندستها يد الله الحكيمة أيام الطوفان، إذا به يأخذ معه لنفسه تمثال خشب حقير صغير يستغيث به في سفره وضد الغرق. ثم يذكر كيف (أن والداً قد فجمع بثكل معجل فصنع تمثالاً لابنه الذي خطف سريعاً وجعل يعبد ذلك الإنسان الميت بمنزلة إله ورسم للذين تحت يده شعائر وذبائح) (14:15) وهكذا من (لم يستطيع الناس إكرامهم بمحضرهم لبعد مقامهم صورّواً هيئاتهم الغائبة وجعلوا صورة الملك المكرم نصب العيون حرصاً على تملقه في الغيبة كأنه حاضر) (14:17) وزاد على ذلك أن رغبة الصناع في أرضاء آمريهم بصنع تماثيل أحبائهم جعلهم يفرغون وسعهم في الصناعة لإخراج الصورة على غاية الكمال. وهكذا تحول الناس من مجرد الميت أو البعيد أو المحبوب في صورة تمثاله إلى عبادته كإله وتقديم الذبائح له وإرضائه بقتل الرجل صاحبه ثم الزنى والنجس مع امرأته. وهكذا تصبح عبادة الأصنام مصدر كل ظلم وخبث ومكر وخيانة وفساد وفسق وعهر وتشوش الزواج والتباس المواليد.

15 ولا يعدو الأمر بالنسبة لصانعى تماثيل الخزف، أنهم من نفس الطينة التى يصنعون بها آنية طاهرة يصنعون أيضاً آنية للهوان، وهم لا يدرون أن الطين الذي يصنعون منه تماثيلهم الميتة هو نفس الطين الذي خلقوا وولدوا منه وسيعودون إليه. والخزافون يصنعون التماثيل مباراة لصائغى الذهب والفضة والنحاس وجرياً وراء الكسب والربح.

16 وبينما الله يعاقب الأشرار ويقتلهم بلسع الجراد والذباب والحشرات والبرد والسيول والنار الآكلة دون شفاء فإنه تعالى حفظ شعبه وأحسن إليهم بالسلوى وأطعمهم بالمن طعام الملائكة. وحتى لما غضبت يا الله على شعبك في تذمره وبعده وأطلقت عليهم لدغ الحيات المهلك (لم يستمر غضبك إلى المنتهى بل إنما أقلقوا إلى حين إنذاراً لهم. ونصبت لهم علامة الخلاص تذكرهم وصية شريعتك) (6:16).

17 لقد ضلّت النفوس التى لا تأديب لها… فبينما هم يتوهمون أنهم يتسلطون على الأمة القديسة، إذا بالرعب يزعجهم والأخيلة تقلقهم (فإنهم وإن لم يصبهم شئ هائل كان مرور الوحوش وفحيح الأفاعي يدحرهم فيهلكون من الخوف… لأن الخبث ملازم للجبن) 9:17-10) (فدوىّ الريح وأغاريد الطيور على الأغصان الملتف وصوت المياه المندفعة بقوة وتعتعة الحجارة المتدحرجة وركض الحيوانات الذي لا يرى وزئير الوحوش الضارية والصدى المتردد في بطون الجبال، كل ذلك كان يذيبهم من الخوف) (17:17-18).

18 وبينما قديسوك يقودهم عمود نور في مسيرتهم كانت الظلمة ٍتحبس أعداءهم. وفيما شرع الأشرار بقتل أبناء العبرانيين عاقبتهم أنت بهلاك أبائهم وبقّتل أبكارهم بالسيف المهلك حتى اعترفوا بأن شعبك هو ابن الله. أما شعبك فلما سمحت بالوباء يطحنهم، لم يلبث غضبك طويلاً (لأن رجلاً لا عيب فيه بادر لحمايتهم، فبرز بسلاح خدمته الذي هو الصلاة والتكفير بالبخور. وقاوم الغضب وأزال النازلة) (18:21).

19 واستمر انتقامك يارب من أعدائك. فأنهم لما ندموا وسعوا في آثار شعبك، عََّبرت شعبك وغّرقّتهم وسخرّت البحر الذي تحول إلى يابسة والغمام ظلل المحلة لخدمة أولادك. وأصعدت السلوى من البحر لتسليتهم. وجعلت القوم الأجنبيين يستضيفون شعبك في أرضهم ويشركونهم في حقوقهم ولو أنهم بعد ذلك أساءوا إليهم. وضربت بالعمى من تجاسروا عليهم. كل هذا (لأنك يارب عظمت شعبك في كل شئ ومجدّته ولم تهمله بل كنت مؤازرّا له في كل زمان ومكان) (20:19).

 

حادى عشر: القيمة اللاهوتية في سفر حكمة سليمان

يقول الكاتب أرنست. ج. كلارك Ernest G. Clarke أن سفر حكمة سليمان يقف مثل ” كوبرى ” بين العهدين القديم والجديد! وهو يزخر بالكثير من القيم اللاهوتية والعقائدية وغيرها.

اللاهوت:

يتحدث سفر حكمة سليمان عن وسيط بين الله والناس وهو الحكمة، الوسيط غير المحدود، يعرف كل شئ ويسمع كل شئ في محله، يشترك مع الله في الخلق وفى تدبير العالم، هذا الذي أعلن لنا في العهد الجديد أنه السيد المسيح الوسيط الكفارى أقنوم الحكمة نطق الله وعقل الله ليس ذلك فحسب، بل تظهر الحكمة في سفر حكمة سليمان ككيان إلهى يعرف كل شئ ” فهو الذي وهب لى علماً يقينياً بالكائنات حتى أعرف نظام العالم وفاعلية العناصر ” (حك 17:7) ” فعرفت كل ما خفى وكل ما ظهر لأن مهندسة كل شئ علمتنى وهي الحكمة ” (حك 21:7).

خالق كل شئ:

فأنه خلق كل شئ لكي يكون وأن خلائق العالم مفيدة وليس فيها سم المهلك ولا ملك لمثوى الأموات على الأرض ” (حك 14:1)، ” يا إله الأباء ويا رب الرحمة يا صانع كل شئ بكلمتك ومكون الإنسان بحكمتك لكي يسود الخلائق التى صنعتها ” (حك 1:9) راجع أيضاً (7:6، 9:9).

غير محدود الحكمة (20:11):

قاضٍ عادل رحوم في حكمه

” بما أنك عادل فأنت تسوس بالعدل جميع الناس وتحسب الحكم على من لا يستوجب العقاب أمراً منافياً لقدرتك لأن قوتك هي مبدأ عدلك بما إنك تسود الجميع فأنت تشفق على جميع الناس. تعرض قوتك للذين لا يؤمنون بكمال قدرتك وتخزى جسارة الذين يعرفونها أم أنت فأنك تسود قوتك فتحكم بالرفق وتسوسنا بكثير من المراعاة لأن في يدك القدرة على العمل متى شئت ” (15:12-18).

” ولم يكن صعباً على يدك القديرة التى صنعت العالم من مادة لا صورة لها أن ترسل عليهم جماً من الأدباب أو الأسود الباسلة ” (17:11).

موجود في كل مكان:

” أن روح الرب يملأ المسكونة والذي به علم كل شئ له علم بكل كلمة ” (حك 7:1)، (حك 1:12).

كلى الرحمة والحب:

” فإنك تحب جميع الكائنات ولا تمقت شيئاً مما صنعت فأنك لو أبغضت شيئاً لما كونته ” (حك 11:24).

قادر على كل شئ (ضابط الكل):

” حراً محسناً محباً للبشر ثابتاً مطمئناً يقدر على كل شئ ويراقب كل شئ ينفذ إلى جميع الأرواح ” (23:7).

الحكمة والمسيح:

تظهر الحكمة في سفر حكمة سليمان باعتبارها الله كخالق ” إذا كان الغنى ملكاً مرغوباً فيه فأى شئ أغنى من الحكمة التى تعمل كل شئ وأن كانت الفطنة هي التى تعمل فمن أمهر منها في هندسة الكائنات ” (حك 5:8-6) وكذلك (22:7) وترد الحكمة في سفر حكمة سليمان كخالق مباشرة ” أن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتى كانت حاضرة حين صنعت العالم وهي عارفة ما المرضى في عينيك والمستقيم بحسب وصاياك ” (9:9) وكذلك (4:8). والحكمة هي فيلانثروبوس أى (محبة البشر) ” إن الحكمة روح يحب الإنسان ” (6:1) ” حراً محسناً محباً للبشر… ” (23:7) وبحسب ” إنها تمتد بقوة من أقصى العالم إلى أقصاه وتدبر كل شئ للفائدة ” (1:8).

نشعر بأن الحكمة هي فيض من مجد الله، تشارك الله في طبيعته، والأوصاف التى توصف بها هي صفات الله نفسه وهذه الصفات الواردة في سفر حكمة سليمان تظهر باهته مقارنة بما سيرد في العهد الجديد الذي سيصرخ جهاراً بأن المسيح هو الحكمة وحكمة الله.

” جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون هوذا إنسان أكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة والحكمة تبررت من جميع بنيها ” (مت 19:11) وأيضاً (لو 49:11) (مت 34:23-36)، وأما للمدعوين يهودا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله لأنه جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس أنظروا دعوتكم أيها الأخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد وليس كثيرون أقويا ليس كثيرون شرفاء بل اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء… ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء ” (1كو 24:1-30) وهكذا أوضح لنا العهد الجديد أن في المسيح تم خلق العالم وحفظه ” فأنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شئ وفيه يقوم الكل ” (كو 16:1-17) وفى بداية إنجيل القديس يوحنا ينسب إلى الحكمة الكلمة الخلق والأزلية ويظهر العهد الجديد كله السيد المسيح باعتباره حكمة الله (1كو 1:24) ومنذ عصر القديس يوستينوس الشهيد ويرى التقليد المسيحى المسيح في حكمة العهد القديم، ونفهم من العهد الجديد أن الإنسان باتحاده بالمسيح يشترك في الحكمة الإلهية في عشرة حميمة مع الله.

اللوغوس:

يقدم سفر حكمة سليمان اللوغوس الكلمة باعتباره الكلمة التى يخاطب بها الله الناس، بعكس فيلو الفيلسوف اليهودى السكندرى الذي قدمها فيما بعد باعتبارها القوة الوسيطة التى تلى الله! ورأى رأيه فيما بعد العالم جرور Gfrorer ولكن سفر حكمة سليمان يقدم كلاً من الحكمة والكلمة اللوغوس كمترادفين يرجعا الفضل الأول لله في الخلق ” يا إله الأباء ويا رب الرحمة يا صانع كل شئ بكلمتك ومكون الإنسان بحكمتك لكي يسود الخلائق التى صنعتها (1:9-2)، ” وما شفاهم نبت ولا مرهم بل كلمتك يارب فهى تشفى جميع الناس (12:16)، راجع (9:12)، (22:18) وكثيراً ما تعنى ابن الله: حكمة الله الآب، وبحسب ما يرد في (1كو 30:1) ” ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء فأن يسوع المسيح قد جعله الله حكمتنا.

 

الحكمة والروح:

يرى كثيراً من اللاهوتيين أن الحكمة في سفر حكمة سليمان ترمز إلى الروح القدس ” لذلك صليت فأوتيت الفطنة ودعوت فأتانى روح الحكمة ” (7:7). ” ومن الذي علم بمشيئتك لو لم تؤت الحكمة وترسل من العلى روحك القدوس ” (17:9) راجع (6:1، 22:7، 23) أو هي صورة لحركة النعمة الإلهية التى بلغت مداها في المسيح يسوع، وقد وردت الحكمة في صيغة روح الرب كتعبير عن الله نفسه وانه يعمل كل شئ بروحه الذي يملأ العالم (7:1-8، 1:12)، وتظهر الحكمة في سفر حكمة سليمان أيضاً باعتبارها وحي الله لأنها تكشف عن مشيئة الله وقصده (13:9-17) وعموماً فإن الحديث عن الحكمة في سفر حكمة سليمان أكثر جرأة منه في سفرى الأمثال وسيراخ.

 

العقيدة:

من بين العقائد الهامة في سفر حكمة سليمان الخلود إذ يركز سفر حكمة سليمان كثيراً على مصير الأبرار في الأبدية حتى ولو ماتوا فقراء أو مظلومين ” أما البار فإنه وإن تعله الموت يستقر في الراحة ” (7:4)، ” أما نفوس الأبرار فهى بيد الله فلا يمسها أى عذاب… لكنهم في سلام وإذا كانوا في عيون الناس قد عوقبوا فرجاؤهم كان مملوءاً خلوداً… ” (1:3-9) ” أما الأبرار فسيحيون للأبد… ” (15:5-23) وأيضاً (2:22)، كما يشير صراحة إلى قيامة الأجساد (7:3، 15:5-16) وتظهر عقيدة الخلود في ” لأن البر خالد ” (15:1) ” وإذا كانوا في عيون الناس قد عوقبوا فرجاؤهم كان مملوءاً خلوداً ” (4:3) ” خير الحرمان من الأولاد والحصول على الفضيلة فإن في ذكرها خلوداً ” (4:1)، ” وبعد أن فكرت في نفسى بهذه واعتبرت في قلبى أن في قُربى الحكمة خلوداً ” (17:8)، ” فإن العلم بمن أنت هو البر الكامل واعلم بقدرتك هو أصل الخلود ” (3:15). وعدم الفساد ” فإن الله خلق الإنسان من عدم فساد وجعله صورة ذاته الإلهية ” (23:2)، ” والمحبة هي حفظ شرائعها (الحكمة) ومراعاة الشرائع هي ضمان عدم الفساد وعدم الفساد هو التقرب إلى الله (18:6-19). حيث يركز على أن حياة الأبرار لن تنتهى عند الموت الجسدى بل تمتد في ألأبدية، وفى المقابل ينتظر الأشرار مصيراً مؤلماً مهما كانوا أغنياء وجبابرة في هذا العالم، وهكذا يشجع سفر حكمة سليمان أولاد الله عن طريق إظهار الشر كقوة مؤقتة وغير باقية ومن ثم يشجع اليهود الذين يتعرضون للضغط العقيدى الوثنى، فنفوس الأبرار في يد الله ورجاؤهم مملوء خلوداً في حين أن رجاء الكافر هو كعصافة تذهب مع الريح ” إن رجاء الكافر كعصافة تذهب مع الريح وكزبد رقيق تطارده الزوبعة انه يتبدد كدخان في الهواء ويمضى كذكر ضيف يوم واحد ” (14:5) ويؤكد سفر حكمة سليمان فكرة الدينونة بوجود يوم الحساب ” وإن ماتوا سريعاً فلا يكون لهم رجاء ولا تعزية في يوم الفصل ” (18:3).

” وسيقرع الأشرار بسبب خطاياهم ” وإذا حسبت خطاياهم يأتون خائفين وآثامهم تتهمهم في وجوههم (20:4) في حين يقف الصديق بثبات ” حينئذ يقوم البار بجرأة عظيمة في وجوه الذين ضايقوه واحتقروا أتعابه ” (1:5) كما يشير سفر حكمة سليمان على أن كلاً من الأبرار والأشرار سيجتمعون في مكان انتظار الدينونة (20:4، 1:5).

ويظهر هذا التأثير الأسخاطولوجى الأخروى من خلال أن الله خلق الإنسان خالداً ولعدم الفساد ” فإن الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله صورة ذاته الإلهية (22:2) (19:6) وعدم الفساد هو التقرب إلى الله ” وكذلك في (1:12) وأن البار له رجاء في الخلود ” وإذا كانوا في عيون الناس قد عوقبوا فرجائهم كان مملوءاً خلوداً ” (4:3) ومن ثم سيحيا إلى الأبد ” فلذلك سينالون إكليل البهاء وتاج الجمال من يد الرب لأنه بيمينه يحميهم وبذراعه يسندهم ” (16:5) أما الأشرار فلا رجاء لهم عند موتهم ” وإن ماتوا سريعاً فلا يكون لهم رجاء ولا تعزية في يوم الفصل (18:3).

وقد ظهر التطور في الفكر الإسخاطولوجى اليهودى في هذا سفر حكمة سليمان، فالفكر اليهودى المبكر كان يرى النصرة المادية قريبة للأبرار على الأعداء ولكن سفر حكمة سليمان يشير إلى الإيمان بالملكوت المسيانى على الأرض وفى السماء ويذهب سفر حكمة سليمان بعيداً إلى الأبدية ويقدم فكرة خلود النفس مباشرة بعد الموت.

والنفس التى ماتت دون مكافأة سوف تكافأ يوم الافتقاد (22:2، 1:3-9، 7:4-14، 15:5-23) وفى هذا رد على تساؤلات أيوب الصديق، وقد أتى تعليم سفر حكمة سليمان عن الخلود متماشياً مع (دا2:12-3) ” وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للإزدراء الأبدى والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى ابد الدهور ” وكما في (2مكا9:7) كما يشير سفر حكمة سليمان على أن الأشرار يفقدون الخلود منذ الآن في حياتهم حيث يرى انهم ماتوا على نحو ما وهم مازالوا في الجسد، إذ يرد في سفر حكمة سليمان أيضاً أن الموت هو نتيجة عدم الأمانة ” لكن الكافرين دعوا مثواه الأموات بأيديهم وأقوالهم ” عدوه صديقاً فاضمحلوا ثم عاهدوه بأنهم أهل لأن يكونوا من حزبه ” (16:1).

وأخيراً يتحدث سفر حكمة سليمان عن الخلاص من خلال الحكمة (الكلمة) راجع (13:8-15) وأن الله يلاطف الخطاة ويعاقبهم على نحو متدرج، وأما العقاب الكامل فهو للفجار والمنغمسين بالخطية ” فإنهم في ضلالهم تجاوزا طرق الضلال متخذين أذل الحيوانات وأحقرها آلهة مخدوعين كأطفال لا يفقهون ” (24:12) ولعل أروع ما ورد في سفر حكمة سليمان هو النبوءة عن المسيح.

 

أصل الإنسان (الأنثروبولوجيا):

يشير سفر حكمة سليمان على حقيقة أن ألإنسان مكون من نفس وجسد ” إن الحكمة لا تدخل النفس الساعية إلى الشر ولا تسكن الجسد المدين للخطية ” (4:1) راجع (19:8-20، 15:9) حيث تشمل النفس كلاً من العقل والروح، بل من الممكن أن يكون قصد الكاتب العناصر الثلاثة للإنسان ” لأنه تجاهل من جبله ونفخ فيه نفساً عاملة يبعث روحاً محيياً ” (11:15) وكما يشير بوضوح إلى وجود الأرواح من قبل (20:8، 18:15، 16) ليس على أساس تناسخ الأرواح وإنما باعتبار أن الخلق كان في تدبير الله وفكره، حيث يرد أن الروح موجودة قبل الميلاد ” كنت صبياً حسن الطباع ورزقت نفساً صالحة، بل كنت بالأحرى صالحاً فأتيت في جسد غير مدنس ” (19:8، 20).

 

ثانى عشر: القيمة الليتورجية لسفر حكمة سليمان

إن أكبر قيمة ليتورجية لسفر حكمة سليمان، هو ذلك الاقتباس الرائع من سفر حكمة سليمان ليوضع في القداس الإلهى، فقد ورد في صلاة الصلح لقداس القديس باسيليوس الكبير: يا الله العظيم الأبدى الذي جبل الإنسان على غير فساد والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته، وهو جزء مقتبس من الإصحاح الثاني من سفر حكمة سليمان حيث يرد ” فإن الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله صورة ذاته الإلهية. لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم ” (24:23:2).

كما ورد أيضاً في صلاة الحجاب الثانية للقداس الباسيلى:

“… أعطنى الحكمة الجالسة عند عرشك (حك1:9-4) أعطنى هذه الساعة قلباً حكيماً فهيماً… لكي أستحق أن اقترب إلى مذبحك المقدس واقدم لك هذه القرابين التى نقدمها لك بالروح الصالح الكامل الذي لنعمتك… “

وكذلك في صلاة الحجاب للقداس الكيرلسى وهي من وضع القديس يوحنا اللاهوتى:

“… يا خالق البرية كلها التى ترى والتى لا ترى… المعتنى بكل الأشياء لأنها لك يا سيدنا محب الأنفس (حك27:11)… أستعطفك… أعطنى روحك القدوس النارى. “

وفى سر حلول الروح القدس في قداس القديس كيرلس أيضاً يرد:

” وأرسل إلى أسفل من علوك المقدس ومن مسكنك المستعد ومن حضنك غير المحصور ومن كرسى مملكة مجدك (حك10:9)… الباراقليط روحك القدوس… “

أما الاقتباس الخامس فقد ورد في قسمة للقداس من وضع القديس أبينانيوس، حيث يورد أوصاف الحكمة كما جاءت في سفر حكمة سليمان.

أما الاقتباس السادس المستخدم في ليتورجية الكنيسة فقد ورد في الأجبية حيث نصلى في قطع صلاة باكر قائلين: سبقت عيناى وقت السحر، لأتلو في جميع أقوالك وهو مقتبس من الإصحاح السادس عشر حيث يرد ” حتى يعلم انه يجب أن نسبق الشمس إلى حمدك وأن نلتقى عند شروق النور ” (28:16).

وفى تسبحة نصف الليل وبالتحديد في لبش الهوس الأول يرد: بالقطع انقطع ماء البحر والعمق العميق صار مسلكاً… وبنو إسرائيل عبروا على الأرض اليابسة… وهو ما ورد في الإصحاح التاسع عشر من سفر حكمة سليمان “… والأرض اليابسة تبرز مما كان ماء من قبل والبحر الأحمر يصبح طريقاً سالكاً… عبرت فيه أمة بكاملها تسترها يدك وتشهد خوارق عجيبة ” (7:19-8).

وأخيراً فقد اقتبست الكنيسة فصولاً من سفر حكمة سليمان تقرا في البصخة المقدسة ففى الساعة السادسة من اثنين البصخة يقرأ (1:1-9) وفى الساعة الحادية عشر من ليلة الأربعاء يقرا (24:8 إلخ) وأما في باكر الجمعة العظيمة فيقرا (12:2-22).

 

ثالث عشر: التعاليم في سفر حكمة سليمان

1 يتكلم سفر حكمة سليمان في أكثر من موضع عن البتولية ممتدحاً أياها. فهو في الإصحاح الثالث يتكلم عن البتوليين والعذارى، وعن المتبتلين وأمانتهم واستحقاقتهم أن يردّوا النفوس ويخدموا أمام العَرش ” أما العاقر الطاهرة التى لم تعرف المضجع الفاحش (= يقصد بذلك إما الزوجة العاقرة التى لم تزنى مع غير رجلها لإقامة نسل لها، أو العذراء الطاهرة التى لم تتزوج وبالتالى لم تنجب) فطوبى لها، أنها ستحوز ثمرتها في افتقاد النفوس. وطوبى للخص (= يقصد الذي نذر نفسه بتولاً لله) الذي لم تباشر يده مأثماً ولا افتكر قلبه بشر على الرب، فإنه سيعطى نعمة سامية لأمانته وحظاً شهياً في هيكل الرب (13:3-14) وفى الإصحاح الرابع أيضاً يمجد البتولية مع الفضيلة (الحكمة 10:4) ويضيف (أما لفيف المنفقين الكثير التوالد فلا ينجح، فراخهم النغلة لا تتعمق أصولها ولا تقوم على ساق راسخة وأن أخرجت فروعاً إلى حين، فأنها لعدم رسوخها تزعزعها الريح وتقتلعها الزوبعة) (3:4-4).

2 يتحدث سليمان في الإصحاح 18:6-21 عن أن أبتغاء الحكمة يوصل إلى الظفر بالملكوت الأبدي. ويتدرج في شرح خطوات الحكمة قائلاً (فأولها الخلوص في ابتغاء التأديب. وتطلب التأديب هو المحبة. والمحبة حفظ الشرائع. ومراعاة الشرائع ثبات الطهارة. والطهارة تقّرب إلى الله. فابتغاء الحكمة يبلّغ إلى الملكوت.

3 كان سليمان في حديثه عن الحكمة (فى أصحاح 9) يتحدث عن المسيح كلمة الله وحكمة الله الأقنوم الثاني. فهو يقول متوجهاً إلى الرب (يا إله الآباء = يقصد بالله الآب = يارب الرحمة ياصانع الجميع بكلمتك. وفاطر الإنسان بحكمتك لكي يسود على الخلائق التى كونّتها… هب لى الحكمة الجالسة إلى عرشك… إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتى كانت حاضرة إذا صنعت العالم وهي عارفه ما المرضّى في عينيك والمستقيم في وصاياك. فإرسلها من السموات المقدسة) (1:9، 2، 4، 9، 10).

4 تحدث سليمان (فى الإصحاح 18) كيف أن الرب حفظه لشعبه من ظلم المصريين، إنما يهىء لمجىء الأقنوم الثاني الذي هو المسيح في صورة الله غير المنظور الذي لا يسود عليه الموت بعد (راجع رومية 9:6، كولوسى 12:1-15) وهو إذ يتكلم عن المصريين الذين عاقبهم يقول (أما أولئك فكان جديراً بهم أن يفقدوا النور ويحبسوا في الظلمة لأنهم حبسوا بنيك الذين بهم سيمنح الدهر نور شريعتك الغير الفانى) ” 4:18 “.

5 من مأثورات سفر الحكمة قوله:

  • الحكمة خير من القوة، والحكيم أفضل من الجبار (الحكمة 1:6).
  • لكنك رتّبت كل شئ بمقدار وعدد ووزن (الحكمة 21:11).

 

رابع عشر: الحكمة في العهد القديم

لقد كان الآباء والأمهات هم المعلمون الأساسيون لأبنائهم، ولم تكن مدارس الكتبة Scribal Schools والتى ظهرت مؤخراً فقط (نهاية العهد القديم) تُعلم إلا نسبة ضئيلة من الشبان لاستخدامهم في الأعمال الحكومية. غير أن الأنبياء والحكماء كانوا يعملون بنشاط بين تلاميذهم في كيفية توصيل الإحساس بالقيم ومعنى الحياة وكيف تعاش، وهو ما يسمى اصطلاحاً في العهد القديم ب طريق الحياة. ويقول الربيون أن عشرة موازين للحكمة قد هبطت من السماء، تسعة منها وقعت في الأرض المقدسة. ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد أتخذ الربيون دور الأنبياء وزادت فاعليتهم بعد خراب أورشليم سنة 70م، حيث صاروا مسئولين عن الشريعة والطقس واللاهوت والحكمة.

إن إحساس اليهود بالتميز كشعب الله وقبولهم الإيمان بيهوه، هو الإطار الذي توجد حياتهم بداخله، وقد شغل اليهود بتسليم هذا التراث للأجيال المتعاقبة، ويتضح ذلك جيداً ليس في أسفار الحكمة فقط (أيوب الأمثال الجامعة حكمة سليمان يشوع بن سيراخ) بل في سفرى الخروج والتثنية أيضاً:

” وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشى في الطريق وحين تنام وحين تقوم ” (تث 6:7) راجع أيضاً (تث 20:7-25).

” أذكر أيام القِدم وتأملوا سنىّ دور فدور اسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولوا لك ” (تث 7:32) راجع أيضاً (تث 45:32-47).

” وجهوا قلوبكم إلى جميع الكلمات التى أنا أشهد عليكم بها اليوم لكي توصوا بها أولادكم ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة ” (45:32-47).

ولقد كان تسليم طريقة الحياة وكيف تعاش، وتوصيل ثمار الخبرات الذاتية، بمثابة استمرارية لنقل الحياة ذاتها، كما كانت الحكمة التى يسلمها الحكيم Sage هي موهبة من مواهب الحياة (شريعة الحكيم ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت (أم 14:13). وينظر إلى الحكمة باعتبارها موهبة من الله ” وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطى الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له (يع 5:1).

وكان رجال العهد القديم الحكماء هم فلاسفة إسرائيل، وكان أولئك مثل نقاد ذوى قيمة كبيرة، ومن خلال الملاحظة والخبرة أكثر من التأمل المجرد يصلون إلى أسئلة جوهرية. أن الاختلاف الأساسى والوحيد بين رجال العهد القديم الحكماء والفلاسفة اليونانيين هو أن الأولون بدءوا بالمقدمة المنطقية في البدء خلق الله… وبدء الحكمة مخافة الرب… لقد كان إيمانهم بالله عميقاً، في حين يستفسر الفلاسفة اليونانيون عن كل شئ حتى عن وجود الله نفسه، وفى سفر الحكمة يستفسر الكاتب عن شئ واحد هو علاقة الإنسان بالله ودور الإنسان أثناء حياته على الأرض.

وظلت هذه النظرة تتدرج إلى أن تطابقت الحكمة مع الشريعة، التى يعتبرها كاتب سفر التثنية الحياة ذاتها ” لأنها ليست أمراً باطلاً عليكم بل هي حياتكم ” (تث 47:32) وقد بدأت الحكمة كخبرة مستمدة من التجربة والتاريخ الإجتماعى في فترة ما قبل السبى (الحكمة القديمة أى حكمة عالمية إلى أن تحولت بعد السبى إلى حكمة لاهوتية).

وقد أهتم الملوك القدماء بأن يحتفظوا في قصورهم بالكثير من الحكماء، يعملون كمستشارين للملك لاسيما عندما يقوم أولئك الحكماء بلفت نظر الملوك. إلى رعاياهم ومظالمهم واحتياجاتهم، مثلما حدث مع الحكماء الذين عاشوا في قصر نبوخذ نصر، مثل دانيال النبى ورفقاؤه الذين فسروا لهم الحلم بعد عجز بقية حكماء المملكة، ويوسف الصديق الذي عمل في بلاط فرعون مصر، حيث اسهم بحكمته في إنقاذ البلاد وقدم مثالاً في الذكاء الفائق، ونقرأ أيضاً عن الحكماء الذين استدعاهم فرعون لعمل معجزات مثل تلك التى يصنعها موسى وهارون (خر 8) وكان لارتحشستا الملك سبعة مستشارين (عز 15:7-16).

وعندما كان الملوك يرفضون الاستعانة بأمثال الفلاسفة والحكماء بل رفضوا مشورتهم وأحتقروها، لجأ الأخيرون إلى الاستعانة بالمسرح والقصص الشعبية في محاولة منهم لإعادة الملوك إلى صوابهم وذلك من خلال أحاديثهم مع الناس وتعليمهم لهم.

ولم نسمع عن مدارس لتعليم الحكمة قبل القرن الثاني قبل الميلاد، حيث يعد يشوع بن سيراخ صاحب أول مدرسة حكمية معروفة، ولكن الإشارة الواردة في سفر الأمثال (أم 23:23، 16:17) حيث تنادى الحكمة في الشوارع، قد تعنى تجول أولئك الحكماء في الشوارع، وعندنا في مصر حتى وقت قريب كان أمثال أولئك الحكماء يجوبون الشوارع والأحياء يقدمون الحكمة في صور شعرية مغناه، ربما على آلة موسيقية وربما في شكل مواويل درامية أو مراثى، وفى العهد القديم كان بعض الناس يجتمعون حول الحكيم تحت الأشجار يسمعون منه ويناقشونه، وربما أرسل بعض الأباء أبنائهم إليه ليتعلموا منه فيما عرف فيما بعد (الكُتّاب).

 

من هو الحكيم:

يتدرج مستوى الحكمة من الحِرَفى إلى المنجِّم ومن المربى إلى الفيلسوف، ومن دور القضاء إلى الأكاديمية العلمية. وكان لقب ” الرجل الحكيم ” يطلق على رجل القانون سابقاً ولكن الحكيم هو ذاك الذي وهبه الله الحكمة مثل سليمان. وبحسب تصريح يعقوب الرسول فإن الحكمة موهبة من الله وليست اجتهادا!، لقد وصفت حكمة دانيال ورفقاؤه بأنها تساوى ” عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته ” (دا 20:1) وأما الوصف الرائع للرجل الحكيم فقد أعطى ليوسف الصديق ” فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف ” بعدما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك ” (تك 38:41-39). وقيل كذلك عن يهوناثان أحد رجال داود النبى ” ويهوناثان عم داود كان مشيراً ورجلاً مختبراً وفقيهاً ” (1أخ 32:27).

 

وللرجل الحكيم ثلاث محاور:

المحور الأول

سؤال الله في كل أمر بالصلاة مع تسليم القلب والمشيئة حتى يتسنى للروح أن يعمل ويتسنى للإنسان أن يسمع صوت الله، وقد طلب سليمان من الله عقلاً متفتحاً (بصيرة) وقلباً فهيماً يميز بين الخير والشر والحكمة والمعرفة عندما ترأى الرب له في حلم ليلاً وقال له اسأل ماذا أعطيك ” فأعطِ عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأميز بين الخير والشر لأنه من يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا ” (1مل 9:3)، راجع أيضاً (2أخ 7:1-12).

 

وأما المحور الثاني

فهو البحث عن خبرات الآخرين عن طريق المحاولات الدؤوبة للاستفادة من الآخرين باستعداد كبير للتعلم، وينصحنا يشوع بن سيراخ بأن نسافر لتلقى الحكمة ” الذي لم يمتحن يعلم قليلاً وأما الذي سافر فهو كثير الحيل الحكمة أنى رأيت في أسفارى أموراً كثيرة وما فهمته يفوق ما أقول ” (سى 10:34-11). ويقول الربيون من هو الحكيم… ؟ (هو ذاك الذي يتعلم من كل واحد).

 

وأما المحور الثالث

فهو قلة الكلام فإذا ما تكلم فأن كلامه له وقع ووزن وقوة بل وبهجة على نفوس من يسمعونه. وكما تحسب أقوال الله حكمة (أحكامك) تحسب أيضاً أقوال الحكماء المستمدة من الله حكمة، وهكذا فإن تجسيد الحكمة هو تجسيد لصفة إلهية، مما هيأ الطريق أمام قبول عقيدة الكلمة (اللوغوس) ويرد في سفر حكمة سليمان عن الحكمة القدوس الوحيد المولود (حك 22:17) وكذلك ضياء النور الأزلى (26:7).

وبصفة عامة أن الإنسان الحكيم هو الجيد الفهم والحسن المنطق مثل أبيجايل… ” وكانت المرأة جيدة الفهم وجميلة الصورة… ” (1صم 3:25) هو الرجل المتدين المُلِمُ بكل النواحى الأخلاقية ويتعامل مع الحياة بكل مواقفها. وهو ذاك الذي يحقق الأهداف من خلال وسائل شريفة، ويعرف كيف يحيا سعيداً في سلام، ناظراً إلى العالم من حوله نظرة ثاقبة جادة حرة من الأوهام مع التأمل العميق في الحياة والكائنات. ولعل أشهر رجال الحكمة في الكتاب المقدس هم: أيوب وأليهو (فى سفر أيوب) ويوسف وموسى وسليمان ودانيال ويشوع بن سيراخ.

 

الحكمة عطيه من عند الله:

البنية الأساسية في الحكمة هي الذكاء، ولقد وهب الله لكل إنسان قدراً من الذكاء، إذاً ما استخدمه في الخير والفضائل فقد حسب حكيماً، أما إذا استخدمه في الشر والخطيئة فأنه يحسب لئيماً، وقد دعى الشيطان حكيماً في الشر! ولم تقتصر الحكمة على الفلاسفة والعلماء من الطبقات الأرستقراطية، بل أطلقت في كل عصر ومكان على الصناع المهرة، ما داموا ينتجون إنتاجاً متميزاً مرضياً (راجع خروج 1:36-2)، بل دُعيت القابلة أيضاً بالمرأة الحكيمة (راجع خروج 1:36-2). بل والندابة المتخصصة أيضاً دُعيت حكيمة (راجع أر 17:9) والتاجر (مز 27:106) والداهية (2صم 16:20) ومشيرو الملك (أر 25:50). بل تسمى الحكمة أيضاً التدبير (إيكونوميا) Econome وتطلق على إتقان القول مع العمل، فالواحد يتكلم حسناً والآخر يعمل حسناً، حتى أولئك الحرفيين الذين استثمروا موهبتهم في نحت التماثيل الوثنية، دعوا أيضاً ماهرون في صنع الشر ” لأن شعبى أحمق. إياى لم يعرفوا هم بنون جاهلون وهم فاهمين هم حكماء في عمل الشر والعمل الصالح ما يفهمون ” (أر 22:4)، واستخدمت كلمة الحكمة أيضاً للإشارة إلى المهارة الحربية ” بأنه قال بقدرة يدي صنعت وبحكمتى لأنى فهيم ونقلت تخوم شعوب ونهبت زخائرهم وحططت الملوك كبطل ” (أش13:10)، حتى الحيوانات نسب إليها الحكمة، كالنمل ” أربعة هي الأصغر في الأرض لكنها حكيمة جداً النمل طائفة غير قوية ولكنه يعد طعامه في الصيف، الوبار طائفة ضعيفة ولكنها تضع بيوتها في الصخر، والجراد ليس له ملك ولكنه يخرج كله فرقاً فرقاً ” (أم24:30-27) وكذلك نسبة الحكمة إلى الحيات ” كونوا حكماء كالحيات “.

ولكن حكمة العالم جهالة عند الله (بالنسبة لحكمة الله) فقد فاقت حكمة الفداء حكمة العالم ” لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبى وبينما هم يزعمون إنهم حكماء صاروا جهلاء ” (رو21:1-22) راجع أيضاً (1كو17:1-25). وفى المقابل إن أردنا أن نكون حكماء عند الله سنكون حمقى عند العالم ” لا يخدعن أحد نفسه إن كان أحد يظن إنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيماً ” (1كو 18:3). إن الحكمة تمنح بواسطة الروح القدس لأولئك الذين ينقادون له ” فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد ” (1كو8:12) راجع أيضاً (1كو10:2-16)، (أف17:1)، كذلك فإن الحكمة ليست قاعدة سلوك فحسب ولكنها إعلان لسر الله ” لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون. بل نتكلم بحكمة الله في سر. الحكمة المكتومة التى سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ” (1كو 6:2-8) وفى المسيح يسوع تكتسب كل قواعد السلوك ملء معناها لتصبح حكمة.

أخيراً فأن الحكمة هي تقديم الله للبشر، من خلال كلمة… نطق… حكمة… فالله هو الكلمة، هو الحكمة… كلمة تعزى البائس… تشدد المتعب… وتعيد الرجاء إلى الأشقياء.

 

خامس عشر: السمات الأدبية والتركيب

ينتمى سفر حكمة سليمان إلى ما يعرف ب أدب الحكمة، وغير أنه يختلف عن بقية الكتابات الحكيمة في الشكل والخصائص، مثل سفر الأمثال الذي يختلف عنه في أنه ليس به أقوال مأثورة بقدر ما فيه من تدفق في الأسلوب، من الصعب أن نضعه تحت عنوان واحد من الأدب حيث يأتى سفر حكمة سليمان في محادثات أو مقالات في أسلوب فنى موظفاً كل الأدوات العبرية في التفكير والتعبير مثل ” أحبوا البر يا أيها الذين يحكمون الأرض وفكروا في الرب تفكيراً صالحاً والتمسوه بصفاء قلوبكم ” (حك 1:1) ومثل ما ورد في (حك 9:2) ” ولا يكن فينا من لا يشترك في قصفنا لنترك في كل مكان علامات ابتهاجنا فإن هذه خطنا وهذا نصيبنا ” وأيضاً في (حك 15:2) لأن سيرتنا لا تشبه سيرة الآخرين وسبله مختلفة ” ويتداخل في سفر حكمة سليمان: الشرح والتفسير مع الحماس الدينى بطريقة موسيقية مستخدما مختلف الصور البلاغية المتاحة، ويرى البعض تشابهاً بينه وبين سفر المكابيين الرابع (سفر غير قانونى).

وفى بعض المواضع استخدم الكاتب جملاً طويلة معقدة، وبعض الشعر البدائى للموازنة وفى التأثير الشعرى توجد كلمات مركبة وشعر عميق وتوافق سداسى التفعيل وألقاب الجناس الاستهلاكى تكرار حرف أو أكثر في مستهل لفظتين متجاورتين والسجع وال Hamaiatelauton وال Paranamasia والاتفرة تكرار لفظة واحدة في أوائل جملتين وكثير من الألفاظ الفلسطينية مثل ” إن كثرة الحكماء خلاص العالم والملك الفطن ثبات الشعب (حك 24:6)، ” فهو الذي وهب لى علماً يقيناً بالكائنات حتى أعرف نظام العالم وفاعليه ” (حك 17:7) وChiasm مثل ” ثمرة الأتعاب مجيدة وأصل الفطنة لا يزول ” (حك 15:3) وكذلك (حك 1:1) وIndosia مثل (1:1-15) والتضاد مثل ” لكن البار الذي قد مات يحكم على الكافرين الباقين والشبيه التى انقضت بسرعة تحكم على شيخوخة الأثيم الكثيرة السنين ” (حك 16:4) وما ورد في (حك 4:11) ” عطشوا فدعوا إليك فأعطوا ماء من صخرة شديدة الأنحدار وشفاء لغليلهم من الحجر الجلمود ” من صورة طويلة نحو النثر الموزون.

إضافة إلى أشكال مختلفة من النصح والتحذير والقصيدة الغنائية (1:10-21) والنقد الساخر في (4:1-6) وكما في (15:18) ” هجمت كلمتك القديرة من السماء من العروش الملكية كالمحارب العنيف في وسط الأرض الملعونة كانت تحمل قضاؤك المحتوم كسيف مرهف “. والحديث (1:7-22) أو الصور الكلامية عموماً (الإصحاحات من 6 9) ومقارنات تاريخية ممتدة مثل (1:11-12، 20) واستخدام بعض النظريات الفلسفية مثل تعاليم زينون الرواقى عن الكون (حديثه عن العناصر الأربعة) والتى حاربها سفر حكمة سليمان. ويستخدم الكاتب اسلوباً مركباً في بعض الأحيان يكرر بعض حروف الوصل.

وقد اتبع الكاتب في الإصحاحات (1-9) أسلوب وضح حالة للحكمة بطريقة تدعى Anthlogical (وهى تعنى اقتباس الافكار والجمل من أسفار الكتاب ووصفها بطريقة حكمية في سياق الكلام. وفى الإصحاحات (10-12) و(16-19) استعان (بالمدراشيم) اليهودية و(الهاجاداه).

 

التركيب:

ينقسم سفر حكمة سليمان إلى قسمين رئيسيين، الأول ويشمل الإصحاحات (1-11) والثانى (12-19) وهناك اختلاف في الشكل والأسلوب دون أن يتنافى ذلك مع وحدة سفر حكمة سليمان فالجزء الأول موجز بينما الثاني موسع وطنان في صياغته وفيه الروح اليهودية متغلغلة وكأنه تبشيرى، بالقياس إلى الجزء الأول الذي يخاطب اليهود أنفسهم، ويناقش الجزء الأول عدة قضايا لذلك فهو عبارة عن مقاطع بالقياس إلى الثاني فهو عبارة عن وحدة واحدة مستمرة.

ولكن وعلى الرغم من التباين بين أسلوب وموضوع فقرة وأخرى، إلا أن هناك إجماع كبير الآن على وحدة سفر حكمة سليمان ووحدة الكاتب نفسه، ويرى العالم الفاضل C. L. W. Grimm والذي عاش حتى عام 1860 م بأدلة قوية أن مؤلف سفر حكمة سليمان هو شخص واحد وساق العديد من الألفاظ والمصطلحات المشتركة بين الجزأين مما يدل على تلقائية الأسلوب حتى الأهداف والأفكار، ويلاحظ استخدام الكاتب لأسلوبين في الكتابة مثل:

التعارض والتشابه:

  • مثل مصير الأبرار والأشرار.
  • نجاة اليهود وهلاك المصريين.
  • العقم مع الفضيلة الخصب مع الإلحاد.

التطور التدريجى في العرض: مثل الحديث عن الموت الطبيعى ثم الروحى ثم الأثنين معاً. ” ولنحكم عليه بميته عار، فأنه سيفتقد بحسب أقواله ” (20:2) راجع (2:3-2، 7:4-14) وعلى الرغم أن الشعر فيه ليس على مستوى ابن سيراخ إلا أن به كماً كبيراً من الشعر الأصيل والذي يتميز بالتطابق وإن كان يفتقر في بعض الأحيان إلى القافية (راجع 1:10-2) إضافة إلى وجود كمية كبيرة من البلاغة والسجع والجناس والطباق والمتضادات مثل:

 

السجع:

1 لأن الأذن الغيرى تسمع كل شئ وضجيج التذمرات لا يخفى عليها (10:1).

2 إذا حضرت يقتدى بها وإذا غابت يؤسف عليها (2:4).

 

الجناس:

1 يلبس البر درعاً وحكم الصدق خوذة (18:5).

2 بما انك عادل فانت تسوس بالعدل جميع الناس وتحسب الحكم على من لا يستوجب العقاب أمراً منافياً لقدرتك (15:12).

ويعرف الشكل الأدبى العبري ايضاً بالتوازى، ونعنى التوازى الموجود في التعبيرات المترادفة بطرق مختلفة متعددة وعلى سبيل المثال:

لا يجربونه: لا يكفرون به

النفس الساعية بالمكر: الجسد المسترق للخطية (2:1-4)

ويساعد التوازى في بعض الصور البلاغية في شرح بعضه مثل:

الزيف: مجانبة الرجس (16:2)

كذلك نجد في بعض المواضع أن التوازى متقابل مثل:

الشتم الصبر والعذاب الحلم (16:2)

وهكذا كان سفر حكمة سليمان في أروع شكل وهو مايزال في العبرية لغته الأصلية.

ويمتزج في سفر حكمة سليمان كل من الشرح والتفسير معاً من جهة ومن جهة أخرى الحماسة الدينية المغناة على القيثارة مستخدماً في ذلك شتى الصور البلاغية. ويضاف إلى ذلك في التركيب، المونولوج الأدبى في الإصحاحات الخمسة الأولى، عن دور الحكمة في حياة الإنسان، ثم خطاب شخصى عام عن أصل الحكمة وكيفية الحصول عليها (الإصحاحات من 9 – 6) وبعد ذلك رسالة تأملية في شكل أسئلة.

هذا وهناك تحليل لغوى بديع لسفر حكمة سليمان مع مقارنات لغوية رائعة بين كل من جزئى سفر حكمة سليمان أورده العالم الكبير تشالز R. H. Charles في كتابة الأبوكريفيا والبسودبجرافا لمن يود الرجوع إليها (521 524).

 

التأثير اليونانى في سفر حكمة سليمان:

استخدم المترجم في ترجمته لسفر حكمة سليمان من العبرية إلى اليونانية الكثير من المصطلحات اليونانية المباشرة مما أضفى على سفر حكمة سليمان الشكل اليونانى وحمل البعض على الأعتقاد بأصله اليونانى، مثل عبارة الخلق ” ولم يكن صعباً على يدك القديرة التى صنعت العالم من مادة لا صورة لها أن ترسل عليهم جماً من الأدباب أو الأسود الباسلة ” (17:11) Examorphouhyles وهو التعبير الذي استخدمه افلاطون، وتعبيرات عبرية أخرى استعيض عنها بأخرى يونانية مثل: Amprosis والتى تعنى طعام الألهة بدلاً من كلمة Manna والتى تعنى المن، وغيرها مثل يا قضاة الأرض ” يا أيها الذين يحكمون الأرض ” (1:1). التأديب كنوع من التعليم (5:1) كليتيه وقلبه للجلالة على المشاعر والأفكار (6:1) والأذن الغيرى وتدل على الله (10:1) ويد الله بمعنى الحماية (1:3) وأرجاسهم للدلالة على الأوثان (23:12)، كما استخدم المترجم الكلمة اليونانية يزور والتى تستخدم في المعنى السامي (اللغة السامية)، العقاب (11:14، 15:19) والبركة (20:2، 7:3، 15:4).

 

تجسيد الحكمة:

يحتوى العهد القديم على كثير من صور التجسيد مثل ” رحيل تبكى وتأبى أن تتعزى لأن أولادها ليسوا بموجودين ” في إشارة إلى مناحة بيت لحم بعد قتل أولادها وما ورد في سفر هوشع عن أن ” أفرايم له شعر رمادى لم يعرف ذلك ” وشخص العبد المتألم في سفر أشعياء والمحبة في (1كو 13)، وأما عن الحكمة نفسها فهناك تجسيد سابق لها في سفر الأمثال (9:1) وقد قدم سفر حكمة سليمان الحكمة باعتبارها شخص (أقنوم) بل قدمها باعتبارها المسيح كلمة الله… إذ ينسب إليها الخلق والمعرفة والوجود… الخ.

 

سادس عشر: سفر الحكمة والعهد الجديد

راجع المقدمة في القسم الأول من البحث

 

سابع عشر: قانونية سفر حكمة سليمان

 

الشهادة الأولى: شهادة الترجمة السبعينية

” لقد أدرج ضمن الترجمة السبعينية التى تمت في أيام بطليموس الثاني فيلادلفيوس سنة 285 247 ق. م. أى أن سفر حكمة سليمان كان موجوداً ومعروفاً قبل هذا العصر.

 

الشهادة الثانية: شهادة الترجمات والمخطوطات

1 ترجمة سيماخوس وتادوسيون

2 ترجمة الفولجاتا اللاتينية

 

الشهادة الثالثة: شهادة اليهود

وبالرغم من أن اليهود لا يعترفون بالأسفار التى وجدت بعد عزرا وتلك أيضاً التى وجدت في اليونانية باعتبار العبرية لغة الوحى، إلا أن يهود الشتات كانوا يستخدمون سفر حكمة سليمان، كما أن التلمود اليهودى (وهو الكتاب المرجعى لدى اليهود) قد اقتبس من سفر حكمة سليمان، وأيضاً أكثر الربيين اليهود في تعاليمهم وكتابتهم.

كما أن بعض الأسفار فقدت بسبب شتاتهم ولذلك لم يجده عزرا، وأما عن رأى يوسيفوس في أنهم لم يقبلوا سفر حكمة سليمان، فالسبب في ذلك يرجع إلى عدم تحقق اليهود من تعاقب الكتبة الملهمين. وكان اليهود قد عقدوا مجمعاً في بلدة يمنيا سنة 90م حددوا فيه الأسفار التى تعد قانونية ويتوجب عليهم قبولها، وقد جاء ذلك بعد شعورهم بأن المسيحية قد خرجت عن الإطار اليهودى، وبدأت بعض كتبها الخاصة في الظهور (إنجيل مرقس كتب حوالى سنة 45م) وكان اليهود أنفسهم على شفا فترة شتات ستتجاوز العشرين قرناً ومن هنا يصبح من الضرورى تحديد الأسفار التى سيقرءونها في مجامعهم، وهكذا وضعوا هذه الأسفار مثل الحكمة وابن سيراخ مع أسفار العهد الجديد (فى سلة واحدة!) باعتبارها اسفاراً تدنس الأيدى Sefarim Hizonim وهو التعبير الذي اصطلح عليه لدلالة علي الكتب المرفوضة لدى اليهود وقد أستخدم هذا الاصطلاح في التلمود كثيراً، ولكن مجمع يمنيا الذي تم فيه التصويت على الأسفار التى يجب قبولها من عدمه، لم يكن معصوماً من الخطأ!

وقد أثبت اكتشافات قمران Qurmran أن يهود الشتات استخدموها، حيث عُثر بين الكتابات المدفونة هناك، على بعض أجزاء من طوبيا وسيراخ وقد أشار العالم اسفلدت Eissfadet في طبعته الثانية لكتابه Ainloting سنة 1950م أن اكتشافات قمران أثبتت أن المجتمع اليهودى الأسينى في قمران عرف الكتابات التى تتفق مع الترجمة السبعينية.

وعندما قام عزرا بجمع الأسفار، كانت بعض الأسفار ما تزال مفقودة (كما سبق الشرح) كما كانت هناك بعض الأسفار لم تكتب بعد مثل ابن سيراخ، وسفرى المكابين، ونقرأ في (2 مكا 14:2) أن يهوذا المكابى بعد تطهير الهيكل قام بعمل مكتبة سميت مكتبة أرميا جمع فيها أسفار ومخطوطات ثمينة، يحتمل أن تكون من بينها مثل هذه الأسفار وبالرغم من كل هذا فقدت بعض الأسفار الأخرى والتى أشار إليها الكتاب المقدس مثل أخبار ملوك يهوذا وإسرائيل وسفر ياشر وسفر عدو النبى وسفر حروب الرب.

ولهذا فإن الترجمة السبعينية تعتبر عملاً عظيماً وعلمياً رائعاً ومتمماً لما قام به عزرا الكاتب، حيث قام علماء يهود بناءاً على رغبة بطليموس فيلادلفيوس بترجمة العهد القديم عن أصول عبرية أو أرمية، ثم توزعت السبعينية (نسبة إلى السبعين عالماً الذين اشتركوا في هذا العمل) من خلال ترجمات سيماخوس وأكويلا ووتاودسيون ثم الترجمات اللاتينية والقبطية والحبشية وما تزال بعض هذه المحفوظات في متاحف باريس وبطرسبورج وروما وغيرها.

 

الشهادة الرابعة: شهادة الأباء الرسل

قد دعى سفر حكمة سليمان بالكوبرى الذي يربط بين العهدين القديم والجديد، والاستخدام الكنسى لسفر حكمة سليمان من أيام الأباء الرسل يؤكد ذلك، فلم يجد يوحنا الرسول أو بولس الرسول مصدراً افضل من هذا سفر حكمة سليمان للتعبير عن الرؤية المسيحية لابن الله (الكلمة صار جسداً) وهو اسمى اتصال للحكمة الإلهية بالعالم حيث مثلت في المقطوعات الشعرية في (22:7-1:8).

فروح الله التى منه وبه يتكلم سفر حكمة سليمان (7:1، 17:9) يُرى بوضوح كشخص مقدس إلهى يمثل قوة وحياة الله ولعل الشعبية الكبيرة التى حظى بها سفر حكمة سليمان بين المسيحيين كانت ضمن العوامل التى جعلت اليهود يرفضونها.

أما أباء الكنيسة الأولى ومعلميها ومؤرخيها، فقد استخدموها في تعليمهم وكتاباتهم على مستوى بقية الأسفار من الأهمية والمصداقية، في حين رفضت الكنيسة أكثر من ثلاثين سفراً ظهرت في القرون الأولى، حيث اعتبرت كُتباً أدبية أو تاريخية لا ترقى إلى مستوى الأسفار الموحى بها وقد وردت هذه الأسفار ضمن مجموعة قوانين الأباء الرسل في الكتاب الأول الجزء الأول القانون الخامس والخمسون.

 

الشهادة الخامسة: شهادة المجامع:

يعد سفر حكمة سليمان من بين الأسفار القانونية الثانية الأكثر استخداماً في أوائل المسيحية حتى جاء مجمع ترنت (1545 1563) الذي أقر سفر حكمة سليمان ضمن الأسفار القانونية وفى نفس مستوى الأسفار الأخرى، ثم جاء بعد ذلك مجمع أورشليم سنة 1672م ليقرر قانونيته حيث وصف الحكمة بأنها فيض وانبثاق وربط بينها وبين اللوغوس بقوة، وهكذا فقد رأى أن الكتاب سيكون ملائماً ومفيداً للقراءة في طبيعة المسيح، ويبرز سفر حكمة سليمان من بين أسفار العهد القديم لعمقه العقائدى

 

الشهادة السادسة: شهادة الأباء الأولون

وفيما يلي قائمة باسماء الاباء الذين اقتبسوا من سفر حكمة سليمان في اعمالهم:

  • القديس كليمندس الرومانى فى رسالته الأولى إلى كورونثوس تنيح 90/100م
  • القديس كليمندس السكندرى 6 مرات في كتابه المربى فصل 11 155 220م
  • العلامة أوريجانوس فى رسالته إلى يوليدس الأفريقى وكتابه الصلاة ف/14
  • ديوناسيوس الاسكندرى 6 / فصل 9، 10 تنيح حوالى 254م
  • القديس اثناسيوس الرسولى (يصف سفر حكمة سليمان أنه موحى به 296 – 373 ممن الله)
  • يوسابيوس القيصرى 5/ فصل 296 339م
  • القديس إيرينيئوس تنيح سنة 202م
  • تاتيان
  • العلامة ترتليان أستشهد سنة 235م
  • القديس هيبوليتس 319 397م
  • القديس امبروسيوس
  • الشهيد كبريانوس
  • القديس باسيليوس الكبير 329 279م
  • القديس يوحنا ذهبى الفم 347 407م
  • القديس أغسطينوس 354 340م
  • القديس أبيفانيوس بل أن القديس اغسطينوس عندما أراد ذات مرة الربط بين كل من العهد القديم والجديد أورد أية من سفر الحكمة مع أخرى من سفر رومية ليوجد التوافق بين العهدين في الفكر والتعليم: فأن روح القدس المؤدب يهرب من الخداع (حك 5:1).

لأن محبة الله انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رو 5:5) وعلق قائلاً لأنه حيث يكون خداع لا يوجد حب.

 

الشهادة السابعة: شهادة الكنائس الأخرى:

قبلتها كثير من الكنائس الرسولية.

 

الشهادة الثامنة: شهادة البروتستانت

وبالرغم من أن البروتستانت لم يعتبروه من الأسفار الموحى بها إلا أن الكتاب قد حظى بمكانة كبيرة بينهم.

 

الشهادة التاسعة: شهادة قوانين الكنيسة

وفى القرن الثالث عشر قام الشيخ اسحق ابن العسال بالإشارة إلى ذلك في مقدمة كتابة (أصول الدين) ثم قام من بعده الشيخ الصفى ابن العسال بالتأكيد على ذلك في كتابه (مجموع القوانين) ومن بعدهما القس شمس الرياسة الملقب (بابن كبر) بذكرها في كتابه (مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة) كما عثر على عدة مخطوطات قبطية لسفر حكمة سليمان يوجد بعضها في المتحف القبطى.

 

الشهادة العاشرة: طبعات الكتاب المقدس

وكان سفر حكمة سليمان قد ضُم إلى بقية أسفار الكتاب المقدس في مجلد واحد وذلك في القرون الأولى في عدة لغات وترجمات، إلى أن قام العالم المسيحى (من أبوين يهوديين) نيقولاوس الليرالى بعمل طبعة للكتاب المقدس ملحقاً هذه الأسفار في ملحق خاص في نهاية الكتاب هي طبعة ويكلف Weffilcy في سنة 1340م وهي المرة الأولى التى تفصل فيها الأسفار على هذا النحو، ولعل مارتن لوثر قد تأثر بهذه الطبعة حيث قام بالتعاون مع العالم كارل ستار بعمل ترجمة مناسبة حيث أطلق على الأسفار: نافعة للتعليم واسماها ظلماً أبوكريفا ويجدر بالذكر أيضاً أن لوثر نفسه قد تشكك في سبعة أسفار من الكتاب المقدس هي (العبرانيين، بطرس الثانية، ورسالتى يوحنا الأولى والثانية، رسالة يعقوب، رسالة يهوذا، سفر الرؤيا).

وفى مصر قامت دار الكتاب المقدس بإصدار طبعة للكتاب المقدس متضمنة هذه الأسفار بعد انقطاع عن ذلك بفترة طويلة وإن كانت ملحقة معاً في نهاية العهد القديم، دون وضع كل سفر في مكانه الطبيعى.

 

الشهادة الحادية عشر: شهادة كنيسة الاسكندرية

وقد ظلت الكنيسة من البداية تستخدم سفر حكمة سليمان مع بقية الأسفار الأخرى متيقظة لأية محاولات للنيل من قانونيتها، وعندما أنعقد مجمع نيقية في سنة 325م أقر هذه الأسفار حيث صرح بذلك القديس جيروم، الذي قال أن اعتراف هذا المجمع بهذه الأسفار قد قضى على أى شك فيها لديه.

 

ثامن عشر: أهم الاعتراضات والرد عليها

الاعتراض الأول:

أدعى البعض أن مؤلف سفر حكمة سليمان هو الفيلسوف اليهودى السكندرى الشهير فيلو Philon وبالتالى فهو كتاب فلسفة مثله في ذلك مثل بقية الكتب الفلسفية.

الرد:

أثبتت الدراسات الحديثة أن أعتقاد فيلو في الحكمة لا وجود له في سفر حكمة سليمان، كما إن وجود إشارة إلى الشيطان في سفر حكمة سليمان يتنافى مع اعتقاد فيلو بأن الأرواح هي فكرة خادعة لا وجود لها، ولو كان كاتب سفر حكمة سليمان يعتنق رأى فيلو لما أشار إلى قيامة الأموات والدينونة ” إزدد تواضعاً ما أزدت عظمة فتنال حظوة لدى الرب ” (حك 18:3)، ” راع الظرف واحتفظ من الشر ولا تستح من نفسك ” (حك 20:4) الأمر الذي يرفضه فيلو أيضاً، بل أن سفر حكمة سليمان يرد فيه بداية عقيدة الوسطاء والتى ظهرت فيما بعد في كتابات فيلو، وهي ضرورة وجود وسيط بين الله المتناهى في العظمة والإنسان المحدود.

كذلك لو كان سفر حكمة سليمان قد كتب بعد فيلو لاستخدم الكاتب الطريقة المجازية، بحسب مدرسة فيلو لكن الكاتب لم يتبع ذلك لاسيما بخصوص ملابس هارون وامرأة لوط والحية النحاسية بينما تبع يوسيفوس المؤرخ أسلوب فيلو، لقد ظهر فيلو وكأنه خرج من الإطار الأساسى للعقائد اليهودية حتى في الإسكندرية، ومع ذلك فربما رجع فيلو إلى مدراش يهودى (تفسير يهودى لبقية الأسفار).

 

الاعتراض الثاني

يعترض البعض بأن سفر حكمة سليمان قام بكتابته يهودى سكندرى متأثر بالفلسفة الهيلينية ومن هنا فلا ينسب إلى سليمان الحكيم.

الرد:

الإصحاحات الأولى من 1-11 على الأقل عبرية في أصلها بحسب الإجماع العام، ثم قام يهودى سكندرى أو أورشليمى بترجمتها إلى اليونانية كما سبق الشرح، فقد عثر على جزء من سفر حكمة سليمان باللغة الأرامية قام بعض المسيحيين بترجمته إلى اليونانية، حيث يرى العالم نخمنيدس أنها كًتبت في الأرامية أصلاً، ويذكر العالم واتسون أن هذا الجزء ربما أن يكون كُتب بالعبرية ذا أصل فلسطينى حيث ترجم لاحقاً.

 

الاعتراض الثالث

يقول البعض أن سفر حكمة سليمان متأثر بالفلسفة الرواقية والفلسفة الابيقورية.

الرد:

هذا افتراء محض، لأنه على العكس قد اقتبست الرواقية الفضائل الرئيسية من سفر حكمة سليمان مثل القناعة الفطنة البر الشجاعة ” لا تشمت بموت أحد وأذكر أننا نموت جميعاً ” (حك 7:8) كما أن الفكرة الأبيقورية لنأكل ونشرب اليوم لأننا غداً نموت، موجودة في سفر أشعياء ” فهوذا بهجة وفرح ذبح بقر ونحر غنم أكل لحم وشرب خمر لنأكل ونشرب لأننا غداًُ نموت ” (أش 13:22) مع ملاحظة أن سفر اشعياء كتب في القرن الثامن ق. م وكذلك أدعى البعض بأن تعبير صورة الله الواردة في (23:2) هي تعبير افلاطونى ولكن التعبير موجود في (تك 26:1-27).

 

الاعتراض الرابع

يعترض البعض على سفر حكمة سليمان لأن اقتباساته من العهد القديم قليلة.

الرد:

محور سفر حكمة سليمان هو الحكمة ومع ذلك فقد اقتبس من أشعياء والمزامير وكتب الشريعة مع إشارات للذبائح والتسابيح والناموس ” فأن بنى الصالحين القديسين كانوا يذبحون خفية وأجمعوا على إقامة هذه الشريعة الإلهية أن يشترك القديسون في الخيرات والمخاطر على السواء وكانوا منذ ذلك الحين ينشدون أناشيد الأباء ” (9:18) ثم إشارة إلى البخور (21:18) وكلمات مثل الهيكل والمذبح والخيمة (8:9).

 

الاعتراض الخامس

يعترضون بأن أوريجانوس دعى سفر حكمة سليمان بالكتاب الذي عنوانه حكمة سليمان مما يعنى شكه في شخصية الكاتب.

الرد:

السبب في ذلك أنه كانت لسفر حكمة سليمان أكثر من تسمية.

 

الاعتراض السادس

كُتب سفر حكمة سليمان في الاسكندرية لأنه يتحدث طوال ثمانية إصحاحات عن خروج بنى إسرائيل من مصر، ويدعى البعض أنه كُتب في معبد سيرابيس في مصر Sarapis وكان الكاتب يمثل في ذهنه أحد التماثيل الموجودة ل أمتينوس Amtinous.

الرد:

سيكون من المحرج للكاتب أن يكتب ذلك عن مصر وهو بين أهلها وفى عصر سليمان حيث كُتب سفر حكمة سليمان كانت الوثنية منتشرة وتماثيلها وأصنامها متعددة بل كان هناك ما يسمى باستيراد وتصدير الآلهة (الأصنام) كما أن حدث الخروج هو أهم حدث في تاريخ اليهود بل هو الخيط الذي يتسلل عبر جميع الأسفار والكتابات اليهودية.

 

الاعتراض السابع

يدعى البعض أن سفر حكمة سليمان كُتب في القرن الأول الميلادى بينما كان اليهود يعانون من اضطهاد كايوس (كاليجولا) حوالى سنة 36م أو في فترة إضطهاد اسكندر جنايوس قبل الميلاد مباشرة.

 

الرد:

اليهود يعانون من الإضطهاد منذ عصور سحيقة منذ أيام إبراهيم وحتى وقت قريب وبالتالى فأغلب أسفار العهد القديم فيها إشارة إلى الأضطهاد.

 

الاعتراض الثامن

يعترض البعض بأن مجمع اللاذقية المنعقد في سنة 372م من 22 اسقفاً استثنى سفر حكمة سليمان مع بقية الأسفار التى نحن بصددها من جدول الأسفار المقدسة وكذلك سلك ملتون أسقف سارديس كان قد أخذ عن بعض يهود فلسطين قائمة الكتب المقدسة وكانت خالية من هذه الأسفار وحذا حذوه أوريجانوس، كما قال جيروم أنه يحن للإطلاع عليها للتعليم لا للعقيدة

الرد:

أن مجمع اللاذقية مجمع مكانى لا يعتد كثيراً بتوصياته ومع ذلك فقد أقرتها ثلاث مجامع أفريقية وهي إيبون 393م وقرطاج 397م وقرطاج الثاني 419م، وهذه المجامع يبلغ مجموع قوانينها 137 تضمنها مجلد واحد حيث ورد قبول هذه الأسفار في القانون رقم 27 حيث عقبوا عليه بقبولهم (وهذا الأمر فليعرفه أخونا وشريكنا في الخدمة بوتيفانيوس (البابا) وأساقفة تلك النواحى لتأكيد القانون الموضح حالاً من حيث اننا قد تسلمنا من الأباء ما أمروا به بأن هذه الأسفار هي التى يجب قراءتها في الكنيسة).

أما ملتون فقد اخذ نسخته للكتاب المقدس عن يهود أورشليم وربما خلت نسختهم من سفر حكمة سليمان وأما جيروم فهو يعبر عن رأى بعض المسيحيين في زمانه وليست كلهم (بل أقتبس هو نفسه من سفر حكمة سليمان الآية ” أن الحكمة لا تدخل النفس الساعية إلى الشر ولا تسكن الجسد المدين للخطيئة ” (4:1) مسبقاً الآية بالقول كما جاء في الكتاب.

 

المراجع:

1 حكمة سليمان إعداد راهب من دير البراموس

2 مقدمات في أسفار الكتاب المقدس كنيسة مارجرجس سبورتنج

3 حكمة سليمان القمص / بيشوى عبد المسيح

4 جغرافية الكتاب المقدس عهد قديم القمص / ميخائيل فهمى

سفر حكمة سليمان – بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

إقرأ أيضًا:

قانونية الأسفار القانونية الثانية

المقدمة والفهرس – الأسفار القانونية الثانية Arabic Deuterocanon

ما هي الأسفار القانونية الثانية؟ – الفصل الأول

نظرة البروتستانت للاسفار القانونية – الفصل الثاني

لماذا لا يؤمن البروتستانت بالأسفار القانونية الثانية؟ – الفصل الثالث

الرد على اعتراضات البروتستانت على الأسفار القانونية الثانية – الفصل الرابع

سفر طوبيا (طوبيت) – بحث شامل عن سفر طوبيا (طوبيت) وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر يهوديت – بحث شامل عن سفر يهوديت وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر مكابيين الأول – بحث شامل عن سفر مكابيين الأول وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر المكابيين الثاني – بحث شامل عن سفر المكابيين الثاني وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر نبوة باروخ – بحث شامل عن سفر نبوة باروخ وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

المزمور 151 – بحث شامل عن المزمور 151 وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

صلاة منسى – بحث شامل عن صلاة منسى وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

تتمة سفر دانيال – بحث شامل عن تتمة سفر دانيال وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

تتمة استير – بحث شامل عن تتمة استير   وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

تتمة سفر دانيال – بحث شامل عن تتمة سفر دانيال وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

صلاة منسى – بحث شامل عن صلاة منسى وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

المزمور 151 – بحث شامل عن المزمور 151 وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر المكابيين الثاني – بحث شامل عن سفر المكابيين الثاني وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر نبوة باروخ – بحث شامل عن سفر نبوة باروخ وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر يشوع بن سيراخ – بحث شامل عن سفر يشوع بن سيراخ وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

سفر حكمة سليمان – بحث شامل عن سفر حكمة سليمان وقانونيته والرد على الإعتراضات الموجهة إليه

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)